السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمر الايام وتاخذ وياها اشياء وايد منا
اترككم مع ماقراته
رحيل الأشياء
(1)
قد تكون زاوية عتيقة ذات لون غائب عن الوعي، أو دكانا صغيرا نتأت بضاعته لأطراف الشارع، أو وجها لآلة ما، أو غلاف حلوى وصندوق لُعب، قد يكون صوت مذيع مخضرم على الشاشة أو برنامجا في المذياع، تزدحم الأشياء في مخيلتنا و ذواكرنا، ونتفق حيناً أو نتقارب في تصنيف ارتباطنا بها، وارتباطها هي بمرحلة من عمرنا. أشياء قد نكون أعلنا انفصالنا عنها ونحن نكبر ونوغل في السنين، بعضنا لا يتوقف عندها، وكثير منا لا يتذكرها، أو قرر عدم الالتفات إليها بعدما استبدلها، عادةً ما « نخلع» الأشياء من حولنا ، كما نخلع الأثواب التي ما عادت تتسع لأجسادنا التي شبّت وأعلنت فتوتها واستطالتها ، نخلعها بسرور الأم التي تلحظ أن ثوب ابنها المعتاد قد ارتفع اليوم فوق العقبين بشكل ظاهر! لا نسأل كثيراً عن الثوب الذي رميناه، و لا يعنينا إن كان مصيره جسدا ثانٍيا، أو مصيرا آخر لا يشبه قَدر الأثواب ووظيفتها، نستعجل التخلص من الأشياء التي واكبتنا وكأنها ستعيقنا عن التقدم، أو تعود بنا للوراء.
(2)
طلاء جديد بدلا من ذاك المضمحل أو هدم رائق للزاوية، مكتب فاخر يجثم فوق صدر المحل الصغير ويسلبه بضاعته المكتنزة وأدراجه الصدئة، إعلان وفاة للمذيع المخضرم ، أو محاكاة للعبة قديمة تجدها عند صغيرك، تعيد لذاكرتنا الحنين للأشياء التي تخلصنا منها ونحن نكبر! أو ابتعدنا عنها دون إرادة أو تخطيط ، عند البعض يشبه رحيل الأشياء حكاية جميلة مثيرة رحلت برحيل الجدة التي تحكيها، وغاصت في حنايا الذهن حتى لتكاد عصية على الاستذكار بالشكل الصحيح ساعة تطلبها! رائحة عطر ما قد تؤرخ لأيام من عمرك، مجرد انتشارها في الجو يبعثر في ذاكرتك صورة تلك الأيام، طعمٌ ما تتذوقه قد يشكل إنعاشا لأيامك الخوالي بحلوها أو مرها، بقدر غرابة الحياة من حولنا تغدو غرابة تأثير مثل هذه التفاصيل الدقيقة وتشبثها بتفاصيل حياتنا وصفحاتها.
(3)
برحيل الأشياء أو تبدلها للأبد يتشكل فراغ في الذاكرة سرعان ما تملؤه أشياء غيرها ندرك أنها ستكون مستقبلاً في عداد الراحلين، تماماً كما ندرك أن رحيل الأشياء من حولنا لا يشبه كثيراً رحيل الأرواح حتى لو اشتركا في منطق « الرحيل» وفكرته، برحيل الأشياء نشعر بأننا نطوي صفحات من العمر وندسّها في الخزائن والأرشيفات، قد نعود بين الحين والآخر لننفض عنها الغبار، ونمسح واجهتها بأيدينا، أو نغسلها بدموع الأشواق، وبرحيل الأرواح من حولنا أو تناقصها بوفاة أو سفر نشعر أننا « نقتطع» من العمر ما يكفي لكي يغيب معهم!! وأننا لا نكون أبداً كما كنا ساعة وجودهم بيننا! ....هل نشبه قصاصات الورق؟ كلما رحل عزيز أو غاب اقتطع منا قصاصة بحجم ما شكلته أنفاسه في حياتنا! قد يكون ..وقد نكون، لكن ماذا عساه يبقى منا لو رحلت كل أشيائنا المفضلة وكل أرواحنا العزيزة؟؟
اتمنى يعجبكم
تقبلو مني كل الاحترام
دمتم بحفظ الله
تمر الايام وتاخذ وياها اشياء وايد منا
اترككم مع ماقراته
رحيل الأشياء
(1)
قد تكون زاوية عتيقة ذات لون غائب عن الوعي، أو دكانا صغيرا نتأت بضاعته لأطراف الشارع، أو وجها لآلة ما، أو غلاف حلوى وصندوق لُعب، قد يكون صوت مذيع مخضرم على الشاشة أو برنامجا في المذياع، تزدحم الأشياء في مخيلتنا و ذواكرنا، ونتفق حيناً أو نتقارب في تصنيف ارتباطنا بها، وارتباطها هي بمرحلة من عمرنا. أشياء قد نكون أعلنا انفصالنا عنها ونحن نكبر ونوغل في السنين، بعضنا لا يتوقف عندها، وكثير منا لا يتذكرها، أو قرر عدم الالتفات إليها بعدما استبدلها، عادةً ما « نخلع» الأشياء من حولنا ، كما نخلع الأثواب التي ما عادت تتسع لأجسادنا التي شبّت وأعلنت فتوتها واستطالتها ، نخلعها بسرور الأم التي تلحظ أن ثوب ابنها المعتاد قد ارتفع اليوم فوق العقبين بشكل ظاهر! لا نسأل كثيراً عن الثوب الذي رميناه، و لا يعنينا إن كان مصيره جسدا ثانٍيا، أو مصيرا آخر لا يشبه قَدر الأثواب ووظيفتها، نستعجل التخلص من الأشياء التي واكبتنا وكأنها ستعيقنا عن التقدم، أو تعود بنا للوراء.
(2)
طلاء جديد بدلا من ذاك المضمحل أو هدم رائق للزاوية، مكتب فاخر يجثم فوق صدر المحل الصغير ويسلبه بضاعته المكتنزة وأدراجه الصدئة، إعلان وفاة للمذيع المخضرم ، أو محاكاة للعبة قديمة تجدها عند صغيرك، تعيد لذاكرتنا الحنين للأشياء التي تخلصنا منها ونحن نكبر! أو ابتعدنا عنها دون إرادة أو تخطيط ، عند البعض يشبه رحيل الأشياء حكاية جميلة مثيرة رحلت برحيل الجدة التي تحكيها، وغاصت في حنايا الذهن حتى لتكاد عصية على الاستذكار بالشكل الصحيح ساعة تطلبها! رائحة عطر ما قد تؤرخ لأيام من عمرك، مجرد انتشارها في الجو يبعثر في ذاكرتك صورة تلك الأيام، طعمٌ ما تتذوقه قد يشكل إنعاشا لأيامك الخوالي بحلوها أو مرها، بقدر غرابة الحياة من حولنا تغدو غرابة تأثير مثل هذه التفاصيل الدقيقة وتشبثها بتفاصيل حياتنا وصفحاتها.
(3)
برحيل الأشياء أو تبدلها للأبد يتشكل فراغ في الذاكرة سرعان ما تملؤه أشياء غيرها ندرك أنها ستكون مستقبلاً في عداد الراحلين، تماماً كما ندرك أن رحيل الأشياء من حولنا لا يشبه كثيراً رحيل الأرواح حتى لو اشتركا في منطق « الرحيل» وفكرته، برحيل الأشياء نشعر بأننا نطوي صفحات من العمر وندسّها في الخزائن والأرشيفات، قد نعود بين الحين والآخر لننفض عنها الغبار، ونمسح واجهتها بأيدينا، أو نغسلها بدموع الأشواق، وبرحيل الأرواح من حولنا أو تناقصها بوفاة أو سفر نشعر أننا « نقتطع» من العمر ما يكفي لكي يغيب معهم!! وأننا لا نكون أبداً كما كنا ساعة وجودهم بيننا! ....هل نشبه قصاصات الورق؟ كلما رحل عزيز أو غاب اقتطع منا قصاصة بحجم ما شكلته أنفاسه في حياتنا! قد يكون ..وقد نكون، لكن ماذا عساه يبقى منا لو رحلت كل أشيائنا المفضلة وكل أرواحنا العزيزة؟؟
اتمنى يعجبكم
تقبلو مني كل الاحترام
دمتم بحفظ الله
تعليق