تويت
الساعات الأخيرة في حياتهم
الزهراء والحميراء (رضي الله عنهما) على فراش الموت
اما السيدة فاطمة الزهراء (رضي الله عنها وارضاها) فهي آخر من بقي من اولاد النبي صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة، فشهدت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت اول من لحق به صلوات الله وسلامه عليه.
وكانت رضوان الله عليها في بيت زوجها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، تعيش حياة الجد والكفاح وقد شهد لها بذلك الزوج الامام علي فقال لعبدالله بن مسعود: »ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت عندي فجرت الرحى حتى اثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى اثرت في نحرها، وقمت البيت ـ اي كنسته ـ حتى اغبرت ثيابها، واوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وخبزت حتى تغير وجهها، فأصابها من ذلك ضرر« وتجلى هذا الضرر في جسدها النحيل الذي لم يحتمل قسوة الحياة، وفراق الحبيب صلى الله عليه وسلم. فكانت رضي الله عنها تسكن منزلا من غرفة واحدة، وكان جهازها: مفرش قطيفة ووسادة من جلد حشوها ليف ورحيين وقربة وجرتين.
ولما تعبت الزهراء ذهبت الى ابيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ مع زوجها علي بن أبي طالب وطلب علي من النبي صلى الله عليه وسلم ان يعطيها خادمة من الغنائم لتساعدها في اعمال المنزل، فأجابهما رسول الله: »لا والله لا اعطيكما وادع اهل الصفة تتلوى بطونهم لا اجد ما انفق عليهم، ولكن ابيعهم وانفق عليهم اثمانهم« ثم توجه صلوات الله وسلامه عليه الى ابنته وقال: »اصبري يا فاطمة ان خير النساء التي نفعت اهلها« واضاف (صلوات الله وسلامه عليه) »ليست الدنيا لمحمد ولا لآل محمد«.
وعلى الرغم من هذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشفق عليها ويذهب ليساعدها في شؤون المنزل فيحمل عنها طفليها الحسن والحسين، ويقول في الناس: »فاطمة بضعة مني، فمن اغضبها فقد اغضبني«.
وقد وصفتها السيدة عائشة فقالت: »ما رأيت افضل من فاطمة غير ابيها« وتضيف: »ما رأيت احدا اشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله منها في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله«.
وكانت رضي الله عنها اذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام اليها فقبلها واجلسها في مجلسه وكان النبي عليه الصلاة والسلام اذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته واجلسته في مجلسها.
وكانت اشبه الناس بأبيها في مشيتها وحديثها وكلامها.
وقبل ايام قلائل من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تحكي السيدة عائشة فتقول: »كن ازواج النبي (صلى الله عليه وسلم) عنده ولم تغادر منهن واحدة، فأقبلت السيدة فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله شيئا، فلما رآها رحب بها فقال: »مرحبا بابنتي ثم اجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها ـ أي خاطبها سرا فبكت بكاء شديدا، فلما رأى جزعها ـ أي حزنها ـ سارها الثانية فضحكت، فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين اهله بالسر، ثم انت تبكين، فلما قام رسول الله سألتها: ما قال لك رسول الله؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفى رسول الله قلت: عزمت عليك بما لي عندك من الحق لما حدثتني فقالت: اما الآن فنعم، اما حين سارني في المرة الاولى فأخبرني ان جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وانه عارضه الآن مرتين واني لا ارى الاجل الا قد اقترب: فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف انا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال يا فاطمة اما ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة، واخبرني انني اول من سيلحق به من اهله فضحكت.
وتحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت هذه آخر ضحكات السيدة فاطمة الزهراء، فلما ثقل المرض على النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة: واكرب ابتاه. فقال صلى الله عليه وسلم: »ليس على ابيك كرب بعد اليوم«، فلما مات قالت: يا ابتاه الى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة: »اطابت انفسكم ان تحثوا على رسول الله التراب«!
وبعد ثلاثة اشهر ـ وفي رواية ستة ـ اصيبت السيدة فاطمة بمرض شديد (حزنا على ابيها) ومن المرجح انه كمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف »بحمى آل المطلب«.
وحين حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عميس: ألا ترين الى ما بلغت ـ أي من المرض ـ فلا تحمليني على سرير ظاهر فإني لأستحي ان اخرج عمدا على الرجال من خلاله جسمي.
وفي رواية: »اني لأستقبح ما يصنع بالنساء يطرح على المرأة الثوب فيصفها«، وكانت النعوش عبارة عن خشبة مسطحة لا اجناب لها ـ فقالت لها اسماء: لا لعمري يا ابنة رسول الله ولكن اصنع نعشا كما رأيته يصنع بالحبشة، فقالت فاطمة: »فأرينيه«.. فدعت اسماء بجرائد رطبة فحنتها، ثم جعلت على السرير نعشا، فلما رأته فاطمة تبسمت ـ وما رئيت متبسمة بعد وفاة الرسول الا يومئذ ـ وقالت لأسماء »ما احسن هذا واجمله تعرف به المرأة من الرجل، سترك الله كما سترتني، اذا مت فغسليني انت وعلي ولا يدخلن احد عليَّ. وفي رواية انها غسلت نفسها وقالت: لا يدخلن احد عليَّ، وتوفيت رضي الله عنها ثالث ايام رمضان سنة 11هـ وعمرها ثمان وعشرين سنة ودفنت بالبقيع ليلا وصلى عليها سيدنا علي رضي الله عنه وقيل صلى عليها العباس ونزل في قبرها هو وسيدنا علي والفضل بن عباس.
اما أم المؤمنين عائشة فقد عاشت ساعاتها الاخيرة مرجعا في امور الدين للصحابة والتابعين، يسأل الناس وتجيب عليهم من وراء حجاب، فبعد موقعة الجمل التي خرجت فيها طلبا للثأر من قتلة عثمان، كانت تذكر هذا الامر وتندم كثيرا فلقد رويَّ عنها انها ما كانت تقرأ الآية »وقرن في بيوتكن« الا بكت حتى تبل خمارها.
كما رويَّ انها اوصت: اذ امر ابن عمر ارونيه، فلما مر بها قيل لها هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبدالرحمن، ما منعك ان تنهاني من مسيرتي؟ (أي خروجي في موقعة الجمل) قال: رأيت رجلا قد غلب عليك (يعني ابن اختها عبدالله بن الزبير).
وقد امتد العمر بالسيدة عائشة سبعاً واربعين سنة بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الاعلى، عاشتها في عبادة ورواية وسؤال واجابة، حتى مرضت مرضها الاخير، فاستأذن عبدالله بن عباس في الدخول عليها ليزورها، ويحدثها ابن اختها عبدالله بن الزبير في ذلك: هذا ابن عباس يستأذن، فترد السيدة عائشة: دعني من ابن عباس، لا حاجة لي به ولا بتزكيته ـ وكانوا يستحبون ان يذكروا للمريض على فراش الموت محاسن عمله لكي يحسن ظنه بربه وهو مقبل عليه ـ فقال ابن الزبير: يا أمة، ان ابن عباس من صالحي بنيك، يودعك ويسلم عليك. فقالت له: فإذن له ان شئت، فدخل ابن عباس فلما قعد قال: ابشري، فو الله ما بينك وبين ان تفارقي كل نصب (أي تعب)، وتلقي محمدا (صلى الله عليه وسلم) والاحبة الا ان تفارق روحك جسدك.
فردت أم المؤمنين عائشة: ايه يا ابن عباس!
فقال: كنت احب نساء رسول الله (يعني اليه) ولم يكن يحب الا طيبا، سقطت قلادتك ليلة الابواء، واصبح الرسول ليلتقطها، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله (فتيمموا صعيدا طيبا) فكان ذلك سببا من سببك، وما انزل الله بهذه الامة من الرخصة.
ثم انزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماوات، فأصبح ليس مسجد من مساجد يذكر فيها الله الا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار.
فالتفت اليه أم المؤمنين عائشة وقالت: دعني عنك يا ابن عباس فو الله لوددت اني كنت نسيا منسيا.
وألصقت وجهها بالسماء وقالت: يا ليتني لم اخلق، يا ليتني كنت شجرة اسبح واقضي ما عليَّ.
ثم اوصت عبدالله بن الزبير ان تدفن من ليلتها، وكانت قد اوصت بأن تدفن في بيتها (أي قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم) ولكنها بعد ذلك راجعت نفسها ورجعت عن فكرتها تلك وقالت: اني احدثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حدثا ادفنوني مع ازواجه ولا تدفنوني مع النبي في البيت فإني اكره ان ازكى ـ أي تكره المديح. وكانت وفاتها رضوان الله عليها ليلة الثلاثاء في السابع عشر من رمضان سنة ثمان وخمسين عن ست وستين سنة واجتمع الناس ونزل اهل العوالي، ولم ير ليلة اكثر ناسا منها، وخرج الناس يحملون المشاعل، وامتلأ البقيع بالنساء كأنه عيد، وصلى عليها الصحابي أبو هريرة بعد العشاء، وبكى عليها فيمن بكى، عبدالله بن عمر، فنظر اليه معاوية بن ابي سفيان وقال: اتبكي على امرأة؟ فقال ابن عمر: انما يبكي على أم المؤمنين بنوها، واما من ليس لها بابن فلا.
وعاشت أم المؤمنين سودة بنت زمعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفيت سنة ثلاثة وعشرين من الهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلى عليها ابن الخطاب، ويقال انها توفيت في خلافة عثمان بن عفان.
وكانت السيدة سودة قد لزمت دارها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تخرج منه، حتى انها لم تخرج للحج بعده الى ان توفيت، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج بنائه حجة الوداع قال: هذه الحجة ثم طهور الحصر ـ بفتح الحاء وتسكين الصاد أي الالتزام بالبيت وذلك اطهر ـ وقال البعض ظهور الحصر (بضم الحاء ومفردها حصير، أي يلزمن بيوتهن ولا يخرجن منها).
وكانت السيدة سودة بنت زمعة (رضي الله عنها) تقول: حججت واعتمرت فأنا أقر في بيتي كما امرني الله عز وجل ـ تقصد الآية الكريمة ـ وقرن في بيوتكن ـ لا تحركن دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
منقول
تقـــبلوا خالـــــص احترامـــــــــــــــي
تحــــــــــــــــــ ღ دلــــــــــــــــــع ღ ـــــــــــــــــــياتي
تعليق