السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم خير
اخباركم
مما راق لي
جدلية ....
العلاقة بين الثلاثي: الإنسان ـ الزمان ـ المكان، علاقة نلمسها لمسا في كل الظواهر الحياتية..
إنها علاقة وجودية يرتبط بها النمو النفسي والعضوي للإنسان نفسه، ويتضح ذلك في وعيه وأخلاقه ورفضه وقبوله..
غير أن هذه العلاقة ليست ثابتة..
إنها علاقة جدلية..
الإنسان فيها قد يكون الأقوى، فيجعل المكان مرغما على التحول إلى الأفضل عطاء، ويجعل الزمان نابضا لا يعرف الخمول..
وقد يكون الإنسان هو الأضعف فيتمرد عليه المكان، ويغط الزمان في سباته غير مبال بصراخه.
يقول سعدي يوسف
«ربما ساءلت نفسي الآن
عما أكتب الآن
لماذا أكتب الآن
وفي أي مكان أكتب الآن
ألم يتعبك نصف القرن من العابك
الصخرة.. والتبع
وهذي اللغة.. الألوان والغيم..»
لو لم يكن سعدي في حريق الشعور (باللاجدوى) لما قال هذا الكلام الذي لا تخرج منه إلا بشوك شرس يتركه اليأس في إحساسك..
ذلك لأن الذي يحمل قضية ما..
لا يخرج أبدا من ساحة تلك الجدلية بين الإنسان والزمان والمكان..
حتى يسأل لماذا أكتب الآن؟ وفي أي مكان؟..
إن هذا فرار من الجدلية الحتمية..
إذا كان زمن الحتميات الصارمة بعد حيا يرزق..
كلّا..
حتى لو كان قد انقضى فإن هذه الحتمية لا يمكن أن يقرب منها الموت إلا إذا انعدم ذاك الثلاثي نفسه.
ولكن يا ترى لماذا الولاء للمكان دون الزمان إلا قليلا؟
مرت قرون لم يلتفت الإنسان فيها إلى الزمان..
في حين أن اعتباره للمكان جزء من كيانه كان موجودا معه منذ ولادته على أرض ما.
عجب هذا الثرى نألفه
وإلى أتفه مافيه نحن
لماذا ياترى؟
هل لأن المكان ثابت فهو يوحي بالاستقرار والوفاء ورسوخ الحياة..
بخلاف الزمان الذي يشعر بالتصرم والزوال وعدم الوفاء والاعتداء الهمجي على الأنفس والثمرات..
وفقدان ذات الربيع المسمى شبابا؟
نادرا من نراه يذكر الزمان بالخير مثل من قال
خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا
لغادرت شيبي موجع القلب باكيا
إن الصراعات الدموية التي أججها الإنسان منذ وجوده على الأرض كان سببها المكان..
إما دفاعا عنه أو طمعا فيه..
وكل صفحات التاريخ مليئة بتلك الصراعات..
أما الزمان المسكين فتقتصر الصراعات التي يولدها على عالم الآراء والأفكار..
فالصراع بين القديم والجديد كان أبدا وسيبقى أبدا ولكنه لا يسفك الدماء كما يفعل الصراع الذي يؤججه المكان.
ارم ببصرك الكرة الأرضية كلها تجد بؤر الصراع على المكان تزداد لهبا.
أليس كذلك؟
تقبلو مني كل الاحترام
دمتم كما تحبون ومع من تحبون
تعليق