إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اعمى يسدد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اعمى يسدد

    >بسم الله الرحمن الرحيم
    >.. أعمى يسدد الهدف ..
    >لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي..
    >ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى
    >الاستراحات ..
    >كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ .. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة ..
    >كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم .. وغيبة الناس .. وهم يضحكون ..
    >أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً..
    >كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
    >بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ..
    >أجل كنت أسخر من هذا وذاك .. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي ..
    >صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني ..
    >أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق.. والأدهى أنّي
    >وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول .. وانطلقت ضحكتي
    >تدوي في السّوق ..
    >عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة ..
    >وجدت زوجتي في انتظاري .. كانت في حالة يرثى لها ..
    >قالت بصوت متهدج : راشد .. أين كنتَ ؟
    >قلت ساخراً : في المريخ .. عند أصحابي بالطبع ..
    >كان الإعياء ظاهراً عليها .. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً ..
    >الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
    >سقطت دمعة صامته على خدها ..
    >أحسست أنّي أهملت زوجتي ..
    >كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها في شهرها التاسع
    >..
    >حملتها إلى المستشفى بسرعة ..
    >دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال ..
    >كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر .. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلاً حتى
    >تعبت .. فذهبت إلى البيت ..
    >وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني ..
    >بعد ساعة .. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ..
    >ذهبت إلى المستشفى فوراً ..
    >أول ما رأوني أسأل عن غرفتها ..
    >طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي ..
    >صرختُ بهم : أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم ..
    >قالوا .. أولاً .. راجع الطبيبة ..
    >دخلت على الطبيبة .. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..
    >ثم قالت : ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
    >خفضت رأسي .. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى .. الذي
    >دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس ..
    >سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً .. لا أدري ماذا أقول .. ثم
    >تذكرت زوجتي وولدي ..
    >فشكرت الطبيبة على لطفها .. ومضيت لأرى زوجتي ..
    >لم تحزن زوجتي .. كانت مؤمنة بقضاء الله .. راضية .. طالما نصحتني أن أكف
    >عن الاستهزاء بالناس ..
    >كانت تردد دائماً .. لا تغتب الناس ..
    >خرجنا من المستشفى .. وخرج سالم معنا ..
    >في الحقيقة .. لم أكن أهتم به كثيراً..
    >اعتبرته غير موجود في المنزل ..
    >حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها ..
    >كانت زوجتي تهتم به كثيراً .. وتحبّه كثيراً ..
    >أما أنا فلم أكن أكرهه .. لكني لم أستطع أن أحبّه !
    >كبر سالم .. بدأ يحبو .. كانت حبوته غريبة ..
    >قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي .. فاكتشفنا أنّه أعرج ..
    >أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر ..
    >أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً ..
    >مرّت السنوات .. وكبر سالم .. وكبر أخواه ..
    >كنت لا أحب الجلوس في البيت .. دائماً مع أصحابي ..
    >في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
    >لم تيأس زوجتي من إصلاحي..
    >كانت تدعو لي دائماً بالهداية .. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة ..
    >لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته ..
    >كبر سالم .. وكبُر معه همي ..
    >لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين ..
    >لم أكن أحس بمرور السنوات .. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر ..
    >في يوم جمعة ..
    >استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً..
    >ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي .. كنت مدعواً إلى وليمة ..
    >لبست وتعطّرت وهممت بالخروج ..
    >مررت بصالة المنزل .. استوقفني منظر سالم .. كان يبكي بحرقة !
    >إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً .. عشر
    >سنوات مضت .. لم ألتفت إليه .. حاولت أن أتجاهله .. فلم أحتمل .. كنت أسمع
    >صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة ..
    >التفت .. ثم اقتربت منه .. قلت : سالم ! لماذا تبكي ؟!
    >حين سمع صوتي توقّف عن البكاء .. فلما شعر بقربي ..
    >بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين .. ما بِه يا ترى؟!
    >اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني !!
    >وكأنه يقول : الآن أحسست بي .. أين أنت منذ عشر سنوات ؟!
    >تبعته .. كان قد دخل غرفته ..
    >رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه ..
    >حاولت التلطف معه ..
    >بدأ سالم يبين سبب بكائه .. وأنا أستمع إليه وأنتفض .. تدري ما السبب !!
    >تأخّر عليه أخوه عمر .. الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..
    >ولأنها صلاة جمعة .. خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل ..
    >نادى عمر .. ونادى والدته .. ولكن لا مجيب .. فبكى .. أخذت أنظر إلى الدموع
    >تتسرب من عينيه المكفوفتين ..
    >لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه ..
    >وضعت يدي على فمه .. وقلت : لذلك بكيت يا سالم !!..
    >قال : نعم ..
    >نسيت أصحابي .. ونسيت الوليمة .. وقلت :
    >سالم لا تحزن .. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ ..
    >قال : أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..
    >قلت : لا .. بل أنا سأذهب بك ..
    >دهش سالم .. لم يصدّق .. ظنّ أنّي أسخر منه .. استعبر ثم بكى ..
    >مسحت دموعه بيدي .. وأمسكت يده ..
    >أردت أن أوصله بالسيّارة .. رفض قائلاً : المسجد قريب .. أريد أن أخطو إلى
    >المسجد .. - إي والله قال لي ذلك - ..
    >لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد ..
    >لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف .. والنّدم على ما فرّطته طوال
    >السنوات الماضية ..
    >كان المسجد مليئاً بالمصلّين .. إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف
    >الأوّل ..
    >استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي .. بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه
    >..
    >بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً ..
    >استغربت !! كيف سيقرأ وهو أعمى ؟
    >كدت أن أتجاهل طلبه .. لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره .. ناولته المصحف
    >..
    >طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف..
    >أخذت أقلب الصفحات تارة .. وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها ..
    >أخذ مني المصحف .. ثم وضعه أمامه .. وبدأ في قراءة السورة .. وعيناه
    >مغمضتان ..
    >يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !!
    >خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفاً ..
    >أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت .. وقرأت..
    >دعوت الله أن يغفر لي ويهديني ..
    >لم أستطع الاحتمال .. فبدأت أبكي كالأطفال ..
    >كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة .. خجلت منهم .. فحاولت أن
    >أكتم بكائي .. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ..
    >لم أشعر إلاّ بيد صغيرة تتلمس وجهي .. ثم تمسح عنّي دموعي ..
    >إنه سالم !! ضممته إلى صدري ..
    >نظرت إليه .. قلت في نفسي .. لست أنت الأعمى .. بل أنا الأعمى .. حين انسقت
    >وراء فساق يجرونني إلى النار ..
    >عدنا إلى المنزل .. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم ..
    >لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
    >من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد ..
    >هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد..
    >ذقت طعم الإيمان معهم ..
    >عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا ..
    >لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر ..
    >ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر ..
    >رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس ..
    >أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي ..
    >اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي ..
    >الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..
    >من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها ..
    >حمدت الله كثيراً على نعمه ..
    >ذات يوم .. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة
    >للدعوة ..
    >تردّدت في الذهاب.. استخرت الله .. واستشرت زوجتي ..
    >توقعت أنها سترفض .. لكن حدث العكس !
    >فرحت كثيراً .. بل شجّعتني ..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون
    >استشارتها فسقاً وفجوراً ..
    >توجهت إلى سالم .. أخبرته أني مسافر .. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً ..
    >تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف ..
    >كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي ..
    >اشتقت إليهم كثيراً .. آآآه كم اشتقت إلى سالم !!
    >تمنّيت سماع صوته .. هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت ..
    >إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم ..
    >كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه .. كانت تضحك فرحاً وبشراً ..
    >إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها .. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة .. تغيّر صوتها ..
    >
    >قلت لها : أبلغي سلامي لسالم .. فقالت : إن شاء الله .. وسكتت ..
    >أخيراً عدت إلى المنزل .. طرقت الباب ..
    >تمنّيت أن يفتح لي سالم ..
    >لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره ..
    >حملته بين ذراعي وهو يصرخ : بابا .. بابا ..
    >لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت ..
    >استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
    >أقبلت إليّ زوجتي .. كان وجهها متغيراً .. كأنها تتصنع الفرح ..
    >تأمّلتها جيداً .. ثم سألتها : ما بكِ؟
    >قالت : لا شيء ..
    >فجأة تذكّرت سالماً .. فقلت .. أين سالم ؟
    >خفضت رأسها .. لم تجب .. سقطت دمعات حارة على خديها ..
    >صرخت بها .. سالم .. أين سالم ..؟
    >لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد .. يقول بلثغته : بابا .. ثالم لاح الجنّة
    >.. عند الله..
    >لم تتحمل زوجتي الموقف .. أجهشت بالبكاء .. كادت أن تسقط على الأرض ..
    >فخرجت من الغرفة ..
    >عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
    >فأخذته زوجتي إلى المستشفى ..
    >فاشتدت عليه الحمى .. ولم تفارقه .. حين فارقت روحه جسده
    منقووووووووووول
    التعديل الأخير تم بواسطة سراب; الساعة 05-28-2004, 10:25 PM.

  • #2
    تسلم اخوي على القصه

    الماجد

    تعليق


    • #3
      الف شكر على الموضووووووووع
      Every Day I Said Today My Dreams Become Real

      أنت الزائر رقم لمواضيعي وردودي

      My E-mail :
      Good Bye And Good Luck In This Forum
      With My Best Wish

      تعليق

      يعمل...
      X