هل تعرفون صاحبي ؟؟ هو أشهر من نار على علم , مثقف جداً , يعرف كل زاوية من زوايا الثقافة و كل دهليز من دهاليز الحداثة و كل حركة و سكنة لكبار المثقفين و المفكرين ( الغربيين طبعاً ) , فإن سألته فلسفة أفاض في مدح سارتر حتى تخاله من أبناء عمومته , و إن عنّ على بالك فن القصة ذكّرك بألبير كامو و سومرست موم حتى تظنه كان يشرب قهوته معهما , و إن تحدّثنا بالرسم بكى من شدة تأثره بدالي و مونيه حتى تحسب أنه شيّعهما إلى مثواهما الأخير .
ألم أقل لكم , هو مثقف جداً ...
قلت له ذات يوم :
- أريد أن أصبح مثقفاً ...
تأملني ملياً من رأسي إلى قدمي , ابتسم ابتسامة الواثق الهازئ , و قال :
- يطعمك الحج و الناس راجعة .
- لماذا ..؟؟ هل أصبحت الثقافة موضة قديمة ..؟؟
- يا عزيزي , الآن تخطينا مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة , و بالتالي لم يعد يكفي أن يصبح المرء مثقفاً , بل يجب أن يساير هذا التطور فيصبح ( بعد مثقف ) .
- إذاً , أريد أن أصبح بعد مثقف ( بإصرار و إلحاف و إلحاح ) .
- لا أعتقد أنك تصلح لذلك ..؟؟
- لمَ لا ..؟؟ و الله إني من هواة الفن و الشعر و الأدب , فوالله إني لا أترك قصاصة ورق من كتاب أو جريدة دون أن ألتهمها التهام الجائع بعد مسغبة , و والله إني لا أبارح معارض الفن دون أن أملي عيني بروائع الألوان و جمالات الفنون و بدائع الأعمال . فماذا ينقصني ؟؟
- ينقصك حسك الثقافي , أنت لا تتطور أبداً .
- طوّرني يا أخي , طوّرني و لك الشكر مني و الثواب من الله .
فكّر ملياً و هو ينظر لي نظرة ازدراء و استخفاف , ثم خبط على كتفي بحنان , و قال مشفقاً :
- تكرم , تكرم عيونك , سأتبناك أيها الجاهل , و سأجعل منك ما بعد مثقف حقيقي , و سأفتح أمام عينيك الجاهلتين تلك عوالم الحداثة و الثقافة الحقيقية .
اغرورقت عينيّ بالدموع شاكراً المولى عز وجلّ أن منّ عليّ بمثل هذا الصديق الطيب , و وعدته أن أكون طالباً مطيعاً و تلميذاً نجيباً .
أمسكني من يدي , طالباً مني أن أسرع , فنجمة حظي مبتسمة هذا الصباح ...
هناك معرض تشكيلي لفنان حديث جداً , و عليّ أن أبدأ من هناك ..
في معرض الرسم ....
`ذهبنا إلى بهو المعرض الهادىء , و لم يكن يقطع الصمت سوى همهمات خافتة من الرواد , أو طرقات مثيرة مختالة لكعب نسائي مفرط الدقة و العلو , و على الجدران تتناثر اللوحات ..
لوحة بيضاء من غير سوء , لم تمسها يد إنس أو جان , و أخرى مطموسة بلون أحمر فاقع مع بعض ضربات من فرشاة غليظة شئزة باللون الأصفر , و ثالثة تأملتها طويلاً , فما رسمه هذا الفنان كان غريباً حقاً :
امرأة لها من الأثداء خمسة و بعين واحدة , و على ساقيها تتناثر العديد من الشفاه القانية , تضطجع على خلفية من الخطوط المتقاطعة كأنها أسلاك شائكة , و يد تبقر بطنها لتخترق ظهرها من الخلف منتهية بجذع شجرة غليظ .
تأملتها طويلاً دون جدوى , و أيقنت أني مازلت في بداية مشواري الثقافي , و أنه عليّ أن أستعين بأستاذي النحرير .
استدعيته متسائلاً , فأجاب ( بعد أن مدح أطنب و أشاد بالعبقرية و الفن و الإلهام الذي يكمن في كل ركن من أركان هذه اللوحة ) :
- المرأة يا صديقي هي النفس البشرية التواقة للإخصاب و التكاثر , و العين الواحدة هنا تعني أن هذه النفس مسيطرة مهيمنة بحيث لا ترى في الوجود إلا ما تريد أن تراه , أما الأثداء الخمسة فهي تعبير عن عناصر الطبيعة المنطوية ضمن هذه النفس ( الماء – الهواء – التراب – النار ) و ربما كان الخامس هو الروح , و الشفاه هي تعبير عن النزعة إلى .................................................. .................................................. ............................................. .
استمر يفند و يشرح و يوضح الأبعاد و يسلط الأضواء على هذه اللوحة العبقرية , استمعت إليه باهتمام و أنا أتساءل عن هذا الصديق العجيب الذي استطاع بنظرة واحدة أن يستخرج كل هذه الأسرار من تلك الشخبطة التي أسموها لوحة .
لكني لن أستسلم , فأنا مازلت في بداية الطريق إلى الحداثة , و عليّ أن أبذل ما يسعني ..
و الآن .. إلى معرض النحت ..
يتبع
ألم أقل لكم , هو مثقف جداً ...
قلت له ذات يوم :
- أريد أن أصبح مثقفاً ...
تأملني ملياً من رأسي إلى قدمي , ابتسم ابتسامة الواثق الهازئ , و قال :
- يطعمك الحج و الناس راجعة .
- لماذا ..؟؟ هل أصبحت الثقافة موضة قديمة ..؟؟
- يا عزيزي , الآن تخطينا مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة , و بالتالي لم يعد يكفي أن يصبح المرء مثقفاً , بل يجب أن يساير هذا التطور فيصبح ( بعد مثقف ) .
- إذاً , أريد أن أصبح بعد مثقف ( بإصرار و إلحاف و إلحاح ) .
- لا أعتقد أنك تصلح لذلك ..؟؟
- لمَ لا ..؟؟ و الله إني من هواة الفن و الشعر و الأدب , فوالله إني لا أترك قصاصة ورق من كتاب أو جريدة دون أن ألتهمها التهام الجائع بعد مسغبة , و والله إني لا أبارح معارض الفن دون أن أملي عيني بروائع الألوان و جمالات الفنون و بدائع الأعمال . فماذا ينقصني ؟؟
- ينقصك حسك الثقافي , أنت لا تتطور أبداً .
- طوّرني يا أخي , طوّرني و لك الشكر مني و الثواب من الله .
فكّر ملياً و هو ينظر لي نظرة ازدراء و استخفاف , ثم خبط على كتفي بحنان , و قال مشفقاً :
- تكرم , تكرم عيونك , سأتبناك أيها الجاهل , و سأجعل منك ما بعد مثقف حقيقي , و سأفتح أمام عينيك الجاهلتين تلك عوالم الحداثة و الثقافة الحقيقية .
اغرورقت عينيّ بالدموع شاكراً المولى عز وجلّ أن منّ عليّ بمثل هذا الصديق الطيب , و وعدته أن أكون طالباً مطيعاً و تلميذاً نجيباً .
أمسكني من يدي , طالباً مني أن أسرع , فنجمة حظي مبتسمة هذا الصباح ...
هناك معرض تشكيلي لفنان حديث جداً , و عليّ أن أبدأ من هناك ..
في معرض الرسم ....
`ذهبنا إلى بهو المعرض الهادىء , و لم يكن يقطع الصمت سوى همهمات خافتة من الرواد , أو طرقات مثيرة مختالة لكعب نسائي مفرط الدقة و العلو , و على الجدران تتناثر اللوحات ..
لوحة بيضاء من غير سوء , لم تمسها يد إنس أو جان , و أخرى مطموسة بلون أحمر فاقع مع بعض ضربات من فرشاة غليظة شئزة باللون الأصفر , و ثالثة تأملتها طويلاً , فما رسمه هذا الفنان كان غريباً حقاً :
امرأة لها من الأثداء خمسة و بعين واحدة , و على ساقيها تتناثر العديد من الشفاه القانية , تضطجع على خلفية من الخطوط المتقاطعة كأنها أسلاك شائكة , و يد تبقر بطنها لتخترق ظهرها من الخلف منتهية بجذع شجرة غليظ .
تأملتها طويلاً دون جدوى , و أيقنت أني مازلت في بداية مشواري الثقافي , و أنه عليّ أن أستعين بأستاذي النحرير .
استدعيته متسائلاً , فأجاب ( بعد أن مدح أطنب و أشاد بالعبقرية و الفن و الإلهام الذي يكمن في كل ركن من أركان هذه اللوحة ) :
- المرأة يا صديقي هي النفس البشرية التواقة للإخصاب و التكاثر , و العين الواحدة هنا تعني أن هذه النفس مسيطرة مهيمنة بحيث لا ترى في الوجود إلا ما تريد أن تراه , أما الأثداء الخمسة فهي تعبير عن عناصر الطبيعة المنطوية ضمن هذه النفس ( الماء – الهواء – التراب – النار ) و ربما كان الخامس هو الروح , و الشفاه هي تعبير عن النزعة إلى .................................................. .................................................. ............................................. .
استمر يفند و يشرح و يوضح الأبعاد و يسلط الأضواء على هذه اللوحة العبقرية , استمعت إليه باهتمام و أنا أتساءل عن هذا الصديق العجيب الذي استطاع بنظرة واحدة أن يستخرج كل هذه الأسرار من تلك الشخبطة التي أسموها لوحة .
لكني لن أستسلم , فأنا مازلت في بداية الطريق إلى الحداثة , و عليّ أن أبذل ما يسعني ..
و الآن .. إلى معرض النحت ..
يتبع
تعليق