السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اولا لاعرفكم من هو الامام الصادق عليه السلام قبل ان ادخل بالموضوع:
هو الامام الصادق ابن الامام الباقر ابن الامام السجاد ابن الامام الحسين ابن الامام علي عليهم السلام وحفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان ( عليه السلام ) يُكنَّى بأبي عبد الله ، وأبي إِسماعيل ، وأبي موسى ، وأوّلها أشهرها ، ويُلقَّب بالصادق ، والفاضل ، والقائم ، والكافل ، والمنجي ، وغيرها ، وأوّلها أيضاً أشهرها .
لقَّبه بالصادق جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيث قال : ( ويخرج الله من صُلبه - أي صُلب محمّد الباقر - كلمة الحق ، ولسان الصدق ) ، فقال له ابن مسعود : فما اسمه يا نبي الله ؟
قال : ( يقال له : جعفر ، صادق في قوله وفعله ، الطاعن عليه كالطاعن عليّ ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ ... ) .
كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد ساهم مع أبيه الإمام محمَّد الباقر ( عليه السلام ) ، في تأسيس مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في المدينة المنورة .
وقد اتخذا من الحرم النبوي المنور مركزاً لإلقاء الدروس ، حتى تحوّل إلى أكبر معهدٍ من المعاهد الإسلامية في زمانه .
فربّى جيلاً عالماً انتشر في أنحاء البلاد ، يبث حقائقَ الدين ، ويُبيِّن معالمه
فالإمام الصادق ( عليه السلام ) طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها ، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ، وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .
تطبّع الإمام الصادق ( عليه السلام ) بصفات الفضل ، ومحبة العلم ، وتعلَّم من جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) أن يُطعِم حتى لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .
وإن إحصاء فضله ( عليه السلام ) ، وسعة علمه ، وآفاق فكره ، وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ حياته ( عليه السلام ) من الصعوبة بمكان .
علم الكيمياء :
-------------------
لا بُدَّ لنا ونحن في رحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) من الوقوف قليلاً لإلقاء نظرة عابرة على علم الكيمياء ، ودور تلميذه جابر بن حيَّان .
الذي أخذ عنه هذا العلم ، وسعى إلى تطويره ، وإخراجه من الجمود ، والسحر ، والشعوذة ، والتدجيل ، والخرافات ، إلى علم يقوم على البحث والاختبار ، ويقود إلى خير الإنسانية ، وسعادتها .
يقول ابن النديم في الفهرست رداً على بعض المصادر المغرضة التي شكّكت في وجود جابر واعتبرته أسطورة وهمية :
الرجل له حقيقة ، وأمره أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكثر ، ولهذا الرجل عدداً من الكتب .
وتؤكد المصادر أنَّ جابراً كان حقيقة وليس أسطورة ، وأنه عاش في النصف الأول من القرن الثامن للميلاد .
وهناك إجماع وتأكيد على اتصاله بـ( البرامكة ) ، الذين كانوا يحافظون على ( التقية ) ، في علاقاتهم بالإمام الصادق ( عليه السلام ) .
ويقول ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ، وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً ، له مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم فَنَسب إليه اختراع الجبر .
إن هذه الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، ويردُّها جميعها إلى مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .
ونقول : إنَّ لجابر مؤلفات عديدة في مختلف العلوم ، وقد تكون رسالته في التربية ، وبيان العلاقة بين المعلم والمتعلم أهم ما كتبه .
وتعتبر من روائع الآثار التربوية ، ففيها فصَّل جابر واجبات وحقوق كل من المدرِّس والتلميذ ، ويلتقي فيها مع أحدث الأساليب للدول الحضارية المتقدمة ، صاحبة الأولية في الثقافة ، والعلوم ، والآداب .
ومن الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ على يد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فهناك العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا إلى مدرسته ( عليه السلام ) ، ودرسوا على يده الفقه ، والحديث ، وعلم الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ، والآداب .
والفضل كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطوائفه ، ومذاهبه .
ما املاه :
----------
أملى الإمام الصادق ( عليه السلام ) على أحد أصحابه ، وهو المفضل بن عمر ، حيث قال ( عليه السلام ) : ( يَا مُفضل ، أوَّلُ العِبَرِ والدَّلالةِ عَلى الباري جَلَّ قُدسُه تهيئةُ هذا العالم ، وتأليفُ أجْزائِهِ ونظمُهَا على ما هي عليه .
فإنَّك إذا تأمَّلت العالَم بِفِكرِكَ وخبرته بِعَقْلِك ، وجدتَهُ كالبيت المبني ، المُعَدُّ فيه جميع مَا يَحتاجُ إليهِ عِبادُه .
فالسَّمَاء مَرفوعَةٌ كالسَّقفِ ، والأرضُ مَمْدودَةٌ كالبِسَاط ، والنُّجُوم مُضيئَة كالمَصَابِيح ، والجواهر مَخزونَة كالذخائِر ، وكُل شَيءٍ فيهِ لشأنِهِ مُعَدٌّ .
والإنْسَانُ كالمَالِك ذَلكَ البَيت ، والمخوّل جَميع مَا فِيه ، وضُروب النَّباتِ مُهيَّأة لِمَآرِبِهِ ، وصنوف الحيوان مَصرُوفَة في مَصَالِحِه ومَنَافِعِه .
ففي هَذا دَلالَة واضِحَة عَلى أنَّ العَالِمَ مَخلوقٌ بتَقديرٍ ، وحِكْمَة ، ونظام ، ومُلاءَمَة ، وأنَّ الخَالِق لَهُ واحِدٌ ، وهو الذي ألَّفَهُ ونظَّمَهُ بَعضاً إلى بَعضٍ .
جَلَّ قُدْسُهُ وتعالى جده وَكَرَم وجْهِهِ ، ولا إلَهَ غَيرَه تَعَالى عَمَّا يَقولُ الجَاحِدونَ ، وجَلَّ وعَظُمَ عَمَّا ينتَحِلُهُ المُلحِدُونَ .
نَبْدأ يَا مُفضل بِذِكْرِ خَلْقِ الإنْسَانِ فاعتَبِرْ بِه ، فأوَّل ذَلِكَ مَا يُدبّرُ بِهِ الجَنين في الرَّحِمِ ، وهو مَحْجوبٌ في ظُلُمَاتٍ ثَلاث : ظُلْمَةُ البَطْنِ ، وظُلْمَةُ الرَّحِمِ ، وظُلْمَةِ المَشِيمَةِ ، حَيثُ لا حِيلَةَ عِندَهُ في طَلَبِ غِذاءٍ ، وَلا دَفْعِ أذىً ، ولا استِجْلابِ مَنْفعَةٍ ، ولا دَفعِ مَضَرَّةٍ ، فإنَّه يَجري إليهِ مِن دَمِ الحَيضِ مَا يغذوه المَاءُ والنَّبَاتُ ، فَلا يزالُ ذَلِكَ غِذاؤُه .
حتَّى إذا كَملَ خَلقُهُ ، واسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ ، وقَويَ أدِيمُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الهَوَاءِ ، وبَصَرُهُ على مُلاقَاةِ الضِّيَاءِ ، هَاجَ الطَّلقُ بأمِّهِ ، فأزْعَجَهُ أشَدَّ إِزْعَاجٍ وأعْنَفَهُ ، حَتَّى يُولَدَ .
فَإذا وُلِدَ صُرِفَ ذَلِك الدَّمِ الَّذي كَانَ يَغذُوهُ مِن دَمِ أمِّه إلى ثَدْيِهَا ، وانقَلَبَ الطَّعمُ واللَّونُ إلى ضَرْبٍ آخَرٍ مِنَ الغِذَاءِ ، وهوَ أشَدُّ مُوافَقَةً لِلمَولُودِ مِن الدَّمِ ، فَيُوَافِيهِ في وَقتِ حَاجَتِهِ إِلَيه .
فَحينَ يُولَدُ قد تَلَمَّظَ ، وحَرَّكَ شَفَتَيهِ طَلَباً للرِّضَاعِ ، فَهو يَجِدُ ثَدي أمِّهِ كالأداوَتَينِ المُعلَّقَتَينِ لِحَاجَتِه ، فَلا يَزَالُ يَتَغذَّى باللَّبَنِ ، مَا دَام رَطِبُ البَدَنِ رَقِيقُ الأمْعَاءِ ، لَيِّنُ الأعْضَاءِ .
حتَّى إِذَا تَحرَّكَ واحتاجَ إلى غِذاءٍ فِيهِ صَلابَة لِيشتَدَّ ويقْوَى بَدَنُه ، طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِن الأسْنَانِ والأضْرَاسِ ، لِيَمضغَ بها الطَّعَام ، فَيَلينَ عَلَيه ، ويسهل لَهُ إِسَاغَتَهُ .
فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتى يُدركَ ، فإِذا أدْرَكَ وَكانَ ذَكَراً طَلَع الشَّعرُ فِي وَجْهِهِ ، فَكَان ذَلكَ علامَةَ الذَّكَر ، وعِزَّ الرَّجلِ ، الَّذي يَخرُجُ بِهِ مِن جدَّةِ الصِّبَا ، وَشبهِ النِّسَاءِ ، وإنْ كَانَتْ أُنثىً يَبْقَى وَجْهُهَا نَقيّاً مِنَ الشَّعْرِ ، لِتَبقَى لَهَا البَهْجَة والنَّضَارَة الَّتي تُحَرِّك الرَّجُلُ لِمَا فِيهِ دَوام النَّسْلِ وَبَقاؤهُ .
اِعتَبِرْ يَا مُفضَّل فِيما يُدبرُ بِهِ الإِنسان فِي هَذِهِ الأحوالِ المُختَلِفَةِ ، هَلْ تَرى مثلهُ يُمكِنُ أنْ يَكونَ بالإهْمَالِ ؟
أفَرَأيْتَ لَو لَمْ يَجْرِ إِليهِ ذلكَ الدَّم وَهوَ في الرَّحِمِ ألَمْ يَكُنْ سَيَذْوِي وَيَجفُّ كَمَا يَجفُّ النَّباتُ إذَا فَقَدَ المَاءُ ، وَلو لَمْ يُزعِجْه المَخَاضُ عِندَ استِحْكَامِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيَبقَى في الرَّحِمِ كالمَؤودِ فِي الأرْضِ ؟
وَلو لَمْ يُوافِقْهُ اللَّبَنُ مَع ولادَتِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيمُوتُ جُوعاً ، أوْ يَغْتَذِي بِغداءٍ لا يُلائِمُهُ ، وَلا يَصْلُحُ عَلَيهِ بَدَنُهُ ؟
وَلو لَم تَطْلَعْ لَهُ الأسنَانُ فِي وَقْتِهَا ألم يَكُنْ سَيَمْتَنِعُ عَليهِ مَضْغَ الطَّعَامِ وَإِسَاغَتِهِ ، أوْ يُقيمُهُ عَلَى الرِّضَاعِ فَلا يَشتَدُّ بَدَنُه ، وَلا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ ؟ ، ثُمَّ كَانَ يشغلُ أمَّهُ بِنَفسِهِ عَنْ تَربِيَةِ غَيرِهِ مِنَ الأوْلادِ ) .
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
اولا لاعرفكم من هو الامام الصادق عليه السلام قبل ان ادخل بالموضوع:
هو الامام الصادق ابن الامام الباقر ابن الامام السجاد ابن الامام الحسين ابن الامام علي عليهم السلام وحفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.
كان ( عليه السلام ) يُكنَّى بأبي عبد الله ، وأبي إِسماعيل ، وأبي موسى ، وأوّلها أشهرها ، ويُلقَّب بالصادق ، والفاضل ، والقائم ، والكافل ، والمنجي ، وغيرها ، وأوّلها أيضاً أشهرها .
لقَّبه بالصادق جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيث قال : ( ويخرج الله من صُلبه - أي صُلب محمّد الباقر - كلمة الحق ، ولسان الصدق ) ، فقال له ابن مسعود : فما اسمه يا نبي الله ؟
قال : ( يقال له : جعفر ، صادق في قوله وفعله ، الطاعن عليه كالطاعن عليّ ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ ... ) .
كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد ساهم مع أبيه الإمام محمَّد الباقر ( عليه السلام ) ، في تأسيس مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في المدينة المنورة .
وقد اتخذا من الحرم النبوي المنور مركزاً لإلقاء الدروس ، حتى تحوّل إلى أكبر معهدٍ من المعاهد الإسلامية في زمانه .
فربّى جيلاً عالماً انتشر في أنحاء البلاد ، يبث حقائقَ الدين ، ويُبيِّن معالمه
فالإمام الصادق ( عليه السلام ) طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها ، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ، وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .
تطبّع الإمام الصادق ( عليه السلام ) بصفات الفضل ، ومحبة العلم ، وتعلَّم من جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) أن يُطعِم حتى لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .
وإن إحصاء فضله ( عليه السلام ) ، وسعة علمه ، وآفاق فكره ، وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ حياته ( عليه السلام ) من الصعوبة بمكان .
علم الكيمياء :
-------------------
لا بُدَّ لنا ونحن في رحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) من الوقوف قليلاً لإلقاء نظرة عابرة على علم الكيمياء ، ودور تلميذه جابر بن حيَّان .
الذي أخذ عنه هذا العلم ، وسعى إلى تطويره ، وإخراجه من الجمود ، والسحر ، والشعوذة ، والتدجيل ، والخرافات ، إلى علم يقوم على البحث والاختبار ، ويقود إلى خير الإنسانية ، وسعادتها .
يقول ابن النديم في الفهرست رداً على بعض المصادر المغرضة التي شكّكت في وجود جابر واعتبرته أسطورة وهمية :
الرجل له حقيقة ، وأمره أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكثر ، ولهذا الرجل عدداً من الكتب .
وتؤكد المصادر أنَّ جابراً كان حقيقة وليس أسطورة ، وأنه عاش في النصف الأول من القرن الثامن للميلاد .
وهناك إجماع وتأكيد على اتصاله بـ( البرامكة ) ، الذين كانوا يحافظون على ( التقية ) ، في علاقاتهم بالإمام الصادق ( عليه السلام ) .
ويقول ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ، وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً ، له مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم فَنَسب إليه اختراع الجبر .
إن هذه الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، ويردُّها جميعها إلى مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .
ونقول : إنَّ لجابر مؤلفات عديدة في مختلف العلوم ، وقد تكون رسالته في التربية ، وبيان العلاقة بين المعلم والمتعلم أهم ما كتبه .
وتعتبر من روائع الآثار التربوية ، ففيها فصَّل جابر واجبات وحقوق كل من المدرِّس والتلميذ ، ويلتقي فيها مع أحدث الأساليب للدول الحضارية المتقدمة ، صاحبة الأولية في الثقافة ، والعلوم ، والآداب .
ومن الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ على يد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فهناك العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا إلى مدرسته ( عليه السلام ) ، ودرسوا على يده الفقه ، والحديث ، وعلم الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ، والآداب .
والفضل كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطوائفه ، ومذاهبه .
ما املاه :
----------
أملى الإمام الصادق ( عليه السلام ) على أحد أصحابه ، وهو المفضل بن عمر ، حيث قال ( عليه السلام ) : ( يَا مُفضل ، أوَّلُ العِبَرِ والدَّلالةِ عَلى الباري جَلَّ قُدسُه تهيئةُ هذا العالم ، وتأليفُ أجْزائِهِ ونظمُهَا على ما هي عليه .
فإنَّك إذا تأمَّلت العالَم بِفِكرِكَ وخبرته بِعَقْلِك ، وجدتَهُ كالبيت المبني ، المُعَدُّ فيه جميع مَا يَحتاجُ إليهِ عِبادُه .
فالسَّمَاء مَرفوعَةٌ كالسَّقفِ ، والأرضُ مَمْدودَةٌ كالبِسَاط ، والنُّجُوم مُضيئَة كالمَصَابِيح ، والجواهر مَخزونَة كالذخائِر ، وكُل شَيءٍ فيهِ لشأنِهِ مُعَدٌّ .
والإنْسَانُ كالمَالِك ذَلكَ البَيت ، والمخوّل جَميع مَا فِيه ، وضُروب النَّباتِ مُهيَّأة لِمَآرِبِهِ ، وصنوف الحيوان مَصرُوفَة في مَصَالِحِه ومَنَافِعِه .
ففي هَذا دَلالَة واضِحَة عَلى أنَّ العَالِمَ مَخلوقٌ بتَقديرٍ ، وحِكْمَة ، ونظام ، ومُلاءَمَة ، وأنَّ الخَالِق لَهُ واحِدٌ ، وهو الذي ألَّفَهُ ونظَّمَهُ بَعضاً إلى بَعضٍ .
جَلَّ قُدْسُهُ وتعالى جده وَكَرَم وجْهِهِ ، ولا إلَهَ غَيرَه تَعَالى عَمَّا يَقولُ الجَاحِدونَ ، وجَلَّ وعَظُمَ عَمَّا ينتَحِلُهُ المُلحِدُونَ .
نَبْدأ يَا مُفضل بِذِكْرِ خَلْقِ الإنْسَانِ فاعتَبِرْ بِه ، فأوَّل ذَلِكَ مَا يُدبّرُ بِهِ الجَنين في الرَّحِمِ ، وهو مَحْجوبٌ في ظُلُمَاتٍ ثَلاث : ظُلْمَةُ البَطْنِ ، وظُلْمَةُ الرَّحِمِ ، وظُلْمَةِ المَشِيمَةِ ، حَيثُ لا حِيلَةَ عِندَهُ في طَلَبِ غِذاءٍ ، وَلا دَفْعِ أذىً ، ولا استِجْلابِ مَنْفعَةٍ ، ولا دَفعِ مَضَرَّةٍ ، فإنَّه يَجري إليهِ مِن دَمِ الحَيضِ مَا يغذوه المَاءُ والنَّبَاتُ ، فَلا يزالُ ذَلِكَ غِذاؤُه .
حتَّى إذا كَملَ خَلقُهُ ، واسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ ، وقَويَ أدِيمُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الهَوَاءِ ، وبَصَرُهُ على مُلاقَاةِ الضِّيَاءِ ، هَاجَ الطَّلقُ بأمِّهِ ، فأزْعَجَهُ أشَدَّ إِزْعَاجٍ وأعْنَفَهُ ، حَتَّى يُولَدَ .
فَإذا وُلِدَ صُرِفَ ذَلِك الدَّمِ الَّذي كَانَ يَغذُوهُ مِن دَمِ أمِّه إلى ثَدْيِهَا ، وانقَلَبَ الطَّعمُ واللَّونُ إلى ضَرْبٍ آخَرٍ مِنَ الغِذَاءِ ، وهوَ أشَدُّ مُوافَقَةً لِلمَولُودِ مِن الدَّمِ ، فَيُوَافِيهِ في وَقتِ حَاجَتِهِ إِلَيه .
فَحينَ يُولَدُ قد تَلَمَّظَ ، وحَرَّكَ شَفَتَيهِ طَلَباً للرِّضَاعِ ، فَهو يَجِدُ ثَدي أمِّهِ كالأداوَتَينِ المُعلَّقَتَينِ لِحَاجَتِه ، فَلا يَزَالُ يَتَغذَّى باللَّبَنِ ، مَا دَام رَطِبُ البَدَنِ رَقِيقُ الأمْعَاءِ ، لَيِّنُ الأعْضَاءِ .
حتَّى إِذَا تَحرَّكَ واحتاجَ إلى غِذاءٍ فِيهِ صَلابَة لِيشتَدَّ ويقْوَى بَدَنُه ، طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِن الأسْنَانِ والأضْرَاسِ ، لِيَمضغَ بها الطَّعَام ، فَيَلينَ عَلَيه ، ويسهل لَهُ إِسَاغَتَهُ .
فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتى يُدركَ ، فإِذا أدْرَكَ وَكانَ ذَكَراً طَلَع الشَّعرُ فِي وَجْهِهِ ، فَكَان ذَلكَ علامَةَ الذَّكَر ، وعِزَّ الرَّجلِ ، الَّذي يَخرُجُ بِهِ مِن جدَّةِ الصِّبَا ، وَشبهِ النِّسَاءِ ، وإنْ كَانَتْ أُنثىً يَبْقَى وَجْهُهَا نَقيّاً مِنَ الشَّعْرِ ، لِتَبقَى لَهَا البَهْجَة والنَّضَارَة الَّتي تُحَرِّك الرَّجُلُ لِمَا فِيهِ دَوام النَّسْلِ وَبَقاؤهُ .
اِعتَبِرْ يَا مُفضَّل فِيما يُدبرُ بِهِ الإِنسان فِي هَذِهِ الأحوالِ المُختَلِفَةِ ، هَلْ تَرى مثلهُ يُمكِنُ أنْ يَكونَ بالإهْمَالِ ؟
أفَرَأيْتَ لَو لَمْ يَجْرِ إِليهِ ذلكَ الدَّم وَهوَ في الرَّحِمِ ألَمْ يَكُنْ سَيَذْوِي وَيَجفُّ كَمَا يَجفُّ النَّباتُ إذَا فَقَدَ المَاءُ ، وَلو لَمْ يُزعِجْه المَخَاضُ عِندَ استِحْكَامِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيَبقَى في الرَّحِمِ كالمَؤودِ فِي الأرْضِ ؟
وَلو لَمْ يُوافِقْهُ اللَّبَنُ مَع ولادَتِهِ ألَمْ يَكُنْ سَيمُوتُ جُوعاً ، أوْ يَغْتَذِي بِغداءٍ لا يُلائِمُهُ ، وَلا يَصْلُحُ عَلَيهِ بَدَنُهُ ؟
وَلو لَم تَطْلَعْ لَهُ الأسنَانُ فِي وَقْتِهَا ألم يَكُنْ سَيَمْتَنِعُ عَليهِ مَضْغَ الطَّعَامِ وَإِسَاغَتِهِ ، أوْ يُقيمُهُ عَلَى الرِّضَاعِ فَلا يَشتَدُّ بَدَنُه ، وَلا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ ؟ ، ثُمَّ كَانَ يشغلُ أمَّهُ بِنَفسِهِ عَنْ تَربِيَةِ غَيرِهِ مِنَ الأوْلادِ ) .
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
تعليق