إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أين أبي 2013 , بقلم : عصام أبو فرحة 2013، حكايات جديدة 2013

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أين أبي 2013 , بقلم : عصام أبو فرحة 2013، حكايات جديدة 2013

    جبتلكم احلى الحكايات يارب تعجبكمأين أبي ؟
    بقلم : عصام أبو فرحة
    عندما مات والدي في عيادة الطبيب لم أدرك أنه قد مات , فها هو أمامي بكل ملامحه , أنظر إليه بعينّي فأراه , أتحسسه بيدي فأحس به , أقبله فأشعر ببرودة جسده , ,وأحس بطعم الملوحة في حبات العرق المتجمعة فوق جبينه , أحتضنه فيغمرني حضنه بدفئه المعهود , كيف يقولون أنه قد مات ؟ رأيته مرات عديدة بوضع كهذا , حينها كانت أمي تقول لي : اخفض صوتك فهو نائم , لكن في هذه المرة لم أسمع أحداً يقول لي اخفض صوتك , حينها اعتقدت أن الموت نومٌ لا يزعج صاحبه علو الأصوات .
    صرخت مع الصارخين وبكيت مع الباكين , كنت أبكي ولا أدرك السبب , فقبل اليوم كانت سعادتي في أن أره وليست في أن يراني , وأنا الآن أراه فلم البكاء ؟ كنت أستشعر الأمن والطمأنينة عند إحساسي بوجوده معي في ذات المكان , وهاهو موجود أمامي , فلم انقباض صدري وشعوري بالضياع ؟ حينها عدت وقلت : الموت إذن نومٌ نشعر بالحزن على صاحبه , لكن ما سبب حزننا عليه ؟
    أسئلة داهمتني وما عرفت إجاباتها إلا عند إنزال جسده إلى قبره , وعندما بدأ الحضور يتسابقون لإهالة التراب فوقه , أدركت حينها أني بكيت في عيادة الطبيب لأني عرفت أنه سيموت بعد ساعات , فهذه هي لحظة الموت الحقيقية , لحظة اختفائه تحت تلك الكتلة الترابية الضخمة , نعم , الآن لم أعد قادراً على رؤيته ولا على لمسه , هنا برزت لي حقيقة جديدة عن الموت فقلت : الموت نومٌ لا نستطيع أن نرى صاحبه أو نلمسه , ولن نستطيع أبداً .
    في اليوم التالي , أذكر أني نهضت من نومي باكراً وقبل أن أنام , نهضت يشدني الشوق لرؤيته , جلت ببصري في أرجاء البيت فلم أجده , نظرت إلى مخدعه حيث كان ينام فلم أرَ إلا سريراً فارغاً يعتصره الحزن مثلي , ينظر إلي يذكرني أنه ما عاد مرقده هنا , يقول لي :
    إنه هناك حيث دفنتموه ,
    قلت حينها : نعم إنه هناك تحت التراب , فما الموت إلا ذلك النوم الأبدي هناك تحت التراب .
    قبل شروق الشمس كنت هناك أقف فوق القبر , وصلت هناك ولا أدري كيف وصلت , كنت أحث الخطى ظناً مني أنني ذاهب إليه , كنت تواقاً للقائه , كنت أشعر أنني سأجده بانتظاري , سيحتضنني , سيسألني عن أمي وعن أخوتي وعن الأحبة , وصلت هناك ولم أجده , لم أره , لم أكلمه ولم أسمعه يكلمني , لم أجد هناك الا كومة من التراب , أيعقل أن يتحول أبي إلى كومة من التراب ؟ كيف استطاعت بعض الحجارة وبعض التراب إخفاء ذلك المارد ؟ بضعٌ وسبعون سنة من العمل والبذل والعطاء والبناء , أيعقل أن تنتهي خلال لحظات ؟
    نظرت إلى كومة التراب , جلست قربها , نظرت إليها بتمعن وسألتها :
    هل أنت حقاً أبي ؟؟
    هل أنت كل ما بقي منه على هذه الدنيا ؟
    سمعت صوتاً لم أعرف مصدره , ولم أدرك هل خرج من داخل نفسي أم من كومة التراب , كان الصوت يصيح بي ويقول :
    ما الذي جاء بك إلى هنا ؟
    أتبحث عن أبيك في كومة تراب ؟
    ارجع يا هذا وابحث عن ضالتك في مكانٍ آخر , ولا تنس أن تنظر إلى ملامح وجهك وإلى عروق يديك , إلى صفاتك وخصالك , وامعن التأمل باسمك الذي تحمله , حينها ستجد من تبحث عنه .
    عرفت من ذلك اليوم أين يوجد أبي وأين يسكن , وعرفت مغزى كلمات المواساة التي كنت أسمعها من المعزين حين كانوا يقولون ( الّي خلّف ما مات ) , ومنذ ذلك الحين لم أعد لزيارة كومة التراب .
    انتهت
يعمل...
X