تويت
يقول الله تعالى : {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } ، نعم لقد ألهى الناسَ التكاثرُ والتفاخرُ بالمال والولد عن طاعة الله وعبادته حق العبادة ، وأشغلهم عن تعلم الإسلام والعمل به والدعوة إليه ونصرته ، ومنعهم حرصهم على الدنيا وشهواتها ونعيمها الزائل من الحرص على الآخرة الباقية ذات النعيم المقيم ، فحبهما لا يجتمعان في قلب مسلم قال صلى الله عليه وسلم :" من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب أخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى " هذا هو الميزان الصحيح للربح أو الخسارة ، لقد أصاب الوهن القلوبَ ، والوهن هو حب الدنيا وكراهية الموت ، وهو مرض خطير تقاعس الناس بسببه عن عبادة الله ، فترى المقصرين فيما افترضه الله فهنالك من يترك صلاة الجمعة أو يمنع الزكاة أو يقطع رحمه أو يقعد عن العمل لإقامة حكم الله في الأرض ونصرة دينه أو نصرة إخوانه خوفاً على حياته وحرصاً على دنياه ، وترى المرتكبين لما حرمه الله فتجد من يتعامل بالربا والرشوة ، وتجد من يغش ويحتكر ويسرق ويأكل حق أمه وأخواته في الميراث تكالباً على الدنيا الفانية .
بسبب هذا المرض ذلت الأمة جمعاء ، واستهان بها عدوها وتداعى عليها من كل حدب وصوب فأزال الحكم بما أنزل الله من الوجود ، وحكمها بأحكام الكفر و الضلال ، وفرق جمعها ، وشتت شملها ، واحتل بلادها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، ونهب خيراتها ، واستحل أموالها ودماءها وأعراضها ، واستهزئ بنبيها صلى الله عليه وسلم ، ودنس دستورها ، وهي تكاد لا تحرك ساكناً ، أبعدَ هذا الذل من ذل !!! ، فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت " ، لقد كره الناس الموت لحبهم للدنيا ، والله تعالى يقول : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) الأعلى 16-17 ، لقد كره الناس الموت لأنهم عمروا دار الخراب وخربوا دار العمار فكرهوا أن ينتقلوا من العمار إلى الخراب فقد قصروا اتجاه ربهم ولم يعملوا ما يرضه ، فمن كان هذا حاله سيندم في وقت لا ينفع فيه الندم ، فقد أخبرنا الله تعالى عن حال الكافرين والمفرطين بقوله : ( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) المؤمنون 99-100 ، فإن مات العبد فلا رجعة للدنيا ، ويوم العرض لا ينفعه إلا عمله فإن كان خيراً فخيراً وإن كان شراً فلا يلومن إلا نفسه ، فلا ينفعه والده ولا ولده قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }لقمان33 ، ولا ينفعه أقرباؤه أو أقرانه قال تعالى : ( َإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) عبس 33-37 ولا ماله مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ) الحاقة 28 ، ولا ينفعه من اتبعهم من سادة وحكام ، بل سيتبرأون منه يوم القيامة قال سبحانه وتعالى : {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }إبراهيم21 .
صحيح أن الله سبحانه وتعالى قد فطر في الإنسان غريزة النوع وغريزة حب البقاء ، ولكن نهاه وحذره من أن يجعل الدنيا وشهواتها في رأس سلم أعماله وقيمه ، وأوجب عليه أن يجعل حب الله ورسوله وما يقتضيه هذا الحب من طاعة والتزام بدينه وإيثار للآخرة على الدنيا فوق كل شيء قال سبحانه وتعالى : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24 .
أما ما هي حقيقة هذه الحياة الدنيا ؟
لقد صورها الله لنا بقوله تعالى : {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }الحديد20 فهذه هي الحياة الدنيا ، لعب ولهو ، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وزينة نتزين بها ، وتفاخر بيننا بمتاعها ، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد ، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته ، ثم يهيج هذا النبات فييبس ، فتراه مصفرًا بعد خضرته ، ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا ، فهي سرعان ما تنقطع وتزول وما هي إلا متاع الغرور ، وقال صلى الله عليه وسلم : " مالي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها " وفي حديث آخر " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له" .
وما هي الدنيا بالنسبة للآخرة ؟ إنها لا تساوي شيئاً قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }التوبة38 وقال سبحانه وتعالى :{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }غافر39 فالآخرة هي دار الإقامة الأبدية وقال سبحانه : {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ }القصص60
إن الحرص على الدنيا وإتباع الهوى من موجبات العذاب ، والخوف من الله وعدم إتباع الهوى من موجبات الرحمة والفوز بالجنة ، قال سبحانه في سورة النازعات ( فَأَمَّا مَن طَغَى{37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى{39} وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{41} ) ، وقد يفتح الله أبواب رزقه للناس امتحاناً لإيمانهم أو استدراجاً لهم قال صلى الله عليه وسلم : إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه فإنما هو استدراج ثم تلا قوله تعالى : {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }الأنعام44
فمن أراد الفوز بالآخرة فعليه بتقوى الله وتقديم الآخرة على الدنيا والسعي للآخرة قال سبحانه وتعالى :{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً }الإسراء19 وقال سبحانه {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185 ، وقد أعد الله لعباده جنات تجري من تحتها الأنهار ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وهذا خير من الدنيا وما فيها من شهوات من نساء وبنين وأموال وزرع وغير ذلك من متاع زائل ، قال سبحانه وتعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران 14-15.
فبعد هذا البيان ، لماذا نحرص على الحياة الدنيا ؟!!! ألم يكف ما نحن فيه من ذل وهوان ؟!!! ألم يحركنا الشوق للجنة لأن نبيع الدنيا ونشتري الآخرة ونجعل أرواحنا رخيصة في سبيل الله !!! ألم نستشعر معاني العزة والكرامة فنسارع إليها فنعتز بالله فيكرمنا الله بالعزة والنصر والتمكين في الأرض !!! {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }فاطر10 ، فلنعد إلى ديننا ونعتصم بحبل ربنا ونعمل مع العاملين لإستئناف الحياة الإسلامية حتى يرفع الله الذلَ والمهانة عنا ، ويكرمنا بخلافة على منهاج النبوة إنه على كل شيء قدير قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم47.
تقـــبلوا خالـــــص احترامـــــــــــــــي
تحــــــــــــــــــ ღ دلــــــــــــــــــع ღ ـــــــــــــــــــياتي
تعليق