إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يوم أصبحتُ مثقّف ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يوم أصبحتُ مثقّف ..

    هل تعرفون صاحبي ؟؟ هو أشهر من نار على علم , مثقف جداً , يعرف كل زاوية من زوايا الثقافة و كل دهليز من دهاليز الحداثة و كل حركة و سكنة لكبار المثقفين و المفكرين ( الغربيين طبعاً ) , فإن سألته فلسفة أفاض في مدح سارتر حتى تخاله من أبناء عمومته , و إن عنّ على بالك فن القصة ذكّرك بألبير كامو و سومرست موم حتى تظنه كان يشرب قهوته معهما , و إن تحدّثنا بالرسم بكى من شدة تأثره بدالي و مونيه حتى تحسب أنه شيّعهما إلى مثواهما الأخير .
    ألم أقل لكم , هو مثقف جداً ...
    قلت له ذات يوم :
    - أريد أن أصبح مثقفاً ...
    تأملني ملياً من رأسي إلى قدمي , ابتسم ابتسامة الواثق الهازئ , و قال :
    - يطعمك الحج و الناس راجعة .
    - لماذا ..؟؟ هل أصبحت الثقافة موضة قديمة ..؟؟
    - يا عزيزي , الآن تخطينا مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة , و بالتالي لم يعد يكفي أن يصبح المرء مثقفاً , بل يجب أن يساير هذا التطور فيصبح ( بعد مثقف ) .
    - إذاً , أريد أن أصبح بعد مثقف ( بإصرار و إلحاف و إلحاح ) .
    - لا أعتقد أنك تصلح لذلك ..؟؟
    - لمَ لا ..؟؟ و الله إني من هواة الفن و الشعر و الأدب , فوالله إني لا أترك قصاصة ورق من كتاب أو جريدة دون أن ألتهمها التهام الجائع بعد مسغبة , و والله إني لا أبارح معارض الفن دون أن أملي عيني بروائع الألوان و جمالات الفنون و بدائع الأعمال . فماذا ينقصني ؟؟
    - ينقصك حسك الثقافي , أنت لا تتطور أبداً .
    - طوّرني يا أخي , طوّرني و لك الشكر مني و الثواب من الله .
    فكّر ملياً و هو ينظر لي نظرة ازدراء و استخفاف , ثم خبط على كتفي بحنان , و قال مشفقاً :
    - تكرم , تكرم عيونك , سأتبناك أيها الجاهل , و سأجعل منك ما بعد مثقف حقيقي , و سأفتح أمام عينيك الجاهلتين تلك عوالم الحداثة و الثقافة الحقيقية .
    اغرورقت عينيّ بالدموع شاكراً المولى عز وجلّ أن منّ عليّ بمثل هذا الصديق الطيب , و وعدته أن أكون طالباً مطيعاً و تلميذاً نجيباً .
    أمسكني من يدي , طالباً مني أن أسرع , فنجمة حظي مبتسمة هذا الصباح ...
    هناك معرض تشكيلي لفنان حديث جداً , و عليّ أن أبدأ من هناك ..
    في معرض الرسم ....
    `ذهبنا إلى بهو المعرض الهادىء , و لم يكن يقطع الصمت سوى همهمات خافتة من الرواد , أو طرقات مثيرة مختالة لكعب نسائي مفرط الدقة و العلو , و على الجدران تتناثر اللوحات ..
    لوحة بيضاء من غير سوء , لم تمسها يد إنس أو جان , و أخرى مطموسة بلون أحمر فاقع مع بعض ضربات من فرشاة غليظة شئزة باللون الأصفر , و ثالثة تأملتها طويلاً , فما رسمه هذا الفنان كان غريباً حقاً :
    امرأة لها من الأثداء خمسة و بعين واحدة , و على ساقيها تتناثر العديد من الشفاه القانية , تضطجع على خلفية من الخطوط المتقاطعة كأنها أسلاك شائكة , و يد تبقر بطنها لتخترق ظهرها من الخلف منتهية بجذع شجرة غليظ .
    تأملتها طويلاً دون جدوى , و أيقنت أني مازلت في بداية مشواري الثقافي , و أنه عليّ أن أستعين بأستاذي النحرير .
    استدعيته متسائلاً , فأجاب ( بعد أن مدح أطنب و أشاد بالعبقرية و الفن و الإلهام الذي يكمن في كل ركن من أركان هذه اللوحة ) :
    - المرأة يا صديقي هي النفس البشرية التواقة للإخصاب و التكاثر , و العين الواحدة هنا تعني أن هذه النفس مسيطرة مهيمنة بحيث لا ترى في الوجود إلا ما تريد أن تراه , أما الأثداء الخمسة فهي تعبير عن عناصر الطبيعة المنطوية ضمن هذه النفس ( الماء – الهواء – التراب – النار ) و ربما كان الخامس هو الروح , و الشفاه هي تعبير عن النزعة إلى .................................................. .................................................. ............................................. .
    استمر يفند و يشرح و يوضح الأبعاد و يسلط الأضواء على هذه اللوحة العبقرية , استمعت إليه باهتمام و أنا أتساءل عن هذا الصديق العجيب الذي استطاع بنظرة واحدة أن يستخرج كل هذه الأسرار من تلك الشخبطة التي أسموها لوحة .
    لكني لن أستسلم , فأنا مازلت في بداية الطريق إلى الحداثة , و عليّ أن أبذل ما يسعني ..
    و الآن .. إلى معرض النحت ..
    يتبع

  • #2
    متابعة بكل شوق لبقية الحديث أنا بعد بتثقف لووول ولو ان تخصصي فنون تشكيليه تربوي

    تعليق


    • #3
      [align=right]منذ أن تفتح الباب متوكلاً على الله لتدخل إلى المعرض تصطدم عيناك بصخرة كبيرة , تشبه إلى حد بعيد حبة عملاقة من البطاطا المبعجرة , لكنك عندما تتأملها قليلاً تكتشف أنك كنت مخطئاً , فحبة البطاطا هذه ماهي إلا بطن امرأة حامل غاض وجهها و جذعها و كل جسدها بحيث لم يتبق منها إلا هذا البطن العملاق الذي يتسع لشعب كامل من الأجنة , و قد اكتشفت ذلك لوحدي ( لا بد أني أتطور بسرعة ) و دون معونة من أحد عندما لاحظت شيئاً يشبه الجنين منحوتاً على هذا البطن العملاق , لكن ما حيرني هو تلك الصخرة الصغيرة التي تنتأ من الجانب الأيسر كأنها ورم طفيلي ...
      هممممممم .. لا بدّ أن في الأمر سراً .. ماذا يعني ذلك التمثال ..؟؟
      و بعد التمحيص و التفكير و اعتصار الدماغ و استمطار السماء إلهاماتها , قررت أن هذا التمثال يوضح علاقة الإنسان بالطبيعة , فهي أم في النهاية , و نحن أجنتها التي ترعانا و نكلأ من خيراتها ثم ندفن في ترابها , و ربما كان هذا الورم هو نزعة الإنسان الأبدية للخروج من سجن أمه الطبيعة متطلعاً إلى آفاق معرفية جديدة ..
      طرت فرحاً بهذا الاكتشاف ( فهاأنذا مثقف حداثوي حقيقي ) و طرت إلى صديقي أخبره بأن تلميذه بدأ يتعلم , سألني عن أي تمثال أتحدث , فأجبته :
      - ذاك الذي يتصدّر القاعة .. الذي يشبه البطاطا ..
      - ذاك ..؟؟؟ و أشار إليه ..
      - نعم هو ذاك ..
      بدأ يقهقه و يخبط بقدميه الأرض من الضحك حتى دمعت عيناه .. وبين الضحكات و الشهقات قال :
      - يا صديقي , هذا تجريد .
      - تجريد ..؟؟
      - نعم .. تجريد .. أي أنه بلا معنى ..
      - بلا معنى ..؟؟ و لماذا يكلف الفنان خاطره لنحت شيء لا معنى له ..؟؟؟
      - تجرييييييييد .. كيف أستطيع أن أفهم هذا الجاهل ..؟؟ تجريد يعني بلا معنى .. مجرد اكتشاف لجمال الحجر عندما تتلاعب به يد النحات المبدعة فتجعله خلقاً آخر ..
      - لكن هذا الخلق بلا معنى ....؟؟؟؟
      - نعم , و هذا هو الجمال فيه , هو يعطيك الشكل و يترك لك حرية اكتشاف المعنى , لا تبالِ يا صديقي , مازلت غضاً في الحداثة , لكنك ستتعلّم قريباً , لا تقلق ..
      حسن , لن أقلق .. فما زال المشوار في بدايته ..
      إلى أين الآن ..؟؟؟
      أمسية قصصية ..
      غيداء فاتنة , تتأوّد في مشيتها تأوّد الغزال الشارد , و تتكسر في خطواتها تكّسر الناقه الضعيف , و تلقي بنظراتها الفتّانة كأميرة ساحرة تتفضّل على رعاياها بنظرة مسكرة تطيش منها العقول و تهيم فيها القلوب .
      هي ذي قاصّتنا المشهورة , و أديبتنا المرموقة , سابقة العصر و أريبة الزمان .
      جلست و أفئدتنا المذهولة تطير حولها , تحفّ بهذا الجسد الغضّ و ذيّاك القوام الملفوف .
      و بدأت قصتها :
      اعصرني ... يا أيها الآتي من وراء الشمس .. اعصرني و دعني أشمّ عطر صدرك ..
      لماذا أبعدت ساعديك عن جسدي المشتاق ..؟؟
      هل ( ............ ) لأنك (............... ) , لكني هنا أنتظرك منذ أن ( ......... )
      لا تبالِ بهم , فهم ( .............) , أرجوك , أرجوك , هيا , ماذا تنتظر أيها المفعم بالرجولة ..؟؟
      آه , آه , آه ............
      و استمرت بالتأوه بصوتها الأنثوي المتكسّر .
      فككت زر القميص فقد أحسسته يخنق عنقي كأنشوطة , و رحت أسبح في عرق الخجل و الحياء .
      ثم تغيرت آهاتها إلى :
      أوه , أوه , أوه ......
      استدرت إلى صديقي فوجدته قد استند بذقنه على راحته مغمضاً عينيه مستسلماً لأحلام لا أدري كنهها . أما أنا فقد فوّضت أمري إلى الله و بقيت جالساًجاحظاً مذهولاً ضاغطاً بكفيّ على المقعد, لكني اكتشفت أني كنت أضغط على يد صديقي الذي نظر إليّ و هو يستشيط غضباً . و همس مغتاظاً :
      - ماذا بك ..؟؟
      - أنا خائف ..؟؟
      - ممّ ..؟؟
      - و الله إني أخاف أن تبدأ هذه الأديبة بخلع ملابسها الآن أمامنا ..
      - هسسسسسسسسسس .. اصمت الآن يا جاهل .
      استمرت الأديبة الأريبة بسرد قصتها و ما تحفل به من وصف دقيق لكل الأعضاء البشرية ما ظهر منها و ما استتر , و ما بدا و ما بطن , حتى ظننته درساً في التشريح أو محاضرة لتنظيم النسل .
      و بعد أن انتهت من ولولاتها و تأوهاتها و عباراتها التي جعلتني أتمنى أن تخسف بي الأرض من الحياء , دوت القاعة بتصفيق حاد لا ينتهي , و عقّب المعقبون و مدح المادحون و أشاد الزاعقون حتى حسبتني أمام الخنساء أو مدام كوري ..
      هي الثقافة إذاً .. تفترض بك أن تسمع أسرار غرف النوم دون أن تشعر بالخجل , و تفاصيل العلاقة الجنسية دون أن يحمر وجهك أو تطرف عينك أو تسيح من الحياء ..
      نعم ... هي الحداثة .. و بصفتي محدث ثقافة ( على وزن محدث نعمة ) فلا بدّ لي أن أسبح مع هذا التيار ..
      و هكذا كان ...
      إلى أين الآن ..؟؟؟
      ندوة فكرية بعنوان : تطور العقل العربي في المفهوم البنائي ...
      يتبع ...
      [/align]

      تعليق


      • #4
        تابعي .. ياسيدتي :

        لعل عما قريب نصبح مثقفين من النخّب الأول ..

        شكراً لـ متابعتك ..

        تشرفني والله ..
        كوني هناً دوماً ..

        تعليق


        • #5
          [align=right]أخذ مفكرنا العلاّمة نفساً عميقاً من غليونه المدبب كرأس أفعى ففاحت رائحة التبغ الكوبي الفاخر في أرجاء القاعة الصغيرة , خلع قبعته الإنكليزية الفاخرة , ألقى نظرة شامخة علينا - نحن الرعاع - , ثم ابتسم :
          - ثانكيو ... يو آر هير .. أوك , ليتس أس ستارت ...
          أخرجت ورقة بيضاء و قلماً لئلاّ تفوتني قطرة من سيل العلم العرمرم الذي سوف يفيض بعد قليل ...


          إن من يتأمل تطور العقل العربي عبر المراحل الطويلة التي استغرقها تطور هذا العقل كبنية - ليست عضوية فحسب - و إنما ابتنائية أيضاً سيكتشف أن هذا العقل مميز في الحقيقة .


          و يأتي هذا التميّز عندما ندرك أن العقل العربي يبدو كأنه خارج عن منظومة العقل الإنساني عموماً , فالتاريخ يثبت أن هناك فجوة زمنية تقدّر بأربعة آلاف عام عاش فيها العرق العربي مجهولاً تماماً دون أي نشاط إنساني ملحوظ , مما يعني بالضرورة أنه لم يمر بكل المراحل التي قطعها العقل البشري عموماً للوصول إلى النمط الإنعتاقي من التفكير الموضوعي ..


          و هنا علينا أن نتساءل :
          ما هي طبيعة التفكير العربي بناءً على معطيات التاريخ و التطور الديالكتيكي للمجموعات البشرية ..؟؟
          في الحقيقة فإن معظم الباحثين يعتقدون أن العقل العربي مسكون بنمط واحد من ردود الأفعال , الصوتية خصوصاً , و في أحسن الأحوال فإن رد الفعل هذا يندرج تحت ما يسميه علماء البيولوجيا ( الحيوان الشوكي ) أي أن رد الفعل يكون محصوراً بالأعصاب الذاتية دون أي تدخّل من الدماغ الواعي , مما يفرض نمطاً لاواعياً لهذه الاستجابات , و يفرض على العربي نوعاً واحداً من ردود الأفعال .


          و في دراسة حديثة أجريت في جامعة ( ..... ) تمّ تعريض 100 عربي لصدمات كهربائية تزداد تدريجياً حتى تصل إلى حد الألم المبرّح , و في كل الأحوال كانت الاستجابة واحدة , و هي التصويت بكلمة ( آه ) في حين أنه يفترض أن تختلف التعابير الصوتية من حالة لأخرى ( آه – أوه – آخ ...... ) , و قد تمّ استبعاد وجود خلل في أعضاء التصويت العربية , مما يعني في النهاية أن المشكلة تكمن في الدماغ نفسه , و في حجم السيالات العصبية التي تحدد نمط الاستجابة و سرعتها , حيث تبن أن هذه السيالات هي أبطأ بحوالي 50 % عن الحد البشري المعروف .


          الخلاصة :
          إن الارتعاض الابتنائي للعقل العربي يمثل حالة فريدة في تطور الارتعاض الانساني العام , و هو يتيح تشكيل صورة مبدئية عن العقل البشري في مرحلة ما قبل التاريخ , و يعطينا فرصة لتكوين علاقة بين الإنسان / الكائن الحي و الإنسان/ الإنسان , و رغم كون هذه العلاقة ديماغوجية أصلاً إلا أنها إرهاصية بحق , و تشكل مفتاحاً لتحديد النمط التليباثي الذاتي من الصيرورة المعرفية و الانحدار العرقي عموماً .
          ثانكيو .


          شرح المفردات ( على ذمة صديقي ) :
          الارتعاض : الارتعاش التعويضي .
          إرهاصية : إستشرافية .
          التليباثي : ,,,,,,


          انتهت المحاضرة بين شكر و تعقيب و تعليق , أجمعت كلها أن هذا البحث يعبّر عن فهم دقيق لفسلجة العقل العربي , و أنه يخطو خطوة مهمّة في معرفة تشريح هذا الكائن الغريب.


          و مما فهمت من هذه المحاضرة الشيّقة – و هو قليل بطبيعة الحال – أنني أتمتع بنسب قرديّ رفيع كابراً عن كابر , و أنني قرد أيضاً و سأبقى كذلك , و سأملأ الدنيا قروداً صغاراً تهدّد مدنية العالم و تعيده إلى عصر الغاب و وحوشه و مغاوره .


          لن أبالي , قرداً أو إنساناً , سأصبح مثقفاً رغماً عني ..
          هل تحبون الموز ...؟؟؟


          إلى أين الآن ..؟؟؟


          أمسية شعرية .... [/align]

          تعليق


          • #6
            [align=right]اتركوه , فهو شاعر ..
            لا تهتمّوا بمظهره الذي تأنف منه الهوام و الدواب , فهو ليس من عالمكم هذا ..
            لا تبالوا بقميصه المتسّخ , و لا بذقنه الشئزة , و لا بوجهه الذي لم يعرف الماء منذ دهور .
            أتحسبوه مثلكم يهتمّ بهذه الصغائر و السفائف ..؟؟
            إنه يحلّق في عوالم أخرى , ملاك أهدته السماء إلى هذه الأرض يغنّي لها أفراح الملكوت الأعلى ..


            ألقى علينا نظرة ذابلة متكاسلة من عينين منتفختين حمراوين كعيني عاشق بليد , مسح مخاط أنفه بكمّ قميصه الكالح , و خطر بهدوء العباقرة , و أناة الملهمين , تحمله نظرات المعجبين و آهات المعجبات , إلى حيث استقرّ أمام الميكروفون :
            الليل ..
            الليل السواد ..
            الليل السواد القتام ..
            الليل السواد القتام يأخذني ...
            الليل السواد القتام يأخذني ينبشني ..
            الليل السواد القتام يأخذني ينبشني من فغر قبر ..
            الليل السواد القتام يأخذني ينبشني من فغر قبر يسفحني ..
            الليل السواد القتام يأخذني ينبشني هباء الريح ..
            الليل السواد القتام يأخذني هباء الريح ..
            الليل السواد القتام هباء الريح ..
            الليل السواد هباء الريح ..
            الليل هباء الريح ..
            هباء الريح ..
            الريح ..
            الريح ..
            و تبقى الريح ..
            داعرون قوادون ..
            تفو ..

            قفزت من مقعدي كمن لسعه عقرب , فالشتيمة واضحة لا لبس فيها , و إن كنت مصرّاً على أن أصبح مثقفاً فهذا لا يعني على الإطلاق أن يسبني الرائح و الغادي دون أن أطبق على زمارة رقبته و أفهمه أن في الدنيا رجال .


            انتابني شعور بالفرح عندما وجدت معظم الحاضرين قد قفزوا معي متراكضين نحو المنصّة , و رثيت لحال هذا الشاعر الذي سوف يأكل علقة لم يأكلها حرامي في مولد , لكنه تمادى و سبّنا جميعاً , و ذنبه على جنبه .


            إلاّ أن فرحتي لم تدم , فقد حْمل الشاعر على الأكتاف , و تعالى الهتاف , و تحوّل الجمع إلى زفة بهيجة تنادي بحياة هذا الشاعر الذي قلب نواميس الشعر و كاد أعداء الحداثة فأصابهم في مقتل .


            استدرت إلى صديقي مستنجداً أن يفهمني ما يحدث , فوجدته يمسح دموع التأثّر و الانفعال , و هو يهمس :
            - روعة .. مذهل ..
            - ما هو المذهل ؟؟
            - القصيدة يا أخي .. ألم تسمعها ؟؟
            - نعم .. و سمعت الشتيمة أيضاً ..
            - أي شتيمة هذه ..؟؟ يا صديقي هذه قصيدة سريالية ..
            - لكنّي لم أفهم منها حرفاً ..
            - و لا أنا .. ليس من الضروري أن تفهم .. و هنا تكمن العبقرية . هذا الشاعر أسسّ الآن لنمط جديد من الشعر هو القصيدة المثلثية ..
            - مثلثية ..؟؟؟
            - نعم , فلم يعد من المقبول الآن أن تنشد القصائد العمودية , لتكن أفقية , أو متزوية , لكن هذه القصيدة المثلثية جديدة تماماً . يا للإعجاز .. يا للروعة .. اتبعني ..
            سرت وراء صديقي مطرقاً و أنا أتخيل كيف ستكون القصيدة اللولبية أو الحلزونية أو الاسطوانية , نعم , لمَ لا , هذا أمر في غاية السهولة , سأصبح عبقرياً مغرقاً في الحداثة ذات يوم .. انتظروني أيها المثقفون ..


            إلى أين الآن ....؟؟


            إلى صالة السينما ..
            عنوان الفيلم : عطسةٌ على الجدار الفارغ .. الفيلم الحائزٌ على جائزة النعجه الذهبية في مهرجان ( كاتامندو ) السينمائيّ ..



            يتبع ....... [/align]

            تعليق


            • #7
              [glow=ffcc00]
              مزيد من التقدم وبانتظار المزيد المزيد من الإبداع كان المفروض تحط حصاله واكتب عليها ادفع بالتي هي احسن لصالح رابطة الادباء

              ؟؟؟ مقابل كل بسمة صادقة رسمتها لنا وبالمناسبه التجريد هو تبسيط الشكل إلى آخر درجة يمكنك إيصاله إليه
              وليش ماكتبت لنا التلباثي علم توارد الخواطر بس المصطلحات والتشبيهات جد ماقول غير هنيئا لقراء منتدى كويت777 باسلوبك الادبي الرشيق الممتع المفيد تقبل مروري اخي الكريم
              صرت قطفه اولى قربت من نخبة المثقفين خطوه
              [/glow]

              تعليق


              • #8
                شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

                موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

                [motr][glow=CC0099]excuse me[/glow][/motr]

                تعليق


                • #9
                  [align=right]كعادتي الحميدة توجّهتُ من فوري إلى ( البوفيه ) قبل عرض الفيلم لأتزوّد بما خفّ حمله و ثقلت أهميّته من اللبّ و الفول السوداني و المكسّرات مع بضعة زجاجات من المياه الغازيّة لزوم القزقزة و القرقرة و القرقشة , و عدتُ محمّلاً مزمّلاً إلى مكاني قرب صديقي الذي نظر إليّ نظرة ازدراء و استهجان :
                  - ماهذا ..؟؟؟ ماهذا الذي تحمله ..
                  - لبّ و فول سوداني و الذي منّه ..
                  - لبّ ..؟؟ لبّ يا مفتري ...؟؟ أتريد أن تفضحني أمام المثقّفين ..؟؟
                  - لماذا .. و هل أصبح اللب رجساً من عمل الشيطان لا مؤاخذة ..؟؟
                  - نعم .. بالنسبة للمثقّفين هو رجسٌ من عمل الرعاع و الجهلة فلا ( تشبهني ) ... و إلى أن ينتهي الفيلم لا أعرفك و لا تعرفني ..
                  - و بمَ يتسلّى المثقّفون في حالِ كان الفيلم بائخاً إذاً .. هل هناك لبّ ثقافيّ مثلاً ..؟؟
                  - .. اصمت ... اصمت ..
                  - خلاص يا سيدي ... كما تريد .. لن أكلّمك حتى نخرج ..
                  انكشف الستار و بدأ الفيلم ..


                  اللقطة الأولى الافتتاحيّة عبارة عن جدار أبيض باهت متشقّق مع بعض الملح و الرطوبة في أسفله و لطعاً وسخة من السخامِ الأسود بالإضافة إلى بعض المؤثّرات الخاصّة من الشخبطات الساذجة التي تزيد المنظر بؤساً و شقاءاً و قذارة , و استمرّت الكاميرا تجول ببطءٍ شديد في أنحاء هذا الجدار المعفّن و تنقل كلّ تفاصيله الدقيقة من شقوقٍ غائرة و بقع دهانٍ قديمة و رقعٍ طينيّة قبيحة ..
                  حسنٌ .. هذا هو الجدار .. فأين هي العطسة ..؟؟


                  لكنّ العطسة لم تأتِ .. و بقيت الكاميرا تستكشف هذا الجدار اللعين حتّى بدأتُ أشكّ أن المخرج كان يعمل طيّاناً أو دهّاناً أو له هوسٌ بإصلاح البيوت الآيلة للسقوط ..


                  فجأةً .. ظهر على الشاشة وجهٌ نحيلٌ سقيمٌ لشابٍّ مسلولٍ يحملق في السقف دون أي تعبيرٍ معيّن كأنّه يفكّر في كتابة قصيدةٍ عبقريّة يهديها لحبيبته أمام هذا الحائط الشاعريّ ..


                  ثمّ انحدرت الكاميرا شيئاً فشيئاً على جسده الهزيل فأعطتنا فكرةً واضحةً عن نوعيّة الملابس القطنيّة الداخليّة الرثّة التي يبين منها القفص الصدري لهذا الشاب المسكين و بنطاله الممزّق و حذائه المهترئ و جواربه المرقّعة .. و حين انتهت من تصوير هذا الشقاء كلّه عادت بسرعةٍ إلى الحائط تعيد فحصه من جديد ..


                  هاقد أتى وقت قزقزة اللب و التهام الفول السوداني .. أخرجتُ ذخيرتي البيضاء التي خبّأتهُا لمثل هذه الساعة السوداء , و كلّما أمعنت الكاميرا في التنقّل بين الشابّ و الحائط أمعنتُ من ناحيتي في ازدراد الأطايب و التلمّظ بالمقبّلات و المشهيّات و ما جادت به زوّادتي الصغيرة من مأكولات , غير مبالٍ على الإطلاق بنظراتِ صديقي المستنكِرَة المشمئزة ..
                  لكن الذي لا ينبع سينضب لا محالة , و هكذا وجدت نفسي فجأة – بعد التهام آخر قطعة فول – أعزلاً وجهاً لوجه أمام الشاشة العملاقة ..


                  و رغم أن الجدران قد تغيّرت إلى حدٍّ ما , و انتبه الشاب المريض – عافاه الله – من حملقته الفارغة في السقف , و رغم أنّي لم أسمع بعد أيّ عطسةٍ أو كحّةٍ أو أي عرَضٍ من أعراض الزكام , إلاّ أنّي اتّخذت قراري النهائيّ الذي لا رجعة فيه و هو : النوم ..


                  أقعيتُ مسنداً رأسي إلى ظهر المقعد الطريّ , رمقتُ بطرف عيني صديقي الذي كان يدخّن الغليون و اطمأننتُ أنّه ما زال يتابع ( أحداث ) الفيلم باهتمام .. و رحتُ في سابع نومة خلال لحظات قلائل ..


                  استيقظتُ فجأةً من أحلامي الهنيّة على صوت الحضور و هم يهمهمون و يغمغمون , فعلمتُ ببديهتي الحاضرة أن الفيلم قارب على الانتهاء .. فركتُ عينيّ جيّداً و تظاهرت بالاستيقاظ التام و نفضتُ عنّي – بشكلٍ خفيّ – أكوام قشور اللب و الفول السوداني و الزجاجات الفارغة المتجمّعة حولي في كلّ مكان ..


                  سألني صديقي بعد خرجنا من دار العرض و كنتُ ما أزال أحاول تنظيف أسناني ممّ علق بها من بقايا الوليمة الفاخرة :
                  - هه .. ما رأيك ..؟؟
                  - ممتاز .. نخب أوّل ..
                  - علمتُ أنّه سيعجبك ..
                  - لا أدري كيف كنتُ سأتصرّف دونه , و الله أنّي لم أشعر بالوقت .. لكنّه كان مالحاً قليلاً ..
                  - مالحاً ..؟؟ ما هو المالح ..؟؟
                  - اللبّ .. لو يخفّفون كميّة الملح فيه .. أشعر الآن بالعطش .. أقترح أن يعرضوا نوعين من اللب .. لبّ بملح و آخر دون ملح .. من يدري .. ربّما كان هناك مريض ......
                  التفتّ حولي فوجدتُ أنّي كنتُ أكلّم نفسي , أما صديقي غريب الأطوار فقد كان يجري في الشارع هارباً من شيءٍ ما ..


                  ما هي الحكاية .. ماذا أصاب هذا الرجل .. ؟؟؟


                  إلى أين الآن ..؟؟


                  إلى المسرح :
                  عنوان المسرحية التراجيدية : لماذا لم يأتِ العشاء بعد ..؟؟


                  يتبع .... [/align]

                  تعليق


                  • #10
                    [align=right]جلسنا صامتين واجمين كأن على رؤوسنا الطير فالحدث جلل , و استنتجت أن الأمر أكبر مما أتوقع عندما رأيت نظرات صديقي القلقة , و عيونه الحائرة , و جبينه الذي يتفصّد عرقاً , و من الجو العام للمسرح الذي يسوده هدوء مطبق رغم كثرة الحضور .


                    و ما أن دنا موعد العرض , حتى أمسك صديقي بيدي و نظر إليّ نظرة توسّل مشوبة بشيء من التحذير و التهديد:
                    - لا أريد أي كلمة أثناء العرض .. هل فهمت .. ؟؟ و لا كلمة .
                    وعدته أن أطبق فمي تماماً , ماذا أفعل ..؟؟ طالب الحاجة ذليل ..
                    ها قد بدأ العرض ..


                    انكشف الستار عن خشبة فارغة تماماً اللهم إلا من كرسي وحيد يتوسط القاعة الكالحة الكئيبة , لا يوجد أي ممثل أو صوت أو موسيقى ..
                    و بدأنا ننتظر ..
                    خمس دقائق ..
                    لا شيء ..
                    عشر دقائق ..
                    لا شيء ..
                    شعرت بالملل يأكلني أكلاً , و بالنعاس يداعب أجفاني , و بدأت أتململ ..
                    و يبدو أن صديقي شعر بتململ أعضائي , فنظر إلي نظرة متوعدة هائلة جعلتني أسكن تماماً لا أريم .


                    و بعد ردح من الدهر , سمعنا صرخة مدوية هائلة تقشعر لها الأبدان تصدر من طرف القاعة ..
                    صحت مرعوباً : يا رب ّ الطف يارب ّ
                    صر صديقي على يدي بعنف أن أصمت.


                    و ما أن هدأت الصرخة قليلاً حتى وقف الرجل الأصلع الذي كان يجلس أمامي .. و صرخ :
                    - عليك اللعنة يا إيزابيل ... فلتذهبي إلى الجحيم .
                    تطلعت في القاعة بحثاً عن إيزابيل هذه التي لعنها الأخ الكريم .. لكني فوجئت بمن كان يجلس على يساري يقفز كالملدوغ و هو يصيح :
                    - نعم , هي إيزابيل .. ألم تحضر العشاء بعد .. تلك الـ .. ؟
                    آخر من طرف القاعة صارخاً :
                    - فلتستعر نيران الجحيم , و لتوقظ الآلهة وحوشها النهمة , و لتلتهم جسدك المقزّز يا إيزابيل الملعونة .
                    و صخبت القاعة بصيحات الحضور و صرخاتهم تلعن سنسفيل أجداد إيزابيل , و تتوعّدها بالويل و الثبور و سوء العاقبة .


                    لكنّ ما صعقني أن صديقي قام بدوره و صرخ :
                    - إيزابيل .. فلينهش تنين النار أحشاءك بأنيابه النحاسية , و ليحفر على وجهك القذر وشم العار و المذلة إلى الأبد.
                    إذاً فالأمور سائبة هنا , فصديقي هذا لم يكن ممثلاً في يوم من الأيام , و لم يخبرني أنه سيشارك بهذه الملحمة التراجيدية . و بصفتي مثقف حديث , و بما أنه ( ما فيش حدّ أحسن من حدّ ) , فقد قمت بدوري صارخاً :
                    - ربّنا يهدّ حيلك يا إيزابيل يا بنت أمّ إيزابيل , لعن الله أباك و أمك و جدك و كل أصول عائلتك و فروعها .. أين العشاء أيتها المأفونة ؟؟
                    جلست و أنا أشعر بمتعة لا تضاهيها متعة , خصوصاً و أن صديقي رمقني بنظرة الإعجاب و عدم التصديق , ها أنذا قد دخلت عالم الحداثة من أوسع أبوابه ..


                    ربّت صديقي على كتفي بإعجاب بعد أن انتهت هذه التراجيديا ( و بعد أن شتمنا إيزابيل بكل لغات الأرض الحية و الميتة ) قائلاً :
                    - أنا فخور بك .. حقاً أنت تتطور بسرعة كبيرة .
                    شكرته من أعماقي معترفاً بفضله عليّ , و مقرّاً بأن كل إحداثياتي الثقافية و مواهبي الحداثية التي بدأت بالتبرعم كانت من صنعه و برعايته , ثمّ سألته :
                    - صديقي .. أخبرني أرجوك .. من إيزابيل هذه ..؟؟
                    فغر فاه مدهوشاً كمن أسقط في يده , أطرق قليلاً , ثم قال :
                    - حسبي الله و نعم الوكيل ... امش يا أخي امش ... ما زلت شرغوفاً صغيراً ..
                    تبعته و أنا أتساءل عمّ تغيّر ..
                    ألم يكن سؤالي مشروعاً .؟؟ .. بالله عليكم ..


                    إلى أين الآن ..؟؟؟



                    محاضرة نسائيّة ثقافية بعنوان :
                    الشبق الجنسي عند المرأة .. رؤية شاملة و حلولٌ متكاملة ..



                    يتبع .... [/align]

                    تعليق


                    • #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة women~ّ~from~thesun مشاهدة المشاركة
                      [glow=ffcc00]
                      مزيد من التقدم وبانتظار المزيد المزيد من الإبداع كان المفروض تحط حصاله واكتب عليها ادفع بالتي هي احسن لصالح رابطة الادباء
                      ؟؟؟ مقابل كل بسمة صادقة رسمتها لنا وبالمناسبه التجريد هو تبسيط الشكل إلى آخر درجة يمكنك إيصاله إليه
                      وليش ماكتبت لنا التلباثي علم توارد الخواطر بس المصطلحات والتشبيهات جد ماقول غير هنيئا لقراء منتدى كويت777 باسلوبك الادبي الرشيق الممتع المفيد تقبل مروري اخي الكريم
                      صرت قطفه اولى قربت من نخبة المثقفين خطوه
                      [/glow]
                      فعلاً لكن هكذا المثقين ياسيدتي ..
                      خل أخبرك سبب كتابتي هذا الموضوع ؟؟
                      سبق ان تحاورنا في موضوع عن الثقافة وقد كان حوار جيدا وموضوعيّا لولا ان صاحب الموضوع لم يعرف كيف يدير موضوعه 0 القصة التي يقولها يزيد والتي سبق ان اشبعت تعليقا في منتدى سابق هي محاولة تنميط او محاولة التقاط الصورة النمطيّة الشائعة عن المثقف لدى البسطاء من النّاس والتي تخلط بين شخصية الثري وبين شخصية المثقّف 0
                      الثقافة باختصار :
                      " هي الأخذ من كل علم او معرفة بطرف "
                      وهناك ثقافة شخصية على المستوى الفردي وثقافة على المستوى الجمعي 0
                      احب ان انوّه انّه ليس شرطا ان يتفق الناس على رأي واحد بل ان الاختلاف في الآراء شيء صحّي ومطلوب الى جانب عدم معقولية افتراض ان يتفق الجميع على رأي واحد 0
                      اعتقد ان المثقّف او من يزعم انّه مثقف بأنه لو طفق يذكر اقوال المفكّر او الكاتب او الاديب او الفيلسوف الفلاني في كل حديث ينطق به فهذا مؤشّر على ان افكار القائل عنهم لم تختمر افكارهم في ذهنه بعد ، وبالتّالي لم يستوعبها 0
                      ومن هذا المنظار هو اشبه بمن يقتبس من الشيخ او المفتي او الواعظ الفلاني 0
                      وكلاهما يعرفان الحق بالاشخاص ولايعرفان الاشخاص بالحق 0
                      تحيّاتي ،
                      وكوني هنا ًدوماً : أسعدني وجودك صدقيني ..

                      تعليق


                      • #12
                        [align=right]أعتذر عن التاخير ..

                        محاضرة نسائيّة ثقافية بعنوان :
                        الشبق الجنسي عند المرأة .. رؤية شاملة و حلولٌ متكاملة ..


                        رغم أنّي فهمتُ من صديقي أن المحاضرة نسائيّة , و رغم أنّي وطّنتُ نفسي على احتمال النظرات المتسائلة المستنكرة التي ستستغرب وجود هذين الذكرين القبيحين وسط حشدٍ من النسوان , و رغم أني حلمتُ – كعادتي الخبيثة – بآنسةٍ لطيفة تجلس جواري و تبادلني النظرات المتخفيّة فتخفّف بلحاظها الشهيّة عبء الجري وراء المحاضرات و الندوات و المعارض و الأمسيات و تنسيني سحنة صديقي التي التصقت بذاكرتي ليلَ نهار ..
                        لكنّ كلّ ذلك تبخّر فور أن خطونا الخطوة الأولى نحو قاعة المحاضرات ..


                        زحامٌ كثيف للغاية .. سحب الدخان تحجب الرؤية على بعد أمتار قلائل .. زيطة و ضحكات و قهقهات تصدر من ثلّة كبيرة من المراهقين الذين احتلّوا المقاعد الخلفية يتصايحون و يتبادلون النكات السمجة ..
                        و بعد مفاوضاتٍ و أخذٍ و ردّ مع المشرفين و بعد أن أقسمنا أننا حجزنا مقاعدنا سلفاً و لم نتسوّر الجدران للوصول إلى مكان المحاضرة احتللنا مقاعدنا آمنين ..


                        جلتُ بعيني أستطلع الحضور – رغم كثافة الدخان – فأذهلني أنّ معظمهم ذكوراً طوالاً عراضاً بشنباتٍ مفتولةٍ مبرومةٍ يتربّع عليها الصقر .. و لولا أنّي شاهدتُ بعض النسوة جالساتٍ كريماتٍ عزيزاتٍ لحسبتُ أنّ في الأمر خطأ ما و أن المحاضرة رجّالية خشنة لا تمتّ للجنس اللطيف بأيّ صلة ..
                        أخيراً .. و بعد أن بدأتُ ألهث من ضيق التنفّس .. أطبق الصمت على القاعة الكبيرة و صعدت إلى المنصّة آنستنا اللطيفة التي وجدت حلاً ناجعاً لهذه المشكلة التي دوّخت المفكّرين و الفلاسفة على مرّ العصور و هي :


                        الشبق الجنسي عند المرأة :
                        من المعروف أن جميع الأنبياء الذين اخترعوا الأديان كانوا رجالاً , و من البديهي تاريخيّاً ً أن المجتمع الذكوري الذي ظلم المرأة ظلماً فادحاً قد كبت شهواتها و نزواتها الجنسية الطبيعية و أهملها إهمالاً فادحاً , و لكي نكون واضحين هنا فإن الرجل الذي يكدح خارج المنزل طيلة النهار و يقضي يومه يدافع الحياة و تدافعه و يصارعها و تصارعه , سيأتي آخر الليلِ إلى منزله مرهقاً منهكاً على الآخر .. فيدلي اللقمة في بلعومه و يسرع إلى السرير طالباً سويعاتٍ من راحة ..
                        و هنا تكمن المشكلة ..
                        ماذا عن تلك المرأة التي كانت تنتظر أوبته بفارغ الصبر و على مفرشٍ من جمر ..؟؟؟
                        أليست نفساً ..؟؟
                        كيف سيستطيع هذا الرجل أن ( يحترمها ) و يقدّر غريزتها المتدّفقة ...؟؟
                        أليس هذا حراماً ..؟؟
                        ثمّ .. لنفرض أن الرجل كان قويّ البنية شديد المراس فاستطاع أن يرضيها مرّة كلّ ليلة .. أو لنقل أنّه أصبح ( سوبرمان ) و استطاع أن يعيدها الثانيّة .. لكنّ المرأة المسكينة المقهورة لم تكتفِ بعد ..؟؟
                        ماذا تفعل ..؟؟ أين تذهب هذه المظلومة بنفسها ..؟؟ هل ترمي بنفسها في البحر ..؟؟
                        إنّها – و حقّ الطبيعة – لمشكلةٌ كبيرة تتعرّض فيها المرأة للحرمان من أبسط حقوقها و تلبية أعزّ غرائزها في ظلّ هذه الثقافة الاجتماعيّة الذكورية و تلك التقاليد البالية و ذلك الدين المتحجّر التقليدي القروسطي ..


                        إذاً .. ما هو الحلّ ..؟؟
                        في الحقيقة أنّه لديّ اقتراحان هنا :
                        الاقتراح الأوّل هو تعدّد الأزواج .. و هو كما تلاحظون حلٌّ جذريّ يضع المرأة على قدم المساواة مع الرجل تماماً , و ربّما سيعترض المتحجّرون و المتقوقعون و أصحاب الفكر الجامد الانغلاقي بأنّ الأنساب ستختلط و لن يعرف المرء إن كان ولده هو ولده حقّاً أم ولد ( ضرّته ) , لكنّ هؤلاء يتناسون التقدّم العلميّ الذي أتاح تحليل الحمض النووي d.n.a. و الذي يستطيع أن يثبت البنوّة بشكلٍ موثوق ..
                        فأيّ حجّة لهم الآن ..؟؟
                        الاقتراح الثاني هو إباحة الزواج المثلي , أو على الأقلّ ( و هذا أضعف الإيمان ) إباحة العلاقات المثليّة بين النساء , بحيث يمكن للمرأة أن تتزوّج من رجلٍ ما للقيام بمتطلّبات المنزل و الإنفاق الماديّ و لزوم ( البريستيج ) أيضاً , و في ذات الوقت تستطيع أن تمارس غريزتها التي طالما حلمت بها عن طريق نساءٍ أخريات .. و أعتقد أنّ هذا الحلّ رغم أنّه ليس مرضياً تماماً إلاّ أنّه لا توجد مشكلة في موضوع الأنساب و اختلاطها , فلم يثبت علميّاً إمكانيّة حدوث الحمل نتيجة علاقة المرأة بالمرأة ..


                        دوّت القاعة بتصفيقٍ طويل , و تعالت من الصفوف الخلفيّة هتافاتٌ مثل ( ياحلاوة ياعيال ) .. ( والله شيء يفرح ) والخ



                        ملّصنا بصعوبة من الزحام و خرجتُ مع صديقي إلى الشارع نتحادث , قال :
                        - و الله أنّهما اقتراحان سديدان .. ماذا تقول ..؟؟
                        - أنتَ أعلم ..
                        - أعتقد أنّ المرأة بهذه الطريقة ستحصل على كامل حقوقها المستلبة ..
                        - ربّما .. لكن .. دعنا نفكّر قليلاً ..
                        - بماذا ..؟؟
                        - على ضوء هذا الاقتراح الجديد فإن رقيّـه تتزوج من محمود و عبد اللطيف و عوض و متولّي .. صح ..؟؟
                        - صح ..
                        - طيّب .. و بما أنّ هناك تعدّد زوجات أيضاً فإن محمود مثلاً سيتزوّج بالإضافة إلى عطيّات من سعيدة و فريحة و زعلانه مضبوط
                        - مظبوط ..
                        - كما أن محمود سيقوم بتربية أبناء عبد اللطيف و عوض و سعيد بالإضافة إلى أولاده أيضاً ..
                        - نعم .. و ما المشكلة في ذلك ..
                        - لا أدري ... لكنّي تذكّرتُ قفص القرود في حديقة الحيونات
                        لا تكن تقليدياً .. الأمر سهلٌ جداً .. هو يحتاج أن نعتاد عليه فقط ..
                        - نعم .. كلامك صحيح .. أحياناً نجد الأمر غريباً في البداية لكنّه يصبح عاديّاً جداً بعد أن نألفه .. تخيّل مثلاً أنني ضرّتك ..
                        - ماذا ..؟؟
                        - نعم ... لنفرض مثلاً أن زوجتك قرّرت أن تتزوّج من ثلاثة رجالٍ و كنتُ من .....
                        - اسكت قطع لسانك ..
                        - طوّل بالك .. أنا أقصد ...
                        - احترم نفسك .. هيّ حصّلت يا قليل الحياء ..
                        - يا صديقي .. أريد أن أقول ...
                        - لا تقل و لا تعِد .. هذا فراق بيني و بينك .. لا أريد أن أشاهد وجهك ثانية ..
                        و مضى صديقي لا يلوي على شيء ...


                        بعد مئات الاتّصالات الهاتفيّة و تحمّلي صوت السمّاعة تُغلَق في وجهي , و عشرات المحاضرات حول العيب و الشرف و الأخلاق , سامحني صديقي على زلّة لساني هذه ..
                        و استأنف رحلة تعليمي و تثقيفي .. جزاه الله كلّ خير ..


                        إلى أين الآن ..
                        يتبع .. [/align]

                        تعليق


                        • #13
                          [glow=ffcc00]
                          يزيد تاخرت علينا ...؟؟ فيما كنت اقرا كلماتك عادت بي الذاكرة إلى سنوات طويلة مضت

                          حيث حدثتني الوالدة اطال الله بعمرها ورضي الله عنها وعن والديكم عن قبيلة تقطن جبلا في إحدى الدول حاولت البحث عنها ب جوجل الآن ولم افلح حيث المرأة تجمع بالزواج بين أخوة وهي الآمرة الناهية ..
                          ساحاول البحث وعرض النتائج لكم إنشاء الله
                          المراة لا تحتاج إلى الجمع بين الزوجين لتطفئ حاجاتها لانها قد لا تتحمل زوجا واحدا و بقاءه خارج المنزل وإنشغاله عنها تعتبره نعمه لان ما حاجتها لإشباع الغريزة من إنسان لا يحترم إنسانيتها ويشوه صورة الرجال
                          [/glow]

                          تعليق


                          • #14
                            الأخ المحترم يزيد لقيت لك الموضوع اخيرا
                            1
                            -الزواج المشترك فى التبت :من أقبح العادات السائدة فى بلاد التبت بالصين أنه إذا كان عدد من الأخوة يعيشون فى منزل واحد ، فإن أكبر الأخوة ينتقى إمرأة ويتزوجها وتكون مشاعة بينه وبين أخوته ويشتركون جميعاً فى مضاجعتها .


                            2-فى بنجاب الهندية:
                            يشترك عدد من الأشخاص بعقد قرانهم على زوجة واحدة ويتفقون فيما بينهم على توزيع الايام وتخصيص الليالى فى الإستمتاع بهذه الزوجة التى يروق لها هذا الزواج وقد يبلغ عدد الأزواج أحياناً ستة أزواج أو ربما أكثر .. وإذا حملت الزوجة فيكون الولد الأول من نصيب أكبر الأزواج سناً والثانى للذى يليه وهكذا .

                            تعليق


                            • #15
                              أعتذر عن التاخير ..

                              أمسك صاحبي بيدي .. و قال ادخل ..
                              بذلة السموكن الأنيقة ترتديني كمشنقة سوداء .. و الياقة المنشّاة .. و المنديل الأزرق يرسم مساحة غريبة من الصدر ليست منه.. هكذا دخلت إلى قدس الأقداس .. محراب الحداثة .. صالون المثقفين .
                              كل شيء حولي جميل وليّن ..
                              نساء من بللور صاف رقيق ...
                              ألحان تطير وراء الغمام ..
                              عطور تملأ الأجواء غموضاً و سحراً ..
                              همسات كمناجاة العاشق حين الوصل ..
                              ضحكات رشيقة كصهيل أنثى ..
                              كلهم يرطنون بكل لغات الأرض .. إنكليزية .. فرنسية .. روسية .. ألمانية ..
                              كلهن يلثغن بالراء الفرنسية فتطير الغين من بين الشفاه الخمرية كعصفور يزقزق ..
                              كل شيء يسيل عذوبة و رقة .. الأشياء الصغيرة , التفاصيل التي لا ينتبه إليها أحد , طعم الماء بماء الورد , آلاف أقواس قزح تبرق من ثريات صغيرة , لون الشفاه القانية , الخدود المملوءة صحة و حبوراً , النظرات المختلسة التي تقول كل شيء دون أن تقول شيئاً ..
                              كل شيء .. كل شيء ..
                              همسات هنا و هناك :
                              - علينا أن نراجع تاريخنا , فكلّه عنف و دماء و أولاد سفاح ..
                              - علينا أن نرسم ديننا من جديد , فلا يمكن أن نتطور إن بقي هذا الدين يسيطر على ضمير هذه الأمة ..
                              - أتدرون .. نحن أمة عنصرية ..
                              - اسمعوا .. لديّ فكرة ... رجال الدين متخلفون جميعاً .. فلمَ لا ننشىء فقهاً جديداً ..؟؟؟
                              - التاريخ ... عودوا إلى التاريخ .. حوادث الفتنة قريبة ..
                              - يا سيدي هذه أمة صنعتها الصدفة .. الصدفة البحتة .. لا مكان لها تحت الشمس ..
                              - أعتقد أننا قد نستفيد من التجربة الأوربية في هذا المجال ..
                              - لا .. الصينية ملائمة أكثر ..
                              - الألمانية نموذج ملائم ..
                              دوار .. دوار .. دوار ..
                              و هناك .. تماماً هناك .. في زاوية صغيرة حيث يلتقي الظلّ مع الظلّ .. حيث لا أحد يبالي .. حيث لا أحد هناك ..
                              وجدته ..
                              نعم .. أقسم أنه هو ..
                              متربّعاً كعملاق من زمن مضى .. بلحيته الكثّة البيضاء .. و عينيه الشامختين الطيبتين كنسر عجوز ..
                              نعم .. هو ..
                              يديه القويتين في مكانهما تماماً ... فمه المبتسم دوماً ... عطر شيخوخته .. رائحة أنفاسه .. لمعة عينيه حين يريدك أن تفهم فقط .
                              لم يتغيّر ... كما رأيته آخر مرة ..
                              جثوت أمامه .. لمست ركبتيه الطاهرتين .. همست ..
                              - جدّي ..
                              مسّ شعري بيديه المعروقتين فأهداني سماء من حنين ..
                              - جدّي ..
                              لم ينبس ببنت شفة .. أدار جبهتي نحو الشرق .. و أشار أن انظر ..
                              تعريشة الياسمين على سطح بيتنا .. عروسة الزيت و الزعتر حين الصباح.. صوت نقرات المطر تغنّي على بلاط حارتنا .. قبلة أمي قبل النوم .. سعال أبي حين يعود في المساء .. زغاريد جارتنا حين نجحت .. تراتيلنا اللذيذة بعد صلاة العشاء .. قنديل الجامع و رائحة السجاد القديم .. عصا جدّي الغليظة و عباءته ... صياح جارنا بعد أن نقطف زهرة فلّ من حديقته و نسارع بالفرار .. عينا أخي الضاحكتين .. أسرار الطفولة التي تشاركناها سوياً.. ضحكاتنا الخافتة حين نختبىء في السرير لنوهمهم أننا نمنا.. دفاتر المدرسة .. أقلام التلوين .. .. حبّي الأول .. قصيدتي الأولى الساذجة .. دمعتي حين الفراق .. أذكار أبي بعد صلاة الفجر .. فنجان القهوة الصباحية ..
                              - انظر ....
                              تحت ظلال الزيزفون ... هكذا تكلم زرادشت .. جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي .. الأيام .. عبقرية محمد .. البؤساء .. محاورات أفلاطون .. الأجنحة المتكسرة .. هيلاس ( شيلي ) .. أهل الكهف .. غصن الزيتون .. أوراق الورد ( الرافعي ) .. شوقي .. حافظ .. السياب .. نازك .. نزار .. صلاح عبد الصبور .. شاكر مصطفى ....... ...... ........
                              - انظر ...
                              سماء من العشق انفتحت أمام عينيّ .. سماوات أليفة بسيطة زرقاء .. تطير فيها سنونوات رقيقة .. و شيء من غمام ... رذاذ ناعم من ندى .. زهرات ترتعش حباً حين عانقها ضوء صباحي بهي ..
                              يا إلهي ... هذا هو عالمي ..
                              يا إلهي .. إلى هنا أنتمي ..
                              نظرت إليهم ...
                              كائنات مخاطية دبقة من أمكنة لا أعرف عنها شيئاً .. يرتدون وجوهاً غريبة .. كلماتهم غريبة .. أسماؤهم غريبة .. أصواتهم .. أحلامهم .. أنفاسهم .. رائحة سيجاراتهم .. أشواقهم الآثمة .. نظراتهم القاسية ..
                              كائنات هلامية بلا أي ملامح أو سمات .. أين عيونهم ..؟؟
                              دوار .. دوار .. دوار ..
                              كل شيء يدور من حولي ..
                              جدّي .. جدّي أين أنت ...؟؟؟
                              استدرت إليهم ..
                              و بكل ما في عروقي من دماء .. و بكل ما في أنفاسي من حياة .. و بكلّ ما تبقى من بكاء .. صرخت :
                              أخرجوني من هنا ... أخرجونيييييييييي ..
                              تحيّاتي ، للجميع وأسف على الآطاله ،
                              سلام عليكم ..

                              تعليق

                              يعمل...
                              X