سعدي يوسف – قصائد الحديقة العامة.

كل شيء يخسره الانسان، دون حق أو مقابل، فهو خسارة.. سواء كان شيئا ماديا كالأرض أو روحيا كالعاطفة.. ان التفريق النوعي للخسارة، كما صنع سعدي، تفريق خيالي محض، ينساق الى ان رؤية اختطاف الشيء المعنوي اشد مضضا من اختطاف الشيء المادي.. انه مجرد انزلاق شعري.

الخسارة نسبية بلا ريب، ولكن ذلك – اولا – ليس خاصا بالاشياء المادية، فهو يعم الاشياء المعنوية كذلك و- ثانيا – من سوء حظ الشاعر انه مثل بالارض ولم يمثل بغيرها.. والارض ليست مادة فقط، انها ذكريات وتراث وتاريخ ووجود فعلي في داخلنا.. انها ليست قطعة اثاث او حفنة قروش.
التقسيم الثنائي (مادي / معنوي) ذو حمولة فلسفية منذ بدأ الفكر الانساني يفتح عينيه.. ولم يكن الانسان عندما كان يحبو.. يعرف فرقا بينهما.. ومرت العصور وتراكمت المعاني وأخذت مسافة الفرق تتسع امام الناظرين.

في وقتنا الحاضر نسينا الفرق الفلسفي والنفسي بينهما (المادي/المعنوي) ليس هذا وحسب، بل وضعنا قسمة اخرى هي: اننا اناس معنويون لا شأن لنا بالماديات.. اما الغرب فهم ماديون.. يهتمون بالمال وبالجنس و...و.

اولا: الغرب نفسه اول من التفت الى خطر غلبة الجانب المادي على الجانب المعنوي لدى مجتمعاته ومن صرخة جان جاك رسو في القرن الثامن عشر حتى الآن، وهم يدرسون بعمق نقدي وعلى كل صعيد هذا الخلل في مجتمعاتهم.

ثانيا: لكل تطور ايجابي في الحياة الاجتماعية.. افرازات سلبية.. ووحدة الطبيعة البشرية تحتم ان تكون كل البشرية خاضعة لهذه القاعدة.. وهذا يعني أن ما يجري هناك يجري هنا.. وبصورة خاصة حين ننظر الى ان التطور الحضاري الغربي هو الذي يكتسح سلوكنا المادي والمعنوي على السواء.

ثالثا: هناك حين تريد معرفة ما يحدث في مدينة ما من السلبيات، تجد امامك على الفور احصائيات دقيقة وجاهزة.. تراها وترى القانون وهو يلاحقها ويركض خلفها في الازقة والمنعطفات وحتى في الكهوف.. ولكن هل هذا متاح في بلداننا العربية الاصيلة؟!

لا. ليس متاحا واذن فنحن نفخر بقيم مستقرها في رؤوسنا فقط لا سلوكنا، ونكون كمن قال: