السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مماقراة واعجبني انقل لكم هذا المقال
الآن...!؟
أين أنت الآن؟ لا أقصد جسدك وإنما في هذه اللحظة، في أي وقت أنت الآن، وفي أي مكان؟ مشكلة الذهن أنه لا يحب أن يكون في اللحظة. يعمل كل شيء لتجنب الزمان وحتى للهروب من المكان. يقفز إلى أحضان الماضي، أو يرتمي عند قدمي المستقبل. يتسلق الذكريات، ويعانق الأحلام، يسافر إلى قارات بعيدة، يفتح التلفاز. يجلس على الكمبيوتر. يدخن سيجارة. يقوم ويرفع سماعة الهاتف أو يمسك بالخلوي. لا سمح الله ولا قدر أن يتركك تجلس مع نفسك ثانية. لا، ولا، ولا، هيا معي، وتعال نركض من هنا يقول لك، وأنت تطاوعه دائما، وتتعود على كل عاداته، ونادرا ما تقاومه وتعود إلى اللحظة الراهنة.
هذا هو تحدي الإنسان. تحد عظيم ولكن لبساطته هو مثل نجم القطب. يبدو مضيئا، وخلابا وقريبا جدا للعين، ويدلك دائما بكل صدق إلى الشمال الحقيقي. تشعر أنك ستلمسه في السماء إن مددت اصبعك، ولكنه بعيد عنك أربعين سنة ضوئية. هكذا الحاضر. تشعر أنه قريب منك ولكنه بعيد عنك أربعين سنة ضوئية في معظم الأوقات.
هذا هو تحدي الإنسان الوجودي. أن يعود إلى اللحظة التي هو فيها. وربما كل قوة الشيطان تكمن في ابعاده عن لحظته لأن قوة الإنسان تكمن في حضوره، وتواجده مع اللحظة. تركيزه، وروحه وابداعه وهدوئه النفسي، سعادته وطمأنينته، امور كلها تتحقق عندما يعود إلى الحاضر.
توقف لبرهة وفكر. قبل قراءة هذه المقالة أين كان ذهنك؟ على الأغلب كان في الماضي أو المستقبل. لم يكن يتنفس الحاضر. ولبرهة حاول أن تتوقف عن القراءة واهدأ تماما. انتبه لتنفسك وحاول أن تستشعر داخلك. ركز وانتبه لما يحدث حولك.
الكاتب إيكهارت توله، في كتابه «قوة الآن» يعيد الإنسان إلى السعادة باعادته إلى الحاضر. هي فكرة بسيطة ولكن تماما مثل القطب الشمالي بعيدة المنال، ولكن في نفس الوقت تعيد تعريفنا إلى شمالنا الحقيقي. يقول توله إن تحدي الإنسان أن يعيش الحاضر، ويتحكم بالمحادثات الداخلية التي يقوم بها ذهنه. وفي رأيه إن عقل الإنسان من أروع أدواته ولكن أن يكون هو مستعملا لهذا العقل وليس العقل مستعملا للإنسان. ففي كتابه يقول إن العقل يستعملنا بدل أن نستعمله نحن في معظم الأحيان، ويعطي أمثلة عن كل المخاوف والوساوس والأفكار السلبية التي تنتاب الإنسان وتقفز عليه، وتصير تسوقه بالكرباج بدل أن يكون هو السيد في داخل ذاته ويقوم بالتحكم بأفكاره.
وفعلا إن فكرنا بالحياة التي نعيشها نجد أنفسنا أننا نادرا ما نسكن في اللحظة التي نعيشها. وصرت أنتبه لنفسي أكثر بعد التعرف على أفكار توله، فأجد نفسي في السيارة أحيانا، اقف عند إشارة المرور، وأفكاري في القمر، أو قارة أخرى إن بقيت أصلا على هذا الكوكب، أو حتى فيما سأفعله في اليوم التالي.
ولكن أنتبه وأعيد نفسي إلى اللحظة، فأنتبه إلى نسمة الربيع العليلة تلمس وجهي، وإلى عجوز يقطع الشارع أمامي ببطء، وأعشاب نمت على حافة الطريق. أمور كلها كانت غائبة عني في تلك اللحظة، وكنت سأمر عليها مبصرة ولكن بدون بصيرة. وحياتنا مهما طالت أو قصرت هي اللحظات الصغيرة التي تتراكم. والإنسان لا يرى الجمال ولا يعرف الروحانية إلا بالهدوء والتأمل والتدبر. ولذا ينبهنا القرآن عن الذين يمرون على الآيات وهم عنها معرضون، بينما القرآن يعطي قيمة حتى لرأي نملة صغيرة قررت أن تنقذ شعبها من دمار سليمان. وفي سماع سليمان لها يذكرنا القرآن أن ننصت لهذا الكون البديع حولنا في كل لحظة، وأن ننتبه لما حولنا مهما صغر. وهذه هي عظمة الصلاة. فهي تعيدك إلى اللحظة، وإلى ذاتك خمس مرات. هي أداة لصقل التركيز وتحرير الإنسان من قفزات الذهن وتدريبه على الهدوء والانضباط.
وكل هذا ذكرني بنكتة البدوي الذي ذهب للمدينة لأول مرة، فأحب أن يرى فيلما سينمائيا. بعد عودته سأله من حوله عن رأيه في الفيلم، فقال لهم، والله خلص الفيلم وأنا أسلم على الحضور. وكثير منا ينتهي فيلم حياته، وهو يسلم على الحضور. يركض هائما يريد إرضاء الناس أو مرهقا لكسب أكبر أو هاربا من فكرة كئيبة إلى أخرى بدون أن يعيش تلك اللحظات التي تعطي الحياة معناها وسرها وعظمتها.
اتمنى يعجبكم
دمتم سالمين
مماقراة واعجبني انقل لكم هذا المقال
الآن...!؟
أين أنت الآن؟ لا أقصد جسدك وإنما في هذه اللحظة، في أي وقت أنت الآن، وفي أي مكان؟ مشكلة الذهن أنه لا يحب أن يكون في اللحظة. يعمل كل شيء لتجنب الزمان وحتى للهروب من المكان. يقفز إلى أحضان الماضي، أو يرتمي عند قدمي المستقبل. يتسلق الذكريات، ويعانق الأحلام، يسافر إلى قارات بعيدة، يفتح التلفاز. يجلس على الكمبيوتر. يدخن سيجارة. يقوم ويرفع سماعة الهاتف أو يمسك بالخلوي. لا سمح الله ولا قدر أن يتركك تجلس مع نفسك ثانية. لا، ولا، ولا، هيا معي، وتعال نركض من هنا يقول لك، وأنت تطاوعه دائما، وتتعود على كل عاداته، ونادرا ما تقاومه وتعود إلى اللحظة الراهنة.
هذا هو تحدي الإنسان. تحد عظيم ولكن لبساطته هو مثل نجم القطب. يبدو مضيئا، وخلابا وقريبا جدا للعين، ويدلك دائما بكل صدق إلى الشمال الحقيقي. تشعر أنك ستلمسه في السماء إن مددت اصبعك، ولكنه بعيد عنك أربعين سنة ضوئية. هكذا الحاضر. تشعر أنه قريب منك ولكنه بعيد عنك أربعين سنة ضوئية في معظم الأوقات.
هذا هو تحدي الإنسان الوجودي. أن يعود إلى اللحظة التي هو فيها. وربما كل قوة الشيطان تكمن في ابعاده عن لحظته لأن قوة الإنسان تكمن في حضوره، وتواجده مع اللحظة. تركيزه، وروحه وابداعه وهدوئه النفسي، سعادته وطمأنينته، امور كلها تتحقق عندما يعود إلى الحاضر.
توقف لبرهة وفكر. قبل قراءة هذه المقالة أين كان ذهنك؟ على الأغلب كان في الماضي أو المستقبل. لم يكن يتنفس الحاضر. ولبرهة حاول أن تتوقف عن القراءة واهدأ تماما. انتبه لتنفسك وحاول أن تستشعر داخلك. ركز وانتبه لما يحدث حولك.
الكاتب إيكهارت توله، في كتابه «قوة الآن» يعيد الإنسان إلى السعادة باعادته إلى الحاضر. هي فكرة بسيطة ولكن تماما مثل القطب الشمالي بعيدة المنال، ولكن في نفس الوقت تعيد تعريفنا إلى شمالنا الحقيقي. يقول توله إن تحدي الإنسان أن يعيش الحاضر، ويتحكم بالمحادثات الداخلية التي يقوم بها ذهنه. وفي رأيه إن عقل الإنسان من أروع أدواته ولكن أن يكون هو مستعملا لهذا العقل وليس العقل مستعملا للإنسان. ففي كتابه يقول إن العقل يستعملنا بدل أن نستعمله نحن في معظم الأحيان، ويعطي أمثلة عن كل المخاوف والوساوس والأفكار السلبية التي تنتاب الإنسان وتقفز عليه، وتصير تسوقه بالكرباج بدل أن يكون هو السيد في داخل ذاته ويقوم بالتحكم بأفكاره.
وفعلا إن فكرنا بالحياة التي نعيشها نجد أنفسنا أننا نادرا ما نسكن في اللحظة التي نعيشها. وصرت أنتبه لنفسي أكثر بعد التعرف على أفكار توله، فأجد نفسي في السيارة أحيانا، اقف عند إشارة المرور، وأفكاري في القمر، أو قارة أخرى إن بقيت أصلا على هذا الكوكب، أو حتى فيما سأفعله في اليوم التالي.
ولكن أنتبه وأعيد نفسي إلى اللحظة، فأنتبه إلى نسمة الربيع العليلة تلمس وجهي، وإلى عجوز يقطع الشارع أمامي ببطء، وأعشاب نمت على حافة الطريق. أمور كلها كانت غائبة عني في تلك اللحظة، وكنت سأمر عليها مبصرة ولكن بدون بصيرة. وحياتنا مهما طالت أو قصرت هي اللحظات الصغيرة التي تتراكم. والإنسان لا يرى الجمال ولا يعرف الروحانية إلا بالهدوء والتأمل والتدبر. ولذا ينبهنا القرآن عن الذين يمرون على الآيات وهم عنها معرضون، بينما القرآن يعطي قيمة حتى لرأي نملة صغيرة قررت أن تنقذ شعبها من دمار سليمان. وفي سماع سليمان لها يذكرنا القرآن أن ننصت لهذا الكون البديع حولنا في كل لحظة، وأن ننتبه لما حولنا مهما صغر. وهذه هي عظمة الصلاة. فهي تعيدك إلى اللحظة، وإلى ذاتك خمس مرات. هي أداة لصقل التركيز وتحرير الإنسان من قفزات الذهن وتدريبه على الهدوء والانضباط.
وكل هذا ذكرني بنكتة البدوي الذي ذهب للمدينة لأول مرة، فأحب أن يرى فيلما سينمائيا. بعد عودته سأله من حوله عن رأيه في الفيلم، فقال لهم، والله خلص الفيلم وأنا أسلم على الحضور. وكثير منا ينتهي فيلم حياته، وهو يسلم على الحضور. يركض هائما يريد إرضاء الناس أو مرهقا لكسب أكبر أو هاربا من فكرة كئيبة إلى أخرى بدون أن يعيش تلك اللحظات التي تعطي الحياة معناها وسرها وعظمتها.
اتمنى يعجبكم
دمتم سالمين
تعليق