السلام عليكم
اخباركم عساكم بخير
مما قرات وراق لي
الالتفات
«شؤون صغيرة
تمر بها أنت دون التفات
تساوي لدي حياتي
جميع حياتي...»
كثيرة هي الأشياء التي يشترك فيها البشر.
وهي واضحة يمكن أن تضع لها قائمة طويلة.. ولكن هناك أشياء أخرى يختلف فيها كل فرد عن الآخر بالضرورة.. وإلا أصبح البشر صورة مكررة.. وهذه الأشياء بالذات هي التي تجعل النظر شاخصا إليها.
أول ما يخطر على الذهن من تلك الأشياء هو «الالتفات» ولا أقصد به ما ذكره لسان العرب في صفحتين من صفحاته الثقال الدم.. والذي يتخلص في إن الالتفات يرادف الالتواء وهو أن يكون وجهك في جهة فتصرفه وتلويه إلى جهة أخرى.. هذا المعنى لا أقصده.. بل أعني بالالتفات ما يرادف (التنبه) فقد يكون الشيء بين عينيك لا يحتاج منك إلى لويهما، ولكنك لاتنتبه إليه.
الالتفات نراه في كل إبداع فردي منذ أن خرج ارخميدس من حمامه عاريا إلى الشارع وهو يصرخ (وجدتها) إلى آخر القوانين التي تم ويتم اكتشافها في سلسلة لن تفقد امتدادها الأبدي.. بل إن (التنبه) وجد قبل ارخميدس بقرون سحيقة.. فالانسان الذي حمل العصا لأول مرة ليهش بها عن نفسه كان له من دقة الالتفات ورهافته ما ليس لغيره من الذين عاشوا معه.
مرت آلاف السنين على الإنسان، وقد كان التفاته إلى غيره بدءا مما يرهبه ويخافه إلى الحصول على ما يرغب فيه، بل ما يحتاج إليه بالضرورة قبل ما يرغب فيه.. وكانت الطبيعة التي يضطرب فيها هي ميدان التفاته الأول فراح يبني لها في داخله هرما هائلا من التصورات المتناقضة.. والطبيعة كما عبر عنها أحدهم بقوله: « الطبيعة معبد من أعمدة حية» أي أن كل فرد بشري يتصورها بتصور يملأ عليه كل طاقته على الالتفات.
في الأزمنة الحديثة استطاع الإنسان الإفلات من سجن الدهشة الأولى.. وراح بالإضافة إلى التفكير في الطبيعة التفكير في نفسه والالتفات إليها.
وأعتقد أن الشعر كان هو الشرارة الأولى لهذا الالتفات.. فنقل الإنسان من تلفت البصر إلى «تلفت القلب».
هل للالتفات سبب واضح؟
قد يقال: إن سببه قوة الملاحظة ورهافة الشعور وتوقّد الذكاء، وقد يقال: إنه الصدفة وقد يقال غير ذلك من الاحتمالات.. وأنا سوف أبقي منتظرا هذا الذي يسمونه (غير ذلك) حتى أعرف السبب مكررا ما قال نزار ....
شؤون صغيرة
تمرّ بها أنت دون التفات
تساوي لدي حياتي...
ان شاءالله يعجيكم
لكم مني كل الاحترام
دمتم بحفظ الله
تعليق