بمناسبة جلوسي لـ وحدي وتذكري اليوم العالمي لما يطلقون عليه زوراً و بهتاناً : عيد الحب ..
بمناسبة ملايين الورود الحمراء التي تُقتَل دون أي مبرّر ..
بمناسبة كلّ تلك الكلمات المكرورة التي لم تعد تعني معانيها ..
بمناسبة كلّ تلك القيم التي يذبحونها أمام أعيننا كلّ لحظة و نحن ساكنون لا نريم ..
بمناسبة اليوم الذي يحتفل فيه شبابنا بالحريّة .. و بثقافة الأرداف و النحور و الأثداء و المعاصم الطريّة ..
من أجل كلّ قصيدة بهيّة لم يعد يقرأها أحد , و أغنية شجيّة لم يعد يسمعها أحد ,و عشّاق حقيقيّين لم يعد يعرفهم أحد ..
يوم أصبحت عاشقاً محترفاً
صديقي أحمد .. هل تعرفونه ..؟؟
دخل عليّ منذ يومين و حالته تقطّع القلب .. ذاهلاً كئيباً يجرّ قدميه الثقيلتين جرّاً .. مع كل خطوة يطلق آهة و بعد كلّ آهة يزفر أنّة.. بذلته مبهدلة و شعره منكوش , عيناه محمرّتان كأنّ ببياضهما حريق و قد أحاطت بهما هالتان سوداوتان كبيرتان كأنه خرج لتوّه من جولةٍ خاسرة في الملاكمة مع كنغرٍ نشيط عملاق ..
خلاصة القول كان المسكين أشبه بالشحّاذين أو بالسكارى الضائعين أو بالمدمنين على الصنف إياه و العياذ بالله .
رمى جسده الثقيل المحطّم على الأريكة أمامي و أطلق زفرة شعرت بحرارتها على بعد أمتار ..
لا حول و لا قوّة إلاّ بالله .. الرجل مريض دون شكّ ..
بدأت أحضّر تلك العبارات المأثورة التي تُقال في هذه المناسبات و أستحضر بعض العناوين التي قد تهمّه في علاج هذه الحالة المزرية , و أتذكّر رقم هاتف الطوارئ في حال لفظ صديقي أنفاسه الأخيرة بين يديّ كما يحدث عادةً في الأفلام الهنديّة .
- يزيد ..
همس أحمد اسمي بصوتٍ مبحوح ضعيف كأنّه ابتلع قبل لحظات طنجرة كاملة من الشطّة الهندية الحارة ..
- نعم يا ياحمد .. نعم يا خوي .. لا بأس عليك يا سيد الرجّالة .. إن شاء الله سليمة يا خوي ..
- لو عرفتَ ما أصابني يا يزيد ..
- خير .. خير إن شاء الله يا ياحمد ..
قلتُ ذلك و أنا أفكّر في طباع صديقي السيّئة و عاداته الذميمة التي طالما حاولتُ أن أقنعه بتغييرها , فالرجل فيلسوفُ طعام بمعنى الكلمة و هو( طفس ) جداً يفقد عقله حينما يشاهد الطعام أمامه و يأكل دوماً كأنّه ( العشاء الأخير ) في حياته .
و لصديقي طقوسٌ خاصّة أثناء الأكل فهو يستعمل حواسّه الخمس ( و السادسة أحياناً ) خلال الوجبة , يتشمّم طعامه في البداية و يحاول وسعه أن يملأ صدره ببخار الطعام المنكّه , ثم يبدأ مرحلة التغزّل و الصبابة في منظر الطعام و شكله و ألوانه , بعدها يتناول لقمة صغيرة يلوكها في فمه ببطءٍ شديد مغمضاً عينيه و هو يتمايل من فرط الحبور و الطرب .. ثم .. على حين غرّة يصيح معلناً النفير العام و يهجم على المائدة بكلّ جوارحه , و بعد لحظات تصبح بلقعاً صفصفاً خالياً و يرتمي صاحبنا غارقاً في عرقه يلهث من التعب و يشخر من ضيق النَفَس و يستغرق نائماً في مكانه ..
إذاً .. ماحدث لا يحتاج لكبير ذكاء في اكتشاف أن هذا النهم قد ( زادها حبّتين ) و أن ( طفاسته ) تعدّت حدودها , و ربّما التهم كميّة من الطعام لا يحتملها عادة الجسد البشريّ فأعلنت معدته الإضرابَ عن العمل و توقّفت أحشاؤه عن ضخّ المزيد من الخمائر و الأحماض بعد أن يئست من إرضاء صاحبها الذي لا يشبع , فتضامن معها سائر الجسد بالسهر و الحمّى ..
- آه يا يزيد .. آه ثم آه .. أخوك احمد وقع و لا حدّ سمّى عليه ..
- الصبر .. الصبر يا ياحمد.. بعدين أنت اللي مدلّعها بصراحة ...
- مدلّع مين ..؟؟
- معدتك .. فين مِعدات أيام زمان .. كان أجدادنا يمضغون الحجر و يلوكون الصخر الأصمّ و مع ذلك فقد كانت معداتهم تعمل في صمت و من فمٍ ساكت و لا تشتكي شيئاً .. أما معدات هذه الأيام فتبطّرت على النعمة و كلّ يوم تشكو و تولول .. ماذا يعني إن أكل الواحد منّا نصف خروف صغير في الوجبة الواحدة أو دجاجتين هزيلتين لا تسمنان و لا تغنيان .. لكن .. إلى من نشكي هذه المعدات المشاكسة المتذمّرة .. ربّنا ينتقم منهم ..
- لا يا أخي .. لا .. الحكاية مش بمعدتي .. قلبي .. قلبي هو المصاب هذه المرّة ..
- حسبي الله و نعم الوكيل .. جلطة .. يا عيني عليك يا خويا ياحمد.. والله ياصاحبي بدري عليك ..
- فال الله و لا فالك يا ولد .. أنا قصدي أقول أنّني أحببت ..
- أحببت ..؟؟؟ كيف يعني ..؟؟ ماذا أحببت ..؟؟
- زيّ الناس ... أحببت ..
- يا أخي ماذا أحببت .. قطّة .. دجاجة .. سيّارة .. أغنية .. شنطة .. حذاء .. ماذا أحببت ..؟؟
- يا ناس .. أقطّع هدومي .. امرأة .. أحببت امرأة .. هل فهمت الآن يا سميك الدماغ ..؟؟
- يا احمد .. من يراك و أنت داخلٌ عليّ بهذا المنظر يظنّ أنّك أحببتَ فيلاً أو نمراً شرساً أو ربّما عشقتَ فريد شوقي .. إيه اللي ( بهذلك ) بالشكل هذا ..؟؟
- الحب .. الحب ربيع القلب يايزيد .. أنت لا تعرفه ..
- من أخبرك أني لا أعرفه .. أعرفه جيّداً .. لكني لا أجد صلةً بين الحبّ و هذه ( الشحتفة ) التي أطلَلتَ بها عليّ ..
- أنت .. أنت لم تذق طعم الحبّ يوماً .. و لم تسهر تناجي طيف حبيبتك تحت ضوء القمر الفضي .. و لم يحرمك خيالها الذي يحوم في أحلامك لذّة النوم ... فلا تدّعِ ما ليس لك ..
- يا شيخ روح .. محسوبك يحبّ في اليوم الواحد مرّتين أو ثلاثة على أقلّ تقدير لكني لا أفعل بنفسي ما تفعل ..
- يخرب بيتك .. مرّتين ثلاثة ..؟؟
- أي نعم .. و في الآونة الأخيرة زاد هذا المعدّل بحيث أصبحتُ أحبّ بالجملة ..
- كيف ..؟؟
- عدّ على أصابعك .. أحبّ جميع المطربات على التلفاز فأنا لم أجد واحدة منهن لا تستاهل الحبّ حتى الآن .. و أحبّ جميع المتباريات في مسابقة انتخاب ملكات الجمال الفاشلات منهنّ و الناجحات .. و جميع المذيعات على الإطلاق و أخصّ بالذكر مقدّمات النشرات الجويّة .. و ثلاثة أرباعِ من ألتقي بهنّ في طريقي إلى الدراسه .. و أعتقد أنني إذا بقيت على هذا الوضع سأحبّ جميع نساء كوكب الأرض قريباً .. لكنّي بذات الوقت .. أنام جيّداً و آكل مثل بقيّة خلق الله و أهتمّ بحلاقة دقني كلّ صباح .. فلماذا ( شرشحتَ ) نفسك إلى هذه الدرجة ..؟؟
- لا .. لا .. لا أقصد هذا الحبّ .. أنا أتحدّث عن الحب الآخر .. حبّ الروايات و القصائد و أفلام السيما الرومانسية ..
- شوف ياحمد ..
هناك نوعان من الحبّ ..
النوع الأول هو حبّ أيام زمان .. و هو يستهلك جهداً و وقتاً و عناء .. يبدأ عادةً على البلكونات المتجاورة حين تقوم الصبيّة بسقاية أصص الزهور فيشاهدها بالصدفة الصبي الذي يتذرّع أنّه يذاكر دروسه في الهواء الطلق , و تتطوّر العلاقة ببطء شديد حيث تستهلك المناورات الهجوميّة و الدفاعية و الأخذ و الرد الصامتين وقتاً طويلاً ريثما تبدأ الفتاة بمواعدة الفتى في البقاله أو في الحوش أو في الشبك أو في الشارع المجاور لمدرستها حيث يلتقيان و يتناجيان و يحلفان أغلظ الأيمان أنّهما سيبقيان أوفياء أحبّة حتى يطويهما التراب ..
و هذا النوع من الحب ينتهي عادة إما بالزواج ( و هو بمثابة حكمٍ مؤبّد ) أو – و هذا أشيع – يقوم أحد الطرفين بتنفيذ حكم الإعدام مباشرة و يفسخ العلاقة من طرفٍ واحد ..
و يختلف ردّ الفعل هنا , فإن كان الجاني هو ( الولد ) فإن الفتاة تغلق على نفسها باب غرفتها بالعادة لمدّة يومين تبكي فيهما ما يعادل ثلاثة ألتار من الدموع و تستهلك فيها عدّة كيلوغرامات من المناديل , ثم تخرج لتنسى كلّ شيء و تستأنف حياتها من جديد و يا دار ما دخلك شر ..
أما إن كان الجاني هو الفتاة , فإن الواد يسرع من فوره لأقرب خمّارة , يجرّب فيها جميع أصناف الخمور و جرعاتها و خلطاتها و قدرتها على الإسكار و يبقى مرابضاً هناك ثملاً غائباً عن الوعي حتّى يتطوّع أحد أولاد الحلال بإخبار أبيه أو أخيه الكبير بوضع هذا ( الصايع ) الذي يعود إلى رشده بعد تلقّيه علقةً او ( صفقه ) أو لكمه ساخنة تنسيه حليب أمّه و بالطبع ستنسيه أيضاً حبّه الضائع و فتاته الغدّارة ..
هذا حبّ أيام زمان .. أما حبّ هذه الأيام فهو يختلف جذرياً ..
الشيء الجميل في هذا النوع الأخير أنّه لا يستخدم أي حاسّة من الحواسّ البشرية المعروفة , فإن كان بشّار بن برد قد قال يوماً و هو الضرير الأعمى ( و الأذن تعشق قبل العين أحيانا ) فإن ( حبّيبة ) هذه الأيام لا يستخدمون آذانهم أيضاً .. و إليكَ يا أحمد هذه الحواريّة بين ( عاشقين ) تعرّفا على بعضهما في إحدى غرف الدردشة أو على ( الشات ) :
- بونجور .. أنا فيفي ..
- و عليكم البونجور ... أنا عبد الصمد .. ازيك يا فيفي ..
- باحبّك ( و في قولٍ آخر أحبج ) .. عمرك كم يا عبد الصمد ..؟؟
- باموت فيكي بالمصري :[ بموت فيتس ] : .. عمري كذا و أنتِ ..؟؟
- باعشقك .. عمري كذا .. ماذا تعمل ..؟؟
- باموت في دباديبك .. أنا كذا .. ما لون عيونِك ..؟؟
- مجنونة فيك .. عيوني زرق ..
- باعشق الأرض التي تدوسين عليها .......
و تستمر هذه المناجاة الشاعرية حتّى يملّ أحد الطرفين أو ينقطع الاتصال فيفقد كلّ منهما أثر صاحبه و يرقدان و هما يحلمان بهذا الحبيب الذي هبط من الشاشة على حين غرّة , و في اليوم التالي يبحثان عن حبيبٍ جديد .
لكن ..
أتدري يا احمد.. هناك نوعٌ آخر من الحب .. لم يبتذله أحد بعد .. لم تنتهكه الكلمات العواهر و لم تدنّسه خطوات الشيطان .. هل أخبرك عنه ..؟؟
لو شاب دمعي بحار الأرض أغرقها ..
من مقلةٍ حرّ نار الوجد أرّقها ..
و الحبّ فتّت أحشائي و مزّقها ..
لو قرّبوا النارَ من قلبي لأحرقها ..
فهل سمعتم بقلبٍ أحرق النارَ ..
يتبع ..
بمناسبة ملايين الورود الحمراء التي تُقتَل دون أي مبرّر ..
بمناسبة كلّ تلك الكلمات المكرورة التي لم تعد تعني معانيها ..
بمناسبة كلّ تلك القيم التي يذبحونها أمام أعيننا كلّ لحظة و نحن ساكنون لا نريم ..
بمناسبة اليوم الذي يحتفل فيه شبابنا بالحريّة .. و بثقافة الأرداف و النحور و الأثداء و المعاصم الطريّة ..
من أجل كلّ قصيدة بهيّة لم يعد يقرأها أحد , و أغنية شجيّة لم يعد يسمعها أحد ,و عشّاق حقيقيّين لم يعد يعرفهم أحد ..
يوم أصبحت عاشقاً محترفاً
صديقي أحمد .. هل تعرفونه ..؟؟
دخل عليّ منذ يومين و حالته تقطّع القلب .. ذاهلاً كئيباً يجرّ قدميه الثقيلتين جرّاً .. مع كل خطوة يطلق آهة و بعد كلّ آهة يزفر أنّة.. بذلته مبهدلة و شعره منكوش , عيناه محمرّتان كأنّ ببياضهما حريق و قد أحاطت بهما هالتان سوداوتان كبيرتان كأنه خرج لتوّه من جولةٍ خاسرة في الملاكمة مع كنغرٍ نشيط عملاق ..
خلاصة القول كان المسكين أشبه بالشحّاذين أو بالسكارى الضائعين أو بالمدمنين على الصنف إياه و العياذ بالله .
رمى جسده الثقيل المحطّم على الأريكة أمامي و أطلق زفرة شعرت بحرارتها على بعد أمتار ..
لا حول و لا قوّة إلاّ بالله .. الرجل مريض دون شكّ ..
بدأت أحضّر تلك العبارات المأثورة التي تُقال في هذه المناسبات و أستحضر بعض العناوين التي قد تهمّه في علاج هذه الحالة المزرية , و أتذكّر رقم هاتف الطوارئ في حال لفظ صديقي أنفاسه الأخيرة بين يديّ كما يحدث عادةً في الأفلام الهنديّة .
- يزيد ..
همس أحمد اسمي بصوتٍ مبحوح ضعيف كأنّه ابتلع قبل لحظات طنجرة كاملة من الشطّة الهندية الحارة ..
- نعم يا ياحمد .. نعم يا خوي .. لا بأس عليك يا سيد الرجّالة .. إن شاء الله سليمة يا خوي ..
- لو عرفتَ ما أصابني يا يزيد ..
- خير .. خير إن شاء الله يا ياحمد ..
قلتُ ذلك و أنا أفكّر في طباع صديقي السيّئة و عاداته الذميمة التي طالما حاولتُ أن أقنعه بتغييرها , فالرجل فيلسوفُ طعام بمعنى الكلمة و هو( طفس ) جداً يفقد عقله حينما يشاهد الطعام أمامه و يأكل دوماً كأنّه ( العشاء الأخير ) في حياته .
و لصديقي طقوسٌ خاصّة أثناء الأكل فهو يستعمل حواسّه الخمس ( و السادسة أحياناً ) خلال الوجبة , يتشمّم طعامه في البداية و يحاول وسعه أن يملأ صدره ببخار الطعام المنكّه , ثم يبدأ مرحلة التغزّل و الصبابة في منظر الطعام و شكله و ألوانه , بعدها يتناول لقمة صغيرة يلوكها في فمه ببطءٍ شديد مغمضاً عينيه و هو يتمايل من فرط الحبور و الطرب .. ثم .. على حين غرّة يصيح معلناً النفير العام و يهجم على المائدة بكلّ جوارحه , و بعد لحظات تصبح بلقعاً صفصفاً خالياً و يرتمي صاحبنا غارقاً في عرقه يلهث من التعب و يشخر من ضيق النَفَس و يستغرق نائماً في مكانه ..
إذاً .. ماحدث لا يحتاج لكبير ذكاء في اكتشاف أن هذا النهم قد ( زادها حبّتين ) و أن ( طفاسته ) تعدّت حدودها , و ربّما التهم كميّة من الطعام لا يحتملها عادة الجسد البشريّ فأعلنت معدته الإضرابَ عن العمل و توقّفت أحشاؤه عن ضخّ المزيد من الخمائر و الأحماض بعد أن يئست من إرضاء صاحبها الذي لا يشبع , فتضامن معها سائر الجسد بالسهر و الحمّى ..
- آه يا يزيد .. آه ثم آه .. أخوك احمد وقع و لا حدّ سمّى عليه ..
- الصبر .. الصبر يا ياحمد.. بعدين أنت اللي مدلّعها بصراحة ...
- مدلّع مين ..؟؟
- معدتك .. فين مِعدات أيام زمان .. كان أجدادنا يمضغون الحجر و يلوكون الصخر الأصمّ و مع ذلك فقد كانت معداتهم تعمل في صمت و من فمٍ ساكت و لا تشتكي شيئاً .. أما معدات هذه الأيام فتبطّرت على النعمة و كلّ يوم تشكو و تولول .. ماذا يعني إن أكل الواحد منّا نصف خروف صغير في الوجبة الواحدة أو دجاجتين هزيلتين لا تسمنان و لا تغنيان .. لكن .. إلى من نشكي هذه المعدات المشاكسة المتذمّرة .. ربّنا ينتقم منهم ..
- لا يا أخي .. لا .. الحكاية مش بمعدتي .. قلبي .. قلبي هو المصاب هذه المرّة ..
- حسبي الله و نعم الوكيل .. جلطة .. يا عيني عليك يا خويا ياحمد.. والله ياصاحبي بدري عليك ..
- فال الله و لا فالك يا ولد .. أنا قصدي أقول أنّني أحببت ..
- أحببت ..؟؟؟ كيف يعني ..؟؟ ماذا أحببت ..؟؟
- زيّ الناس ... أحببت ..
- يا أخي ماذا أحببت .. قطّة .. دجاجة .. سيّارة .. أغنية .. شنطة .. حذاء .. ماذا أحببت ..؟؟
- يا ناس .. أقطّع هدومي .. امرأة .. أحببت امرأة .. هل فهمت الآن يا سميك الدماغ ..؟؟
- يا احمد .. من يراك و أنت داخلٌ عليّ بهذا المنظر يظنّ أنّك أحببتَ فيلاً أو نمراً شرساً أو ربّما عشقتَ فريد شوقي .. إيه اللي ( بهذلك ) بالشكل هذا ..؟؟
- الحب .. الحب ربيع القلب يايزيد .. أنت لا تعرفه ..
- من أخبرك أني لا أعرفه .. أعرفه جيّداً .. لكني لا أجد صلةً بين الحبّ و هذه ( الشحتفة ) التي أطلَلتَ بها عليّ ..
- أنت .. أنت لم تذق طعم الحبّ يوماً .. و لم تسهر تناجي طيف حبيبتك تحت ضوء القمر الفضي .. و لم يحرمك خيالها الذي يحوم في أحلامك لذّة النوم ... فلا تدّعِ ما ليس لك ..
- يا شيخ روح .. محسوبك يحبّ في اليوم الواحد مرّتين أو ثلاثة على أقلّ تقدير لكني لا أفعل بنفسي ما تفعل ..
- يخرب بيتك .. مرّتين ثلاثة ..؟؟
- أي نعم .. و في الآونة الأخيرة زاد هذا المعدّل بحيث أصبحتُ أحبّ بالجملة ..
- كيف ..؟؟
- عدّ على أصابعك .. أحبّ جميع المطربات على التلفاز فأنا لم أجد واحدة منهن لا تستاهل الحبّ حتى الآن .. و أحبّ جميع المتباريات في مسابقة انتخاب ملكات الجمال الفاشلات منهنّ و الناجحات .. و جميع المذيعات على الإطلاق و أخصّ بالذكر مقدّمات النشرات الجويّة .. و ثلاثة أرباعِ من ألتقي بهنّ في طريقي إلى الدراسه .. و أعتقد أنني إذا بقيت على هذا الوضع سأحبّ جميع نساء كوكب الأرض قريباً .. لكنّي بذات الوقت .. أنام جيّداً و آكل مثل بقيّة خلق الله و أهتمّ بحلاقة دقني كلّ صباح .. فلماذا ( شرشحتَ ) نفسك إلى هذه الدرجة ..؟؟
- لا .. لا .. لا أقصد هذا الحبّ .. أنا أتحدّث عن الحب الآخر .. حبّ الروايات و القصائد و أفلام السيما الرومانسية ..
- شوف ياحمد ..
هناك نوعان من الحبّ ..
النوع الأول هو حبّ أيام زمان .. و هو يستهلك جهداً و وقتاً و عناء .. يبدأ عادةً على البلكونات المتجاورة حين تقوم الصبيّة بسقاية أصص الزهور فيشاهدها بالصدفة الصبي الذي يتذرّع أنّه يذاكر دروسه في الهواء الطلق , و تتطوّر العلاقة ببطء شديد حيث تستهلك المناورات الهجوميّة و الدفاعية و الأخذ و الرد الصامتين وقتاً طويلاً ريثما تبدأ الفتاة بمواعدة الفتى في البقاله أو في الحوش أو في الشبك أو في الشارع المجاور لمدرستها حيث يلتقيان و يتناجيان و يحلفان أغلظ الأيمان أنّهما سيبقيان أوفياء أحبّة حتى يطويهما التراب ..
و هذا النوع من الحب ينتهي عادة إما بالزواج ( و هو بمثابة حكمٍ مؤبّد ) أو – و هذا أشيع – يقوم أحد الطرفين بتنفيذ حكم الإعدام مباشرة و يفسخ العلاقة من طرفٍ واحد ..
و يختلف ردّ الفعل هنا , فإن كان الجاني هو ( الولد ) فإن الفتاة تغلق على نفسها باب غرفتها بالعادة لمدّة يومين تبكي فيهما ما يعادل ثلاثة ألتار من الدموع و تستهلك فيها عدّة كيلوغرامات من المناديل , ثم تخرج لتنسى كلّ شيء و تستأنف حياتها من جديد و يا دار ما دخلك شر ..
أما إن كان الجاني هو الفتاة , فإن الواد يسرع من فوره لأقرب خمّارة , يجرّب فيها جميع أصناف الخمور و جرعاتها و خلطاتها و قدرتها على الإسكار و يبقى مرابضاً هناك ثملاً غائباً عن الوعي حتّى يتطوّع أحد أولاد الحلال بإخبار أبيه أو أخيه الكبير بوضع هذا ( الصايع ) الذي يعود إلى رشده بعد تلقّيه علقةً او ( صفقه ) أو لكمه ساخنة تنسيه حليب أمّه و بالطبع ستنسيه أيضاً حبّه الضائع و فتاته الغدّارة ..
هذا حبّ أيام زمان .. أما حبّ هذه الأيام فهو يختلف جذرياً ..
الشيء الجميل في هذا النوع الأخير أنّه لا يستخدم أي حاسّة من الحواسّ البشرية المعروفة , فإن كان بشّار بن برد قد قال يوماً و هو الضرير الأعمى ( و الأذن تعشق قبل العين أحيانا ) فإن ( حبّيبة ) هذه الأيام لا يستخدمون آذانهم أيضاً .. و إليكَ يا أحمد هذه الحواريّة بين ( عاشقين ) تعرّفا على بعضهما في إحدى غرف الدردشة أو على ( الشات ) :
- بونجور .. أنا فيفي ..
- و عليكم البونجور ... أنا عبد الصمد .. ازيك يا فيفي ..
- باحبّك ( و في قولٍ آخر أحبج ) .. عمرك كم يا عبد الصمد ..؟؟
- باموت فيكي بالمصري :[ بموت فيتس ] : .. عمري كذا و أنتِ ..؟؟
- باعشقك .. عمري كذا .. ماذا تعمل ..؟؟
- باموت في دباديبك .. أنا كذا .. ما لون عيونِك ..؟؟
- مجنونة فيك .. عيوني زرق ..
- باعشق الأرض التي تدوسين عليها .......
و تستمر هذه المناجاة الشاعرية حتّى يملّ أحد الطرفين أو ينقطع الاتصال فيفقد كلّ منهما أثر صاحبه و يرقدان و هما يحلمان بهذا الحبيب الذي هبط من الشاشة على حين غرّة , و في اليوم التالي يبحثان عن حبيبٍ جديد .
لكن ..
أتدري يا احمد.. هناك نوعٌ آخر من الحب .. لم يبتذله أحد بعد .. لم تنتهكه الكلمات العواهر و لم تدنّسه خطوات الشيطان .. هل أخبرك عنه ..؟؟
لو شاب دمعي بحار الأرض أغرقها ..
من مقلةٍ حرّ نار الوجد أرّقها ..
و الحبّ فتّت أحشائي و مزّقها ..
لو قرّبوا النارَ من قلبي لأحرقها ..
فهل سمعتم بقلبٍ أحرق النارَ ..
يتبع ..
تعليق