إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بسم الله الرحمن الرحيم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    (أشهد أن لا إله إلاَّ الله ) وحده لا شريك له أقرارا به و توحيداً، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله، صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليماً مزيداً، فنحييكم أيها الإخوة في الله في مطلع هذه المحاضرة، بتحية الإسلام فسلامُ الله عليكم و رحمته و بركاته.
    في هذا اليوم المبارك يوم الخميس الموافق للتاسع من شهر ر بيعٍ الثاني عام ثلاثٍ وعشرين وأربع مئة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضلُ الصلاة وأتم التسليم، نلتقي في هذا اليوم المُبارك بعلمٍ من أعلام السُنة، وعالم من علماء المدينة النبوية ألا وهو فضيلة الشيخ العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي، وعنوان هذه المُحاضرة أيها الإخوة أيها الإخوة في الله هو شرحُ حديثٍ، وهو قول الرسول عليه الصلاة و السلام: [ثلاثٌ لا يُغلُ عليهن قلب مسلم:إخلاصُ العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإنَّ دعوتهم تحيط من ورائهم ]، نستمع الآن إلى توجيهات الشيخ الفاضل وفقه الله تعالى، ونسأل الله عز وجل له السداد في القول و العمل:

    قال الشيخ-حفظه المولى عز وجلا- /
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله, ولو كره المشركون.
    أما بعد،
    فأيها الإخوة؛ قد أرسل الله سبحانه و تعالى، قد أرسل الله محمداً صلى الله عليه و سلم بالهدى و دين الحق وأظهر دينه، وشرع الله جل و علا لهذه الأمة من الشرائع ما لم يكن فيمن قبلها، وإن كان الأصل هو دين الإسلام، وقد أكمل الله هذا الدين وأجمله، وتكفَّل سبحانه و تعالى بحفظه و العناية به، وبأهل المُتمسكين بأهدابه، المتمسكين بأساسه كتاباً وسنةً، قال الله سبحانه و تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر/9) وقال سبحانه{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }(المائدة/3)، تلكم الآية العظيمة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة، وخطب صلى الله عليه وسلم خطبته في يوم عرفة، وهي تبين معالم هذا الدين، وخطب أيضا في منة في مسجد (الخير)، ومما قاله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث وهو حديثٌ حثَّ صلى الله عليه وسلم فيه على تبليغ الدِّين، وعلى نشره وعلى حفظه، وربما أشار صلى الله عليه وسلم أنه من يحفظه و يحفظ مقالته صلى الله عليه وسلم ويُبلغها، قد لا يكون وعاها فيعيها من تُبلَّغُ إليه، وهذا الحديث يتفق مع قوله صلى الله عليه وسلم [بلغو عني و لو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار] وهو حديث في البخاري في صحيح البخاري، فدعا صلى الله عليه و سلم في بداية الحديث بمن يبلغ مقالته وهي سنته صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل السنة فإن المقصود بذلك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الملَّة كتاباً وسنة، وأهل السنة لأنهم يعملون بالكتاب و السنة لذلك يقال لهم أهل السنة، وأهل الحديث لأنهم يتبعون الكتاب و السنة فقيل لهم أهل الحديث لأنهم يتمسكون بالسنة، لأن كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث عن الله سبحانه و تعالى، إما تبليغه لكلامه جلا وعلا، وإما تبليغ لأحكامه عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو يقول عليه الصلاة و السلام [ألا إنني أوتيت القرآن و مثله معه ]، و يقول عليه الصلاة و السلام [يُوشك رجل شبعان متكأ على أريكته، يقول بيننا و بينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حللا حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله]، وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، حتى يقول الجملة فتشمل الدين كله، فيقول الكلمة فتدل على جميع ما جاء به عليه الصلاة و السلام، وتشير إليه، فيشر ح ذلك أهل العلم فيُخيَّلُ إليك أنهم تكلموا على جميع الدين وهم يتكلمون عن كلمة واحدة، أو عن جملة واحدة، كما جاء في حديث[لا تغضب] جواباً على أحد أصحابه قال له يا رسول الله دُلني على عملٍ يُدخلني الجنة، ويُباعدني من النار، فقال له[لا تغضب]، انتظر الرجل أن يزيد على هذه الكلمة فلم يزد، فكرر السؤال، كرره ثلاثاً أو أكثر من ذلك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعيد عليه أو يُكرر عليه الكلمة نفسها، فقال والله ما إن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال إلاَّ وقد علمت أن الغضب يجمع الشر كله، إذًا إذا جمع الشَّرَ كله فماذا بقي، أقول إذا جمع الشَّرَ كله هذه الكلمة فماذا يبقى، يبقى الخير، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته تلكم الخطبة العظيمة هذه عباراتها [ ثلاثُ ( خصال ) لا يغُلُ -أو يغِلُ- عليهن مسلمٍ أبداً؛ إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولُزُوم الجماعة، فإن دعوتهم تُحيط مِنْ ورائِهِمْ -أو مَنْ وَرَائَهُمْ-]، قال أهل العلم إن هذه الجُمل الثلاث جمعت الخير كله، وحذرت من الشر كله، وأتت على الإسلام من كل جوانبه، ولهذا قال الإمام المجدد محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله: "لم يقع خللٌ في دين الناس و دنياهم إلاَّ بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها، لأن هذه الثلاث جمعت حق الله وحق العباد"، وما جاء به الإسلام إنما هو بيان حق الله و بيان حق العباد من جِنٍّ وإنسٍ من المكلفين، بل جاء ذلك لإصلاح الحياة في هذه الحياة الدنيا، لأنها تُفسدُ بخلاف الشرع و بالشرور، كما قال سبحانه و تعالى{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا }(الأعراف/56)، فأولى هذه الثلاث:
    إخلاص العمل، إخلاص العمل لله سبحانه و تعالى، ومتى يكون العمل خالصاً لله ؟ ومتى يكون العمل عملاً مُتقبلاً ؟ متى يكون مُرضياً لرب العزة و الجلال لله سبحانه و تعالى؟ لا يكون إلاَّ بشرطين هما أساس في العمل: الشرط الأول هو الإخلاص في العمل، فإذا قُلت إخلاص العمل فلا يكون العمل خالصاً إلاَّ ويأتي الركن الثاني، وإذا قُلت أنَّ العمل -وهو الركن الثاني- موافقاً للسُنَّة، أي لكتاب الله و لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووفق الآثار و الإتباع، فإنه يستلزم الركن الآخر، فلا بُدَّ للعمل أن يكون خالصاً وأن يكونَ صواباً أي موافقاً للسُنَّة، ولهذا قال الفضيل ابن عياض في قوله تعالى{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } (الملك/2)و( هود/7 )، قال: " أخلصهُ وأصوبهُ "، قالوا بيِّن لنا ؟ قال:" إنَّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل حتى يكون صواباً، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل حتى يكون خالصاً، فلن يُقبل العملُ حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص هو ما كان لله، والصواب هو ما كان موافقاً للسُنَّة".
    فهنا إخلاص العمل لله ومنه عملٌ قلبي عقدي، عمل القلب، ومنه عمل الجوارح، وهي ما يُعبَّرُ عنها بالأركان، ولهذا عند أهل السنَّة الإيمان اعتقادٌ بالقلب – اعتقاد بالجنان يُعبَّر عنه بالجنان- اعتقاد بالجنان وعملٌ بالأركان و نطقٌ باللسان، وقد يختصرون ويقُولون (قولٌ وعمل) أي: عمل القلب و عمل الجوارح، أو حتى قول القلب و قول الجوارح، يعني ما يُترجم عن القلب، فيُقال: ( قول و عمل )، هذا هو الإيمان: ( اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعملٌ بالأركان)، ويشمل عمل القلب: الاعتقاد، التوحيد، الإيمان بما أمر اللهُ بالإيمان به، ومن ذلك ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم، من كتاب هو كلام الله جلا وعلا المنزل غير المخلوق وهو من كلامه سبحانه و تعالى، الذي هو صفة له وبهذه الصفة تكلَّم بالقرآن وتكلم بغيره، ويتكلَّم في هذه اللحظة وفي هذا الوقت بما شاء إذا شاء، ويتكلم (كلمة لم تتضح لي) بتلك الصفة الذاتية الفعلية، (لها جانبٌ) فعل وهي ذاتية، فهو بها تكلم سبحانه وتعالى، ويُحدثُ من كلامه ما شاء في أي وقت، ويأمر وينهى سبحانه و تعالى ويشرع، كما جاء في النصوص، حتى إنه سبحانه و تعالى يوم القيامة يُنادي آدم بصوت، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم يسمعهُ، يسمعهُ من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ، يقول [يا آدم ابعث بعثكَ إلى النار]، فينطوي الإيمان بالله تعالى والإخلاص لهُ جل وعلا بالإيمان و بلوازم الإيمان، وبما يتحتم الإيمان به ويلزم، وكل ما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، من كتاب و سنة، اعتقاداً وقولاً وعملاً بالجوارح، فهذا الإنسان الذي يفعل كما أمره الله سبحانه و تعالى، وإذا عمل العمل أراد به وجه الله، ولا يعمل عملا إلاَّ وهو مُخلصٌ به لله سبحانه و تعالى، فإِنَّ الإخلاص يمنعه من عدم النُصح، يمنعه من الخيانة في حقِّ العباد، وهضم العباد حقوقهم، سواءٌ كانوا أفراداً أم جماعة، لأنَّ هذا الإخلاص لا يُبقي في قلبه غِلاً ولا حِقداً ولا حسداً فيُصفيه و يُنقيه، فيكونُ أبيض كالصفاء، هذا القلب لا يُمكن أن يصدر عنه إلاَّ الخير، لصاحبه و لمجتمعه جماعةً وأفراداً، وإذا ما وُجِدَ هذا، إذا ما وُجِدَ الإخلاص، فإنه حينها تُوجد الظُلمة، ويُوجد الفساد ويُوجد الشَّر والضغينة و الحقد، ولا يُمكن أن يُوجد النُصح، ولا يُوجد محبة الخير لغيره، يكونُ أنانياً إن صَحَّ التعبير كما يُعبِّر النَّاس، وحتى ربما في بعض الحالات يقُول عليَّ وعلى أعدائي، إذا كان لا ينفردُ هو بالخير كما يرى لنفسه ( إذا مِتُّ ضمأناً فلا نزول قطر).
    ثلاثة لا( يَغُلُ) - أو( يَغِلُ)- أو( يُغَلُ)-، ( يُغَلُ ) أو( يَغِلُ ) يختلف معناهما عند أهل اللغة، ولكنه يتفق يعني لكل من اللفظتين معناها لكن ليس بينهما تضاد وتعارض، وإنما الأولى المقصود بها يعني ( يَغُلُ) من الإغلال وهو الخيانة، خيانة في كل شيء، يُقال ذلك يُقال له يَغُلُ، أو يغلو وهو من الغلو وهو إضمار الشر والسوء، أماَّ ( يَغِلُ) فإنه من الغِلْ، وهو الحقد والحسد والشحناء، الذي يزيحه عن الحق، ولا يجعله ينصف ويعدل، أماَّ إذا كانت هذه الثلاث عند المُؤمن وكانت تابعةً لأولها وهو الإخلاص فإنه لا يُمكن أن يَخُون، أو أن يُوجد عند الحقد الذي يُزيحه عن قول الحق وعمله وأداء الحقوق، لا يُمكن أبداً.
    إذن فهذه الثلاث ضمانة للمسلم، وهي تشملُ الخير كلهُ، وتُبعدُ الشَّرَ كلهُ، وإذا لم تتوفر في المسلم فلا شكَّ أنه ليس مسلماً حقاً، ولا يُمكن أن يُقال عنهُ بأنهُ صاحب سُنَّة، وأنهُ على منهجٍ قويم، أو على استقامةٍ في دينه، فلهذا لا تجدونَ ضد تلكَ الأشياء إلى عند أهل البدع وأهل الضلال، فهم يحقدون على جماعة المسلمين، وعلى ولاة أمور المسلمين، فلا يَنْصَحُونَ لهم بل يتربصون بهم، ويبغون لهم الغوائل، ولكن هؤلاء عندهم ضمانة من دينهم، أنهم جماعة وأنهم على هدى، ودعوتهم تُحيط من ورائِهم أو من ورائَهم، دون غيرهم من أولئك أهل الشَّر، فهم قوةٌ قد ضمنَ الله لها أن تبقى، ويكون الله جلَّ وعلا مع أهلها، ينصُرهم ويُؤيدهم ويُظهرهم، وقد تكفَّلَ لهم بأن يبقوا ظاهرين منصورين إلى قيام الساعة، إلى أن تُقبض أرواح المؤمنين في تلكم الريح الطيبة بين يدي قيام الساعة، التي لا تقوم إلاَّ على شرار الخلق، ولا تقوم على من يقول في الأرض الله...الله...، وهذا من رحمة الله بهم فهو يرعاهم، ويحوطهم ويحفظهم، وتكفل بنصرهم وبظهورهم، لا يضرهم من خالفهم ولا يضيرهم من خذلهم، يُقاتلون على الحق ظاهرين دائماً، حجةً لله جلا وعلا على خلقه، وأنتم ترون أنَّ الطائفة أو الفرقة الثلاثة و سبعين من فرق الأمة أنها هي الفرقة التي تُنجى من بين الفرق، وأنَّ هذه الفرقة التي إن قُلنا عنها أنها الطائفة المنصورة، وإن قلنا الفرقة الناجية، وإن قلنا أتباع السلف، أو أتباع أهل السنة والجماعة، أو إن قُلنا السَّلفيُون، أو أهل الأثر، أو المتمسكون بالإسلام وليس لهم لقب، كل هؤلاء هم أهل السنة، وهذا كله يدل على أنهم يتمسكونَ بالكتاب و السنة، لأنها إذا أُطلقت السنة فالمقصود بها هي الرسالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه و سلم، وحينما سُئِلَ صلى الله عليه و سلم عنها قال[ من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي]، وفي الرواية الأخرى وهي أقوى من هذه الرواية، وهذه الرواية تشهدُ لها قال[هم الجماعة]، والجماعة هم الذين يجتمعون على الحق الصراح، الذي جاء به في الكتاب و السنة، وعمل به سلف الأمة، وهم الذين قال الله فيهم:{ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ }(البقرة/137)، { آمَنتُم }: وَزَنَ إيمانَ من في زمنهم أو بعدهم بإيمانهم، وقال فيهم سبحانه و تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }(النساء/115)، حتى إن ذا الخويصرة حينما وقف أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، قال[ويحك، خبت وخسرت إن لم أعدل، من يعدل إن لم أعدل] فباء بالخيبة الخسارة، وخرج عن الجماعة لأنه لم يكن على هذا الإخلاص، حتى يحصل منهُ النُصح والنصيحة، ولا يكون في قلبه غل، و أي إنسان يقول هذه المقالة للرسول فلا شك أن في قلبه غل وفيه حقد وفيه حَرَج، لهذا توجهت إليه الدعوة خبتَ و خسرتَ، وأهل هذه الثلاث هم الذي كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه و سلم، وذاك الذي هو أول الخوارج، هو وأصحابه الذين جاءوا فيما بعد، وخرجوا في أيام علي-رضي الله عنه- على الأمة يضربون برها وفاجرها، فيبقون في هذا الغل وهذا الحقد، خارجين على هذه الجماعة وبعيدين عن النصح و المناصحة، إلى أن يخرج في عراضهم الدجال قيُقتلُونَ مع الدَّجال كما صحَّ في ذلك الحديث.
    فإذًا من كان مُخلصًا وصفى قلبهُ واستروح لهذا الدين، وتغلغل في سويداء ذلك القلب، فإنه لابدَّ أن يكون ناصحاً، وأول ما تجب النصيحة والنصيحة التي فيها الخير العام و الشامل هي النصيحة لولي الأمر، تدعوا له تحب له الخير، تُحبُ له التسديد و التوفيق، تعينه تبيِّن له ما يحتاج معرفته من الخير، ما يحتاجه إلى الدلالة عليه، تُحذره من خارجيٍّ يتهدده ليسفكَ دمهُ، وليفرق كلمة الأمة وليُحدثَ الفتنة وليسفك الدِّماء، تحذره وتعرفه حقوق العباد عليه بعد حق الله سبحانه و تعالى، هذه النصيحة لولي الأمر، لا تحب له إلاَّ الخير، وأنت في ذلك تُحسنُ إليه و تعينه على الخير، وتجعله خَيِّراً بتوفيق الله عادلاً منصفاً، قائماً بما أنيطَ به من مهام، فينعكسُ هذا على الأمة، وينعكس على دينها وعلى إسلامها، أمناً وأماناً في دينها و في أبداِنها في عيشها والذي حينما يتوفرُ لها تعبد الله سبحانه وتعالى وهي مطمئنة، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه و سلم[من أمسى آمناً في سربه، مُعافاً في بدنهِ، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزت له الدُنيَا بحذافيرها]وهل يُوجد أمن بدون سلطان، لا يُمكن أن يُوجد أمنٌ بدون سلطان، ولهذا قال الفضيل ابن عياض ذلكم الإمام العظيم رحمه الله:
    إنَّ الإمامة حبلُ الله فاعتصموا *** منه بعروته الوُثـقى لمن دان
    لولا الأئمة لم تَـأمن لنا سُبلٌ *** ولـكان أضعفنا نهباً لأقوان
    يذكر الإمام وهب ابن منبه اليمني المشهور من تلاميذ تلاميذ ابن عباس-رضي الله عنه- أن من حُكم الله سبحانه وتعالى أنه لم يُولي على الناس ر جلاً من الخوارج، ولو وَلِيَ عليهم رجل من الخوارج لفسدت الأحوال، و لما أمِنَ الناس على دمائهم وعلى أموالهم وعلى دِينهم، ولما وجدوا ما يأمنون به إلاَّ شعاف الجبال، ولقُطعت السُبل، ولما حُجَّ بيتُ الله ولا اعتمر، ولما أوديت تلك الفرائض و الأركان، لكن من حُكم الله أن يُوَلِي عليهم رجلا ليس من الخوارج، لأنهم غير ناصحين وهم الذين يتربصون الدوائر بجماعة المسلمين، يقتلون أهل الإسلام و يتركون أهل الأوثان، وقد نصَّ أهل العلم أنه حيثما ذُكر الإمام فإنه تدخل فيه جماعة المسلمين، وليس المقصود إنما شخصه بمفرده لأنه لا يكون إمام إلاَّ وحوله الجماعة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جماعة المسلمين لا بد له من إمام وإلاَّ لا تكون جماعة حينئذٍ، ولهذا قال صلى الله عليه و سلم لحُذيفة-رضي الله عنه-[ تلزم جماعة المسلمين و إمامهم ] قال فإن لم تكن لهم جماعة و لا إمام قال[تعتزل تلك الفرق و لو أن تعُضَّ على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك]، وقد أجمعت الأمة على أنه لا إسلام إلاَّ بجماعة، ولا جماعة إلاَّ بإمارة، ولا إمارةَ إلاَّ بسمعٍ وطاعةٍ، هذا هو الإسلام، وأنَّ الذي يخرج عن الجماعة هذا يبتغي في الإسلام سُنَّة الجاهلية، كما جاء في الحديث الذي رواه البُخاري في صحيحه[أبغض الخلق إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم، ومُبتغي في الإسلام سُنَّة الجاهلية، ]، يقول صلى الله عليه و سلم:[ من مات و ليس في رقبته بيعة، مات ميتةً جاهلية] وأهل البدع يجتمعون على السيف و على الخُروج على جماعة المسلمين وعلى إمامهم، [ومُبتغي في الإسلام سُنَّة الجاهلية، ومطلبٌ دمَ إمرءٍ مسلمٍ بغيرِ حقٍ ليُهريق دمه].
    إذن المُناصحة أول ما تكون وأول ما تجب، إن كانت تجب على الأمة جميعاً فقد قال صلى الله عليه و سلم[الدِّينُ النصيحة، الدِّينُ النصيحة، الدِّينُ النصيحة] قلنا لمن يا رسول الله، قال[لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين و عامتهم]، وقال جابر - رضي الله عنه- بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على السمع و الطاعة والنصح لكل مسلم، أنظر ( السمع و الطاعة ) للسُلطان، والنُصح لكل مسلم، لكن هذا تخصيصٌ ثم تعميم مع أنه يدخُل في المسلمين، لكن لاهتمامه بولي الأمر السُلطان، لأنَّ جماعة المسلمين يكونون حول هذا السُلطان، ثم هذا السُلطان بمثابة الفُسطَاط للخيمة، إذا وقعت وقعت على الجميع، فدمرتهم أو لا تُظلهم ولا ينتفعون بهذا البناء بشيء، ولذلك قال الطرطوشي رحمه الله في كتابه العظيم: ( سراج الملوك )"إنَّ مَثَلَ الأُمَّة بالجماعة بسُلطان أو بدون سُلطان كمثل أهل مدينة وهم في الظلام، وسُرُجُهُم...(هنا انتهى الوجه الأول من الشريط - بحمد الله تعالى- ويليه الوجه الثاني)...كذلك انطفأت السُرُوج، فتحركت الفأرة الفُويسِقة والعقرب والأسد والأَسْوَد! والنسر، فتصوَّر كيف تكون حياة أهل هذه المدينة، فهم بالسلطان كالذين يعيشون على السرج، و بدون سلطان كالذين يعيشون في الظلام ". وهو كذلك فإذا لا غرو أن تكون النصيحة لولي الأمر أولاً، وهنا نعلم أهمية تلكم الكلمة العظيمة للفضيل ابن عياض حينما قال: ( لو أنَّ لي دعوة مستجابة لجعلتها في السلطان، أو لما جعلتها إلاَّ في السلطان)، فقيل له بيِّن لنا يا أبا علي؟، قال: ( إن أجيبت فِيَّ فإنها لا تعدونِ،-يعني تقتصرُ عليَّ والمصلحة قاصرة على الشخص ، أمَّا إذا استُجيبت في السلطان فصَلُحَ أصلح الله به العباد و البلاد-)، لذلك لا يفرقُ الخوارج إلاَّ من هذه الكلمة من أولهم إلى أخرهم من الفضيل بن عياض رحمه الله و رحم السلف أجمعين، قد سبقه من سبقه عليها وهذا هو استقراءُ الكتاب و السنة، وتأس به من تأس به وأخذ يقررها بعده، حتى قالها الإمام أحمد، ولكن ثُبوتها عن الإمام أحمد رحمه الله ليس كثبوتها عن الفضيل ابن عياض، وثُبوتها عن الفضيل هذا صحيح، وثبوتها عن الإمام أحمد من العلماء من يرى أن في ذلك مقالاً، لكن هذا هو مقتضىَ الدِّين الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم، ولا يختلف عليه إثنان، وليس كلام الإمام الفضيل أو كلام أحمد وحياً، وإنما يأخذون من هذا الوحي فيقولون من هذه الدُرر، لكن أناس من الخوارج يتمسكون بهذا الخيط الذي يظنون أنه ينفعهم و يُنجيهم، وهو أوهن من بيت العنكبوت، حيث يقولون: (ما ثبت عن الإمام أحمد!)، ولذلك لمَّا أراد أحدهم أن يُلبِّس على الأمة قال: ( هذا لم يثبُت عن الإمام أحمد! في إسناده نظر عن الإمام أحمد!)، لو سلمنا أنه في إسناده نظر عن الإمام أحمد؛ لكن هل هو صحيح أو ليس صحيح؟!، وهل أنت تُخالفُ إجماع الأمة و هل يختلفُ ففيه اثنان أو ينتطح عليه عنزتان؟!!، لكن ماذا يُريد!! هذه نقمة على سلف الأمة وعلى مثل هذا الكلام الذي هو دُرر، ومن أينَ أخذوا هذه الدُرر، كيف وُجدت هذه الدرر عند هؤلاء الرجال العُظماء، إنما من الإخلاص لله الذي توفر فيه الإتباع، إتباع الكتاب و السنة، وأخذوا بمثل هذا الحديث فلم يجدوا غلاً ولا حسداً، ولم يُوجد في نفوسهم إلاَّ الصفاء، و إلاَّ الخير و محبة الخير، لأنفسهم و لغيرهم، وربما لغيرهم قبل أنفسهم { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }(الحشر/9)، ثمَّ تأتي بعد المناصحة لُزوم الجماعة، ولُزومُ الجماعة هو أيضا من النُصح ومما يُبديه الإخلاص، والمناصحة لولي الأمر لأنه هو داخل في المناصحة لولي الأمر، لأنه كما قُلنا ولي الأمر المقصود به قائد و رائد الجماعة، ومناصحة ولي الأمر هي لُزومُ الجماعة أيضاً، من لم يلزم الجماعة فليس بناصحاً لولي الأمر، لأنه ليس بناصح ولا مُخلصاً، وليس في قلبه ذالك الصفاء، الذي يفرضهُ الإخلاص، لو كان مُخلصاً لله سبحانه و تعالى للزمِ الجماعة، أما مُفارقةُ الجماعة فهذا دليلٌ على مُفارقة الدِّين، لأنَّ هذا الدين يجمع و لا يُفرق، وأهله مُعتصمون به، وهو حبلُ الله سبحانه و تعالى، كما قال سبحانه و تعالى في سورة الأنعام:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(الأنعام/153) {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(آل عمران/103).
    هذا حديث عظيم وهو حديث صحيح، رواه الإمام أحمد في مسنده و رواه غيره، واهتم به أهل العلم و اعتنوا به، فجديرٌ بنا و حقيقٌ أننا نهتم بهذا الحديث، ونستنبط ما فيه من فقه، وهكذا ينبغي أن يكون الفقه، [من يرد الله به خيراً يفقهه في الدِّين]، تجد الخطيب و المتكلم الذي يتكلم الساعات ويرغ ويزبد لا يذكر آية ولا يذكر حديثاً، أي هداية في كلامه، بل تجده ينقمُ على أن يُذكر حديث أو أن تُذكر آية، إذا لم يكن كلامه في السِّيَر، كما يقول أحدهم:(عند هؤلاء الفقهاء إلاَّ أن يتكلم بما تحت الأرض أو فوق السماء! )، شُفْ كيف يحقر الدِّين ويُسميه جزئيات (يُغرقون في الجزئيات!) لا إله إلاَّ الله، أُنظروا ما هي الخُطة وما أساسها في كلامهم القيِّم، و كيف كان كلام السلف وما ذكره العلماء، (كلمات لم تتضح لي) عن الآخرة وعن القبور وعن ما يُسأل عنه الإنسان عن الإيمان و عن...و عن...، هل الجنَّة والنار هي التي فوق السماء، والنار التي هي تحت الأرض، هذا هو الذي جعله هذا الدين، أنما هذه الدنيا دار تكليف، وأن تعرف حياتك وأن تعرف ما تؤول إليه، وما يُريده الله سبحانه و تعالى منك، وهذا ما جاء في كتاب الله و سُنَّة رسول الله صلى الله عليه و سلم، أنظر كيف (كلمات لم تتبين لي) سوء ظنهم، انحراف دعوتهم و ضلال مناهجهم، يتكلم الساعات و لا يذكر آية ولا يذكر حديثاً، فكيف يكون هذا الإنسان قد أُريدَ به الخير؟!، [من يرد الله به خيراً يفقهه في الدِّين] مفهوم المخالفة ما هو؟ هو أنَّ من لم يُفقهه في الدِّين لم يُرد الله به خيراً، وإنما يحصل له عدم الخير بعمله، {ولا يظلمُ ربك أحداً}.
    نسأل الله أن يفقهنا في هذا الدِّين، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن ينفعنا بما نقوله و ما نسمعه، والتمسك بأهداب هذا الدِّين وبسنَّةِ سيِّد المرسلين، وصلى الله عليه وسلم وبارك وعلى آله وأصحابه أجمعين، والله أعلم.

  • #2
    جزاك الله خير يا قلبي

    تعليق


    • #3
      مشكوووووووووور أخووووووووووي

      تعليق


      • #4
        العفوووووو يا قلبي


        ويسلمووووو على مروركم

        تعليق


        • #5
          شكرا جزيلا على الموضوع جزاك الله خير وخير الكلام المختصر المفيد أرجو في المره الاخرى عدم الاطاله في الموضوع لان ذلك لا يساعد القارىء على قرائته بدقه


          ولقد قلت إذ تطاول هجرها
          ربي لا صبر لي على هجرها
          ربي أعنها وأدخل الخير والبسمه عليها
          بأبي من وددتها فافترقنا
          ؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛°`°؛¤ مـعـشـوقـه ¤؛°`°؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛

          تعليق


          • #6
            مـــــشـــــكور


            أخـــــــوي


            عـــــــلــىىى

            الـــمـــوضــوع
            مشتآقلكم بس الظروف تخلي الوأحـد
            ((؟؟؟))

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خير ويعطيك الف عافيه وربي لو انا اقرا هذا ما اخلص الا باجر لوووووولى

              تعليق


              • #8
                انشالله ماما ميس


                ويسلموووووو على مروركم

                تعليق

                يعمل...
                X