السلام عليكم
صباحكم سكر مذاب بكوب قهوة دافئ
اخباركم عساكم بخير
مما قرات و راق لي
حتى شق ثوبه
حين تسير بعينيك في كتب التراث تمر بحدائق ويباب وقصور وأكواخ وضحك وبكاء .. أي أنك تمر بمختلف ألوان الحياة المادية والروحية التي يخلفها نشاط الانسان الدائم.. ومن أجمل ما تمر به جمال من التعبير لا يبين مباشرة.. بل يبقى في أكمامه أو تحت نقابه إذا لم يقف عنده ذوقك البلاغي مثل قولهم (السهل الممتنع) أو (بيت القصيد) أو (مرآة الغريبة) وغيرها من ألوان التعبير الخاصة.
ومن اللافت في هذه التعبيرات تلك التي تعبر عن حالات لعلية القوم دون سفوحهم مثل : (فضحك حتى استلقى على قفاه) او (فضحك حتى بانت نواجذه) او (فلا يكلم إلا حين يبتسم) ويمر عليك كثيرا تعبير بالغ الدلالة هو (حتى شق ثوبه).
هذا التعبير يمر عليك في حالتي الحزن الشديد او الفرح الشديد أو (الطرب) بالذات.
فهناك من يحرق لحيته وهناك من يحطم كأسه .. ومن اطرف ما جاء في شق الثوب تلك الرواية التي تقول :
كانت جارية عذبة الصوت تغني في مجلس خاص .. وكان المبرد من بين الحاضرين، فغنت:
وقالوا لها : هذا حبيبك معرضا
فقالت : ألا إعراضه أيسر الخطب
فما هي إلا نظرة بتبسم
فتصطك رجلاه ويسقط للجنب
فطرب القوم ما عدا المبرد، بل انه بدلا من الطرب بقي مغضبا كأنه ثكلى .. ترى لماذا لم يطرب هذا النحوي العريق؟
لم يطرب المبرد، على الرغم من الصوت الآسر لتلك الجارية .. هل لانه لا يتأثر بالغناء؟ وهذا احتمال بعيد اذا لم يكن مستحيلا : لان الغناء انما حرمه بعض الفقهاء لانه أسرع الاسباب تأثيرا لجر النفوس الى حدائق اللهو والانشغال عن الواجب .. هل هو لم يتأثر لانه لم يجد في وجه الجارية وقوامها ما كان مغروسا في ذهنه من جمال ذي مواصفات خاصة للمرأة؟ الجارية نفسها توضح لنا السبب دون الركض في وديان الاحتمالات..
فقد قالت الجارية:
ان الشيخ لم يطرب لاني قلت (معرضا) وهو يظن ان هذا غلط نحوي . وقد نسي الشيخ قراءة ابن مسعود للآية ( وهذا بعلي شيخا) وحين سمع المبرد قولها هذا طرب (حتى شق ثوبه).
حين قرأت هذه الرواية تصورت ان بعض الناس يحول بينه وبين التفهم والتذوق وما فوقهما.. سد ما .. وهذا السد قد يكون خطأ نحويا. وقد يكون غير ذلك من انواع السدود .. وحين يزول هذا السد يندفع السيل عتيا جارفا للثياب وغيرها من جلابيب السكينة والوقار الظاهري.
هل نستطيع ان نعدد تلك السدود؟
نعم، نستطيع، ولكن ذلك يتطلب دراسة الثقافة لكل مجتمع والاعراف المتحكمة في ذوقه وسلوكه العاطفي، بالاضافة الى الميول الفردية واختلاف الحالات في الزمان والمكان.
اتمنى يعجبكم
لكم مني كل الاحترام
دمتم كما تحبون ومع من تحبون
تعليق