السلام عليكم
صباحكم سكر
اخباركم ياحلوين
مما قرات وراق لي
الحزن الغامض
1- الحزن الغامض: صدى لفراغ المكان. تطل برأسك من شرفة الفراغ العالية وتنظر إلى مارةٍ يركضون على أرصفة الحياة الطويلة لتشعر بالقرف، بالحزن الغامض البعيد الآتي من أعماق الذعر الأسود تتنوع أشكال الزيف الوجودي. إنهم يهربون بطرق متعددة من أي وجود حقيقي. الحزن والعزلة يشبهان الموت، لذا تتحرك الأجساد على إيقاعات متناقضة.
عبر الوجود الزائف: يضجّون بالاستهلاك والتناسل المرَضي. انحناء شامل لآلية تعامل متوارثة ومستهلكة على طول التاريخ البشري انضاف إليه قبح الاعتياد لكن للأسف حتى كسر الروتين يأخذ صفة الروتين مع الزمن، تمتلئ الشوارع بأعقاب السجائر والتحايا، وفي آخر النهار يذهبون إلى بيوتهم وينامون إلى الغد.
«يعرف الإنسان التعاسة من خلال البشر» (باشلار)
«أداء الوجود اليومي هو فرار من مواجهة الموت» (هيدغر).
«تغطي اللامبالاة الآن ، مساء روحي بالثلج» (هويدوبرو).
2- «أيتها العزلة، يا أمي، أعيدي علي سرد حياتي» (ميلوسز).
العزلة هي شكل التجاوب مع صوت غامض ومعزوفة كونية، أما الفرار من العزلة فهو الذعر الداخلي من تذكر الموت، في العزلة نسمع وجيب الكون، حينما يضجّ الإنسان بسكونه الخافت لوحده على نقطة من الكرة الأرضية، يسمع «النداء» ؛ وأدبيات الاجتماع الإنساني تأسست لإخفاء ذلك النداء، لذا يفضل الكائن «الإناسة» على «العزلة» لأن العزلة هي عقد صداقة مبدئية مع الموت، وعقد عداء حقيقي مع الالتئام والاجتماع، لذا يشق على من لطّخت حياته بصمغ العزلة أن يخرج منها إلاّ إلى قبره، في العزلة نمدد أرجلنا، نصادق القمر والنجوم، ونشكو آلامنا إلى ذواتنا، ننصت لأصدائنا الداخلية:
«يتهاوى العالم
حين أمسك من ماضيّ
ما أحيا به في عمق ذاتي» (بول شولو).
الحزن لا تعريف له، هو أنين غامض يعزف آلامه بلا سبب جوهري. يرتبط التفكير بالحزن أحياناً، ويرتبط الحزن بالشّعر كثيراً، في الحزن نغذي «البصيرة» بصيرة الحياة، والوجود بلا حزن هي إقامة خارج الوجود، يغدو الكائن مجرد رقم له ترتيبه في عالم حافل بالتشابه، في الحزن نجد الذات، نجد «ذاتنا» التي نبحث عنها داخل كومة من الحزن، داخل سيل من الهلع.
«الحزن الغامض، الذي يأتي من غير سبب» (باشلار)
3- في الوجود الزائف: تغدو الحركة مجرد تعبير يشرح القحط الحياتي، وفق عملية تحول جماعي أحمق تفقد الحركة جمالها، مجرد أكياس بشرية تجر أجسادها كل يوم إلى أماكن تافهة، ويقومون بأعمال تافهة، يموتون كل لحظة، يفعلون كل شيء على وقع اسطوانة علاماتها:ازدحام الشوارع والطرقات، وامتلاء الأبصار بالوجوه المزيفة/ وامتلأت المقاهي والشوارع، وازدحمت الأصوات، وتنافس الناس، وازدحمت المحاكم والأسواق، واشترى الناس السكاكين، وكتب الكتاب بكل نضال وإخلاص عن فلسطين، وأنشدنا منذ عقود قصائد النصر والعروبة، وتحدثنا عن العدالة الاجتماعية، ونحن نركض ببلاهة من إحباط إلى إحباط ومن سخف إلى سخف، ومن زيف إلى زيف، تستفزّ الكائن تلك الوجوه المزيفة المنقعة بغسيل الرياء الأزرق، والمثقلة بحمولة الطيش.
«استيقظي أيتها المدينة المنخفضة، فتيانك مرضى» (محمد الماغوط).
وازدحمت الصحف بكتّاب «أسبوع الشجرة»، والمنابر بالتكفير، والقنوات بالزيف والاستهلاك والادعاء. وتعرى الجميع، أصبحت عيوننا محتلة، وآذاننا تحت قصف القبح من الأخبار والمسالخ. نرتطم كل يوم بأرضنا وبأمكنتنا التي مللناها، بالوجوه التافهة التي تحاصرنا. يحنّ الكائن إلى كوخ بدائي يشبه كوخ (هيدغر) الذي سكن الغابة لينشد تراتيل الصدى الآتي من عمق الفراغ. الصدى الذي لا يرقص أبداً على إيقاع عقارب ساعات المدينة. يحنّ إلى أمرٍ غامض، ويحزن على أمرٍ غامض.
4- إنه قرن الزحف نحو «الهاوية»، على وقع خطواتهم تُسمع أعنف مقطوعة حزن بشرية. حينما تغرق البلدان بكل مقومات الانحطاط الثقافي، والديني، والسياسي، ويسكت الناس، كأن رحلة «انتحارية» جماعية تحدث، كأن حملة تزييف تدار بدقة لتحويل الخدعة إلى حقيقة، لإقناع الناس بجمال «الهاوية» وتسري التفاهة في عروق الناس، ينامون على لبنها، ويصحون على عزفها، هي سيمفونية الموت، تعزف الآن ولكن بصمت. إنهم - برغم تناسلهم- يتجهون نحو الانقراض الطبيعي، علماً أن ثقافاتٍ كثيرة في العالم قد اعتبرتهم منذ مدة من المنقرضين «حُكماً» .. لقد أصبحوا جرذاناً تمنع عنهم بعض الدول تأشيراتها، وأصبحوا مجرد كتلٍ صماء تسير ببطء وسخف نحو الموت ومنعت عنهم كل أبجديات الحياة.
اتمنى يعجبكم
لكم مني كل الاحترام
دمتم كما تحبون ومع من تحبون
تعليق