إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مذكرات مراهق كويتي

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مذكرات مراهق كويتي

    هاااااااااااااااي شباب وصبايا .. اليوم يايبه لكم قصه غير عن كل القصص
    واااااااايد حلوه وممتعه بنفس الوقت ورعب بعد .. اتمنى اتبعونها ..
    على فكره هي من اكثر القصص المشهوره بالكويت .. ..
    بس قبل لانزلها الخواف لايقرااا يروح بعيد عن هالقصه ..:)
    يالله استمتعوا في قرايتها ..


    مذكرات مراهق كويتي

    للكاتب: عبدالوهاب السيد


    ( بدايه لابد منها )

    كتابة مذكراتي خطوة صعبة ترددت قبل ان اقدم عليها .. فانا اعلم جيدا ان مذكراتي لن تكون شيئا راقيا كمذكرات ( مالكولم اكس ) المناظل الامريكي المسلم .. او ( نابليون ) .. او غيرهما من العظماء حيث تشكل الحوادث الصغيرة في حياتهم تاريخا حقيقيا تسترشد به البشرية ..
    اذا ما الذي يجعلني اقدم على هذة الخطوة ؟! ...
    يقال انه لا احد يولد اديبا .. ومن يصبح اديبا يكون قد قرأ اطنان من الكتب حتى اصبح لدية فكرا مستقلا يشعر بامس الحاجة ان يشاطر به الناس ...
    او قد عاش تجارب قاسية جدا وراى من الاهوال ما راى حتى اصبح من الظروري ان يكتب عنها والا احرقت محركات روحة !! ..
    واعتقد انني اتبع النوع الثاني من الادباء .. فقد مررت بتجارب واهوال لا يصدقها عقل ستسبب لك عزيزي القاريء صدمات متلاحقة وستحبس انفاسك كما حبست انفاسي .. ستجعلك في نهاية الامر في حالة ذهول شديد كون ان كل هذة الاحداث قد جرت في ( الكويت ) ولي انا على وجه التحديد .. والاهوال التي رايتها لم تكن من طراز زوجة اب قاسية اسرفت في تعذيبي .. او تعاطي المخدرات او .. الخ .. من القصص التي قتلتها الافلام والمسلسلات العربية قتلا .
    الغريب انني عشت طوال سنوات عمري ايام هادئة جدا لم يكن فيها ما يستحق الذكر وحتى بلوغي سن السادسة عشر .. ولكن بعد ذلك بدأت حياتي تتخذ منحنى اخر بسرعة رهيبة لارى ما لم يره شيخ تجاوز المائة !!
    يجب ان اعرفكم على نفسي .. اسمي ( خالد ) ابلغ التاسعة عشر من العمر لحظة كتابة هذة السطور .. اعيش مع احب واطيب امرأة عرفتها في حياتي والتي بذلت الغالي والنفيس من اجلي .. جدتي الحبيبة ( فاطمه ) واعتقد ان كل الجدات الطيبات يحملن هذا الاسم .. وهي بالمناسبة امرأة مسالمة وديعة طيبة القلب ترتدي غطاء الرأس الابيض المزركش الشهير الذي تشتهر به الجدات في ( الكويت ) ولها ضحكة فاتنة حتى لتتمنى ان تريح رأسك على ركبتها وتقول لها ( يما ) باللهجة الكويتيه طبعا .. وعلى الرغم من سنوات عمرها التي تجاوزت الستين وتجاعيد وجهها الا انها ولله الحمد بصحة جيدة ..
    والواقع ان جدتي هي كل ما تبقى لي من عائلتي .. فقد توفي والدي قبل ان اولد لسبب ستعرفونه لا حقا .. وتوفيت بعده امي في حادث سير بعد ولادتي بشهرين تقريبا !!
    لتتولى جدتي الحبيبة رعايتي وتربيتي لذا فانا ادين لها بكل شيء .
    اما عن حالتنا المادية فلا بأس بها على الاطلاق .. اذ نملك عمارة سكنية اشتراها ابي لجدتي قبل وفاته لحسن الحظ ونعيش من دخلها الشهري .. ولانني كل ما تبقى لجدتي الحبيبة .. فهي لم تقصر معي ابدا .. اذ الحقتني باحد افضل وارقى المدارس الخاصة في ( الكويت ) كي احصل على افضل مستوى تعليمي .. ولم اكن اخيب املها بعد كل هذا فكنت طالبا متفوقا لامعا وتوضع صورتي في لوحة الشرف بشكل دائم .. وكثير ما سمعت اساتذتي يقولون بانني نابغة .. وعبقري .. و .. الخ .. ليس هذا غرور بل هو راي اساتذتي بي .. وبالطبع فان هذا قد ادى الى تخرجي من المرحلة الثانوية بمعدل مرتفع للغاية اهلني للالتحاق بكلية الطب في جامعة الكويت مع بداية العام الدراسي القادم بأذن الله .
    اما عن صفاتي الشخصية .. فلك ان تعرف عزيزي القاريء انني قصير القامة نسبيا .. هزيل البنية .. ملامحي عادية جدا لا يوجد ما يميزها او يجعلك تنفر منها .. ولولا بعض التحفظ لقلت انني اقرب الى القبح من الجمال ... انا قاريء من الطراز الاول .. اقرأ كل شيء تقريبا .. ومثقف الى درجة تثير كل من يتحدث معي .
    واما عن شخصيتي فانني انسان هاديء الطباع املك عالما ذاتيا ثريا .. ومرهف الحس الى اقصى درجة .. وقد علمتني القراءة المستمرة حب الهدوء المتواضع وجعلتني اعيش صراعا رهيبا بين ما يريدة المجتمع للشباب من ثرثرة فارغة وسوقية وضحالة فكر .. وبين ما ارسمة لنفسي
    كانسان مثقف متزن احلم بالحصول على شهادة علمية عليا .. هذا الصراع بالغربة جعلاني شخصا انطوائيا مكتئبا متشائما .. لست انسانا تعيسا الى الحد الذي قد تظنونه .. ولمنني قطعا لست انسانا سعيدا ..
    اشعر ان لي في هذا العالم وجود جغرافي فحسب .. وليس لي وجود نفسي او معنوي .. تماما كما يحدث عندما تذهب الى مطعم وحيدا .. الناس معك لكنك لست واحد منهم .. فالبرد يطل من كل ركن من حياتي .. لانها حياة بلا اهل سوى جدتي وبلا صديق حميم اثق به واسلم له رقبتي دون تردد ..
    نسيت ان اخبركم انني اسكن منطقة ( الرميثية ) .. اول حب في حياتي .. فهي المنطقة التي عشت بها منذ ولادتي واعرفها عن ظهر قلب وكل جزء منها له عبق الماضي الجميل وان لم اعشه قبل ان يصبح العالم قاس ومرعب كما هو عليه الان من انتشار الجرائم وارتفاع معدل البطالة وانتشار المخدرات .. واعيش حاليا في حي هاديء جدا كحال معظم احياء ( الرميثية ) وعلاقتنا مع جيراننا لا تتعدى القاء التحية في الصباح من زحمة الحياة وضغوط العمل والدراسة .
    تسألوني عن اقاربنا ؟! .. اقول :
    انهم قليلين جدا وعلاقتنا معهم مقطوعه تماما لاسباب سأذكرها لاحقا .. في حين يوجد لجدتي اقارب في دولة ( الامارات ) تزورهم بين الحين والاخر وتقضي معهم فترة لا تتجاوز في اغلب الاحيان الاسبوعين .
    اما بالنسبة لطموحاتي واحلامي فهي كثيرة .. احلم ان اكون مليونيرا .. وان اتزوج فتاة اسطورية وان ارى العالم واجيد عدة لغات واكون طبيبا .. واحلم بالهروب .. الهروب من الحياة الروتينية المملة .. والهروب من الايام التي تكرر نفسها .. الهروب من المحبطات التي تلف حولي وتكاد ان تخنقني .. الهروب الى عالم جديد وحياة جديدة .ز فانا لم اجد ذاتي في هذا العالم القاسي اريد البحث عنه في علم اخر .
    لا ادري جدوى التعبير عن مشاعري بهذة الدقه بالنسبة لكم .. لكني اشعر ان هذا سيريم الجو المحيط بي كاملا وتجعلكم تروني بدلا من ان تستمعوني فحسب ...
    ارجوا الا تكونوا قد مللتم من هذة المقدمة .
    سأبدا الان بسرد مذكراتي باحداثها الغريبة المثيرة ومواقفها المدهشة الرهيبة حتى انني اتساءل وانا اخطها اليكم ان كانت قابلة للتصديق ام لا .. ولكني سارويها .. ويبقى التصديق او عدمه خيار لكم انتم ..

    قشعريرة ( 1 )
    سأحكي لكم قصتي الاولى .. وهي رهيبة غريبة مقبضة كابوسية بكل المقايس .. وستحبس انفاسكم حتى اخر كلمة فيها .. وليس لي فضل في ذلك .. بل هو حظي الذي اوقعني بتجربة شنيعه غيرت تضاريس روحي ..
    انصحكم بقراءة هذة القصة ليلا .. فهي تحتاج الى سعة صدر وهدوء .. كما ان لها طابعا باردا قاتما يجعل من قراءتها ليلا افضل بكثير .. حيث تتجسد الخيلات .. وتزداد لذة القراءة ومتعة الاثارة ..
    بدأ كل شيء في عطلة منتصف العام الدراسي .. او عطلة الربيع كما نطلق عليها في الكويت عام 2002 بعد نهاية اختبارات الفصل الدراسي الاول للصف الثالث الثانوي وحصولي ولله الحمد على درجات نهائية تقريبا ..
    قابلته في جمعية الرميثيه .. شخصا ممتلئ الجسم له ملامح طفولية يرتدي قميصا واسعا وبنطلون جينز .. سد امامي الطريق ورسم على وجهه ابتسامة ود .. فرفعت عيني نحوة متسائلا عما يريد ثم تأملته للحظة .. وبدأت اتذكر ..
    س .. ( سعد ) ؟ ... الست ( سعد ) .. زميلي في الصف الثاني متوسط ؟ ..
    ( خالد ) .. اخيرا تذكرتني يا رجل ..
    لقد كان هذا الفتى في المرحلة المتوسطة اقرب زملائي الى قلبي .. فقد كان يجلس بجانبي في الفصل لسنتين متتاليتين .. وهو انسان طيب القلب وساذج الى حد كبير لا يوصف , حتى لو انك وصفت له صراعك مع ديناصور وقتلته لصدق كل حرف من كلامك دون تفكير ..
    وبدأ كل منا يروي ماحدث له بالسنوات الخمس التي تلت .. فقد انتقل ( سعد ) منذ الصف الثالث متوسط الى احدى المدارس الحكومية .. وكان سبب انتقالة هو عدم قدرة والدة على دفع مصاريف المدرسة الباهظة في المدارس الخاصة .. ولم يفتني بالطبع ان اسألة عن الفارق الشاسع بكل تاكيد الذي وجدة بين التعليم في القطاع الخاص والحكومي ..
    فرد بحسرة :
    انك تثير شجوني يا خالد .. المدارس الحكوميه مخجله .. مخجلة بشكل لا تتصورة .. بدءا من عدد الطلبه الكبير في الفصل الواحد وانتهاء بالمستوى العلمي لشريحة كبيرة من المدرسين مع الاسف ..
    ثم قال مازحا محاولا تغير دفة الحديث :
    لا شك اننا المخبولان الوحيدان اللذان سيقضيان العطلة في ( الكويت ) .. بدلا من السفر او الذهاب الى البر في اسوأ الاحوال .
    قلت مبتسما :
    في الواقع ان الجو في هذا الوقت جيد لا يشجع على السفر .. كما انني لا احب التخيم في البر .. واجد الذهاب الى السينما او البقاء في البيت للقراءة ومشاهدة التلفاز اكثر متعه.
    قال بلهفة :
    اذن لماذا لا نلتقي ؟ .. هناك الكثير من الامور التي من الممكن ان نفعلها لقتل وقت الفراغ .. اليك رقم هاتفي ..
    وقلت وقد شعرت انني قد وقعت في مأزق :
    ي .. يشرفني هذا ..
    فالواقع انني لم اكن ارغب في هذا اطلاقا .. نعم .. انا ارتاح لهذا الفتى ولكن ليس الى درجة ان التقي به واقضي معه بعض اوقات الفراغ .. لكني .. ومع حماسه ولهفتة .. لم اكن املك الرفض !!
    كتب لي رقم هاتفة المحمول وكتبت له بالمقابل رقم المنزل .. لانني لا املك هاتفا محمولا ولا احتاج واحدا اصلا ..
    وهذة هي الحقيقة على الرغم انه من النادر ان تجد شخصا في مثل عمري في ( الكويت ) لا يملك هاتفا محمولا ..
    تبادلنا ارقام الهواتف .. ووعدني بالاتصال بي قريبا لزيارتي في المنزل او للخروج معا .
    زارني سعد بالفعل اكثر من مرة وقضينا اوقاتا لا باس بها عندي في المنزل .. وبيتنا بالمناسبة عادي جدا لا يوجد ما يميزة يتكون من طابقين كشأن البيوت القديمة والحديثة في ( الكويت ) .. كنا انا وسعد نسهر معا في غرفتي لغاية منتصف الليل خاصة ان جدتي كانت قد سافرت لزيارة اقاربها في دولة ( الامارات ) .







    الحقيقة ان ( سعد ) فتى سعيد لا توجد لديه مشاكل .. وهو انسان عادي جدا لا يوجد ما يقال بشأنه ينام ويأكل ويشرب جيدا .. ويذهب الى السينما ويستمع الى الاغاني .. الا انه شديد السذاجة والبساطة كما اخبرتكم .. كما انه ثرثار لدرجة تثير غيظي احيانا .. فهو لا يسمح لي بان افتح فمي لاقول شيئا واحدا وافكارة سطحية جدا .. لماذا اتحملة ؟ ..
    لانني بين نارين .. نار الوحدة .. ونار ثرثرته .. نعم احب الوحدة واخترتها لنفسي كما اخبرتكم بالبداية .. لكنني اولا واخيرا بشر واحتاج في بعض الاوقات ان اكون برفقة احد ..
    كان في كل مرة يحضر شيئا من منزلة لاشاركة فية .. احضر في احد المرات واحدة من العاب الفيديو .. وفي يوم اخر احضر شريطا لاحد الافلام الاجنبيه لنشاهدة معا ... وهكذا ..
    وقد كنت متحفظا جدا في حديثي معه .. كعادتي مع الناس .. ولم اكشف له أي جانب من حياتي الخاصة فلم يكن يعرف عني شيئا سوى انني يتيم الابوين ..
    لم يتغير شيء ولم يحدث أي جديد الا بعد خمسة ايام من زيارات سعد المتكررة لي .. وكان ذلك عندما زارني وهو يحمل علبة كبيرة الحجم لم اعرف كنهها .. تبادلنا التحية ودعوته للدخول
    ما هذا الذي تحملة بيدك ؟
    قال بابتسامه عريضة :
    انها لعبة اشتريتها من ( اسكتلندا ) منذ قرابة العامين .. واردت ان نلعبها معا .. فانا لم المسها قط .
    وماهي تلك اللعبة ؟
    انها لوحة اويجا ..
    ولوحة اويجا هذة ان كنت لا تعلم عزيزي القارئ .. هي واحدة من الالعاب التي يقال انها تستخدم للاتصال بالارواح لسؤالها اسئلة اخرى تتعلق بالموتى .. والواقع انني لم ارى هذة اللعبة من قبل لكني قرأت عنها في بعض الكتب .. تلك اللعبة التي تحتوي على لوحة مسطرة عليها جميع الاحرف الابجدية والارقام ( 0- 9) .. وثمة كوب مقلوب نضع اصابعنا عليه لتقوم الروح التي طلبناها بواسطة تعاويذ معينه ... بالاجابة على اسئلتنا من خلال تحريك الكوب ناحية الاحرف لتكون كلمات تكون هي الاجابة على الاسئلة !!
    ولكن ما كان يميز هذة اللعبة بالذات هو انها فاخرة الصنع بشكل ملحوظ .. حيث كانت مصنوعة من الخشب الفاخر ثقيل الوزن بما يشي بقيمتها المادية العالية !!
    قلت بانبهار :
    ولكن اللعبة تبدو فاحرة جدا !! كم دفعت ثمنا لها ؟!
    قال ببساطة :
    لقد دفعت فيها ما يعادل ثلاثمائة دينار هي كل مدخراتي .
    صحت قائلا بدهشة :
    ولماذا ؟؟!
    لقد اغرتني كثيرا واحببت ان اقتنيها .. لقد قلت بنفسك للتو انها تبدو فاخرة الصنع بشكل واضح .
    كما انها تبدو لي بالغة القدم .. وتذكرني نوعا ما بتلك اللعبة الخيالية ( جومانجي ) ( jumanji )
    في الفيلم الشهير الذي يحمل نفس اسمها .. لقد ابتعتها من احد الباعة المتجولين في ( اسكتلندا )
    سالته ودهشتي لم تزول بعد :
    الم تجد أي شئ غريب في هذا ؟!
    قال في غباء وهو يمط شفتية :
    وما الغريب في الامر ؟!
    من اين تظن لبائع متجول كما تقول بلعبة ثمينه كهذة ؟! ..
    الحقيقة انني لم افكر بذلك ..
    لو اردت رايي فهذة اللعبة اثمن بكثير من المبلغ الذي دفعته للحصول عليها .. ويظهر ان هذا البائع المتجول قد سرقها من مكان مجهول وباعها اليك ظنا منه انه قد حدعك .. في حين انك انت الذي خدعة دون ان تقصد .. واشتريتها بثمن بخس كون اللعبة تحفة اثرية ثمنها من المؤكد اكبر بكثير من مجرد ثلاثمائة دينار .
    سكت قليلا .. ولم يرد على كلامي ثم قال بحماس مفاجئ :
    المهم انني قد اشتريتها الان .. هه ؟ .. هل تريد ان نجربها ؟ ..
    وهل تصدق هذا الهراء ؟ ..
    ضحك سعد ضحكة قصيرة .. وقال :
    فلنجرب اللعبة .. ولنر ان كان ما يقال حولها صحيحا .. فانا اشتريتها واخفيتها في غرفتي خوفا من ان يكتشف والدي انني قد انفقت مدخراتي كلها على لعبة كهذة .. خطرت في بالي في الامس فقط .. الامر الذي اغراني كي احضرها اليك ونلعبها سويا .. هه .. ماذا قلت ؟؟
    رفضت بالبداية .. الا انني وبعد الحاحة وافقت .. وافقت فقط كي اسكته !! .. كما انني لم اجد سببا لرفضي لانني لا اصدق تلك التفاهات .. اصلا
    وقد كنت احمقا !! .. اذ لم اكن اتوقع ان ابواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها ..
    المهم قمت باطفاء النور واضاءة مصباح احمر صغير بناء على طلب سعد لان الضوء الاحمر يعطي جوا للعبة على حد قولة .. الا ان الجو الذي اعطاه هذا المصباح كان كريها خانقا وكاننا متنا وذهبنا الى الجحيم حيث تمرح الشياطين حولنا ..
    جلسنا بجانب بعضنا البعض .. وبدأ سعد بقراءة بعض التعاويذ الغريبة المكتوبة على جانب اللعبة باللغة الانجليزية بصوت حاول ان يجعلة مخيفا .. ثم قال :
    خالد .. سيضع كل منا اصبعا على قاعدة الكوب .. ومن المفترض ان نشعر بالكوب وهو يتحرك .. لا تقاومة .. اتركة يذهب الى الحروف التي ستشكل كلمات ما .. والتي ستكون الاجابة عن اسألتنا للارواح .. وهكذا ..
    هنا تذكرت شيئا :
    روح من نطلب ؟ ..
    اه فعلا .. لقد نسيت .. من هي الروح التي تود استحضارها ؟ ..
    قلت له بلا مبالاه :
    من هي الشخصيه التي تشعر انها ماتت تاركة ورائها الكثير من الالغاز والتساؤلات ؟! .. اذ ليس هناك أي حكمة من تحضير روح شخصية عادية ..
    وبدا بحماس يذكر اسماء اشهر الموتى الا ان اسقر بنا الرأي اخيرا على تحضير روح ( الحاكم بامر الله ) .. الحاكم الفاطمي الذي يعتبر المؤرخون اختفائة لغز من الغاز التاريخ .
    حسنا لنبدأ ..
    قرأ سعد مرة اخرى وطلبنا روح ( الحاكم بامر الله ) .. وجلسنا ننتظر .. ولكن الكوب لم يتحرك اطلاقا .. وانتظرنا مزيدا من الوقت دون جدوى .. وطلبنا ارواح موتى اخرين واخرين .. ولا نتيجة على الاطلاق !! .. حتى اصابني الملل .. كانت التجربة فاشلة تماما كما هو واضح .. وقلت له وانا في طريقي لاضاءة الصالة من الضوء الاحمر المقيت :
    يضهر ان ثمن لوحة ( اويجا ) الباهظ كان في جودة صناعتها وقدمها ولا شيء غير ذلك .
    قال متظاهرا بالامبالاة وان كانت خيبة الامل واضحة على ملامحة :
    ومن قال انني كنت اتوقع ان يحدث شيئا اصلا .. لقد اشتريت اللعبة للسبب الذي ذكرته لك ولاشيء غير ذلك .
    كان العشاء كبابا ساخنا طلبته جاهزا من احد المطاعم .. وكان هذا كافيا لتكون هذة اللعبة في غياهب النسيان .
    جلسنا نتناول العشاء في غرفتي وتحدثنا بعدها في امور اخرى واخرى ..
    لقد تأخر الوقت على الاستيقاظ مبكرا غدا للذهاب مع والدتي الى سوق الخضار .
    قالها وهو يتثاءب كفرس النهر .. ونهض بتكاسل ..
    فصحبته الى الباب مودعا بفتور :
    اراك لاحقا ..
    لقد بدأت امل صحبة هذا الفتى حقا .. فهو لا يكف عن الاتصال بي حتى حرمني تماما من الوحدة التي احبها كثيرا ... نعم - وكما ذكرت لكم - احتاج الى الصحبة الادمية احيانا ... ولكن ليس الى هذة الدرجة .. سأبدأ شيئا فشيئا بالتنصل منه وتقليل اتصالاتي معه ..
    كنت غارقا في هذة الخواطر وانا اقوم بتنظيف غرفة نومي من بقابا العشاء .. نظرة سريعه الى صالة المنزل من خلال باب غرفتي المفتوح .. مهلا .. رأيت شيئا غير عادي قطع علي حبل افكاري !! لقد نسي ( سعد ) لعبته عندي حيث تركناها في الصالة وليس هذا هو الغريب في الامر ..
    هل انا واهم ؟! .. لا .. انا لا اتخيل شيئا .. عندما تركنا اللعبة كان الكوب الذي استخدمناه في وضع مقلوب .. ولم يحركة احد بعدها .. بل ولم نقترب من اللعبة اطلاقا منذ تركناها .. انا واثق من ذلك .. فكيف ؟! ..
    لم اكمل عبارتي فقد هرعت الى الهاتف لاطلب رقم سعد :
    الو .. سعد ؟!
    نعم ؟
    هل كان كوب لعبة ( اويجا ) في وضع مقلوب حين تركاناها ؟!
    قال بحيرة :
    بالطبع لا اذكر ... لماذا تسأل ؟؟
    قلت له بشيء من التوتر :
    لقد نسيت لعبتك عندي في صالة المنزل .. والغريب انني وجدت الكوب في وضع معتدل وفوهته الى اعلى !!
    تساءل بغباء اثار اعصابي :
    وماذا في هذا ؟!
    قلت له بعصبية :
    الاتفهم ؟؟ .. لقد تركنا اللعبة والكوب مغلوب .. وانا لم المسة وانت لم تلمسة ايضا .. وهذا يعني ان هناك من قلبة !! ..
    الا يمكن ان يكون احدنا قد قلبة وهو شارد الذهن ؟.
    قلت بصوت مرتجف :
    لم يفعل احدا منا ذلك .. اؤكد لك .. انني خـ .. !!
    لم اكمل الكلمة .. كنت اريد ان اقول له انني خائف .. لكني اثرت الصمت .. فهذا الاحمق لن يفعل سوى انه سيخاف اكثر مني .. لذا فضلت ان انهي المكالمة .. قلت له بانني ساكون على مايرام وان عليه ان يأتي غدا ليأخذ لعبته ..
    حاولت ان اقنع نفسي بان احدنا قد قام بقلب الكوب وهو شارد الذهن .. مع انني رايت الكوب قبل ان نتناول العشاء في وضعه المقلوب كما تركناه .
    ثم مللت من تعقيد الامر حتى انني صحت في نفسي بحنق :
    كف عن هذا الجبن يا خالد .. الامر لا يستحق كل هذا لقد رايت الكوب مقلوب فلنقل انني اصطدمت به دون قصد .. فلنقل انني احمق .. فلنقل أي شيء ..
    فجلست بحجرتي قلقا متوترا بعض الوقت بفعل تأثير اللعبة .. التقطت احدى الكتب وقمت بتشغيل التلفاز .. احتاج الى صوت بشري ..
    وبالفعل بدأ القلق والخوف يزولان شيئا فشيئا ونسيت كل ما يتعلق بتلك اللعبة السخيفة .. فلست انا اول من يلعبها .. ولا اعتقد ان الارواح والاشباح والشياطين ستترك العالم وتأتي الي .
    اندمجت بالقراءة كما افعل دائما قبل النوم الى ان شعرت بان جفوني قد ثقلت .. فقمت باطفاء النور وجهاز التلفاز واضات مصباح النوم الصغير لانام بعدها ملء جفوني .
    برووووووووم !! .. صوت هزيم الرعد القوي ايقظني مرتين تقريبا لاسمع بعدها صوت الامطار الغزيرة في الخارج .. الا انني كنت اعود الى النوم شاعرا بالامان والدفء تحت اغطيتي الثقيلة بعيدا عن البرد والامطار وكل هذا الزمهرير .. وفي المرة الثالثة لسماعي لصوت الرعد المدوي .. صحوت مفزوعا .. لارى الظلام .. الظلام فقط !! .. وادركت ان التيار الكهربائي قد انقطع .. فحتى اضاءة الصالة التي كنت اراها من تحت الباب كانت مطفئة ... لا احب الظلام .. لا احبة اطلاقا !! ..
    حاولت ان انام مرة اخرى وانا مندس تماما تحت الاغطية الثقيلة ..وبالفعل اصبحت قريبا جدا من النوم .. او كما يقولون بين النوم واليقظة .. الارض غافية ملتفة في الظلام .. وصوت محرك الساعة الرتيب .. اشعر وكأنني الوحيد المتيقظ في هذا العالم .. النجوم .. وانا ... و ..ماذا هل انا احلم ؟! .. لا هذا ليس بحلم .. لقد ايقظني شيء ما .. لم تكن الامطار او هزيم الرعد هذة المرة .. بل هو ذلك الصوت الغريب .. في البداية استغرق الامر دقيقة كي افهم اين انا .. ومن انا .. وماذا افعل بالفراش .. لا ادري كم من الوقت قضيته راقد في الفراش مذهولا من ذلك الصوت .. كان هناك شيء يصطدم في الباب باصرار مريب !! ... ليس بقوة ولكن باصرار كأنك حبست قطة خارج غرفتك .. هرعت حافي القدمين الى باب الغرفة لارهف السمع .. لص ؟! .. لاشك انه لص شعرت بتوتر ورعب .. هرعت بهدوء شديد خلفه الخوف الى الهاتف الموجود بغرفتي للاتصال على الشرطه .. وضغط على الرقم 777 ولكن لم يجب احد وكما هو معتاد واقفلت السماعة وتوتري قد بلغ مبلغا .. وحمدت الله الف مرة بانني اعتدت منذ فترة طويلة على ان اقفل باب حجرتي عندما اكون داخلها .. الا ان هذا لم يطمئنني تماما ..
    فالشخص الذي في الخارج لم يحاول اقتحام الباب .. بل ذلك الاصطدام الخافت المخيف بالباب وكانه لا يريد شيئا سوى ايقاظي فحسب !! .. ولكن بعد حوالي دقيقتين توقف ذلك الصوت تماما وحاولت الاتصال بالشرطه بعدها اكثر من مرة .. ولكن لارد هناك .. طبعا لكم ان تتخيلوا كيف قضيت هذة الليله ... كانت خيوط الفجر تتسرب عبر الستائر وكان النوم قد خاصمني تماما ..
    وفجأة .. عاد نورمصباح النوم مرة اخرى .. واصبحت ارى الخط الضوئي الرفيع يمر من تحت باب غرفتي .. عندها عرفت ان التيار الكهربائي قد عاد .. وقد ازال هذا الكثير من خوفي .. الى ان هذا لم يمنعني من معاودة الاتصال بالشرطه مرة اخرى .
    واخيرا ..
    الو ..
    مرحبا اسمي ( خالد ... ) وعنواني هو ( ..... ) اعتقد ان احدهم اقتحم منزلنا قبل قليل ..
    سألني الشرطي :
    وهل هو موجود الان ؟!
    لا يبدو انه موجود في هذة اللحظة .
    وذكرت له ما كان يحدث عند باب حجرتي خاصة بعد انقطاع التيار الكهربائي و ..
    لحظة يا اخ .. ولكن التيار الكهربائي لم ينقطع اطلاقا بالساعات الماضية في أي مكان بالمنطقة ولا حتى في حيكم والا لعلمنا بذلك .. يظهر انك كنت تحلم !! .
    هذا غريب تخاذل صوتي حتى انني لم اجد ما اقولة
    فاقفلت السماعة وانا افكر .. خرجت الى الصاله متوجسا .. كل شيء بمكانه وقد يكون عطلا كهربائي نزلت الى الدور الارضي ولكن كل شيئا يبدو طبيعيا ..







    ما الذي يحدث هنا ؟!
    قلتها بصوت مسموع .. فقد بدا لي انقطاع التيار الكهربائي بهذه الصورة
    امراه غريب بالفعل !!
    كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة والنصف فجرا بقليل ..
    حاولت أن أنام لكني لم استطع إطلاقا !!
    وقد زارني سعد بعد الظهر ليأخذ لعبته .. ولم انس أن اكذب عليه كذبتي الصغيرة
    .. فقد أخبرته إنني لم استطيع قضاء أي وقت معه في الأيام القادمة لارتباطي
    ببعض الالتزامات العائلية التي ظهرت على السطح فجأة .. كنت مضطرا للكذب
    .. لقد اشتقت كثيرا للوحدة .. ولا أريد صديقا لحوحا يتصل بي يوميا .
    سارت الأمور بعدها بشكل عادي .. إلى أن بدأت أخيرا اشعر بالنعاس
    في العاشرة والنصف مساء .. فانا لم أذق طعم النوم منذ استيقاظي المبكر جدا
    .. حيث أصابني ارق شديد بعد الصوت الذي سمعته قرب باب غرفتي ..
    ذهبت إلى الفراش وغبت عن الكون .. و.. كيف عرفتم أن هذا سيحدث ؟! ..
    استيقظت بعد اقل من ساعتين لأجد التيار الكهربائي مقطوعا مرة أخرى !! ..
    لا يمكن أن تتكرر الصدفة بهذه الصورة .. والمصيبة إن الذي أيقظني
    هذه المرة ذلك الصوت نفسه الذي يوحي وكأن احد يصطدم بالباب
    بإصرار هادئ مريب !!
    لا ادري لماذا شعرت هذه المرة بان الأمر يتجاوز الماديات ..
    العرق بدأ ينحدر على جبيني .. والصراع في داخلي قد بلغ الذروة بلحظات ..
    قلبي يخفق كالطبل .. ودمي يفور ..
    وهنا قررت أن افعل أحمق شيء قد تتصورونه .. نهضت من فراشي لأرى ذلك أو
    ( الشيء ) الذي يصطدم بالباب !! لم تكن هذه شجاعة مني كما قد يتصور البعض
    .. بل هو فضول .. فضول غبي وما إن اتخذت هذا القرار حتى بدأت اشعر
    بيدي وكان وزنها قد ازداد وكأنني عاجز عن رفعها بسبب وزنها الثقيل ..
    تحركي يا يدي ولكن صوتا في أعماقي كان يصرخ بي :
    لا تفعل .. بالله لا تفعل !! .. حاستي السادسة تصرخ مهيبة أن أتراجع ..
    لا تلعب بالنار .. فيجيب صوت العقل برأسي :
    ولكن ماذا لو تكرر الأمر غدا وبعد غد ؟! .. يجب أن اعرف مصدر هذا الصوت !!
    ولكن .. عندما خرجت من الغرفة لم أجد شيئا إطلاقا !! .. هذا غريب ..
    كان هناك نور بسيط في الصالة بسبب الشباك الكبير الذي تسلل
    إليه نور مصباح الشارع .. تشجعت قليلا وقررت النزول إلى الطابق الارضيى
    لأحضر بعض الشموع إلى غرفتي لإ ناره المكان بدلا من هذا الظلام المخيف ..
    فقد نسيت أن افعل هذا في الصباح .
    شعور غريب ينتابني بأنني مراقب .. الحذر والتوتر يحرق أطراف أصابعي حرقا ..
    ولو أن عصفور غرد لوثبت مترين بالهواء ..
    ثم حدث شيئا كاد أن يصيبني بسكتة قلبية .... ففي طريقي إلى الدرج للنزول إلى الدور الأرضي .. لمحت خيالا في صالة المنزل .. فوثبت للوراء - برد فعل غريزي -
    لأرى القادم .. صحيح أن الرؤية غير واضحة بفعل الظلام .. لكني استطعت أن أرى ..
    لقد كان خيال امرأة !!
    هل أنا أخرف بفعل الخوف والظلام !! .. لا أنا لا أخرف ولا أتخيل شيئا ..
    إنني أرى امرأة عجوز بيضاء الشعر طويلة مسربلة بثوب اسود طويل
    تجوب صالة المنزل بهدوء شديد وبحركة انسيابية رشيقة لا تصدر من عجوز ..
    بل لا تصدق من إنسان أصلا !! لا يوجد أي نوع من الانبعاج تحت ثوبها يوحي بحركة القدمين ... وكأنها لا تمشي لكنها تمشي إن فهمتم ما اعنيه !!
    لم تكن المرأة تبدو وكأنها انتبهت لوجودي ..
    تنحنحت لأبدأ الكلام .. فقد انحشرت الحروف في حلقي ..
    قلت بصعوبة وأنا ارتجف وأسناني تصطك :
    م .. مـ ... مـ .... ماذا تـ ... تفعلين هنا أيتها المرأة .... !!
    لم أكمل عبارتي .. فقد التفتت لي ... ورأيت وجهها !! ..
    وكدت أصاب بالشلل من هول ما رأيت .. إذ لم أتخيل قط وجها مريعا كهذا ..
    أرجو أن تعفوني من وصف وجهها الذي سيظل يؤرق أحلامي ما حييت !! ..
    لقد كان وجها بشعا رهيبا لو وصفته لكم لحرمتم من النوم لفترة طويلة ..
    يكفي أن تعلموا انه لم يكن في وجهها ما يمت بصلة لوجوه البشر ..
    وقبل أن افهم أنا نفسي ما يحدث .. صرخت وصرخت حتى وثبت عيناي من محجريهما
    فالذعر الذي غمرني كان أعمق من أي تعقل .. ثم أطلقت ساقي للريح ..
    جريت كما لم اجر في حياتي .. نزلت مسرعا إلى الدور الأرضي وكأن شياطين العالم تطاردني .. الردهة .. الظلام الدامس جعلني اصطدم مئات المرات بأشياء مجهولة ..
    اصطدمت ساقي بقطعة أثاث حتى كادت أن تتحطم قصبتها .. وسقطت ... ونهضت وأنا اشهق وقلبي يتواثب كالحصان .... أتعثر مرة أخرى .. وانهض ... وأتعثر .. وتفكيري كله قد تبدد .. هرعت إلى باب المنزل .. يا للهول !!
    أن الباب موصد والمفتاح في غرفتي .. لقد أصابني هلع افقدني كل قدرة على التركيز ..
    لكن ما جدوى التركيز والتفكير المنطقي في ظرف كهذه ؟! ..
    رعب وحشني دفعني أن أهشم قبضتي على الباب تهشيما .. اصرخ واصرخ
    . . و .. فقدت الوعي !! .
    صحوت بعد فترة بدت لي قصيرة والظمأ يحرق حلقي ..
    ومن جديد أدرك إنني هنا بالقرب من باب الخروج وان الرعب يقتلني ..
    وليته يقتلني فعليا ليريحني .. كانت واحدة من أشنع لحظات حياتي ..
    ولو أن أحدكم يعرف علاج يساعدني على نسيان الذكريات المريرة فليساعدني به.
    وقفت مشدوها مصدوما ملتصقا بالباب .. لا ادري ما افعل ..
    حتى لو ركلت الباب ركلا وملأت الدنيا صراخا فلا اعتقد أن احد من الجيران سينتبه
    .... وبينما كنت غارقا في هذا الجو المرعب وملصقا ظهري بباب الخروج
    عاجز عن اتخاذ أي رد فعل .. رأيت شيئا أخر جعلني أصاب بشلل لحظي !!
    .. خيال رجل جالس في ركن صالة الدور الأرضي !! .. كان وجهه خارج دائرة الضوء
    والواقع أن هذا قد أخافني أكثر بكثير مما لو كنت أراه بوضوح .. لان الخيال مخيف
    أكثر من الواقع بمراحل ..هنا اتخذت قراري .. فقد تذكرت بأنني لم أشاهد شيء
    في غرفتي .. فلأعد إليها .. بدأت لي أنها أكثر أمنا من أي مكان أخر بالمنزل ..
    هرعت راكضا إلى غرفتي وفؤادي لا يكف عن الوثب .. لا يكف عن الخفقان بقوة
    لم انتبه إلى وجود المرأة العجوز أو أي احد أخر دخلت إلى غرفتي وقفلت الباب
    ودسست نفسي تحت الغطاء وأنا الهث بقوة من هول الموقف وسمعت بعد لحظات قليلة
    ... صوتا جمد الدم بعروقي .. صراخ طويل شنيع منبعث من الدور الأرضي وكأنه قادم من أعماق الجحيم .. كاد قلبي أن يتوقف عن الخفقان ..
    بدأت بقراءة أية الكرسي .. شاعر بخوف لا حدود له من تخيل مجرد تخيل شكل
    ذلك الشيء الذي يصرخ .. لا يمكن أن تصدقوا مدى الرعب الذي شعرت به
    في هذه الليلة مندسا تحت اللحاف متكورا كهر رضيع ابكي وارتجف بقوة
    حتى لساني عجز عن ترديد آية قرآنية لقد كان إيماني ضعيفا للأسف ..
    تخيلوا إنني ظللت هكذا لأكثر من ثلاث ساعات قبل أن اشعر بنور الشمس الحبيب
    يدخل غرفتي على استحياء .. عندها فقط جرؤت على الخروج من تحت اللحاف
    ارتديت ثيابي ولم اسم أي شيء غير عادي ولم انس هذه المرة مفتاح باب المنزل
    لأهرع بعدها إلى الخارج حيث الفجر والصحبة الآدمية التي بدت لي وكأنها أروع شيء في الكون .لا ادري أين اذهب شعرت بمرارة لا حدود لها .. هل أنا وحيد إلى هذه الدرجة ؟
    .. لا يوجد لي أقارب ولا أصدقاء فأنا دائما ما أكون سمجا قليل الكلام معدوم
    الدعابة بطيئا في ردود الأفعال .. مما جعلني جديرا بهذا السجن الانفرادي الذي
    اخترته لنفسي .. سأطلب من جدتي حين تعود ألا تتركني أبدا مرة أخرى ..



    رحت أجوب الطرقات دون هدى لا اعرف أين اذهب إلا إنني في النهاية
    اعتزمت الذهاب إلى احد المقاهي لتناول الغدا على الأقل ومن ثم الجلوس
    والتفكير لما حدث لي في الأمس ..وجلست وطلبت .. كان المقهى عامرا بالزبائن
    واغلبهم من الشباب .. جلست لتناول الطعام وذهني مشغول تماما ..
    فطلبت من احد عمال المقهى ورقة وقلم لأرتب أفكاري .. يجب أن ارتب أفكاري
    كما افعل دائما عندما أكون مشوش الذهن .. ورحت اسطر النقاط التالية :
    1- لقد بدأ كل شيء بسبب لوحة ( اويجا ) اللعينة هذه ..
    يصعب هنا ألا اربط بينها وبين تلك الأشياء الشنيعة التي ظهرت فالأمر يبدو واضح .
    2- مصدر هذه اللعبة مجهول ويظهر أن الذي باعها لـ ( سعد )
    كان قد سرقها من مكان ما ولم يعرف قيمتها الحقيقية وان خلاصة الكلام
    احدهم استخدمها قديما بواسطة السحر للاتصال بالأرواح أو ما شابه ذلك ..
    كما اعرف حق المعرفة إن ( اسكتلندا ) وهي المكان الذي اشترى منه
    ( سعد ) اللعبة تعج بالقلاع التاريخية التي نسجت
    حولها قصص الأشباح حتى إن بعض الساخرين اعتبروا الأشباح اسكتلندية الجنسية !!
    .. أن ربط السحر بالأمر أمر وارد جدا ..
    3- الأشياء المريعة التي ظهرت لي قد تكون أشباح أو .. جن ..
    أو شياطين .. لا اعلم بالضبط .. ولن اعرف الإجابة على هذا السؤال أيضا
    4- ما سبب انقطاع التيار الكهربائي ؟؟ .... أيضا لا اعلم ..
    إلا إنني عرفت فيما بعد أن الأمر قد يكون مرتبطا بالأشباح الضاجة .
    5- بدأت اكره ( سعد ) كثيرا وسأنهي علاقتي معه منذ هذه اللحظة .
    6- الأمر الأهم من كل ذلك : يجب إن أجد مكانا أبيت فيه اليوم !!
    هل تظنون إنني استطيع المبيت في المنزل بعد كل ما رأيت ؟!
    لوكانت جدتي ستعود غدا مثلا لقضيت اليوم كله في الشارع ..
    أما عودتها لن تكون قبل أسبوع فما الذي سأفعله طول تلك الفترة ؟!
    عند النقطة السادسة بالذات كنت أحاول إن اطمئن نفسي بأنني سأجد مخرجا ...
    فالشوارع ترحب بمن هم في مثل سني بعد منتصف الليل ..
    ووجدت إن أكثر الحلول منطقية هو إن أبيت في احد الفنادق طوال فترة غياب جدتي ..
    وارتحت كثيرا لهذه الفكرة فهي بالفعل حلا ً مناسبا .. إنني امتلك المال الكافي
    للمبيت في الفندق أسبوعا كاملا .. كما إنني على وشك إن يغمى علي من شدة الإرهاق
    .. فانا لم انم سوى ما يعادل الثلاث ساعات تقريبا في اليومين الماضيين ..
    كما إن القلق والتوتر والرعب الذي شهدته قد أنهك كل قواي ..
    هرعت مسرعا إلى هاتف المقهى .. وطلبت البدالة
    للحصول على رقم احد الفنادق فإعطاني موظف البدالة رقم الهاتف ..
    فاتصلت ملهوفا بالفندق
    .الو . .
    مرحبا .. أود إن استئجار غرفة ..
    قال لي موظف الاستقبال بلهجة مهذبة :
    نتشرف ياسيدي .. كل ما عليك احظارة هو عقد الزواج وحضور الزوجة .. والخ ..
    صعقت لهذا القول .. وقلت بضراعة :
    ولكن أنا .. غير متزوج وأريد المبيت وحدي .. وسأدفع أي مبلغ تطلبونه .. أرجوك !! ..
    ولكن رده كان واضحا :
    عفوا سيدي .. ممنوع منعا باتا استضافة الشباب العزب .. وهذا يسري على جميع فنادق
    ( الكويت ) ..
    أقفلت السماعة بوجهه .. فقد اغرورقت عيناي بالدموع من شدة القهر
    ليتني لم التق بـ ( سعد ) .. لقد كانت حياتي هادئة بعيدة عن كل هذه الأهوال
    قبل إن التقي بهذا الأبله ..
    وجدت نفسي فجأة اتصل برقم ( سعد ) دون إن أجد سببا لذلك ..
    وإذا به يجيب ببساطة وبصوت يوحي وكأنه نائم أو مسترخيا :
    الوووووه
    ولم احتمل إن أجدة بهذا الاسترخاء بينما أنا في هذا الجحيم ..
    فانفجر البركان من فمي قاذفا حمما كلاميه :
    يا أحمق .. يا أغبى مخلوقات الأرض ..
    لقد كان يوم لقاؤنا يوما اسود لم تشرق له شمس والاسوء
    منه يوم جعلتك تدخل منزلي أنت ولعبتك اللعينة .. هل تعلم مافعلت .. هل .. ؟
    فتلعثم بالكلام وتحدث بارتباك شديد .. ثم شرع يسألني عما جرى
    لأنه لا يعرف سبب عصبيتي .. وينصحني بان اهدأ ..
    لم أرد عليه .. فقد وجدت إنني أقوم بعمل اخرق لا طائل منه ..
    لذا قفلت السماعة في وجهه دون إن أخبرة بشيء ..
    عدت لأجلس مرة أخرى في المقهى محاولا إن أظل مستيقظا وعالما إن هذا يكاد
    يكون مستحيلا شربت أقداح لاحصر لها من القهوة حتى التهبت معدتي ..
    ولكن دون جدوى من يستطيع إن يظل مستيقظا لثلاثة ليال متواصلة .
    أحاول إن ابحث عن حلا منطقيا .. في البداية فكرت بالسهر حتى شروق الشمس
    لأذهب بعدها إلى البيت لأنام .. ومن ثم استيقظ مساء لأخرج ...
    فالأهوال التي رأيتها لم تكن تظهر سوى في المساء ؟!
    ولكن المشكلة إنني لا استطيع إن أظل مستيقظا ثلاثة أيام متواصلة
    إن هذا مستحيل تماما .. إنني بالكاد استطيع إن افتح عيني ألان
    فما بالكم في الانتظار يوما أخر .
    جلست أفكر بحل أخر .. النوم بالمقاهي ؟! .. غير مسموح به بالطبع ..
    ولو فعلت لأيقظني احد العمال ليخبرني بعدم جواز النوم بالمقهى ..
    وبعد ثلاث ساعات من التفكير والتوتر .. اتخذت قرار قد يبدو غريبا ..
    فقد قررت العودة إلى المنزل !! ... لايوجد حل أخر لدي ؟! ...
    اعرف ما سيصيبني ولكن هل لديكم حلا أخر ؟!
    أدركت هنا كم إن مقولة : ( النوم سلطان ) صادقة ..
    صادقة إلى حد يثير الغيظ .. فالنوم بالفعل سلطان ينحني له أكثر الناس هيبة وقوة ..
    طلبت بالهاتف سيارة أجرة لتوصلني إلى البيت الذي أصبحت اخشاة أكثر من أي شيء
    أخر في هذا العالم .. كنت طوال الطريق أتخيل نفسي كالمحكوم علية بالإعدام
    الذاهب إلى حبل المشنقة ولكن فليذهب كل هذا إلى الجحيم أريد إن أنام وليحدث ما يحدث



    توقفت سيارة التاكسي أمام البيت فنزلت .. واستدرت لأشاهد بيت الأشباح !! ..
    اسم مبتذل سخيف لعشرات القصص والأفلام .. ولكن ما باليد حيلة فهو بالفعل منزل أشباح وأي أشباح !!
    مشيت نحو البيت وانا اشعر وكأنني ثابت وهو يقترب مني باستمرار .. إن هذا المنزل مسرح ستؤدي عليه ليلا مسرحية شديدة البشاعة والهول .. ستكون ليلة طويلة حقا .. اعلم إن الأشباح لن تقتلني .. لكنهم يثيرون الرعب وهذا كاف جدا لجعلهم مؤذيين .. إنهم يخالفون نواميس العالم الذي نعرفه وهذا يكفي لجعلي اقشعر خوفا وهذا أسوأ بكثير من الموت يارفاق .. الرعب !!
    إنني أفضل إن أموت ألف مرة على إن أرى ما رأيته في الأمس وما سأراه اليوم .. اشعر إن حكم الإعدام قد صدر بحقي ولا أمل لي في استئناف ولا معارضة ولا هرب .. كنت دائما أقول إن الخطر المعنوي اشد إيذاء بكثير من الخطر المادي ..
    وقفت لفترة خارج المنزل وساقاي لم تعودان على حملي من السهر المتواصل .. دخلت إلى المنزل وأنا اردد المعوذتين .. ولكن هذا لم يكن كافيا لتزول كل أثار الرعب من نفسي .. ابذل جهدا خارقا للسيطرة على توتري .. إن هذه الأشياء الملعونة لم تظهر لي إلا ليلا .. أما ألان والساعة لم تتجاوز الرابعة عصرا فلا اعتقد إن شيئا سيحدث .. لكن هذا لم يكن كافيا للتخفيف من حدة توتري وخوفي .. شعور مروعا كان يداهمني إنني لست وحيدا بالمنزل .. الحضور القوي الذي لا ينكر لتلك الأشياء التي شاهدتها جعلني التفت يمينا وشمالا وانظر خلفي كل ثانية تقريبا تأكدت إن الباب موصد بإحكام .. تفقدت خزينة الثياب وألقيت نظرة تحت الفراش وأخذت مصحف جدتي الصغير .. ووضعته تحت وسادتي ..
    وبرغم مئات الخواطر السوداء القلقة .. غرقت في نوم عميق جدا متوقعا ومتمنيا إلا استيقظ منه قبل حلول نهار الغد .. ولكن هذا لم يحدث مع الأسف !!
    فقد استيقظت ليلا ... كم من الوقت نمت ؟! .. لا ادري لكني فتحت عيني لسبب لا اعرفه .. ذلك الحافز الخلفي المجهول الذي يوقظنا حين ينظر شخص بإمعان لوجوهنا ونحن نيام !! .. ولكني لم ارى شيئا حين استيقظت .. فلم يكن هناك سوى الظلام .. الكهرباء كانت مقطوعة لليله الثالثة على التوالي !! . .
    اللعنة !! .
    قلتها بصوت مسموع مرتفع بدا لي مخيفا فخرست وأنا أعض على شفتي قهرا .. فانقطاع التيار الكهربائي يعني إنني لست وحدي .. احد ( الأشياء ) المريعة التي ظهرت لي بالأمس ستظهر الليلة أيضا . .
    ظللت مستيقظا في فراشي وقد عجزت تماما عن العودة إلى النوم .. إن هذه الليلة لن تنتهي أبدا .. قررت النهوض من فراشي لإشعال شمعة .. فذلك الظلام سيصيبني بالجنون .. أخرجت رأسي من تحت الغطاء بهدوء وقلق شديدين لأجلب شمعه من احد أدراج مكتبي .. فقد اتخذت احتياطي هذه المرة وجلبت عددا من الشموع ووضعتها هناك تحسبا لظرف كهذا ..
    التفت يمينا وشمالا !! .. عيناي قد اعتادتا الظلام قليلا كوني ظللت مستيقظا في فراشي أكثر من عشر دقائق .. لكن صبرا .. ثمة شيء ما غير مريح . . هناك جسم في زاوية غرفتي بجوار المرآة لم يكن هناك في السابق .. جسم له أبعاد وحدود و . . كاد قلبي إن يتوقف عن الخفقان !!
    فعندما دققت النظر وجدت قطة سوداء واقفة على قدميها الخلفيتين في زاوية غرفتي وكأنها تمثال فرعون مقدس .. وفي عينيها ذلك البريق المخيف ... نظرة صامته لعدة ثوان .. وبعدها ضحكت القطة ضحكة بشرية واضحة !! .. واختفت تماما ولم أرها ثانية لحسن الحظ ..
    رحت أتواثب قفزا كحيوان الكنغر إلى فراشي وأنا ارتجف رعبا .. لن استطيع إن أعيش هكذا رحت اردد المعوذتين وارتجف .. أسناني تصطك هلعا ودموعي تنهمر بغزارة دون إن ابكي بصوت مسموع فحتى صوتي بدا لي مخيفا .. أنا لا افهم شيئا .. لا افهم حرفا مما يحدث .
    أغمض عيناي بقوة وأنا مندس تحت اللحاف لأنني اعرف ما سأراه سيثري كوابيسي ..
    يتهددني خطر لا يجدي معه إبلاغ الشرطة ولا امتلك سلاح .. ولا تربية كلب .. ولا تحصين النوافذ .. أليس هذا مريعا ؟!
    لقد سمعت اصواتا عديدة في تلك الليلة الملعونة وأنا جالس متكور على نفسي في فراشي لكني لن أخبركم ما هي هذه الأصوات !! .. لأنكم لم تصدقوني أولا .. ولان جزءا منها اختلط بالكوابيس التي كنت أراها حين أغيب عن الوجود .. فلم اعد أميز بين الكابوس والواقع !!
    وفي لحظة فقدت قدرتي على الصمود أكثر من ذلك .. سأبيت في الشارع .. أو سأرتكب جريمة حتى أبيت في المخفر ولكني لن أبقى لحظة واحدة في ذلك المنزل الملعون ..
    اتخذت قراري .. لقد انتهى العقل .. وجاء وقت الجنون !! .. نهضت من فراشي كالملسوع واندفعت نحو الطابق الأسفل للخروج من المنزل .. وتكرر مشهد الصراخ .. والنهوض .. فالركض والاصطدام بالأثاث .. والصراخ مرة أخرى الصراخ الذي يمكنه إيقاظ الديناصورات المنقرضة التي شبعت موتا منذ ملاين السنين .. فتحت الباب وأنا الهث وابكي .. واصطدمت بشيء ما .. فأجفلت وشرعت أوجه لكمات خرقاء وأنا اصرخ في هستيريا .. فسمعت صوتا مألوفا يبسمل ويهتف بي بجزع :
    ( خالد ) . . هذا أنا . . جدتك .
    عندها ارتميت بأحضانها وأنا ابكي .. انفجرت ببكاء هستيري جدير بالفتيات ..
    لحظات لم تنطق بها جدتي بحرف واحد وهي مذهولة من منظري وأنا خارج من البيت وكل علامات الخوف على وجهي .. لكن .. يبدو أنها استمعت أفكارها .. حيث سألتني بقلق شديد :
    ( خالد ) .. ما الذي يجري يا بني ؟؟
    لم استطع إن أرد .. لا ادري لماذا عادت قبل موعدها بأسبوع لكني سعيد جدا بذلك .. قبلت يدها الحبيبة وأنا ابكي بحرارة ..
    تكلم يا ( خالد ) . . انك تخيفني يا بني ..
    قالتها بانفعال وهي على وشك البكاء .. فهي لم ترني بهذا الحال من قبل !! .. ولكني لم اقدر على النطق إلا بعد فترة من البكاء .. وقد انتبهت جدتي بالطبع إلى إن التيار الكهربائي مقطوع .. فقامت بجلب بعض الشموع لتنير المنزل .. عندها فقط استطعت إن أتحدث .. قلت لها كل شيء لكني تجاوزت الحديث عن لوحة ( اويجا ) .. ويكفيها إن تعلم إن البيت مسكون بالجن والشياطين .
    رحت أتوسل إليها إن نبيع البيت :
    ما الذي يدعونا إن نعيش في بيت كهذا يا أمي انه كبير جدا وقديم .. اعلم انك تحبينه كثيرا ولكن لا بد من التغير .. خاصة بعد ما شاهدت .
    أنا لا أمانع بيع المنزل يا ولدي .. ولكن لا ادري .. لقد كنا نعيش فيه فحسب ولم أفكر ببيعه .
    استجمعت أنفاسي وقلت لها بلهفة :
    هناك الكثير من المكاتب العقارية التي ستعرض البيت للبيع وأنا واثق إننا سنجد من يشتريه .
    صمتت قليلا ثم قالت :
    سأترك الأمر لك يا بني . . لتفعل ما تريد ..
    وكان هذا الرد يكفيني ... يكفيني تماما ..
    لقد عرفت من جدتي بعدها إنها عادت قبل موعدها المحدد لأنها اتصلت أكثر من مرة لتطمئن علي .. وكنت لا أرد على الهاتف أو الاتصال بجدتي على الأقل لأطمئنها .. الأمر الذي أشعرها بقلق شديد وجعلها تعود في أسرع وقت لتطمئن وقد استقلت سيارة أجرة من المطار إلى المنزل الم أخبركم إنها امرأة باسلة رائعة ؟! ..
    ولم يفتها بالطبع سماع الأصوات الغريبة في المنزل في الأيام القليلة التي تلت عودتها من السفر ..ولكنها أثارت إعجابي بشدة .. كانت تذكر الله وتقرأ بعض الآيات القرآنية بثبات وشجاعة تحسد عليهما .. أطال الله في عمرها .
    لقد حصل كل شيء بسرعة لا تصدق .. ففي اقل من أسبوعين كانت صفقة بيع البيت قد تمت ..قمنا ببيعه بمبلغ لا بأس به إطلاقا .. ففي الكويت تباع المنازل حتى وان كانت متهالكة بمبالغ هائلة .. وقد كانت سعادتي لاتوصف لأننا سنبتعد عن تلك الأهوال التي شاهدتها وكادت إن تصيبني بسكتة قلبية أكثر من مرة .. ولا أنسى إن أقول لكم إنني قضيت الأسبوعين الأخيرين في غرفة جدتي .. ولكن شيئا لم يحدث .. سوى بعض الأصوات المخيفة الغامضة التي كانت تجيبها أصوات أخرى أكثر غموضا ... ولا ننسى الستائر التي كانت تتموج ليلا وكأن هناك من يختفي ورائها .. ولا حاجة لي بالطبع إن اكشف عن الستارة لأعرف ماذا يوجد خلفها ..
    فقد شاهدت ما يكفي ..
    قمنا ببيع البيت كما ذكرت سالفا وسكنا بعدها بشقة راقية .. المنطقة ؟ .. ( الرميثية ) طبعا .. فـ ( الرميثية ) هي جزء من روحي كما أخبرتكم في المقدمة ..
    لا أنسى إن أخبركم إنني عرفت فيما بعد إن البيت قد نجح بطرد ثلاث اسر ظنت أنها لا تعبأ بكل هذا الهراء !!
    كنت أظن إن الأزمة التي مررت بها ستنتهي .. لكني كنت واهما .. كنت واهما إلى أقصى حد .
    فالقصة الفعلية ( وأرجو إلا يثير هذا غيظكم ) .. لم تبدأ بعد !!





    لقد قضينا بضعة ايام ونحن نجمع أشياءنا من المنزل محاولين الخروج في اسرع وقت ممكن وكنت اذهب الى المدرسة بعد ان انتهت العطلة منهيا فروضي بسرعة .. وبعدها ابدأ بجمع اغراضي الخاصة بحماس شديد .. كما انني كنت اقوم بمساعدة جدتي لتوضيب كل اغراضها من غرفتها ووضعها في صندوق تمهيدا لنقلها وذلك حتى نخرج من البيت باسرع وقت ..
    وفي هذة الاثناء .. وجدت خزانة حديدية صغيرة الحجم شبيهة بالخزانات الحديدية الصغيرة التي نراها في السينما .. لم انتبه قط الى وجودها من قبل !! .. فقد كانت موجودة في دولاب جدتي الذي لا افتحة ابدا بطبيعة الحال ..
    سألت جدتي بدهشة :
    منذ متى وانتي تملكين هذة الخزنة الصغيرة يا امي ؟!
    انها قديمة جدا يا ولدي .. لقد اشتراها جدك في فترة الستينيات ووضعها بالغرفة .. كان يحفظ فيها اوراقنا الرسمية وبعض المصوغات .
    وما الذي تحوية الان ؟!
    قالت دون اهتمام :
    لا ادري .. انني لم افتحها منذ عشرون عاما .. لقد كان والدك يستخدمها بعد وفاة جدك رحمهما الله .. ولم يستعملها احد بعده ..
    اثار هذا الشيء استغرابي فسألت جدتي بلاهتمام :
    ولكن .. الم يثير هذا فضولك يا امي ؟
    في الواقع .. لا .. فلا اعتقد انها تحوي شيئا هاما .. كما انني لا اعلم اين مفتاحها اصلا ..
    هل تمانعين لوقمت بفتحها او كسرها يا امي ؟
    بالطبع يا بني .. افعل ما يحلو لك .
    وهكذا قمت بكسر الخزينة بعد جهد جهيد .. فتحتها ملهوفا لارى ما فيها !! ...
    اوراق كثيرة .. سندات وشروط جزائية وعقود .. الخ .. كلها قديمة جدا تعود الى ما قبل ولادتي .. أي عمرها اكثر من 17 عاما .. كما وجدت النقود الكويتية القديمة التي قبل الاجتياح الصدامي الغاشم على ( الكويت ) .. تحتاج هذة الاوراق الى مزاج لقرائتها رائق وسأفعل ذلك لاحقا بعد الانتقال الى السكن الجديد ..
    وبعد يومين انتهينا من كل شيء .. وخرجنا من المنزل المشؤوم الذي كان وداعنا له متباين المشاعر .. فجدتي الحبيبة لم تنس سنوات عمرها الطويلة التي قضتها هنا .. اما انا .. فانتم تستطيعون تخمين مشاعري جيدا بعد الاهوال التي رأيتها ...
    شقتنا الجديدة فقد كانت عمارة راقية حديثة البناء تبعد عنك فكرة الجن والاشباح .. وقد احتاج منا الامر اسبوعا كاملا لنتأقلم مع السكن الجديد بعد ان قمنا بايصال خط الهاتف وكابل التلفزيون مع باقي الخدمات الاخرى . . و . . فرغت تمام من كل المسؤوليات حتى جاء يوم ( الخميس ) وهو من الايام السعيدة والمفضلة لدي ولدى الكثيرين ففي هذا اليوم لا اعمال ولا دراسة .. ولا فروض منزلية .. ولا أي شيء من أي نوع .
    من جهاز التسجيل ينبعث صوت موسيقي هادئة جدا ... وذلك المذاق الحزين للهواء المغسول الذي يدخل عبر شرفة غرفتي ويشتهر بع فصل الشتاء .. شعرت ان الوقت مناسبا والمزاج رائق للاطلاع على الاوراق التي وجدتها في الخزنة الحديدية .. وهذا ما حدث بالفعل فقد اخرجت كل الاوراق والمستندات القديمة التي تعود عمرها الى ما قبل ولادتي كما ذكرت لكم .. اريد ان اعرف ما تحوية بالضبط بدافع الفضول لا اكثر .. وليتني لم افعل !!
    فقد اثارت هذة الاوراق في نفسي حزنا شديدا جدا مع مرارة ةغصة في الحلق لماس ومصائب لم اعيشها لحسن الحظ .. لكنها اثرت على حياتي بشكل كبير !! ..
    هنا يجب ان اعود بكم الى الوراء .. الى الماضي .. لاكتشف اسرار حياتي العائلية التي كنت احاول ان اتجنب الحديث عنها قدر المستطاع .. ولكن لا بد من ذلك حتى تعيشون معي اجواء القصة !! ..
    لقد كان والدي انسانا عاديا جدا الا انه مقطوع من شجرة فلم يكن له في هذة الدنيا سوى والدته التي هي جدتي .. وكان موظفا عاديا في احد الدوائر الحكومية .. ودون ان اعرف أي تفاصيل اخرى ... وقع في حب امرأة من عائلة ثرية جدا ومعروفة في ( الكويت ) .. هذة المرأة هي امي وبادلته امي الحب .. الا ان المشكلة التي تواجههما هي المشكلة الازلية في الكويت ودول الخليج عموما : عدم التكافؤ لاسباب قبلية او اجتماعية او مالية .. الخ .. فهناك تقسيمات كثيرة جدا بين المواطنين على الرغم من ان عدد سكان ( الكويت ) لم يتجاوز المليون حتى الان .. وبالنسبة لوالدي فقد كان عدم التكافؤ واضحا جدا بينهما وكانت اسرة والدتي ترى في ابي شخصا استقلاليا يريد الوصول الى طموحة من خلال الزواج من امرأة ثرية .. بينما كان ابي يحاول جاهدا اقناعهم بحبة لامي وانه لا يهتم لثروتها .. اما امي فقد قاتلت اهلها بشراسة واستماته من اجل حبيبها .. حتى انهم لم يملكوا بعدها سوى الموافقة وان كانوا لم يبتلعوا الفكرة ..
    وتزوج الحبيبين .. انتم تعرفون كيف تحدث هذة الامور يسمونه ( النصيب ) ..





    مرت اربع سنوات دون ان يرزقهما الله باطفال .. ومع مرور الوقت تغيرت والدتي كثيرا .. وبدأت تعامل ابي بكبرياء شديد ولسان حالها يقول : انت لا شيء من دوني ..
    وفتر حبها له بصورة واضحة .. قد يكون السبب هو تأثير اهلها عليها .. وقد رسخوا في دماغها طوال سنوات زواجهما فكرة ان والدي انسان وصولي يريد ان يصل الى طريق الثراء من خلالها .. لذا بدات معاملة امي لابي تتغير شيئا فشيئا بعد عملية غسيل المخ هذة .. وبدأت توجه له اهانات كثيرة خصوصا بعد ان افتتحت له - وبناء على طلبه - شركة كبر اسمها مع مرور الوقت بجهد ابي ومساعدات امي المالية .. واصبحت امي مع مرور الوقت نموذجا جيدا للزوجة التي تصنع من زوجها رجلا عظيما في عملة .. ولكن بالصورة التي لا تتوقعونها .. فقد كانت تصنع منه ذلك عن طريق تعذيبة وارغامة على ان يغرق همومه في العمل .. ومزيد من العمل .. ولم تكف عن اشعار ابي بالفشل وبأنها منحته اكثر بكثير مما يستحق .. وكبرت المشاكل بينهما واصبحت حياتهما لا تطاق .. فاذا تحدث والدي تثائبت والدتي .. واذا لم يتحدث اتهمته بانه لا يرغب في استمرار هذا الزواج !! .. واذا كانت الاخطاء بلا عدد والقرف بلا حدود .. فان الصبر له حدود والاحتمال له حدود .. لذا فقد طفح الكيل بوالدي .. ولكنه لم يقم باي رد فعل ايجابي
    يظهر ان حالة ابي النفسية اثرت كثيرا على عملة على الرغم من اخلاصة وتفانية .. فبدأ شيئا فشيئا باهمال الشركة .. وبدأ وكأن مشاكلة الاسرية قد جعلت حاسة الكسب عندة اقل رهافة .. حتى انه خسر مبالغ هائلة في فترة قصيرة وتراكمت عليه الديون فكان الحل الاخير هو السفر الى ( اوروبا ) للملمة شتاته ومحاولة الحصول على مساعدة من بعض شركاءة هناك ولكن يبدو ان الامور لم تسر بالشكل المطلوب .. فبعد اسبوع من سفرة .. وجد انه سيقضي عمرة في السجن بسبب تراكم الديون التي عجز عن سدادها وكان واثقا ان اسرة زوجته لن تقف بجانبة .. لذا فقد اختار حلا رهيبا .. الانتحار !! .. فقد وجدوا ثيابة على احد شواطىء ( هولندا ) .. وقال شهود عيان انهم شاهدوا رجلا يجتاز الامواج العاتية في جو شديدة البرودة مما اثار استقراب الناس الذين تجمعوا حول الشاطئ مناجين به العودة الا ان ابي اجتاز الامواج غير عابئ بصرخات المنذرين واختفى بعدها تماما .. واعيدت ثيابة الى ( الكويت ) مع خطابا مكتوب بخط يدة في جيب بذلته وموجها الى والدتي يقول فيه :
    (( اغفري لي يا ( . . . . ) .. حياتي معك اصبحت مستحيلة .. لا املك شيئا الان .. ولا جدوى من الحياة بعد ان خسرت . . خسرت حبي . . وخسرت ثروتي بعد ان فاضت بي الديون )) .
    انها غريزة المنتحرين الشهيرة : كل منتحر يحاول جاهدا ان يبرر نفسة لعالم .. برغم انه فارقة باختيارة الى عالم لا يحتاج الى هذة المبررات !! … وطبعا كان لابد من بعض الصراخ والبكاء وانهارت جدتي تماما وقتها.. فقد كان ابي هو ولدها الوحيد الذي ربته على افضل القيم لكنه بفعلته الشنيعه هذة قد خذلها كثيرا .. وقامت والدتي بتسديد ديون ابي فهي زوجته اولا واخيرا .. وليتها اختارت ان تسدد له ديونه قبل ان يقدم على الانتحار .. ولكنها لم تتوقع منه شيئا كهذا .. الامر الذي جعلها تفيق من سباتها وتعرف كم كانت قاسية معه .. وما زاد القصة تعقيدا هو ان والدتي اكتشفت بعد ايام قليلة من انتحار ابي انها حامل بطفلها الاول !! .. الذي هو انا واكتملت بعدها المأساة .. فبعد ولادتها لي بشهرين تقريبا توفيت والدتي بحادث سيارة .. واصرت جدتي على ان تتولى تربيتي .. وكان لها ما ارادت فلم تكن اسرة امي متحمسة كثيرا لتربيتي ولا استغرب هذا من والدها - جدي - المتغطرس الذي لازلت ارى صوره في الصحف بين فترة واخرى فهو شخصية مرموقة جدا في ( الكويت ) لتنتهي الامور بهذة الصورة ..
    اعيش مع جدتي في منزلها ونحصل على دخل شهري من ايراد عمارة سكنيه اشتراها والدي وسجلها باسم جدتي قبل تعرضة للخسارة وهذة العمارة هي كل ما نملك الان بعد بيع المنزل .
    قطع حبل افكاري شيئا هاما .. فقد وجدت اوراق ومستندات رسمية تتحدث عن اسهم يمتلكها والدي في شركة اوروبية وفي ( هولندا ) على وجه التحديد .. اسهم تبلغ قيمتها ما يعادل عشرة ملايين دولار !! .. وتاريخ الاوراق يعود الى قبل انتحار ابي بفترة بسيطه للغاية .
    وما اثار حيرتي هو عدم ذكر اسم الشركة في تلك الاوراق .. وكأن المستندات ناقصة ان هذة الاموال كفيلة بإنقاذ ابي من ديونه .. فلماذا لم يستغلها ؟! ..
    لقد استوقفني الامر كثيرا فهرعت لأسأل جدتي عن الامر :
    امي هل هناك أي اموال او ممتلكات تركها ابي بعد وفاته ؟
    ولماذا تسأل يا بني ؟
    لا شيء .. مجرد تساؤل ..
    انت تعلم ان والدك قد توفي معدما لا يملك شيئا وان والدتك تولت دفع كل ديونة وعند وفاتها رفض اهلها ان يتولوا رعايتك وانا بالطبع لا اجرؤ ان اقاضي جدك كي احصل منه على أي حق لك بالميراث فنحن اناس بسطاء ولا نستطيع مواجهة هؤلاء الجبابرة .
    اعلم تماما انها صادقة .. ولكن شيئا في اعماقي جعلني اخفي عنها ما عرفته عن تلك الاوراق والاسهم .. حافز خفي لا ادريه جعلني افعل هذا !!
    اكملت قراءة كل المستندات الاخرى الموجودة علني اعثر على طرف خيط يكشف لي هذا اللغز الغريب .. ولكن دون جدوى .. اين ذهب هذا المبلغ الهائل ؟؟ …
    عرضت تلك الاوراق على محامي وقال لي ما توقعته :
    الاوراق التي لديك تقول ان والدك كان يملك اسهما في شركة هولندية وتعادل عشرة ملاين دولار بالفعل .. لا اعلم بالطبع ان كان لازال يملك هذة الاسهم فالاوراق قديمة جدا وناقصة ولا تدلنا على مكان تلك الاسهم !!
    ذهبت الى اكثر من محام وجميعهم اجابوا نفس الاجابة وجميعهم اكدوا على ان الاوراق الاهم والتي تبين مكان الاسهم غير موجودة .. ما هو اسم الشركة ؟
    لماذا لم يستغل ابي تلك الاموال لتسديد ديونه ؟! .. ظل السؤال يؤرقني كثيرا فلا يمكن ان اتجاهل مبلغا كهذا !!
    ظللت افكر وافكر بامر تلك الاوراق والمال المفقود حتى جاءتني فكرة مجنونة .. ولكني طرحتها جانبا سريعا .. فلا يمكن ان اقدم على شيء كهذا !!
    ومع مرور مرور الايام فقدت الامل تماما بمعرفة مكان الاموال .. وانغمسة في حياتي المملة حتى جاء ذلك اليوم ..


    ترقبوا المزيد .. اذا حابين اكمل




  • #2
    روعه يعطيج الف عافيه

    تقبلي مروري
    عندما تحين لحظة الفراق
    تضيع منا الحروف
    يصبح الصمت رائعاً
    هنا أتوقف
    لا أعلم لماذا ..؟؟

    تعليق


    • #3
      تسلمين حبيبتي

      طبعاً لازم تكلمين وحاابين انج تكملين

      Go On
      أنا غآيتي?َ عُنْوآنهآ




      تعليق


      • #4
        حبيباتي تسلمون على مروركم بكمل لعيونكم الحلوه ..

        و كل سنة و انتو طيبين فيما كنت اتصفح احدى مواقع الانترنت .. وجدت بالصدفة موقعا لاحدى جمعيات الوسطاء الروحانيين .. تماما كما توجد جمعية للسحرة .. وغيرها من الجمعيات الاخرى الغريبة !!
        وقد اعاد موقع الانترنت تلك الفكرة المجنونة الى ذهني !! .. لقد كنت اداريها .. وفجأة خرجت الى السطح .. وصارت تلح علي بشكل غير مسبوق !! ..
        تريدون معرفة ماهي الفكرة ؟ !
        حسنا .. لقد تلاعبت انا بالارواح وكنت جاهلا بالامر … فأصابني ما اصابني ولكن ماذا لو طلبت استشارة وسيط روحي ؟
        أي شخص يفهم بمثل هذة الامور كي اطلب منه ان يقوم بتحضير روح والدي للاستفسار عن مكان الاموال !! راقت لي هذة الفكرة بشدة .. والذي اغراني بشكل اكبر هو انني وجدت في هذا الموقع وسيطا روحيا من ( الكويت ) !! ..
        تصورا هذا .. اعلم ان النصابين في هذا المجال لم يتركوا للصادقين مجال ان وجدوا اصلا ولكن الامر يستحق المحاولة انها عشرة ملاين دولار.
        لقد كان اسمه الاول مكتوب مع بريدة الاكتروني وملاحظة نقول انه وسيط روحي يملك خبرة طويلة وابحاث ودراسات كثيرة وسبب ممارسته لهذا النشاط الغريب انه يريد استكشاف المجهول او للمعرفة من اجل المعرفة … كما هو مذكور في الموقع .
        كنت متردد في البداية .. ولكني تذكرت المبلغ الهائل المفقود .. فحسمت امري وتجرأت بإرسال رسالة الكترونية الى هذا الوسيط طلباً منه لقائه لسؤاله بعض الاسألة عن تحضير الارواح .
        وما اثار استغرابي هو رده السريع !! … فبعد يوم واحد فقط .. وجدت في صندوق بريدي الاكتروني رداً منه يخبرني فيه برقم هاتفه الخلوي .. هكذا بكل بساطة !! .. وبكل بساطه ايضا اتصلت به ..
        كان صوته هادئاً واثقاً .. رحب بي وسألني عما اريدة .. فأغرقته بسيل من الأسلة - بعد ان عرفت ان اسمه ( حسن ) - :
        كيف وثقت بي واعطيتني رقم هاتفك من خلال الرسائل الاكترونية ؟ .. الم تفكر بلحظة بأن الامر كميناً معد من رجال الشرطة ؟! .. من انت بالضبط ؟! .. وكيف عرفت ما عرفته ؟! .. ولماذا لم تقبض عليك الشرطة ؟! . . . و . . .
        قاطعني وهو يضحك بثقة :
        تريد ان تعرف هذا كله بالهاتف .
        قلت بثبات اريد ان اعرف ولا يهمني اين :
        قبل كل شيء .. ما الذي يجعلك تتحدث عن الشرطة ؟ ..
        عادة ما يقبض رجال الشرطة على من يقوم بهذة الانشطه بتهمة النصب والاحتيال .
        قال بنبرة واثقة :
        انا لا ارتكب جريمة ولا اطالب بأي مبلغ مادي جراء خدمتي .. وهذا ينفي عني هذة التهم فأنا اقوم بهذا العمل حبا فيه ولدي ابحاث ودراسات كثيرة في الاتصال بالارواح .. أي انني لست نصاباً وما امارس بعيد تماما عن السحر والشعوذة .. ولا توجد اصلا قوانين في ( الكويت ) تمنع ما افعلة .
        قلت له محاولا الدخول بصلب الموضوع :
        ان لي تجربة الاتصال مع الارواح ولكنها انتهت نهاية شنيعه لانني لعبت بالنار .. ولهذا فأنا الان استعين بخبير بهذة الامور ان كنت حقا خبير .
        قال بتواضع :
        انا لست خبيرا .. لست سوى احد المتعمقين في هذا العلم الذي يطلقون عليه ( علم الاتصال بالارواح ) وقد قمت بتحضير العديد من الارواح بالفعل .. وعلى كل حال لن القي عليك اللوم ان لم تصدقني .. فتحضير الارواح كالمنجم الواسع المليء بالالماس ..
        قلت له :
        اغفرلي جهلي ياسيد حسن ..
        اخبرته بعد ذلك بين مكذب ومصدق .. انني ابغي سؤال روح ابي عن شيء ما .. فأعطاني موعد لزيارته في اليوم التالي .
        كان السيد ( حسن ) رجل كبير بالسن شكله غريب نحيف الجسم نامي اللحيه مبعثر الثياب وجهه مجعد كضبع عجوز وجهه اكتسب مسحة من الجمود وفي عينه نظرة غامضة .. باختصار كان مخيفا بعض الشيء كالمجنون تقريبا .
        كانت شقته بعكس ما تصورت خاليه من الزبائن لانه يعتبر نفسة باحثا وليس نصابا ويأخذ من تحضير الارواح مهنه .. وكان اثاثه راقي .. كنت بصراحة اتوقع مكانا تقشعر له الابدان وتفوح منه رائحة السحر والشعوذة الا انني لم اجد شيئا من هذا .
        قضيت معه بعض الوقت في الحديث عن الاتصال بالارواح ولا زلت اجهل ان كانت له عائلة لانه يبدو لي ان السيد( حسن ) يعيش وحدة .
        يقول :
        هناك ثغره في هذا العالم المادي .. هذة الثقره هي ما يتسلل اليه الروحانيون الاتصال بالموتى وانه اسلوب الوسيط الروحي والانسب للاتصال بالارواح في مثل حالتك هذة !!
        لم افهم ما يعنيه فطلبت منه مزيد من التوضيح ..
        انت قمت بتحضير الارواح عن طريق لوحة ( اويجا ) .. كما اخبرتني وما سأفعلة هو ان اكون انا نفسي وسيلة لتحضير روح والدك لتسأله ما شئت دون الحاجة الى لوحة ( اويجا ) او غيرها فالوسيط يجعل الروح والملتقي على اتصال مباشر .. أي تستطيع ان ترى والدك وتكلمه !!
        قلت له بدهشه :
        الموتى لا يعودون يا سيد ( حسن ) لقد لقي والدي ربه منذ ثمانية عشر سنة .
        قال لي :
        من قال لك باننا سنعيد ميتا للحياة ؟! .. كل ما سنفعلة هو الاتصال بروحة فحسب ..
        قلت له بحسم :
        فلنبدأ الان اذا ..
        دخلت معه الى غرفة صغيرة خاليه من الاثاث سوى منضده مستديرة فجلست الى المنضده وقام هو ليطفئ الانارة واضاء مصباحا احمر صغير .. وقام بتجهيز شريط تسجيل ونظرت اليه مستفهما .. فقال :
        انها تجربه تستحق التوثيق .. فهي اول تجربة تحضير ارواح اقوم بها بناء على طلب شخص .
        وكيف ؟ ان بريدك الاكتروني موجود في موقع تلك الجمعية على النترنت ..
        بريدي الاكتروني حديث عمرة اقل من ستة شهور كما ان عدد الذين يعرفون عنوان الجمعيه على الانتر نت محدودين .. لا تنسى ان هناك اكثر من جمعية من الوسطاء الروحانين واسمي ليس مسجل في جمعيه واحدة فحسب .
        قمت بهز رأسي عموديا كناية عن الفهم ..
        ان ما افعلة هو لعب بالنار .. لكن النار لا تحرق دائما .. احيانا نلعب بالنار وننجو !!
        بعد هذا بدأت اعدادات الـ ( séance ) كما يطلق عليها السيد ( حسن ) او جلست تحضير الارواح .. اما عن سبب تفضيله للاسم الغربي .. فهو يرى ان هذا يعطي الامر طابعا من العلم الجاد ..
        راح السيد ( حسن ) يتلو بعض الايات القرائنية .. ثم اغمض عينيه .. وبصوت عميق كأنه يأتي من جب ساحق !! .. راح يردد اسم ابي باستمرار بعد ان اخبرته به مع كلمات غير مفهومه او مفهومه لكني لا ارغب بذكرها كي لا انقل لكم تفاصيل تلك التجربة المروعه ..
        تحشرج صوت السيد ( حسن ) بشكل واضح .. وظهر الالم على وجهه بقوة .. العرق يحتشد على جبهته على الرغم من البرودة الشديدة بفعل جهاز التكييف .. عيناه انفتحتا .. لكني لم ار حدقتيه التين كانتا في مكان ما اعلى محجريه .. كان مظهرة مخيف وهو ينظر الى سقف الغرفة بعينين بيضاوين .. واستمر الحال بهذة الصورة لاكثر من خمس دقائق حتى كاد ان يغمى عليه ثم توقف عن كل هذا وهو يلهث بقوة وكأنه قد بذل جهد جبار !! ..
        قال لي وهو يلهث :
        لم ار شيئا كهذا .. ان الروح تأبى ان تستجيب لي .. انها ذائبه بالاثير ان كنت تفهم ما اقول !!
        هززت رأسي بلا مبالاه ..
        نهضت بعدها من مكاني بهدوء واضأت الانوار وسط استغرابه :
        لم يكن هناك داع لاضاعة وقتي !! .. قلتها له وكأنني ابصق بوجهه ..
        يبدو ان النصابين هم اكثر الناس ايحاء بالثقة .. والا فكيف ينجحون بعملهم ؟!
        انتبه الى طريقة كلامي اليه فقال وهو ما زال يلهث بشدة :
        هل تتهمني بالكذب ؟ .. لماذا اضيع وقتي معك برأيك ؟
        قلت له بغضب :
        يظهر انك تعاني من عقدة النقص .. الامر الذي يجعلك تريد جذب انتباه الناس ..
        رد بكبرياء :
        انا انسان متعلم ولن اضيع وقتي الثمين مع طفل مثلك محاولا ابهارك .. انني اقوم بمساعدتك فقط لانني احب هذا العمل واعشقة حتى النخاع .. واحب ان اعيش تجارب تحضير الارواح وادرسها بعناية .. ان كنت ترى انني اضيع وقتك فأرحل الان لو سمحت ..
        عدت اسألة في عناد :
        الم تقل بأنك نادرا ما تفشل في تحضير الارواح فلماذا فشلت في تحضير روح والدي بالذات ؟!
        رد قائلا بعصبية :
        لم يكن فشلا .. اعطني فرصة اخرى .. ولكن ليس الان فقد بذلت مجهودا جبارا ولن استطيع تحضير أي روح اليوم .. تستطيع ان تزورني غدا .. فربما استطيع تحضير روح والدك .
        وقد كان اصراره هذا هو ما جعلني اثق به واعود اليه في اليوم التالي !! ..
        وكما حدث في زيارتي الاولى .. كنت جالساً معه في ذات الغرفة الخالية .. وكان مصمما هذة المرة اكثر مني على تحضير روح ابي والدي .. بدا وكأن الامر بالنسبة له اختيار صعب وتحديا يريد مواجهته واجتيازه .. اما بالنسبة لي فالامر يتعلق بالحصول على معلومات هامة جداً اكاد ان اجن لمعرفتها …
        بدأ بترديد التعاويذ ذاتها .. العرق يحتشد على جبهته مرة اخرى .. باختصار شديد : نفس تفاصيل الجلسة الاولى .. عدا شيء واحداً .. لقد بدا وكأن السيد ( حسن ) يواجه صراعاً شديد هذة المرة فتغيرت ملامحة كثيراً وبدا لي وكأنه يختنق !! .. وبدأ يرتجف بقوة .. فأنكمشت على نفسي وانا انظر اليه بذعر .. واصدر حشرجه مؤلمه .. وجحظة عيناه على حين غرة .. وشعرت بضباب خفيف يحيط بالغرفة .. لم يلبث ان تكاثف ببطء!! ..
        هل انت خائف ؟! .. لا الومك كثيرا .. فانا مثلك .. هل انت مشمئز ؟! .. بالطبع .. ان هذا الجو الملوث لا يناسب الاشخاص الحساسين مثلي ومثلك ..
        كنت لحظتها احدق بخوف وثهول بالسيد حسن ولكن فجأة استكانت ملامحة .. وبدأ ينظر الى ناحية اخرى من الغرفة بجمود وبنظرة خاويه بنفس الوقت .. وكأنه لا ينظر الى شيء ان كنت تفهم ما اعني .
        رفعت رأسيء ببطء من موضعي لانظر الى النحاية التي ينظر لها السيد ( حسن ) .. فرأيت مشهداً لن انساه مدى الحياة !! .. مشهداً كاد قلبي ان يتوقف بسببه !! .
        ابي !!!! .
        قلتها وانا اصرخ من هول المفاجأة .. بل الصدمة .. كان تأثير رأيتي له اقرب الى تأثير المشي فوق كابل من الكابلات الجهد العالي .. فقد اقشعر جلدي .. وشهقت من فرط الدهشة والانفعال وانا ارى ابي واقفا على بعد ثلاث امتار مني مرتيداً منامة .. كان مشهداً يفوق الوصف .. جعلني ارتجف ..
        مرت لحظات كأنها دهرا وانا احدق بوالدي الذي كان واقفا وقفة مهيبة مخيفة وكان بدوره يحدق بي .. اعرف كيف يبدو والدي فانا املك الكثير من صوره .. ولدي صوره له تم التقاطها قبل انتحاره بشهر تقريبا .. واكاد ان اقسم ان الذي يقف هو والدي فعلا .. ولكن هناك شيئا غريب في كل هذا .. فقد كان يبدو مخيفا نوعا ما .. نعم ان الرجل يشبه والدي الى اقصى حد .. ولكنه يبدو مختلفا قليلا .. لم افهم سبب ذلك .. والاغرب من هذا هو انه كان يبدو مضطربا بشده بشكل واضح بسبب مجهول !! .
        تحدث ابي باضطراب شديد وبصوت جمد الدم في عروقي :
        ما الذي يجري ؟! ..
        قالها بتوتر ملحوظ ..
        ثم قال لي السيد ( حسن ) بصوت عميق وبنظرة خاوية وكأنه في حالة تنويم مغناطيسي كالتي نراها في السينما-:
        هذا هو والدك .. اسأله ما شئت ….
        حاولت جاهدا أن أخرج الكلمات من فمي من هول الموقف :
        أ….أ….أبي لقد قمت بتحضير روحك لأسألك سؤالا هاما ….
        ثم ازدردت لعابي بصعوبة بالغة:
        أ…أ…أريد أن أعرف..هـ..هـ..هناك مستندات تخصك وجدتها في المنزل وتدل على وجود مبلغ هائل من المال …ولكنها ناقصة …فهل هناك أموال أو ممتلكات تركتها لنا ؟!…
        وهل تعرف مكانها؟…
        بدا وكأنه لم يسمعني …فهو مازال واقفا ينظر الي باضطراب شديد ولا أبالغ ان قلت بأنه كان يبدو مندهشا…ان هذا أمرا غريبا يفوق المقاييس المادية فعلا…ولكن …
        حدث شيئا آخر أثار انتباهي …لقد تغيرت نظرة الاضطراب التي رأيتها في عين والدي …لتحل محلها بعد لحظات نظرة حقد وكراهية شديدة لم أجد مبررا لها !!.. لماذا يرمقني أبي بهذه النظرة
        لم يقل لي بعدها سوى شيئا واحدا…وبصوت عميق كأنه يتحدث من بئر:
        ولم يكمل عبارته …فقد تلاشت صورته ..وشهق السيد ( حسن ) مرة أخرى بقوة .. نظرت اليه مذعورا فوجدته يتنفس بقوة وكأنه يحاول إدخال أكبر قدر من الهواء الى رئتيه … وظل على هذا الحال حتى راح يسترد عافيته تدريجيا ويجفف عرقه الغزير !!…
        قال بعدها بحيره شديدة :
        لم أواجه شيئا كهذا .. كدت القى حتفي !! .. لقد قمت بتحضير ارواح العديدين .. ولكني لم اواجه موقفا كهذا .. لقد كان هناك امر غير مفهوم يعوق امر هذة التجربة وكأن شيئا قويا يمنعني من استمرار الاتصال الروحي .. لن اكرر هذة التجربة ابدا مع والدك .. كان هناك شيئا يحاول استرداد والدك .. شيئا مجهولا مرعب لا استطيع وصفه لم اتعرض له من قبل ! .
        طلبت منه ان يقوم بتحضير روح ابي على ان يسأله بنفسه ذات السؤال المتعلق بمكان الاموال ولكنه رفض بقوة :
        اسف … لا مجال للمناقشه في هذا الامر .. ارجوك ان ترحل وانسى امري تماما .. لا اريد الموت .. لقد كدت ان القى حتفي بالفعل .. لا يمكن ان تفهم ما شعرت به .. كان شعوراً رهيبا لا يوصف .. ارجوك ان ترحل الان .
        نهضت متثاقلا .. وخرجت من شقة السيد ( حسن ) .. وفي ذهني الف سؤال وسؤال !!

        الجزء الاخير


        ظلت علامات الاستفهام تؤرقني حول ما حدث .. وفي نفس الليله احضرت ورقه وقلما لارتب افكاري ورحت ادون النقاط المهمه التي في هذة القضية كما افعل دائما حين اكون مشتت الذهن :
        1- لماذا بدا ابي مختلفا حين تجسدت روحة ؟ .. لا يمكن ان يكون الامر خدعه .. فالسيد ( حسن ) لم ير والدي ابدا من قبل .. وحتى لو راه وعرف ملامحه .. فكيف يستطيع تجسيد هيئته امامي بهذه الصورة ..
        2- لماذا كان يبدو مضطربا حين تجسدت روحه ؟ .. لن انسى ابدا ملامحه المضطربه .. كان متوترا بشدة وهذا شيئا غريبا بالفعل حتى ان السيد ( حسن ) ابدى استغرابه من الامر عندما سألته ؟
        3- لماذا ابدى كراهيته نحوي ؟ .. لم اضر والدي بشيء في حياتي .. بل انني ولدت بعد وفاته ولم يكن يعلم اصلا ان امي حامل قبل انتحاره !! ..
        4- السؤال الذي فعلت لاجله ما فعلت .. أين هي الأموال ؟!
        لم أجد ألا جابه على هذه الاسئله .. وشعرت بانني لن اجدها اصلا .. ظللت افكر في الامر دون جدوى .. هناك شيئا هاما ينقصني لتكتمل اركان هذا اللغز العجيب ..
        بعد تلك الحادثه بيومين جلست اتصفح جريدة اليوم قبل الذهاب الى المدرسة .. فوجدت بها خبرا صغيرا قرأته بسرعه ونسيت كل شيء بشأنه بعدها .. لم اظنه خبرا مهما ..
        مر بعدها يوم عاديا هادئا جدا بلا تقلبات او مشاكل حياة هادئه كالنهر ..
        لا زلت افكر بما حدث .. فكما ذكرت .. هناك امر غير مفهوم بهذا اللغز .. فجوه ما .. الماده الاصقه التي ستتخلل اجزاء اللغز المبعثر وتجعلها كتله واحده متماسكه .. افكر بذلك وانا اتأمل جهاز الكمبيوتر حيث تسبح الاسماك الملونه على شاشته في برنامج واقي الشاشه الذي استعمله .
        اعتقد ان الامر يحتاج الى تفسير خارق للطبيعه لان كل ما حدث لي حتى الان كان خارقا للطبيعه كنت شارد الذهن اعيد التفكير في الاسئله التي لم اجد لها اجوبه :
        1- لماذا بدا ابي مختلفا حين رأيته ؟! .
        2- لماذا كان يبدو مضطربا ؟! .
        3- لماذا قال بأنه يكرهني ؟!
        4- اين هي الاموال ؟!
        ما الذي تقودنا اليه كل هذه الاسئله ؟! .. فعلا !! .. ما الذي تقودنا اليه كل هذة الاسئله ؟! ..
        عند السؤال الاخير بالذات تذكرت شيء .. الخبر !! .. نهضت كالملسوع لاقرأ الخبر الذي قرأته في الجريده هذا الصباح والذي ظننت انه لا يهمني .. ظللت اقرأ الخبر مره اخرى واخرى وانا أتساءل في حيره .. ما الذي يعنيه هذا ؟! .. اشعر ان هناك رابطا بين كل هذا .. لكني لا اعرف ماهو !! الخبر يتحدث عن وفاة رجل اعمال هولندي من اصل كويتي بسكته قلبيه مفاجئه .. لماذا بدا ابي مختلفا حين رأيته ؟! .. اين ذهبت الاموال ؟! .. هبطت الحقيقه علي ببطء شديد .. شديد جدا !! .. ثم بدأت تتجسد وتتخذ شكلا ماديا .. وشعرت ببسيلات شعري تنتصب .. وتحفزت حاواسي .. هذا هو اقرب الاحتمالات الى الدقه .. ان الامر لا يصمد لاي تفسير منطقي اخر .. بل هذة الحقيقه .. حقيقه مريعه .. مريعه الى درجة لا يمكن الحياة معها ..
        ياللهول !!!!!
        شهقت بقوة وانا اقول : لا يمكن ان اكون فعلت هذا .. هل فهمتم ؟؟ .. انه امر مريع .. مريع لا يصدق !! .. لقد قمت بتحضير روح شخص حي !! .. يا الهي .. لقد كان والدي حياً طوال هذه السنوات !! .. نعم .. فهم لم يعثروا على جثته ابداً .
        وقعت على الأرض من شدة الانفعال .. ساقي .. لا تستطيعان حملي .. هذا هو التفسير المنطقي الوحيد .. جميع اسألتي الاربعه تتجه الى حقيقه واحدة .. وهي ان والدي كان حيا حين قمنا بتحضير روحه ..
        يكاد ان يغمى علي من هول الصدمه .. احاول ان التقط انفاسي اللاهثه .. ولم انجح في هذا الا بعد ساعة تقريبا .. وبعد ان افقت من الصدمه بدأت الامور تنكشف لي شيئا فشيئا .. وبدأت اربط بين الاحداث والمعطيات التي لدي .. لقد فر ابي بعيدا عن مسؤولياته وعن دائنيه .. لقد اعد عدته منذ البدايه وتزوج والدتي من اجل طموحه بالفعل واخفى مبلغ من المال في ( هولندا ) على شكل اسهم في احدى الشركات لينتقل بعدها الى هناك على امل البدأ بحياة جديده واسم جديد .. ويظهر انه نسى بعض هذة الاوراق حيث وجدتها بالخزنه الحديديه الصغيرة ..
        لقد بدأت الحقائق تظهر واحدة تلو الاخرى !! .. بدأت افهم الامر .. وليتني لم افهم !! لهذا وجد السيد ( حسن ) الوسيط الروحي صعوبه بالغه في تحضير روح ابي .. لانه كان لازال حيا .. وحين جاءت روحه بدت مضطربا لهذا السبب .. لان والدي كان وافدا جديدا في عالم الارواح الامر الذي جعله مرتبكا مضطربا لا يعرف ما جرى له .. لقد سلبا منه روحه لسؤالها عن مكان الاموال !! .. وقد ظن الطبيب الشرعي ان سبب وفاته هو سكته قلبيه مفاجأة كما يقول الخبر في الجريدة ويوم وفاته هو نفس اليوم الذي قمت فيه بتحضير روحة .. وماذا ايضا .. حقده علي ؟!
        لقد انتزعت منه روحه .. أي قتلته .. لهذا كان يرمقني بكراهيه وحقد شديدين اما مكان المال فيمكنني ان اخمن بانه في ( هولندا ) .. لقد سافر ابي الى هناك لعقد بعض الصفقات التجاريه كي ينقذ تجارته كما كان يدعي ولكن هذا لم يكن السبب .. السبب هو انه اراد الهرب من والدتي وحياته في ( الكويت ) لحياته الجديده التي اعد لها العدة مسبقا .. ولم يعلم ان والدتي قد توفيت بعدها بشهرين تقريبا .. من المرجح انه لم يعلم .. قلبي يكاد ان يتوقف عن الخفقان .. لقد عاش بعد تاريخ انتحارة المزعوم ما يقارب الثمانية عشر عاما .. وعندما قمنا بسلب روحه كانت اثار السنوات قد ظهرت على ملامحه ..


        كان ما حدث قد شرخ احساسي بالامان الى الابد .. كنت بحاجة الى هدية الايام التي لا تقدر بثمن
        النسيان .. لقد لوثت هذه الحادثه عالمي الى الابد كنفاية ذرية القيت في نهر .. لقد كان ابي حيا طوال تلك السنين وانا قتلته .. وكان - واقولها بكل اسى - جاحد لوالدته ( جدتي ) التي خدعها ولم يسأل عنها طوال السنوات الماضية .. والاسوأ من كل شيء هو انني عبثت كثيرا في تلك الامور المتعلقة بتحضير الارواح .. ورحت الهو بجهل حول الحدود الخطرة بين الحياة والموت مع انني اعلم منذ البداية ان تحضير الارواح امر مشكوك فيه شرعا .. وهو عبث بسر مقدس لا يعلمه الا الله .. يجب الا نحاول شيئا كهذا .. لقد ادمن الكثيرون تجارب تحضير الارواح كما عرفت لاحقا وفي معظم الاحيان كانت النتائج اما الانتحار او الجنون او المس .. ان الروح من امر ربي فما جدوى البحث عن سر نعلم تماما ان لا احد يستطيع فك رموزه ؟!
        استغرب الان كثيرا كيف اقدمت على محاولة تحضير روح ابي !!
        أصاب (

        بقشعريرة


        ) كلما أتذكر هذا ..

        إن ما حصل لي لن يمحى من ذهني .. سواء ما فعلته مع ( سعد ) في اللهو بلوحة ( اويجا ) المشؤومة .. او تجربة روح والدي التي احاول ان انساها بأن اسدل فوقها ستار مزيفا .. ولكن هيهات .
        هاأنذا راقد في غرفتي على الفراش استمع الى موسيقى كلاسيكية هادئة .. واقرأ مجلات ميكي .. وماجد .. لان اعصابي لم تعد تحتمل أي شيء صارم او جاد .. احاول ان انسى .. او اتظاهر بأنني انسى .
        لقد جعلتني هذة التجربة أؤمن بأن هناك من اسرار الكون ما يحس بالمرء ان يدعها وشأنها وان القناعة بالفعل كنز لا يفنى .. حكمة رائعة لكن كثرة تكرارها وتداولها بين الناس جعلها كالأغنية التي سمعناها الف مرة حتى اصبحت سخيفة بعد ان كنا نحبها ..
        لم تعد تهمني امر تلك الاموال والى من ستؤول اليه .. ربما كان ابي متزوجا في ( هولندا ) وسيرث ابناءه ما لديه .. نعم .. فربما لدي اخوة في ( هولندا ) ولكن هذا لم يعد يهمني .
        لقد تعلمت من كل ماحدث ان المسخ الذي يثير الرعب في نفسي حقا هو انا !! .. انا الذي اعرفة والذي يفعل اشياء ويقول كلمات لا يمكن ان اصدق انني افعلها او اقولها .. انا من مارس لعبة ( اويجا ) الملعونة .. انا من طالب بتحضير روح ابي !! .. نعم … اكثر مسخ يجب ان نخافه هو انفسنا .
        سيكون علي ان اعالج نفسي عند انسان متخصص .. سيكون علي ان احاول النسيان حتى استطيع النوم من جديد .. كل هذا ممكن .. احتاج الى وقت .. لكنه ممكن .. كم من ليلة سوداء قضيتها استعيد ما حدث واحلله .. اسئلة كثيرة بلا اجابه .. ولا ارجو لها اجابة .. كل ما اعرفة هو انني لن اخرج من غرفتي عندما يأتي الليل .. شعرات عديدة شابت رأي على الرغم من صغر سني .. آيات قرآنية علقتها في كل مكان في غرفتي .. والواقع انني بذلت جهودا كونيه لدفن الذكرى المريرة في اعماق ذاكرتي كي لا تعود وتنغص حياتي .. وشكرت الله سبحانه وتعالى .. على ان الامور قد انتهت عند هذا الحد .. واستغفرته كثيرا على جهلي وتهوري ..
        اعتقد انها قصة مرعبة حقا .. ولا اخال القارئ يقدر على قول ان القصة خالية من الرعب .. على الاقل لن يقولها بضمير مستريح تماما .. ان هذة القصة لتترك غصة في الحلق بسبب احداثها الكئيبة .. تجعلك غير مستريح تماما وتشعر بعدم الامان .. هذا هو شعوري بالضبط .
        لقد مرت فترة طويلة على تلك الاحداث الرهيبة .. لكني حتى هذة اللحظة اشعر بالخوف من الظلام كما اخبرتكم من قبل .. اشعر بالخوف وانا وحدي في غرفتي على الرغم من الإضاءة التي تكشف لي كل ركن .. اؤمن ان كل هذة وساوس لكن ليس الامر بيدي ..
        فلا استطيع التحكم ابدا فتلك الرجفه التي تسيطر على جسدي .. تلك …

        القشعريرة !!


        انتهت احداث القصه الاولى ( قشعريره (

        هذه التكمله وهي قصه ثانيه لاحداث المذكرات ولكن تتكلم عن قصه منفرده وهي تكمله من بعد احداث القشعريره وما حصل ..
        اسمها او اسم القصه هو :ازدواج



        انتظروااا البقيه .. ..



        تعليق


        • #5
          ننتظر قلبي انتي
          ...انثى عجزت عن وصفها الحواس...

          تعليق


          • #6
            يسلمو لج ويعطيج العافيه بس صار لي شد عضلي بعيني اليسرى بسبب طولها مشكورة
            آخر مواضيعي ..

            (جمانة)

            http://vb.kuwait777.com/showthread.p...=1#post2650780

            تعليق


            • #7
              شوفو شموخي .. تسلمين على مرورج


              فيروس بنات .. ماتشوف شر .. شسوي القصه طويله وانزل كميه بالجمله

              ثانكس على مرورك


              يالله بنزل لكم الحين الجزء الثاني
              فيروس بنات البس نظراتك ... ..



              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم



                الازدواج



                القصة هي واحدة من التجارب التي عشها وتركت في نفسي أثرا بالغا ... فقدت واجهت فيها لغز شديد التعقيد شتت كياني ووضعني في دهاليز نفسية معقدة ... كيف اقرؤوا السطور التالية وستعرفون ....
                كان كل شيء يسير بصورة اعتيادية في شقتنا وكنت أعاون جدتي في ترجمة ما تريد إخباره للخادمة الجديدة وكانت وسيلة التفاهم هي بالطبع اللغة الإنجليزية لمعرفتي كما تعلمون فأنا أتحدثها
                واشكر الله سبحانه وتعالى ثم اشكر جدتي التي الحقتني المدرسة الخاصة فلو كانت مدرستي حكومية لما كان حالي هكذا بالتقدم بمستواي التعليمي ..
                ولكن مشاكل المدرسة لا تتعلق بالنظام والمستوى التعليمي فحسب فهناك الكثير من المشاكل والتحديات الحقيقية الأخرى التي تواجه كل طالب يريد الابتعاد عن المشاكل والمدرسة هي مكان جيد للأسف لممارسة شريعة الغاب بين الطلبة حيث يأكل القوي الضعيف من خلال معارك وشجارات تمتد أحيانا إلى خارج أسوار المدرسة وغالبا تكون تلك الشجارات دون هدف .. وليس هناك مفر للضعفاء أمثالي من التعرض لوحشية بعض المراهقين عديمي الإحساس ...
                لقد كنت بسبب تفوقي ونبوغي الواضح أحظى بحب أساتذتي .. ولكني لم اكن من الشباب المرموقين او ذوات الشعبية فقد كنت ضعيف الجسد لا أمارس أي رياضة ولا املك أي وسامة والطلبة لا يرتاحون لوجودي ...
                بالفعل لقد كانو يظنوني خبيثا تصوروا والسبب هو أفكارهم المتخلفة ... فالناس دائما تصور الشخص الطيب والمنطوي والهادي على انه ساذج فإذا أبدي لمحة ذكاء تراهم يملاون الدنيا صراخا بان هذا الشخص خبيث وماكر وكان يتظاهر بالطيبة والسذاجة ...
                لقد كان عددا من زملائي الطلبة والطالبات يطلبون مني مساعدتي لحل بعض الفروض المنزلية وكنت اقدم لهم كل المساعدة وبعدها يتركني الجميع وهذا ساهم في تقوقعي وانعزالي .. وكنت ادفن هموم وحدتي بين الكتب وانا اقسم بيني وبين نفسي ... ستندمون أعدكم بأنكم ستندمون سأصبح طبيبا من افضل الأطباء وأكثرهم ثراء وأفضلهم سمعه .. ولنر كيف تسخرون مني .
                تخيلو هذا وحيدا في المنزل بلا اخوة وحيدا في المدرسة ليس لي أصدقاء حياة قاسية كالجحيم .. !! لكنها على كل حال افضل من ان اصبح واحد من الشباب التافه الذي لا هم له سوى الفتيات ومعرفة احدث الهواتف وامتلاك سيارة فارهة .
                كان احتكاكي شبه معدوم بزملائي الطلبة وان لم يمنعني هذا ان اكون مهذبا معهم على الرغم من وحدتي الإجبارية الا ان هذا لم يكن كافيا لبقائي بعيدا عن المشاكل فان لم ابحث عن المتاعب فستبحث هي عني ريب ... كيف .. اقرؤا السطور التالية وستعرفون ....
                اخبرتكم بانني كنت اساعد كل من يلجأ الي لحل فروضة المنزلية او لشرح نقطة معينه غير مفهومة في احد الدروس وكان اكثر من قدمت لهم المساعدة في المدرسة هما صبي وشقيقتة ..
                هما رهام في الصف الثالث ثانوي في السادسة عشر من العمر أي بمثل عمري وشقيقها هو بدر الذي يصغرها بعام واحد في الصف الثاني ثانوي .
                بدر فتى رقيق الى حد الانوثة بنحولة وتراخية وعينيه الذعورتين ووجهه الخالي تقريبا من الخشونة الرجولية وكان يبدو للجميع كانه فتاه رقيقة ذات حياء تلبس ثياب الاولاد كما كانت له مشكلة واضحة في النطق اذ تراه يتلعثم بشكل واضح مما زاد من هدوئة وانطوائة كي يتجنب سخرية الطلبة وهو بالمناسبة اعسر أي يستخدم يدة اليسرى في كل شيء ويمكن بسهولة نعرف ان بدر هو ولد امه كما تعرفون أي نتاج تربية امرأة تخاف علية كثيرا وتفرط في تدليله وحمايته من كل شيء وتزيدة خوفا من العالم الخارجي حتى اصبح يرى العالم بانه غابة ويجب ان يبتعد عنها قدر الامكان ...
                باختصار كنت اعرف ان تربية الفتى ليست قوميه وان مسقبلة مظلم وملى بالعقد الا انه والحق يقال كان ولد طيب القلب الى حد لايصدق يعطيك كل ما يملك ان راى انك تستحق ذلك .
                اما شقيقته رهام وهي اقرب انسان ل بدر على الاطلاق فقد كانت نحيلة الجسم قصيرة الشعر عادية الملامح لا يوجد ما يميزها لكن رقتها الشديدة كانت تجذب اليها الانظار كما انها كانت مهذبة وحساسة جدا ..
                لم اكن انا من يرغب في الاحتكاك بهذا الثنائي الغريب بل كانا هما من يصران على انني صديق لهما واننا لسنا في نفس الفصل فبدر قبلي بمرحلة ورهام لم تكن معي بالفصل ولكنها في المرحلة نفسها .




                لا اذكر كيف تعارفنا ولكن الامر كان متعلق بمساعدتي لهم بالفروض المنزلية وكانت رهام قد اخبرتني بانها تثق بي وترتاح وانني ساكون صديقا مخلصا لها ولن اضرها يوما ..
                هكذا كانت بداية علاقتنا التي لم تتجاوز اسوار المدرسة لاصبح مع مرور الوقت كاتم اسرار رهام وشقيقها كل اسرارهم .
                لقد كانت مشكلة هذين الشقيقين الرئيسية تكمن في اسرتهما خاصة الاب وهو رجل ميسور الحال ويعشق الخمر حتى انك تراة كما تقول رهام نادرا ان تراه في وعية الكامل وقد قام هذا الاب بحسنة واحدة وهي عندما الحق ولدية بتلك المدرسة الخاصة وقام بتسديد الرسوم الدراسية لابنائة لسنتين قادمتين ربما فعل هذا تحسبا للمستقبل وكانه كان يعلم بما سيحدث له فقد انجرف تماما مع اصحاب السوء وقام بممارسة العادة التي انتشرت في الكويت للاسف منذ التسعينيات وهي تعاطي المخدرات فقد بدا الاب ينهار شيئا فشيئا واصبح يترنح بسبب المخدر او الخمر وكان كحال المدمنين ضائع مزعزع الشخصية ضعيف الاراده فتراه يصب غضبه على اولادة وزوجته فكان يوسع امراته وولديه بالضرب ليحدث بهم كدمات لا باس بها حول العيون والشفاة ثم يهدأ فيبدا الحديث عن المخدرات التي دمرته ودمرت حياته ويعود ويغضب ويشبع اسرته ضربا مرة اخرى فتهرب الام واولادها الى احد الجيران فالام من جنسية عربية وليس لها اهل في الكويت وهكذا هو الحال ..
                وبالطبع حصل ما كان هو متوقع لم تستطع الزوجة تحمل كل ما تلقاة من يدة القذرة حتى فعلت ما يجب فعلة منذ البداية وابلغت عنة الشرطة وقامو بالفعل بالقبض علية واحيل للنيابة حيث تبين انه لا يتعاطى المخدرات فحسب بل يتاجر بها ايضا وحكم عليه بالسجن عدة سنوات لم يقض منها الا اشهر قليلة قبل ان يموت بجرعه زائدة من المخدر ... كيف وصلت المخدرات الى السجن .. لا ادري لقد حدث هذا كثيرا في السجون وما زال يحدث كيف ... ؟؟ اترك الاجابة للمسؤلين
                المشكلة ان الاب كان مصدر دخل الاسرة الوحيد اما زوجته التي لا تملك حتى الشهادة قكانت ربت منزل او بيت وبالطبع فان فرصة حصولها على وظيفة محترمة بعد وفاة زوجها معدومة تقريبا لعدم امتلاكها أي مؤهل علمي خاصة انها ليست كويتيه وهكذا تستطيعون ان تتخيلوا حال هذة الاسرة بعد وفاة معيلها الوحيد الذي كان وجودة هما ثقيلا اصلا ..
                لقد علمنا ان الاب قد دفع رسوم ابنائة الدراسية لسنتين قادمتين ولكن بعيدا عن الرسوم فهناك رسوم اهم وهي رسوم الحياة ان صح التعبير فمن سيعيل هذة الاسرة اذا لم يمدلهم احد يده من افراد الاسرة مع الاسف وتخلى عنهم الجميع فكان لا بد ان الام تتصرف وليتها لم تفعل فمع مرور الوقت والايام انجرفت الام وراء اقدم مهنة بالتاريخ وابشعها على الاطلاق .... !!
                لعبت هذا الدور المقيت لانها كانت بحاجة المال الذي يجود به بعض الاوغاد من الرجال عليها مقابل إرضاء شهواتهم الحيوانية .. فأصبحت امرأة في الأربعين من عمرها تملا مساحيق التجميل وجهها ولها ضحكة مائعة قليلا ..
                وقد جعلت هذة الضروف القاهرة الشقيقين يقتربان من بعضهما كثيرا حتى اصبحا لا يفترقان ابدا وكل منهما يعتبر الاخر اصدق اصدقائة وكاتم اسرارة ولحسن الحظ لم يعرف احد من الزملاء في المدرسة شيئا عن حال هذة الاسرة والا اصبح الشقيقين مثار سخرية الجميع ..
                لقد زاد هذة الخبرات القاسية من عزلة رهام وبدر وانطوائهما وميلهما الى الاستماع لا الكلام وان كانت رهام اقوى نوعا من بدر مع وجود مشاعر متناقضة تجاة الام هي مزيج من الشفقة كونها انجرفت وراء هذة المهنة القذرة من اجل لقمة العيش والكراهية كونها جلبت لهما العار .. مريع حقا هو الشقاء الذي يرتسم على وجوة المراهقين الذين رأوا وعرفوا الكثير ..
                لقد كانا هذان الشقيقان هما بطلي قصتي واما بالنسبة لدوري فسوف تعرفونه لاحقا .. ولكن قبل كل شيء فلنتعرف على شخصيه اخرى او طالب اخر بالمدرسة ...
                راشـــد فتى شديد الوسامة كحصان عربي اصيل انيقا كاحدى الموديلات المجسمة التي نراها في واجهات المحلات التجارية فارق القامة ابيض البشرة ذو نظرة قوية اسرة تعكس شخصية كاسحة ونرجسية واضحتين وكان قاسيا كمناخ فصل الصيف بالكويت حتى صارت المفردات الجياشة مثل الحب والعطف والرقة نوعا من الاهانة بالنسبة له كما كان يملك لسانا سليطا كالسوط فلا تملك ان تناقشة في أي موضوع حتى وان كنت على حق انه من النوع الذي لا يخشى احد ويثق بكل تصرفاته ولا يقيم وزنا لاي حياة بشرية ويسره ان يرى نظرات المقت في عيون من حولة .
                لقد كنت انا بالذات اعاني من عقدة نفسية تجاه راشد اذ تراني انتفض بقوة واشعر بتوتر في اعماقي كلما اراه حيث انني اشعر اني نملة امام فيل الماموث الهائل فاشعر بضالة تنم عن شخصية ضعيفة للاسف امام شخص يملك كل شيء تقريبا ومنحته الحياة كل تدليل ..وكنت احلم دائما ان اكون قويا مثل وصاحب لسان سليطا يدافع عن الحق كلسانه الذي لا ينطق الا بالباطل .
                لقد كان راشد يملك كل مايجذب فتاة لا تعرف شيئا عن الحياة .
                اما والد راشد كان شخصية هامة بالبلد ويشغل مركزا حساسا وكان هذا الاب يضن ان تربية الابناء تكون فقط بانفاق المال بمبرر او دون مبرر ويعطية كل ما يطلب دون نقاش حتى اصبح راشد نموذج للشخصية الانانية التي لا تريد من المجتمع الا مصلحتها ولا تعطي شيئا على الاطلاق .. كنت دائما اتوقع ان ينتهي المطاف بهذا الفتى كتاجر مخدرات او قاتل او زعيم عصابة وكنت اعرف انه يفعل كل المحضورات اذا كان يبيع المخدرات ويروج افلام خلاعية في السر على زبائن دائمين لدية لم يكن بحاجة الا المال لكنها تلك الشهوة المجنونة في الفساد والهدم هذا وكم اكرهه .. وكم امقته .. انه يجسد كل ما احتقرة في هذة الحياة ... ليس الامر نابعا من وسامته وشخصيته القوية بل انه نابع من كراهيتي للقسوة انني امقت القساة اصحاب القلوب الميته . كم من مشاجرات خاضها هو واصدقائة الاوقاد الاخرين الذين قاموا باشباع من تشاجروا معهم ضربا وبالطبع كان والدة وبسبب ابتعاده عن المنزل يجهل كل شيء عن ابنه ويظنة بريئا من كل التهم التي تنسب اليه وانه مجرد مراهق يحمل طيش المراهقين المعتاد ..
                وكان راشد مولعا بايقاع الفتيات في شباكة وكلما تعلقت به بنت وقامت بينهما علاقة وفعل ما يريد صارحها بانه ممل منها ويريد تركها ولا يفعل ذلك طبعا الا بعد اشباع غريزته .. مواقف قاسية عاشتها الكثيرات معه اللاتي لايعلمن شيئا عن نشاطاته واخلاقة وكان يقع على زميلاته الطالبات في شباكة واقامة علاقة معهن تمتد خارج اسوار المدرسة علاقة ضاهرها عاطفي وباطنها قذر غير قابل للنشر والمشكلة ان شخصيته مع الفتيات ساحرة بالفعل كما ذكرت لكم .
                لقد نسج راشد شباكة حول الكثيرات وكسر قلوبهن ولكن هذة المرة بدات اشعر انه ينسج شباكة حول رهـام وهنا تبدا قصتنا ....



                تعليق


                • #9
                  بدا كل شيء عندما رايته ذات مرة في المدرسة واقفا يتبادل اطراف الحديث مع رهام وقد استوقفني هذا كثيرا .. فما الذي يريدة شخصا ك راشد منها .. ؟ انها ليست من ذلك النوع من الفتيات اللاتي ينجذب لهن شخصا كراشد فملامحها اقل من عادية هل هي رقتها الشديدة .. ربما كانت تبدو له جميلة .. فلا مقاييس واضحة للجمال كما تعلمون ولكل منا ذوقة .. المهم اني لم انتظر طويلا فما ان تركها راشد حتى هرعت اليها اسالها عما يريدة منها ليس بقصد التخل في شؤونها بل هو الخوف والاشفاق عليها فلا اريدها ان تكون واحدة من ضحاياة ..
                  سالتها ... رهام ماذا يفعل راشد معك
                  قالت بصوت يحمل نبرة من الفرح انه يريدني بموضوع هام .... !!
                  وما هو الموضوع ..؟
                  مطت شفتيها .. لا اعلم ..!
                  لا اعتقد انه يريد بك خيرا ....
                  وما ادراك
                  لم تكن رهام تعرف الكثير عن راشد فهو اذكى ان يكشف اسرارة بصورة واضحة امام الجميع بالمدرسة .. وان خطته معروفة وهي يعثر على الفتاة التي يريدها ويبدا معها علاقة بالهاتف تمتد الى الخروج معها ثم الهدف الرئيسي وهو اشباع غريزته ليتركها بعد ذلك بكل حقارة ...
                  رهام .... انت تعتبريني صديقا مخلصا لك وانا اعتز بهذة الصداقة وان كانت لا تتعدى اسوار المدرسة .. ولكن اردتك ان تحذري من راشد .. انه لا يصلح لك ...
                  نظرت الي باستغراب وكانها لم تقتنع مني ابدا ان اكلمها بامر كهذا .. صمتت قليلا ثم قالت باستسلام وبصوت حزين :
                  شعرت بكلامة انه يحبني ويهتم لامري ..
                  ثم زفرت بقوة وقالت :
                  لقد سئمت الحياة بهذة الصورة يا خالد انني مجرد فتاة صغيرة اعيش يتيمه من دون اب دعك من انني لم اذق طعم حنان ابي .. في حين ان مشاعري متضاربة ناحية امي .. هي مزيجا من الاحترام والاحتقار اعلم انها تفعل ما تفعلة من اجلنا .. لكنني في نفس الوقت اشعر بالعار .. احتاج لمن يحميني من الشرور والمصائب والشياطين البشرية في هذا العالم ...
                  قلت صائحا :
                  ومن قال ان راشد ليس من هؤلاء الشياطين
                  سالتني بسذاجة اغاظتني كثيرا :
                  هل تغار ..؟؟
                  قلت لها بصدق كاتما غيظي
                  هذا الامر لا يتعلق باي غيرة فانت صديقة عزيزة لا اكثر وانا اخبرك بما اعرف عن هذا الفتى ولا اريد ان يحطم قلبك ..
                  خالد .. لا داعي لهذا الكلام انني في الواقع ارى راشد فتى رقيقا ومهذبا
                  هل تمزحين ؟
                  بتاتا انا اره كذلك بالفعل ...
                  لم يعد هناك ما يقال كررت محاولاتي ولكنها كانت واثقة بان راشد يحبها لذا فقد قررت ان انقذها منه رغما عنها لن اسمح ابدا بتحطيم قلب فتاة رات في حياتها مالم يرة كهل في السبعين ..
                  وحاولت ان ااتيها بمن يخبرها عن افكارة وافعاله وهذا بالسر حتى لا يعرف ذلك الشيطان ما افعلة ويغضب هو واصدقائة الشياطين ولكنها استنكرت هذا واقتنعت بانه ملاك ويعاملها بالرومنسية وانه يحبها .. والغريب في هذا كله ان شقيقها بدر لا يعلم ولا يعرف على الاطلاق وظن ان الامر لا يعدو كونة علاقة بين زميلين دراسة ... لقد وجدت ان لا دور لي على الاطلاق فيما يحدث بعد محاولاتي اليائسة لكشف راشد على حقيقته امام رهام .. فاثرت الانسحاب من حياتها هي وشقيقها متوقعا انها ستفيق من الصدمة بعد ان يطرحها راشد جانبا ويهملها ..
                  فبعد اسابيع قليلة ابتعدت فيها عن الشقيقين تماما ..
                  فوجئت بخبر هبط علي كالصاعقة ...!!
                  ففي طابور الصباح احد ايام العام الدراسي ... نعت ادارة المدرسة الطالبة رهام لوفاتها في حادث ماساوي وما هو الحادث ...؟؟ لم يعلنوا عنه .. ولم يعلم به احد ..
                  بحثت عن بدر لاسالة التفاصيل لكنه لم يحضر الى المدرسة الا بعد اسبوع كدت خلالها ان احترق فضولا لاعرف سبب مصرعها فانا اجهل ارقام هواتفهم .. رايت بدر اخيرا كان اسوا حال واخبرني بصوت اثار شجني كثيرا ان وفاة شقيقته كان عبارة عن انتحار ...!!
                  رهام انتحرت ...؟ ... يا للهول ... !!
                  لقد قلتها وقد اتسعت عيناي ذهولا .. فانا لم اتوقع شيئا كهذا لقد ظننت ان الامر متعلق بحادث سير او شيئا من هذا القبيل ..
                  سالته عن التفاصيل واجابني بصوت حزين باك ينيط القلوب انه قد عرف من مذكراتها انها كانت على علاقة براشد .. لكن الوغد خدعها واستدرجها الى مكان ما ثم اغتصبها وسلبها اعز ما تملك أي فتاة شريفة ..وتركها وكان شيئا لم يكن .. تركها منهارة وهي التي ظنت انه سيحميها من شياطين العالم فلا تجد الفتاة حلا اخر سوى الانتحار .. حيث ابتلعت كمية كبيرة من الدواء مع ترك رسالة قصيرة جدا لشقيقها ووالدتها فيها كلمة واحدة فقط : سامحوني .
                  ولم يخبر بدر والدته بالسبب الحقيقي وراء انتحار رهام كما عرف من مذكراتها كان يخشى كثيرا ان تخوض والدته حربا معى اناس فوق القانون وربما كانت هذة هي المرة الوحيدة التي يتصرف فيها بدر تصرفا مسؤولا يحمي به والدته ...

                  اعرف ان رهام لم تكن مراهقة بل طفلة هشة لا تصلح لهذا العالم وقد انهارت تماما بسبب فعلة راشد الدنيئة اعلم ان مافعلة كان امر شنيعا دمر فية الفتاة تماما .. ولكنني اعتقد انه كان بامكانها ان تجد حلا اخر غير الانتحار الذي لا يرضى به الله سبحانه وتعالى مهما كانت الاسباب . لقد رحلت المسكينه دون ان تترك ورائها سوى تلك الرسالة الصغيرة التي لم تعبر بها مما شعرت وعاشت في حياتها من احباطات وازمات نفسية .. وما جعلني ان اشعر بالم هائل في قلبي هو الحقير راشد فها انذا اراه في المدرسة يمازح هذا ويضحك مع ذاك دون أي شعور بالذنب .. علما بان بدر قد اخبرة بان رهام انتحرت بسبب سلبة شرفها لعلة يشعر بالذنب ولكن هيهات ..!!
                  كان بدر يعض شفتيه قهرا وهو عاجز تماما عن اتخاذ أي رد فعل تجاه راشد السبب الرئيسي والمجرم الحقيقي وراء انتحار شقيقته وقد اثار هذا جنوني .. حتى انني لم اعد استطع كتم غيظي اكثر من ذلك لاذهب الى راشد عازما ان افعل شيئا فوقفت امامه بتحد على الرغم ان راسي يكاد يصل الى صدرة ولكن هذا لم يمنعني ان اقول له وانا اضغط على اسناني غيضا :
                  ستدفع ثمن ما فعلته مع رهام ايها الحقير واعدك بان الامر لن يمر ابدا بهذة السهولة والبساطة ..
                  نظر الي لوهلة غير مصدق التهديد فالمنظر كان مضحكا بحق لمن يرانا انا اقوم بتهديد راشد ؟؟
                  ثم ابتسم بوحشية :
                  هل تظن انني ساهتم بتهديد تافه مثلك ..؟
                  انني اعرف ما فعلته برهام سابلغ الشرطة واخبرهم عن نشاطاتك المشبوهه ..
                  نظر الي نظرة جمدت الدماء في عروقي ثم قال :
                  تتحداني ..؟ .. انت تتحداني ؟! ..
                  سكت قليلا ثم اضاف وبصوت خافت :
                  اعتبر نفسك ميتا من الان فصاعدا .
                  انتبهت مع تهديدة الى تهوري وحماقتي التي اقدمت عليها فشعرت بتوتر جراء هذا التهديد .. انني اخشاة .. اخشاة بشدة ... لقد تصرفت بطيش وغباء شديدين ان هذا الفتى مجرم وقد يفعل أي شيء لينتقم مني اذا ما ابلغت عنه ...
                  لم اخبركم ان الباص الذي يقلني يتوقف عند الشارع الرئيسي لايصال احد الطلبة الى منازلهم وانا انزل مع هذا الطالب لامشي في زقاق ضيق بين مدرستي فلسطين وام القرى للذهاب الى منزلي وانا افعل ذلك لان الباص سيقوم بالتوقف سبع مرات على الاقل قبل ايصالي الى البيت لذا فالنزول في ذلك المكان واكمال الطريق على الاقدام اختصار للوقت ... كنت عائدا من المدرسة في فترة الظهيرة امشي وحيدا في ذلك الزقاق الذي لا اجرؤ اطلاقا المشي به ليلا .. فيما كنت ببداية الزقاق ... رايت في نهايته اربعة اشخاص ياتون من بعيد شيئا في هؤلاء جعلني اتوجس خوفا اذ كانوا يمشون في غير انتظام ومشيتهم توحي بالاستهتار والعدوانية والغرطسة وكانو يتبادلون الضربات فيما بينهم على سبيل المزاح وعندما اقتربوا قليلا تبينت ملامحهم جيدا انهم زملائي بالمدرسة واحدهم هو راشد ..؟!
                  بالطبع سد علي الطريق مع اصدقائة الثلاثة الاخرون ووقف امامي يحدق بي بنظرة جعلتني ارتعد خوفا .. قال راشد وعلى وجهه ابتسامة ذئب ان كانت الذئاب تبتسم :
                  معذرة هل سمعتك في المدرسة تتكلم كالرجال ...؟؟
                  لم انطق باي كلمة لقد شلني الخوف فاردف قائلا بسخرية :
                  ثم انني لا ادري لماذا اشعر بالمهانة كلما قابلت عبقريا كانني تلقيت صفعه على قفاي .. ثم امسكني من ياقة قميصي وهو يقول :
                  لقد احتجت ان اعرف طريق عودتك الى المنزل ووجدت طريقا مثاليا كي تتلقى فيه عقابك دون ان ينقذك احد ..
                  عجزت من الرد وكنت انظر اليه بنظرات مذعورة مليئة بالخوف ... وفجاة تهوي صفعة قويه على وجهي لتوهج خدي بالدماء واقع على الارض من قوتها ...!! الم شديد يمزق اعصابي ويبعثر كرامتي فانهض مقرر الهرب وحاولت ولكنه امسكني ليقول بسخرية :
                  هيا انتقم لنفسك ان استطعت ..
                  صفعة اخرى لم ار نذيرا لها .. وصفعه ثالثة جعلت الدماء تملا مقلتي عيناي .. لقد تبلل وجهي تماما هل كان مبتلا بالدموع ام بالدماء ... ارتمى فوقي بكل ثقلة راح يوجه لي اللكمة تلو الاخرى ووقف بعدها ليشبعني ركلا .. ان هذا الوغد لا يعرف الرحمة ثم وجه لي ركلة قوية في بطني وقد فقدت القدرة تماما على النهوض وشعري يتهدل على جبيني معجونا بالدماء .. نظرت الى فخذي فرايته ينزف بغزارة بالدماء بعد ان طعنني بمدية حتى المنتصف .... شعرت بقشعريرة في عامودي الفقري هل الانسان متوحش الى هذا الحد ...لا زلت اذكر جيدا ما حدث لحظة بلحظة وقد اسودت الدنيا امامي ولم ار شيئا حتى سمعت راشد يقول :
                  سيكون هذا درسا لك .. عينة مما استطيع فعلة لو تجرات وهددتني مرة اخرى ..
                  بعد ذلك بلحظات لفني الظلام بردائة فلم اعد ارى شيئا .. وبدات اشعر بانني سافقد الوعي ولن يجدني احد في هذا الزقاق ليس قبل ساعتين او ثلاث على الاقل ... شعرت بعد زمن لا استطيع تقديرة بذراعين قويتين تحملاني من على الارض وانا في اسوا حال ممكن .. اخيرا وجدني احدهم ... و .... فقدت الوعي بعدها ... اخيرا ...
                  افتح عيناي ببط ء شديد شاعرا ان النور يكاد ان يحرقها .. فاغمض جفناي مرة اخرى ... جفناي اللذان اصبحا اثقل من الهرم الاكبر ... ازدرد لعابي لكني لا اجد لعابا لازدرده .. فتكلمت بصعوبة بالغة بسبب شفتي اللتان التصقا بالقشور :
                  ا.. اين انا ؟ . . مـ . . ماذا حدث ؟


                  هنا فقط سمعت صوتا مالوفا يردد :
                  الحمد لله .. الحمد لله .. لقد استيقضت اخيرا ... حمدا لله .. حمدا لله على سلامتك يابني ..
                  استطعت اخيرا تميز الصوت .. فقد كان صوت جدتي .. صوت باك حزين متلهف .. ثم امسكت يدي وهي تقول :
                  لا ادري ما كنت سافعل لو ... لو ..
                  لم تستطع اكمال عبارتها .. فقد بكت كثيرا وقبلت جبيني ... لماذا تؤلمني كل عظله من جسدي .. انني حي .. ادرك هذا تماما .. لكن راسي ثقيل حتى انني اكاد استطيع البقاء مستيقظا ... ففقدت الوعي مرة اخرى لاستيقظ مرة اخرى بعدها بساعات مع شعور بانني افضل حالا .. لا اعرف الوقت الان ولكن اعتقد ان الوقت ليلا ...
                  وقف شخصان يرمقاني ممدا وسط خراطيم المحاليل وخراطيم الاكسجين وخراطيم البول .. كنت شبيها بالعنكبوت بسبب كثرة الانابيب الداخلية في عروقي .. ولم يقطع حبل الصمت الا صوت ممرضة من جنسيه عربية تقف بجانبي وتنظر لي باشفاق :
                  اخيرا استيقظت ... لقد كنت قريبا جدا من الموت .. ولكن يبدو ان ساعتة اجلك لم تحن بعد لحسن الحظ .. فقلت :
                  اين انا ؟!! ..
                  في مستشفى مبارك ..
                  سكت قليلا ثم فلت باسى والم :
                  ان ماحدث لي بالامس كان ...
                  قاطعتني قائلة وهي تبتسم بعطف :
                  انك هنا منذ حوالي الشهر ...
                  افقت كالمسعور ... ااااه .. شعرت بالم في كل ذرة من جسدي بسبب تلك الافاقة .. يا الهي ... انني فاقد الوعي منذ شهر .. انه امر لا يصدق ..
                  ووجدت نفسي اسالها بصعوبة :
                  هل كانت اصابتي خطيرة ..
                  لقد تحطمت بعض اضلاعك .. مع كسر في الفك !! .. وكدمات عديدة في جسدك الى جانب سكين في فخذك وطعنة اخرى في ظهرك .... وقد تطلبت بعض الكسور الى عمليات بالاضافة الى تكسير بعض اسنانك مما تطلب تركيب اسنان صناعية .. صدقني يجب ان تحمد ربك كثيرا انك حيا ترزق ..
                  حمدا لله ... حمدا لله دائما على كل شيء .
                  قالت الممرضة بتعاطف :
                  سنطلب جدتك ونخبرها انك قد افقت من غيبوبتك .. ولكن سانادي الدكتور لرؤيتك اولا ..
                  وهناك ايضا محقق المستشفى الذي يريد ان يسالك عن بعض الامور وعن هوية الذين تعرضوا لك ...
                  اشكرك على كل شيء ..
                  ولكن عرفت ان الوقت قد تجاوز منتصف الليل :
                  ارجوكم لا تطلبوا جدتي الان .. ان الوقت متاخر دعوها ترتاح واتصلوا بها بالصباح ..
                  فكرت الممرضة قليلا ثم قالت :
                  لا باس ..
                  بعد دقائق رايت طبيبا بالقرب مني وهو يبتسم بتعاطف :
                  كيف حالك اليوم ايها البطل ؟!
                  الحمد لله افضل حال ..
                  ثم تذكرت امرا بالغ الاهمية ..
                  يا الهي لقد فاتني الكثير من الدروس .. ان الاختبارات الشهرية على الابواب .. يجب ابلاغ ادارة المدرسة ..
                  قاطعني الدكتور وهو يربت على كتفي برفق ويقول :
                  لا تخشى شيئا .. لقد فعلت جدتك كل شيء وابلغت المدرسة التي سمحت لك بتاجيل كل الامتحانات الى ان تخرج من المستشفى ...
                  وجدت عيناي تدمعان تاثرا .. كم انت رائعة يا امي اطال الله بعمرك ..
                  هنا قال الدكتور :
                  ستتحدث مع المحقق عن هوية الذين ضربوك بهذة الصورة البشعة .. يجب ان ينال المجرمون جزائهم .. ان فعلتهم الدنيئة تفوق الوصف ..
                  انني مستعد للحديث في أي وقت ..
                  وهو كذلك .. ولكن سيكون هذا عند خروجك من العناية المركزة .. وسيكون هذا في الغد على الارجح ..
                  اغمضت عيناي ونمت بسرعة .. اذ كنت متعب ومرهق وشعرت بانني احتاج الى راحة طويله .. ولم اصح الى في الواحدة ظهرا ... لارى جدتي وهي تجفف دموعها وتحتضنني بقوة..
                  اختلطت كلماتها ببعضها حتى قدوت لا افهم شيئا مما تقولة .. فاثرت الصمت وشرعت اقبل راسها ويديها والدموع تملا اعيننا تاثرا .
                  - من فعل بك هذا يابني ؟!
                  سالتني هذا السؤال بحزن فنظرت اليها قليلا ثم اجبت :
                  لا ادري .. لا ادري يا امي ..
                  لماذا كذبت عليها ؟ ..... لان قول الحقيقة لن يفيد فما الذي سيحدث لو ابلغت عن راشد ؟! ... تعهد خطي ؟! ... غرامة ماليه على اسوا تقدير ؟ ! .... والاهم من ذلك انني لا املك دليل ضد راشد .. واني لواثق من انه لن يتورع عن احضار عشرات الشهود ...
                  مع مرور الايام تحسنت حالتي كثيرا .. بسبب حرصي الكبير على صحتي وراحتي ورعاية جدتي الحبيبة لي ...
                  بالطبع .. كما خططت تماما .. انكرت معرفة مرتكب تلك الجريمة بحقي فاخبرت المحقق انني انسان في حالي ولا اعداء لي واخبرته ان كل ما اعرفة هو انهم كانوا اكثر من شخص .
                  يسالني بلهفة :
                  هل تستطيع التعرف عليهم ان رايتهم ؟؟
                  فاجبته ببرائه مصطنعه :
                  لا اعرف ياحضرت المحقق .. انني لم ارهم الا مره واحدة لاقع بعدها في غيبوبه لاكثر من شهر ولست واثقا ان كنت استطيع التعرف عليهم .
                  كان لا بد ان افعل هذا لان القانوت لن يطول راشد لاسباب ذكرتها سابقا ولانني ... وهذا هو الاهم - سانتقم منه بنفسي ساطبق العدالة التي يعجز عنها القانون ...
                  كنت طوال فترة اقامتي بالمستشفى وبعد ان تحسنت حالتي اقضي وقتي بالدراسة ... ورسم خطة الانتقام .. ان ما سافعلة هو الجريمة الكاملة .. الكاملة التي ضن الكثيرون انها مستحيلة والتي يطلق عليها البعض لقب : عنقاء الطب الشرعي .. ساجعل راشد يندم على كل ما فعلة ربما ساقتلة .. نعم .. قتل الصراصير المؤذية ليس بجريمة .. ولكن مهلا !! . . ان القتل قد يظهره بمظهر الشهيد .. سافعل ما هو اشد من القتل ..



                  ما جعلني استشيط غضبا هو رؤيتي له ( راشد ) طبعا بالمستشفى تصوروا هذا !!...
                  لقد صعقت بزيارته لي وهو يحمل الابتسامة الشرسة !! ...
                  جلب مقعدا وجلس جواري .. وقد كنت بصحة جيدة للغاية حيث وعدني الطبيب بالسماح لي بالخروج بعد اسبوع
                  - خالد كيف حالك يا صديقي ... اعتقد انك استفدت كثيرا من الدرس الذي تلقيته على يدي .. اليس كذلك ؟!
                  لم ارد .. ولم انظر اليه .. فواصل كلامه بهدوء مستفز جعلني اعض على شفتي غيظا :
                  لا تدس انفك فيما لا يعنيك ابدا .. ولا اعتقد انك غبي كي تخبر الشرطه بامري .. وحتى ان بلغت .. فهناك العشرات من الشهود الذين سيقسمون بانني كنت في مكان اخر .. انس ما حدث لك وعش حياتك بصورة اعتيادية والا فسترى اسوا مما رايت واعدك بذلك ؟
                  الم اقل لكم انه لن يتورع عن احضار عشرات الشهود ليشهدوا زور لصالحة ؟ .. كنت واثق من هذا ..
                  ووجدت نفسي اخاطبه بلغة العقل :
                  هل تعي ما فعلته مع رهام ؟! .. لقد دمرت حياة فتاة مسكينه .. لماذا فعلت هذا ؟ .. ما الذي جنيته من فعلتك البشعة ؟!
                  وماذا في هذا لقد اعجبتني الفتاة واستحسنت رقتها الشديدة فاردت العبث معها قليلا ... لم اطلب منها الانتحار هي فعلت ذلك بارادتها .
                  فعلت ذلك لانها وثقت بحبك واحبتك في حين انك خدعتها واغتصبتها ثم رميتها باهمال .
                  قال بتلك الابتسامه الباردة :
                  كانت هذة مشكلتها لا مشكلتي انا ... ثم انها حمقاء لانها وثقت بي .. والقانون لايحمي المغفلين .
                  لم ارد على فلسفته الحقيرة فاستطرد قائلا وهو يضحك :
                  هل تعلم انني صدمت مرة بسيارة ابي شخصا من جنسية اسيوية وفررت ؟! .. لقد توفي هذا الشخص .. عرفت هذا من الصحف .. ولكنني لم اسلم نفسي الى السلطات واضيع مستقبلي من اجل شخص كهذا فهو مجرد اسيوي حقير لا تساوي حياته من حياتي بكل تاكيد .. وانتم جميعا على كل حال كمستعمرة النمل بالنسبة لي .. استمتع بركل جحرها بقدمي من حين لاخر



                  انتظروا البقيه ..



                  تعليق


                  • #10
                    مشكورة سكريم ويعطيج العافيه ..... حافظي على هالتألق
                    آخر مواضيعي ..

                    (جمانة)

                    http://vb.kuwait777.com/showthread.p...=1#post2650780

                    تعليق


                    • #11
                      فيروووووس بنات ... يعطيكــ العافيه ياخوي على مروركـــ

                      يالله اتفضلوا تكملة القصـــه


                      قالها وكانه يبصق بوجهي !! ..
                      خالد .. انصحك مرة اخرى الا تدس انفك فيما لا يعنيك والا فانني ساعدك بانك ستتوسل الي في المرة القادمه كي اقتلك .. ؟
                      قال هذا ونهض وهو يحمل تلك النظرة الوقحة ليخرج من غرفتي تاركا خلفة شخصا يغلي غيظا ... وهو انا بالطبع .
                      هل سمعتم ما قال انه قتل اسيوي وولى الادبار .. يقول ان حياته اثمن من حياة اسيوي حقير .. سنرى من الحقير يا راشد ..
                      لقد اعددت خطة عبقرية ستحقق لي الانتقام المطلوب .. خطة عبقربة بالفعل حتى اكاد الا اصدق انني من خطط لها .. سأطهر مجتمعنا من هذة الجرثومة القذرة .. انتظروا وسترون معرفة التفاصيل للخطة ..
                      خرجت من المستشفى بعد ان قضيت فيه الخمسة والاربعون يوما وبدات استعد لاختبارات اخر العام للصف الثالث ثانوي كما تعلمون وقبلها الاختبارات الشهرية الاخيرة ... ليس هناك شيء اجهلة .. مجرد عملية انعاش بسيطة للمعلومات كي اغدو جاهزا فانا وهذا من دون أي غرور لا اجد صعوبة في المناهج الدراسية اصلا ولهذا يصفني اساتذتي بالنابغة ..
                      مرت الايام سريعا وجاء وقت الاختبارات الشهرية الاخيرة وليس في ذهني سوى شيء واحد فقط الا وهو ... الانتقام ... الانتقام الذي سيطفئ النار المتأججة داخلي .. لازلت أرى راشد بنظراته الوقحة التي لم تتغير مع اصدقائة الذين يوجهون الي نظرات تحتية ساخرة .. ولكني كنت اتجنبهم .. ان انتقامي سيفي بالغرض .. ساضحك كثيرا واكون بعيدا عن اصابع الاتهام .. لقد اعددت لكل شيء عدته سانتظر بعض الوقت لاتاكد تماما من خلو الخطة من أي ثقرات .
                      كنت ارى بدر احيانا بالمدرسة ... هل نسيتوة ؟ انه شقيق رهام الناعم الرقيق الذي لم يعلم ما فعلة راشد بي ... واخبرتة ان من اعتدى علي هم مجموعة من العابثين ..وصدقني
                      لقد اصبح بدر حطام انسان يحمل نظرات مذعورة طوال الوقت ويعض على شفتيه قهرا وهو يرى راشد كل يوم ... لكنه اخر شخص ممكن ان يفكر بالانتقام .....
                      لقد انفطر قلبي حزنا عندما قال :
                      خالد ... ا ... ان راشد مجرم ويستحق العقاب .... لقد ... لقد قتل شقيقتي ..
                      فأساله لمجرد الفضول :
                      هل ستتركة هكذا يهزا بالجميع وينجو بفعلته الن تفعل شيء ؟! ...
                      بلى يا خالد .. ولكن ... و... ولكنني لا اقوى على مواجهته .. فهو قوي يملك كل شيء وشخصيته في الواقع ... كاسحة ... بينما شخصيتي ... شخصيتي ..
                      شخصيتي ضعيفة
                      قلتها بسري !! .. هذا ما يريد قولة .. اعرف هذا والحقيقة لا الومة .. ان اسرته قد جعلت منه فريسة معدومة الحيله مغلوب على امرها ..
                      كان اخر اختبار في تلك المرحلة الفصليه على الابواب .. وبعد ذلك الاختبارات بحوالي شهر ستكون اختبارات اخر العام .. وكنت اعاون بدر من باب الشفقة قدر المستطاع ..
                      كما كنت في هذة الفترة سعيدا جدا ومتفائلا على غير العادة .. وقد انتهيت من اعداد خطتي ودرست كل تفاصيلها بدقه ... لم اخبركم بتفاصيلها حتى الان ؟! .. كنت ساخبركم دون شك ولكنكم لن تحتاجوا الى ذلك ...
                      لانني لن اجد سببا يستدعي تنفيذ خطتي فقد حدث تطورا خطيرا ..
                      عندما كنت مستقلا باص المدرسة - كالمعتاد - ظانا ان اليوم سيكون كاي يوم اخر .. لاجد شيئا غير متوقع .. فقد وصلت الى المدرسه واذا بعدد هائل من الطلبه يقفون في الخارج عند مواقف السيارات .. واكثر من ست سيارات شرطة تلتف حول بوابة المدرسة مع سيارات إسعاف !!
                      هرعت راكضا حيث يتجمهر الطلبه في الخارج مع عدد كبير جدا من المارة ..
                      سالتهم باسغراب :
                      ماذا حدث ؟!
                      تطوع احدهم بالرد قائلا باسف :
                      يقولون انهم وجدوا طالبا مقتولا في احد الفصول ..
                      سالته مذهولا :
                      ومن هو الطالب ؟
                      تطوع شخص اخر بالرد :
                      اسمه ( راشد ال .... ) على ما اعتقد ..
                      تراجعت للوراء .. حتى كدت اسقط على ظهري ..
                      وقلت بجزع :
                      راشد قتل ؟ ! ... كيف ؟ ! ... ومتى ؟! ...
                      لم يجب احد فظللت واقفا مشدوها مصعوقا اكاد لا اصدق ما حدث وتشتت تفكيري تماما عندما رايت اثنان من رجال الاسعاف يحملون جثة تم تغطيتها .. تماما كما نشاهد بالسينما .. ويخرج من المدرسة اكثر من عشرة من رجال الشرطة ..
                      يا الهي .. ان راشد الان تحت هذا الغطاء .. لقد قتلة احدهم .. ولكن كيف قتل بالمدرسة .. ومن قتلة ؟؟ … ومتى قتل .. اسالة ادفع نصف عمري للاجابة عليها .
                      لم يكن هذا كل شيء … فقد رايت بعدها مشهدا لن انساه ابدا .. ( بدر ) !! … كان بصحبة رجال الشرطة وهو يرتجف بقوة وبشكل ملحوظ .. والدموع تملا عينيه .. كان بالكاد يستطيع ان يمشي وقد بلل سروالة تماما !! … ولو لم نكن نشهد جريمه قتل لانفجر الطلبه ضاحكين على مظهره كانا منهارا تماما وقد اصبح بقايا انسان .. ولا ابالغ لو قلت انه سيفقد عقلة ..
                      سمعت احد المتجمهرين وهو يقول :
                      انه شاهد رئيسي .. بل الشاهد الاول .. فهو اول من راى الضحيه ..
                      اعلم جيدا ان بدر لا يتحمل شيئا كهذا ابدا .. فهو رقيق الاحساس .. وجبان الى اقصى حد .. وقد اخذة رجال الشرطة للادلاء باقوالة .. والمشكلة انه كما كان واضحا مصدوم نفسيا وعاطفيا وبالتالي فان استجوابه سيكون مستحيلا .
                      لقد عرفت من بعض العبارات المبهمة التي تحدثوا بها بصوت مسموع ان الجريمة قد تمت ببشاعة .. وكان واضح ان هناك من مثل بالجثه التي تبدو على ملامحها رعب هائل !! ..
                      لقد منعونا الشرطة من دخول المدرسه اليوم لان هناك إجراءات سيقومون بها كرفع البصمات وفحص المدرسة لعلهم يعثرون على خيط يقودهم للقاتل ..
                      شعوري ؟ .... كانت مشاعري متضاربة .. متضاربة للغاية .. لا ادري ان كنت سعيدا او حزينا ان القتل امر بشع لا ريب .. وجدت نفسي بشكل لا شعوري اعود البيت مستقلا باص مواصلات وبالطبع لم اعد امشي بذلك الزقاق للعودة الى منزلي فقد اصبحت اكرهه كثيرا بعد ما كان ان يشهد مصرعي .



                      اخبرت جدتي بحدوث جريمة قتل في المدرسة راح ضحيتها طالب لا اعرفة شخصيا .. فأبدت انزعاجها الشديد لحدوث شيء كهذا .. ثم شيئا فشيئا .. تناسيت ما حدث وقضينا بعض الوقت نشاهد التلفاز معا حيث كان يعرض احد الافلام العربية السخيفة التي اشاهدها عادة مجاملة لجدتي .. شعرت بعدها برغبة بالخروج من المنزل لنسيان ماحدث .. واخترت المكان المفضل لي بالكويت .. السينما .. حيث شاهدت فيلما دراميا واندمجت تماما في احداثة .. هذا هو ما اعشقة بالسينما اذ تستولي الشاشه على كل مجال رؤيتك وافكارك ..
                      في اليوم التالي استيقظت على صوت جرس الهاتف .. ان رنين جرس الهاتف هذا الوقت من اليوم امر اكاد ان اجزم بانه يحدث لاول مرة .. ارفع السماعة متوقعا مصيبة ..
                      الو ... هل خالد موجود
                      انا خالد
                      انني الاملازم ( ... ) من مخفر ( ... ) ..
                      سالته بنوع من القلق
                      ماذا هنالك ؟
                      نريدك ان تاتي ..
                      لماذا ؟! ..
                      تعال وستعرف ..
                      قالها في فتور وكانه يرى سؤالي سمجا ونوع من قلة الادب ..
                      قلت ولم يفارقني القلق :
                      ساتي بعد انتهاء الدوام الرسمي
                      لماذا يردون استجوابي ؟! .. لا شك ان الامر له علاقة بمقتل ( راشد ) ولكن ما دخلي في الموضوع .. هل يشتبهون بي مثلا ؟! ...
                      ذهبت الى المدرسة وقد شعرت بان اليوم الدراسي كان بطيئا جدا .. وانتهى الدوام المدرسي لهذا اليوم دون أي شيء يستحق الذكر ..
                      والان ها انا ذا في المخفر مع ضابط المباحث في غرفة يملؤها دخان التبغ .. ويحيط بالضابط حشد من العسكرين الذين تبدو على وجوههم سيماء الخطورة .. وهم يمقونني جميعا بشك لا مبرر له ابدا ..
                      كان المحقق ودودا مجاملا بتلك الطريقة المرعبة التي يجيد رجال المباحث اداؤها .. في حين ينظر لي الاخرون بحدة وصرامه دون سبب واضح !! .. الامر الذي جعلني على وشك الاعتراف !! .. بماذا ؟ ! ... باي شيء .. وكانني قد ارتكبت جريمه بالفعل بسبب نظراتهم لي المربية ..
                      اشار الي احدهم كي اجلس .. فجلست مجاولا ان ابدو طبيعيا .. شعرت بذقني يرتجف .. دعكم من ان الجو العسكري المتوتر قد جعلني اشعر بتقلص .. واتصرف بالضبط كانني شخص مريب ان ارتباكي سيجعلهم يشكون في امري .. و ..
                      قطع المحقق حبل الصمت ليقول لي :
                      هل كانت تربطك ب ( راشد ) أي علاقة سواء ايجابيه او سلبيه ؟
                      ازدردت لعابي وقلت بصعوبه بسبب دقة الموقف ولانني ساكذب ثانيا :
                      لا ..
                      هل انت متاكد من ذلك ؟
                      نعم ..
                      هل تحدثت اليه من قبل ؟
                      قليلا .. كنا زملاء دراسة كما تعلمون .. ولم تمتد علاقتنا خارج اسوار المدرسة ..
                      هل تعرف احد من الممكن ان يكرة راشد الى درجة القتل ؟
                      وقلت وانا اتمنى الفرار :
                      اذا كانت الشرطة لا تعرف .. فكيف لي ان اعرف .
                      سالني بنفاذ صبر :
                      هل حصل أي احتكاك بينكما لاي سبب ؟ ..
                      فتحت فمي لاكذب فقال بصرامه :
                      لا تحاول الكذب .. نحن نعلم انك قد تعرضت للضرب على يدة ؟!
                      انك حتى لم تذكرها في التحقيق الذي جرى معك لمحاولة كشف هوية المعتدين عليك .. لماذا ؟
                      اللعنة لقد وقعت بمازق .. كنت اخشى معرفتهم بالامر كي لا تتجه شكوكهم الي ..
                      كيف ؟! ... كيف عرفتم ذلك ؟! ..
                      اننا رجال الشرطه مهمتنا ان نعرف .. وعلى كل حال فان احد اصدقاء راشد قد اخبرنا بذلك ..
                      ثم قال وكانه تذكر شيئا :
                      يجب ان تجيب على اسالتي .. فانا من يسال في هذا المكان
                      قلت له بسلام
                      حسنا .. لقد كذبت لانني كنت اخشى راشد بشدة .. اخشى انتقامه ..
                      سالني في شك :
                      ولماذا اعتدى عليك بتلك الصورة البشعه ؟! ..
                      فاخبرت المحقق بالقصة كاملة دون اهمال أي تفاصيل سوى خطة انتقامي طبعا .
                      قطع حديثنا جرس الهاتف فرفع المحقق سماعة الهاتف واذا بشخص اعلى منه رتبه كما كان واضح من حديثة .. والتفت يمينا ويسارا بترقب وتوتر .. ليقع بصري على مجموعه من الصور مددت راسي قليلا دون ان ينتبه احد .. فرايت شيئا رهيبا !!
                      اقسم لكم انني شعرت بالعصارة الحمضيه تحتشد في معدتي وتبدا بالصعود .. سينفجر بركان القيء من فمي قريبا .. فقد شاهدت الصور التي التقطها رجال الشرطه لجثة راشد في مسرح الجريمة .. كانت الجثة تنزف من عشر مواضع على الاقل وبدا ان راشد قد تعرض الى عملية تعذيب بشعة لان كل اطرافه مهشمه وقد التوى عنقة الى الخلف اتجاة وجهه كان الى الاعلى في حين بطنه في الاتجاه الاخر !!! .. أي ان عنقة كان ملتويا باستدارة كاملة هنا كدت اصاب بنوبه قلبيه واحتجت الى دقائق كي التقط انفاسي .. ولا زلت اجاهد كي امنع نفسي من التقيئو .. الا ان لاحظ المحقق انني قد رايت الصور فاخفاها بسرعة ونظر الي بعتاب وغضب .
                      انهى المحقق المكالمة ونظر الي بعدها بنظرة طويلة ثم امرني بالانصراف وقال :
                      لن يكون مسموحا لك بالسفر ستظل بالكويت حيث نستطيع ان نجدك في أي وقت وسنخبرك متى ما فرغنا منك
                      قلت له وقد اغاظني اسلوبة :
                      ولماذا اعامل وكانني مشتبه به ؟ ... ظننت انني هنا بالادلاء بمعلومات قد تفيدكم !!
                      لقد انكرت كل ما حدث لك مع راشد .. كما انك تملك دافعا جوهريا لقتله .. وهو الثار .. لذا يجب ان تتعاون بصدق اكثر كي تساهم في ابعاد نفسك من الشبهات ..
                      حسنا .. اتمنى ان اكون انا الذي قتلته .. ولو فعلت فسأعترف بهذا وساكون قد قدمت للعالم خدمه جليلة بالتخلص من هذا الوقد الذي اتمنى ان يحترق في جهنم ..
                      بدات الدهشه على وجوه الجميع ولم يتفوهوا بحرف وكانني قد صدمتهم بكلامي فشجعني هذا كي استطرد محتدا :
                      - لا استطيع ان اعتبر راشد شخصا طاهرا وملاكا رقيقا لمجرد انه قتل .. لقد كان مجرما حقيرا .
                      قلت هذا ونهضت لارحل ..
                      كم اود ان اعرف ملابسات الجريمه وابعادها ومرتكبها ولكن ... الشرطه لا تعرف شيئا على الاطلاق .
                      ولكني فيما بعد عرفت ان راشد قد جاء الى المدرسه بعد انتهاء الدوام المدرسي ودفع رشوة الى رجل الامن كي يسمح له بالدخول الى الفصل ليلا ليكتب على الطاولة كل المعلومات المهمة التي يحتاجها لامتحان الغد .. يا لها من طريقه غريبه ومبتكرة في الغش !!
                      وقد عثر بدر على جثت راشد في الصباح الباكر قبل ان تمتليء المدرسه بالطلبه .. وهو في طريقة الى دورة المياه القريبه من الفصل .. صدفه غريبه بالفعل .. يقولون ان بدر شرع يصرخ ويولول ويبكي كالنساء .. خاصة وان موقف كهذا كان كافيا كي يفقد عقله الى الابد .. وعندما رايته بعد الحادث بدا لي وكانه امرأة عجوز في السادسه عشر من العمر !!
                      قيدت القضيه ضد مجهول !! .. ولا انسى ان اذكر لكم ان رجل الامن بالمدرسة قد فصل من وظيفته طبعا ..
                      كان من الممكن ان تنتهي الاحداث عند هذا الحد ولكن لولا فضولي الشديد والصدفة التي لعبت دور كبير بالقصة .
                      كنت اتحرق شوقا لمعرفة القاتل .. لماذا ؟ .. لقد كاد راشد ان يقتلني وتسبب في اضرار جسديه ونفسية هائله لازلت اعاني منها .. فبعد هذا اعتقد انه من حقي ان اعرف من القاتل ..
                      لم ابتعد من بدر الضحيه الوحيدة التي اعرفها من راشد .. كانت حالته النفسية قد تحسنت قليلا وعندما اقول تحسنت قليلا فيعني هذا ان قد عاد كما اعرفة .. مشتت تائة عيناه ترمقان ابعاد اخرى مجهولة !! .. ولكنه ازداد تلعثما .. واصبح كالطفل رضيع عاجز تماما .. ووجدت نفسي من باب الشفقة الشديدة .. اذهب اليه وقت الفسح وابحث عنه واهتم بامرة .. الى ان جاء اليوم الذي طلب مني زيارته في منزلة .. وكان هذا قبل اختبارات آخر العام .. ترددت في البداية .. فأنا لم أزر أحدا في حياتي .. ولكني وجدت ان لا ضرر هنالك ولن اخسر شيئا على كل حال .. فوعدته بزيارة قريبه .. ولا املك ما امنحه لهذا المسكين سوى الصداقة ..
                      وفي اليوم الموعود قمت بزيارته في منزله الكائن في منطقة ( سلوى ) وهو بالمناسبة ليس منزل بل شقه صغيرة في عمارة متهالكه ..
                      كانت والدته موجودة وهي المرة الاولى التي اراها .. مرتديه ثيابا توحي وكانها على وشك الخروج .. ولكن تبرجها والحق يقال كان مبالغا فيه مما يوحي الى الجهة التي ستقصدها .. رحبت بي وكان واضحا ان ولدها اخبرها بزيارتي وحدثها عني ..
                      جلست بعدها قرابة الساعتين مع بدر تحدثنا عن أمور كثيره وأدخلني الى غرفته حيث رايتها مرتبه الى درجة بدت لي وكأنها غرفة فتاه .. الم اقل لكم انه اقرب الى الفتيات ؟! .. ولفت انتباهي امتلاكه لمكتبة تحوي عدد كبير من كتب تعليم فنون القتال بمختلف أنواعها .. مما يدل على ما يحلم ان يكونه .. فغالبا ما ترى الضعفاء يحلمون بالحصول على القوة للدفاع عن أنفسهم .. فتراهم يشترون كتب كتلك ويعلقون صور الأبطال في غرفهم .. وهذا بالفعل ما لاحظته في غرفة بدر بوستر كبير للنجم ( سل فستر ستالون ) !! ..
                      لقد كشف لي بدر في تلك الزيارة كل اسرارة الخاصة تقريبا حتى عيناه اغرورقتا بالدموع اكثر من مرة وهو يصف لي حاله السيئ ويقول :
                      اعرف ان الكل ينظر الي على انني اشبه الفتيات .. احاول التخلص من ضعفي لكني اعجز عن ذلك .. اشعر انني مفكك من الداخل مشتت الذهن .. جبان .. اعترف بهذا .. انني اخشى كل شيء .. الظلام الصراصير ركوب المصعد ...
                      يعض على شفتيه باسى ويقول :
                      انني كتله من الضعف والخوف .
                      لا تنسى عزيزي القارئ ان بدر يعاني من صعوبة في النطق ولكني انقل لكم كلامه بوضوح كي لا تصابو بالملل ..
                      فلا أعتقد انكم ستقرأون كلامه عندما يقول :
                      - ا .. ا ..ا .. احب ... ا .. ا .... ا ... ان .. ات ... ات ..اتخلص م .. من .. صعوبة ال .. الن ... الن ... النطق ... الخ .
                      - ولكني مع هذا لم اشعر بالملل منه مثلما شعرت بالشفقة لحالة ..
                      تحدثنا عن حادثه راشد واخبرني عما شاهدة حين راى الجثة وهو بالضبط كما اخبرتكم به عندما شاهدت الصور .. وقال بدر ان المباحث استجوبوه كونه الشاهد الاول وانهم عرفوا كل شيء بدءا من علاقة راشد ورهام والانتهاء بانتحارها .. ثم تركوه مع التحذير الا يغادر البلد كما فعلو معي .. لقد بلغ الانفعال مبلغا من بدر وهو يصف الجريمه ولم اتوقع اطلاقا انه يشعر بالاسف لمقتل راشد .. تصوروا !! .. فقد دفن وجهه بين راحتي كفيه وهو يبكي ويقول بانفعال ورجفه :
                      صدقني يا خالد انني اتمنى ان يجدوا القاتل .. فالقتل امر بشع مهما كانت دوافعة وانني كنت مخطئا حين تمنيت لو انني املك القدرة على قتل راشد بنفسي .
                      أثرت بي لهجته الصادقه كثيرا .. ولم اجد سوى انني ربت على كتفيه مطمئنا .. لاتركه بعدها شاعرا بانني اميل كثيرا الى هذا الصبي .. وهذة اول مرة اقول ان لي صديق اعتز بصداقته على الرغم من كل سلبياته ..
                      كنت احاول دائما ان اشد من ازره وزيادة ثقته بنفسه ولكني عجزت عن ذلك للأسف .. ففاقد الشي لا يعطيه .. فانا اعاني من نفس المشكلة ..
                      قمت بعدها بزيارة بدر اكثر من مرة لمساعدته في دروسه قبل اختبارات نهاية السنه ..
                      شعرت ان هناك امرا ليس على ما يرام ؟! .. حدث هذا عندما قمت بزيارته احدى المرات حيث فوجئت بطريقة استقبالة لي .. كان استقبال فاترا الى ابعد حد .. وكانت عيناه تحملان نظرة صارمه للغايه لم اعتدها على الاطلاق .. الامر الذي اعطى وجهه لمسة رجوليه خشنه
                      ان هذا الامر غريب بالفعل .. دعاني الى الداخل باشارة من يدة اليمنى دون ان ينطق بكلمه .. فدخلت الى الغرفة .. واستاذنني بحزم غريب ليذهب الى الحمام .. فتركني حائر اجهل ما دهاه .. هل زرته في وقت غير مناسب مثلا ؟! .. هل هذة طريقة لا بلاغي بانني ضيف غير مرغوب به ؟ .... استبعدت الاحتمال هذا لانني لا ازورة الا بناء على طلبه .. لم يكن هو يزورني لان والدته لا تسمح له بالخروج نهائيا ..
                      ظلتت في غرفته لحظات وتصرفت بتصرف بعيدا عن اللياقه فقد فتحت احد ادارج مكتبه ولا ادري لماذا فعلت هذا .. اعرف ان كل انسان يتصرف احيانا بحماقة .. ولكن هذة الحماقة قادتني الى امرا غير متوقع .
                      فقد وجدت ورقة مطوية .. تبين انها خطابا مكتوبا بخط يد بدر .. اعرف خطة جيدا لانني اساعدة بالدروس المنزليه .. وقد فجر الخطاب قنبله ..
                      كان الخطاب موجها الى شخص اسمه ( عدل ) !! ..... اسم غريب حقا !! .. مشتق من كلمة ( عداله ) وقد كان بدر يخاطب هذا الشخص باحترام وود وكانه اصدق اصدقائة ومثلة الاعلى وهذا نص الخطاب :-


                      --------------------------------------------------------------------------------


                      اخي العزيز ( عدل ) :

                      لم اشعر يا صديقي بالامان مثلما شعرت به حين عرفتك .. لقد اشعرتني بانك ملاكا حارسا يحميني من كل الاخطار .. لقد ذهب ( راشد ) بفضلك الى الجحيم حيث يستحق .. وجعلته مع سكرات الموت يتذكر الموبقات التي ارتكبها في حياته والالام التي سببها لضحاياه .
                      انني اتصور لحظة مصرعه
                      لا شك انها كانت شنيعه يشيب لهولها الولدان ... ولكن لا يساوي نصف ما فعلة باختي التي كانت تفيض بالحياة ... والان فرغت منها الحياة كلعبة اطفال تلفت بطاريتها .. كل هذا بسبب هذا المجرم .. لذا اشكرك يا اخي .. اشكرك كثيرا يا ملاكي الحارس .. لقد حققت لي الانتقام الذي اصبو اليه واتمناه .. ان تاريخ لقائي بك مخلد في ذاكرتي .. وصداقتك اكثر ما اعتز به في هذا العالم .. ولن اخشى شيئا ابدا طالما يوجد في هذا العالم شخصا مثلك يحمي الضعفاء امثالي حين يعجز القانون عن رد اعبارهم .

                      --------------------------------------------------------------------------------



                      وجدت خطابات اخرى موجهه منه الى الشخص نفسه المدعو ( عدل ) لكني لم اجد الوقت لقرائتها .. وبعدها طويت الخطابات ووضعتها بسرعة في مكانها .. وعاد بدر الى الغرفة بلحظات .. لحسن الحظ لم يرني !! .. فامسك بالريموت كنترول بيدة اليمنى بحركة اليه .. وبوجه جامد قام بالبحث بين المحطات ولم ينطق وكانه مستاء من وجودي بالفعل !! .. حتى بدا ارتباكي واضح بسبب ما عرفته للتو ... فشعرت بانني لست على ما يرام .. ونظر الي بشك متسائلا بهدوء شديد وبتلك النظرات الصارمه عما اصابني .. قلت له بانني ساظطر الى الذهاب فقد تذكرت ان علي اصطحاب جدتي لزيارة بعض الأقارب وانني سأزوره في وقت آخر ...
                      بالطبع كنت اكذب عليه فلا اقارب لدي لازورهم كما تعلمون .. كنت اصبو الى الاختباء بنفسي فحسب .. نظر الي نظرة لم افهمها ... ثم اشار بيدة اليمنى وببرود كي اخرج دون ان ينطق بكلمه .. فتركته وذهبت الى البيت ..
                      اذا ( بدر ) يتحمل مسؤولية مقتل ( راشد ) !! .. هذا واضح ولكنه طلب شخص آخر ينتقم له لانه يعجز عن ذلك بالطبع لاسباب نعرفها جميعا .. لا اعتقد ان هذا الشخص قاتلا مأجورا مثلا .. فلا يوجد شيئا كهذا في مجتمعنا على حد علمي .. ولم اقرأ يوما بالصحف عن وجود قتله مأجورين في الكويت .. لا اعتقد ان ذلك القاتل الذي يدعى ( عدل ) قاتل مأجور .. فالطريقة التي خاطبه بها بدر كانت واضحة .. انه يعتبرة اصدق اصدقائة وملاكة الحارس كما يقول .. اذا فهناك علاقة تربط بين الشخصين .. امر غريب بحق !! ... ثم ان اسم ( عدل ) غريب من نوعة .. ولم اعرف احد يحمل الاسم هذا .. هل هو لقب .. ربما .. هل هو .. شقيق بدر .. استبعد هذا الاحتمال لانني اعلم انه لا يوجد لبدر شقيق .. واعلم انه لا يوجد لبدر أقرباء .. واعلم جيدا انه لا يوجد من يهتم بامرة لدرجة انه يقتل لاجله ..
                      لا ادري ما افعل .. هل ابلغ الشرطة ؟! .. احتاج الى التفكير قبل الاقدام على خطوة كهذة .. فهل يستحق احد ان يسجن او يعدم لمقتل راشد .
                      ثم لماذا عاملني بدر بذلك الجمود حين زرته .. لقد تصرف بطريقة غريبة .. ولم اره يحمل تلك النظرات الصارمة وذلك الوجه الحازم البارد .. كل شيء مبهم وغير واضح .
                      اخذت حمام حار وذهبت الى الفراش ممسكا باحدى الكتب المدرسة لمراجعة بعض المعلومات قبل الاختبارات النهائية والتي لم يتبق على موعدها الا اسبوع
                      جلست اتصفح احاول التركيز ولكن دون جدوى ..
                      غرقت في الخواطر الى ان داهمني النوم .. ولم أصحو الا بعد منتصف الليل ..
                      السبب ؟!
                      شعرت ان احدا يناديني !! .. نعم .. ظننت بالبدايه انني احلم .. ولكني فتحت عيني ووجدت الغرفة مظلمة ... الامر الذي اثار لدي مخاوف .
                      لحظات مظت قبل ان انتبه الا ان هناك من يناديني بالفعل ولكن بهمس !!
                      فاستيقظت كالمسعور .. واذا بشخص مخيف الهيئة يرتديى بنطالا وبول اوفر اسودين
                      كما كان ملثما مرتديا الغطاء الذي يرتديه سارقي البنوك كما نراهم في السينما !! .. واستطعت بصعوبه بالغة بسبب الظلام ان ارى عينيه الواثقتين الباردتين .. كان يقف وقفة مهيبه رهيبة جعلته شبيها بتمثال في المتحف الروماني على الرغم من انه نحيل وقصير القامه نسبيا ...

                      تحدث بثقة وهدوء وبصوت غريب قائلا :
                      انا ( عدل )
                      انتفضت كل ذرة من كياني بقوة وانا اقول :
                      عدل من ؟! ..
                      قال بهدوء صارم :
                      لا تكذب .. انك تعرفني بعد ان قرأت رسالة بدر لي .. لقد كشف بدر أمرك لانك لم تقم بطي الرسالة كما كانت فعرف بدر ان احدهم قد فتحها .. ولم يدخل احد غرفته سواك !! .. لقد اخبرني بهذا ..
                      ثم سكت قليلا وكانه يحاول ان يعرف تأثير كلامه علي ..
                      فاردف بعدها قائلا :
                      لا تخش شيئا .. فلست هنا لإيذائك .. اريد ان اعرف شيئا واحدا ..
                      لماذا تدخلت فيما لا يعنيك ؟! .. لماذا تجسست على بدر ؟! ...
                      لن اكذب .. انه يعرف كل شيء :
                      لقد .. لقد فعلت هذا بدافع الفضول ..
                      نظر ألي للحظات .. ثم قال بهدوء :
                      ولكنني اعني تماما ما ساقول .. انصحك الا تخبر احد بما قرات وعرفت .. انت انسان خير وطيب القلب كما عرفت عنك .. ولا اريد ايذائك .. واذا ابلغت الشرطة فلن يمنعني شيئا ولا حتى الشرطة انفسهم ... من الوصول اليك .. لقد وصلت هذة المرة الى غرفتك .. ولن يمنعني شيئا من قتلك .. لا تجبرني عل هذا .. لقد قتلت راشد لانه يستحق الموت وانت تعرف ما فعلة برهام ..
                      سالته بدهشه وقد تذكرت شيئا هاما :
                      لحظة كيف دخلت الى هنا ؟!
                      قال لي وهو يتجه ناحية الشرفة :
                      بنفس الطريقة التي ساخرج بها .
                      تحرك بعدها بخفة متناهية لا تصدق ناحية الشرفة حتى شعرت لوهلة بأنه يملك سرعة البرق وقوة الفيضان ..
                      هبط من شرفة غرفتي الواقعة في الدور الثالث ليختفي بعدها .. قمت مسرعا الى الشرفة لكنني لم اجده .. لقد اختفى .. تلاشى تماما !! .. ظللت انظر الى اسفل ببلاهه مندهشا من الوسيلة التي صعد بها وهبط دون الاستعانه بحبل مثلا .. اقسم لكم انه كان يتحرك كالقطة ان هذا الشخص ذو قدرات مخيفة بالفعل ..
                      جلست على الفراش أضم ركبتي الى صدري وانا افكر بتوتر شديد .. انه حتى لم يتخذ أي احتياط ولم يجلب معه سلاحا تحسبا لأي هجوم مفاجئ مني .. لقد كان يعرف تاثيرة النفسي علي وهو يثق بقوته وقدراته كما كان واضح .
                      سر مخيف يحيط بهذا المقنع المدعو ( عدل ) .. لم استطيع بالطبع ان اعرف عمرة .. اشعر انه يلعب دور ( باتمان ) في القصص الهزلية حين يعاون الشرطة ويصطاد المجرمين ..
                      حاولت ان انام لكني عجزت .. والسبب هو اني شعرت ان شيئا مهما سرق مني ..!!
                      الأمان ..
                      فلا اطيق ان اتصور ان متسللا كان في غرفتي مهما كانت دوافعه ..
                      وفي اليوم التالي وبعد العودة من المدرسة .. خرجت في المساء لازور بدر .. وقد استقبلني هذة المرة بترحاب كعاته على عكس طريقته الغريبة معي بالأمس .. يبدو انه لا يعرف ما فعلة صديقة في الأمس .. سأكشف كل شيء الآن .. اعتقد ان الوقت قد حان للمواجهه .. و ..

                      ( بدر ) لقد زارني بالامس صديقك ( عدل ) او الأجدر .... ملاكك الحارس ..
                      نظر الي بارتباك شديد .. حاول ان يجد شيئا ليقولة .. واكملت بغضب :
                      اعترف انني قد قرأت رسالتك له .. وانني اعتذر عن تدخلي في شؤونك .. وقد عرفت انت بذلك واخبرت صديقك المخيف هذا أليس كذلك ؟! .. لقد اقتحم غرفتي مساء امس وهددني بالقتل ..
                      قال لي مذهولا :
                      صدقني .. انني ... انني لم اتوقع منه ان يفعل ذلك .. لقد أخبرته بأنك قد قرأت رسالتي له وعلمت بامرة .. ولكن لم اتوقع منه ان يزورك ويهددك .. هل أذاك ؟! ..

                      زفرت بقوة مفرغا توتري لاقول :

                      لا .. يظهر انه رجل خير .. ويريد تطبيق العدالة بطريقته الخاصة ولا ادري في الواقع ان كان هذا عملا خير ام لا ... ان الصراع في نفسي على اشده ... أحيانا أؤيده لا بد من احد ان يفعل شيئا ويوقف اناس ك ( راشد ) عند حدهم .. واعارضة لانه لا يجوز لانسان ان يطبق القانون بطريقته الخاصة .. ولا لتحول مجتمعنا الى غابة ..
                      - خالد ... أرجوك لا تدمرني .. أرجوك .. لا احد يعرف ان لي صله بالامر ...
                      قلت له بشيء من الحدة :
                      - ما فعلة صديقك امر بشع للغاية .. لماذا مثل بجثة راشد بهذة الصورة البشعه .
                      - انه لم يمثل بجثته .. بل فعل كل شيء قبل ان يقتله .. سوى تدوير عنقه طبعا .. كان يريد منه ان يتعذب ليذيقة بعضا مما اذاق الكثيرين .
                      رفعت حاجبي مذهولا .. يا الهي .. هل قام بتعذيب راشد بالفعل بتلك الوسائل البشعة من تهشيم اطرافة وطعنه في اماكن متفرقة من جسدة قبل ان يقتله ؟! .. يبدو انه قويا فعلا كي يفعل هذا بشخص كـ ( راشد ) ..
                      سالت بدر بحدة :
                      اذا فقد كان صراخك وكل ما فعلته عندما رايت جثة راشد مجرد تمثليه قمت بها كي توهم الجميع بانك مصدوم بقتله ؟! ..
                      صاح قائلا :
                      لا ... اطلاقا .. لقد تعمدت في البدايه ان اذهب الى الفصل مبكرا لاشاهد جثة راشد بعد ان اخبرني ( عدل ) ان الانتقام قد تم .. لا ادري لماذا فعلت ذلك .. قد يكون الاحساس بالذنب .. انت تعلم لسنا بقتله وحتى قتل شخص ك راشد ليس بالامر السهل .
                      سالته السؤال الاهم :
                      كيف عرفت ( عدل ) .. ومن هو اصلا ؟! ...
                      صمت ثم قال بهدوء :
                      اسف .. لا استطيع ان اجيبك .. انني اؤمن برسالته تماما فهو محارب للجريمه .. ويتحرك حين يعجز القانون عن احقاق الحق .. واخبارك بالامر سيكون مجازفه كبيرة في كشف هويته .. ولو ابلغت عني فلن انطق بحرف حتى وان كلفني هذا حياتي .
                      ثم قال بلهجة العليم ببواطن الامور :
                      ان ( عدل ) قد قام بقتل اربع مجرمين حتى الان .. من تجار مخدرات .. وسارقين ..
                      مصدر قوته شجاعته وهدوئه الشديدين في التعامل مع الامور .. مع اجادته التامه لفنون القتال .. انه يتحرك بسرعه وخفه .. فيضرب ضربته ويختفي .. وثقته بي هي وسام على صدري .. فلا تتوقع مني اخبارك بشء .. انا اسف .
                      صعقت تماما من هذا الكلام .. هل من الممكن ان يوجد شخصا كهذا في الكويت .. ان وجود محارب مقنع عينة ( باتمان ) امر خيالي لا يمكن ان يمت للواقع بصله ..
                      اكاد لا اصدق !!
                      خرجت من منزله عاجزا عن اتخاذ أي رد فعل من غرابه ما يحدث خرجت هائما لا اعرف ما افعل .. وشعرت بان معدتي فارغة حيث انني لم اتناول شيئا من الصباح بسبب انشغال ذهني بهذة القصة العجيبة .. فقررت الذهاب الى احد المطاعم لتناول العشاء .. واتصلت بجدتي من هاتف المطعم لاخبارها بانني ساتاخر قليلا .. اريد ان افكر بما يحدث .. ان هذا التطور خطير بالفعل .. لا زلت متردد بين ابلاغ الشرطه بالامر .. او نسيان الامر برمته طالما ان انتقامي قد تحقق على يد شخص لا اعرفه وبتوجيه من شخص اعرفة !!
                      جلست افكر وافكر دون جدوى .. ولم اكن اعلم انني بعد فترة بسيطه جدا ساكتشف الامر برمته ... وقد جاء هذا بمحض الصدفة !! ..
                      ظللت جالسا في المطعم افكر وافكر حتى جاء الطعام .. فشرعت بالاكل التهمه وذهني مشغول .. كان يجلس في طاولة قريبه شخصين كبيرين في السن يتحدثان بصوت مرتفع ويظهر انهما زميلا عمل .. اذ كانا يتحدثان عن رئيسهما بالعمل ويمتدحان اسلوب ادارته فقد قال احدهم :
                      ان شخصيته مثيرة للاهتمام بالفعل .. فهو اداري ناجح يعرف كيف يتعامل مع كل المشاكل التي يواجهها ..
                      فيرد زميله ويقول :
                      وما يثير اعجابي اكثر هو انه .. وبرغم الوداعة الظاهرة على وجهه .. يتحول الى مقاتل شرس لا يكف لحظة عن المطالبه بحقوق موظفيه اذا ما ظلم احدهم ..
                      ظلو يتحدثون للحظات لم اكن افعل فيها سوى الاكل والاستماع اليهما .. ليس من باب الفضول .. بل بسبب صوتهما المرتفع ..
                      اخاطب نفسي بهدوء واقول :
                      لا بد ان رئيسهما في العمل شخصا رائعا بالفعل .. انه لا ... !!

                      لم اكمل عبارتي فقد التفت بحدة الى الرجلين دون ان ينتبها .. افكر قليلا واربط بعض النقاط التي لم انتبه اليها في البداية ببعضها .. ووجدت نفسي انهض من على الكرسي بحدة دون قصد ..واتذكر نقطه صغيرة لم يكن لها أي معنى .. ولكنها الان تعني الكثير وتكشف كل شيء .. كل شيء دون استثناء !! ..
                      هل .. هل من الممكن ان يحدث شيئا كهذا ؟! .. يا الهي لقد فهمت كل شيء .. لقد كشفته بصدفة بحته !! .. وبفضل هذين السيدين اللذين تحدثا عن رئيسهما في العمل .. لقد انتبه عقلي الواعي الى نقطه بالغة الاهميه لم انتبه اليها بالسابق .. عرفت كل شيء .. يجب ان اواجه بدر بهذا .. سيكون بدر اكثر شخص يهمه ان يعرف هوية ( عدل ) الحقيقية !! .. دفعت ثمن الفاتورة وعدت مسرعا الى البيت وفي ذهني خطة بسيطة يجب ان اقوم بها للتاكد من استنتاجي ..
                      اتصلت ببدر وقلت له بانني قررت ابلاغ الشرطة وانني سافضح ( عدل ) وان المسالة هي مسالة مبدا .. ولم ابه لبكائه وتوسلاته .. فاقفلت السماعة بوجهه ..
                      ان عدل سيزورني في المساء لتهديدي .. انني اراهن على ذلك ..
                      قبل موعد النوم .. اعددت كل شيء عدته ... فقمت باطفاء النور في كل مكان في الشقة وقبلت جبين جدتي وتأكدت ان الخادمة الاسيويه قد ذهبت الى الفراش ..ذهبت بعدها الى فراشي وتدثرت بفراشي بالغطاء منتظر قدومة وكان قلبي يخفق كالطبل وكنت احاول ان لا اصدر أي صوت او حركة كي يظنني نائما اذا ما اقتحم غرفتي ..
                      وتعمدت عدم قفل الشرفة لافسح له المجال كاملا للدخول ..
                      ظللت متيقظا لاكثر من ساعة في فراشي افكر فيما سيحصل..
                      من اين سياتي .. هل من الباب .. من الشرفة .. من المطبخ من تحت الاريكه .. من يدري ؟! .. ربما هو موجود بالشقة قبل ان اطفا النور في مكان ما .. وربما هو الان قابع في الظلام ينتظر .. اقشعرت للفكرة الرهيبة !! .. تصلبت للحظة من شدة الخوف .. اعلم ان ( عدل ) لا يؤذي سوى المجرمين والمفسدين .. ولكن ماذا لو كان استنتاجي خاطئا ؟! ..
                      قطع حبل افكاري صوتا يوحي بان هناك من يمشي في الغرفة ..
                      حركة خافته جدا من المستحيل ان اشعر بها لو كنت نائما .. وشعرت بعدها بيد تحاول ان تزيل عني اللحاف ..!!
                      فنهضت من مكاني كالملسوع شاعر بخوف حقيقي وان كنت متوقعا تلك الزيارة !! ..
                      ولكن وقع المفاجأة كوني مستيقظا لم يسبب أي ارباك لـ ( عدل ) الذي وقف بثبات وهو ينظر الي بهدوء .. انه يملك اعصاب فولاذية بالفعل ..
                      ظللنا لوهلة نحدق ببعضنا البعض ..
                      وقبل ان انطق باي كلمه ... بادرني هو بالحديث قائلا :
                      انت تجبرني على قتلك .. لماذا تفعل هذا ؟! .. انني لا ارغب سوى بتحقيق العدالة والقضاء على المجرمين ماذا افعل كي تقتنع برسالتي ؟! ..
                      قلت له وقد صار قلبي يخفق كالقرد المسعور ان كانت القرود تصاب بالسعار -:
                      هل ثارت لــ ( بدر ) .. ام انك ثارت لنفسك ؟!!!! ....
                      شعرت بــ ( عدل ) قد توتر فجأة .. فقد انتفض جسدة بطريقه لا يمكن الا الاحظها وقال بعد فترة من الصمت وبصوت مبحوح بعض الشيء :
                      هل .. هل تريد المماطلة لسبب ما ؟! .. ام انك تمارس الحيلة لغرض في نفسك ؟!
                      قلت بصوت بدا اكثر ثقة بعد ان عرفت انني على حق كما يبدو من اهتزاز ثقته :
                      هل نسيت شقيقتك يا ( بدر ) ؟!!! ... هل نسيت ما فعل ( راشد ) مع ( رهام ) وكيف دمرها وسلبها اعز ما تملك ؟!
                      هل نسيت ما فعلة والدك بك وبوالدتك وبشقيقتك ؟! ..
                      لقد عشت حياتك ضائعا يا ( بدر ) .. كنت تعشق ابطال افلام الحركة وتعلق صورهم في كل مكان في غرفتك وتعيش بحلم خيالي هو ان تكون مثلهم وتقضي على الشر اينما وجد .
                      تراخى ثبوت ( عدل ) او ( بدر ) بعد ان عرفنا هويتة الحقيقية وبدا مترددا حتى كاد ان يقع على الارض ..
                      فقال بصوت باك متخاذل :
                      اصمت ... اصمت والا قتلتك ..
                      تجاهلت تهديدة وانا اقول بثقة :
                      لقد تفجرت الثورة في اعماقك منذ كنت صغيرا عندما كان والدك يشبعكم ضربا وهو تحت تاثير الخمر واحيانا المخدرات .. مما فجر في اعماقك حقد شديد عليه بسبب قسوته فتمنيت ان تتمكن من الانتقام .. كنت تتمنى لو انك شخصا قوي الشخصيه تستطيع الدفاع عن نفسك ووالدتك واختك اللتان تحبهما بجنون .. فكنت تشاهد الكثير من افلام الحركة .. واشتريت العديد من الكتب الخاصة بتعليم فنون القتال والرياضات الدفاعية الاخرى ورحت تمارسها وتتدرب عليها وقد اثار حيرتي كثيرا وجود تلك النوعية من الكتب في غرفتك .. خاصة بكمياتها الكبيرة .. لكني كنت اعزو هذا الى عقدة نفسية وشعور بالنقص .. ولكن المشكلة هي انك كنت تحتاج الى ما هو اكثر من هذا .. كنت تحتاج الى قوة الشخصيه .. والشجاعة .. وكل هذة من الاشياء مفقودة في شخصيتك النمتخاذله المسالمة .. وظل عقلك الباطن يلح عليك شيئا فشيئا ان تثار من والدك الذي كان يمثل لك الشر في هذا العالم .. في حين يكبت عقلك الواعي تلك الرغبة بسبب صفاتك السلبيه .... وشيئا فشيئا انتصر عقلك الباطن على عقلك الواعي .. وتولدت في اعماقك شخصيه اخرى .. هي شخصيه محارب الجريمة ( عدل ) ..

                      الجزء الاخير


                      سكت قليلا لاضي الغرفة .. فرايته بعدها وهو ينظر الي بعينين دامعتين دون ان ينطق بحرف .. فاكملت قائلا :
                      وفي ليله وضحاها اشتريت تلك الملابس وغطاء الوجه املا بالانتقام من ( راشد ) .. فوالدك توفي في السجن ولا مجال هناك للثار منه بعد وفاته بالطبع .. ولكن ( راشد ) الذي تسبب في انتحار شقيقتك كان حرا طليقا .. فقمت ببعض التحريات حتى علمت بأسلوبه في الغش فتسللت الى المدرسة بلباس محارب الجريمة ( عدل ) واقتحمت الفصل .. وهناك بالطبع مارست كل ما عرفته وتعلمته من فنون القتال التي كنت تعجز بشخصيتك الاخرى عن استخدامها .. وقمت بقتل ( راشد ) ...
                      واعتقد انك شعرت بنشوة رائعه عند تحقيق انتقامك من ( راشد ) فلم تتوقف .. وقتلت غيرة من مروجي مخدرات ومجرمين بوسائل اجهلها بالواقع .. لقد قمت باعمال جبارة لا يمكن ان تقوم بها بشخصيتك الحقيقيه .. وقد اعتبرت ( عدل ) شخصيتك الاخرى صديقا مخلصا ومثلا اعلى فقمت تراسلة وتحكي له اسرارك .. وتعتبرة ملاكا حارسا لك .. دون ان تعلم انك وهو شخص واحد ..
                      انك مصاب بمرض نفسي يطلق عليه ( ازدواج الشخصية ) يا بدر فهي حالة يجمع فيها المريض بين شخصين منفصلين يتناوبان الظهور .. فأصبحت تعيش بشخصيتين متناقضتين تماما بحيث انك نفسك لا تعلم انك ( عدل ) الجسور محارب الجريمة ..
                      انتهيت من كلامي .. وكان بدر وقتها قد انهار تمام بعد ان استمع الي بصمت حزين والدموع تنهمر من عينيه .. فوقع على الأرض وهو يلهث بقوة .... ويقول بعدها بخفوت وبصوت باك متخاذل :
                      انت كاذب ... كاذب .. لا يمكن ان اكون ( بدر ) ... مستحيل ..
                      اكملت حديثي بتأثير وقد شعرت بأنني أيضا على وشك البكاء :
                      لقد ساعدني على كشف امرك شيئين .. الاول هو حديث رجلين سمعته بالصدفة عن شخص ثالث ذكروا انه يتحول من الوداعة الى الشراسة في سبيل الحق .. وكانت هذه العبارة مفتاح كشف اللغز .. فهناك ما يطلق عليه اسم ( تداعي الأفكار ) وهذا يعني ان عبارة واحدة تسمعها في مكان ما .. قد تقودك الى تذكر مشهد او حدث ما أو عبارة ثانية وثالثة .. وهكذا تتداعى عدة احداث دفعة واحدة ليؤدي تجمعها الى صنع صورة واضحة تؤدي الى كشف الامر فعندما سمعت كلام الشخصين ... تذكرت انك في زيارتي لك في ألامس قد استقبلتني بنوع من الجمود وبنظرات صارمه لم اعتدها منك اطلاقا .. لقد عرفت السبب الان .. وهو في ذلك الوقت كنت تعيش شخصيتك الاخرى !! .. وهناك ايضا نقطة بالغة الاهمية ولا ابالغ لو قلت انها السبب الرئيسي .. الا انني لم أعرها أي اهتمام في بادي الامر .. فانا اعرف انك اعسر أي تستخدم يدك اليسرى بدلا من اليمنى .. ولكنك بالأمس واثناء زيارتي لك قد استخدمت يدك اليمنى بتلقائية واضحة لا تخطئها العين عندما قمت بتشغيل جهاز التلفاز باستخدامك الريموت كنترول بالبحث عن القنوات .. دعك من انك لم تقل الكثير في زيارتي تلك .. لانك في شخصيتك الاخرى تتحدث بثقة ودون تلعثم .. ولم انتبه لهذة النقطه لرغبتي بالخروج سريعا بعد قر ائتي للخطاب .. وقد حرمني هذا من ان اتبادل معك اطراف الحديث فبالتالي كان من غير الممكن ان انتبه الى نطقك السليم !!
                      انتهيت من كلامي وبالطبع انهار ( بدر ) تماما بعد كل هذا .. فنهضت من الفراش بهدوء مهيب سببته رهبة الموقف واقتربت منه وهو متكور على الارض يبكي بحرقة .. فقمت وازحت عن وجهه القناع لارى وجهه وقد احمر بسبب بكائه الذي جعل العبرات تنزل من عيني دون ان ادري .. وقلت له بتعاطف :
                      انك غير مسؤول عما فعلته يا بدر .. ستوضع تحت اشراف علاجي .. انها حالة مرضيه .. حالة نفسية معقدة .. لن يعاقبك احد .. صدقني .
                      التف الي .. وقال بانكسار :
                      لا .. لا يمكن ان اقضي حياتي في مستشفى الامراض النفسية .. لقد انتهى كل شيء يا خالد لقد انتهى ( عدل ) .. وانتهى ( بدر ) .. ولن أستطيع إنقاذ أي منهما نهض بعدها من مكانه وخرج من غرفتي بتخاذل ..
                      حاولت اللحاق به لكني خشيت ان نثير أي صوت قد يوقظ جدتي او الخادمه فتركته يبحث عن باب الخروج الى ان وجدة دون صعوبه بسبب صغر مساحة الشقة ..ليرحل بعدها وانا اخشى اعتراض سبيله ..
                      يالي من غبي .. لم اخطط لما قد يحدث بعد ان اكشف الحقيقة .. كيف سأوقف بدرالان ؟ ...
                      هل ابلغ الشرطه بالأمر ؟! .. ان هذا قد يكون امر حتميا الان .. لان بدر يحتاج الى علاج نفسي ولا يمكن ان يحدث هذا دون ان تعلم الشرطه بالامر لذا يجب ابلاغهم .
                      عدت الى غرفتي وجلست على الفراش افكر بحيرة بما قد يحدث .. لا اعرف كيف استطيع الوصول الى اعماق بدر ودهاليزة النفسية المعقدة .. انها الصدفة كما ذكرت .. او الحظ مع بعض الاستنتاجات .. ولم اتمكن بالطبع بعد كل هذا من العودة الى النوم .. فظللت مستيقظا الى ان جاء وقت المدرسة .. فكان يوما مرهقا بحق .. وقد بحثت عن ( بدر ) لكنه لم يأت .. فأتصلت بمنزلة بعد الظهر لاعرف من والدته انه ...
                      قد انتحر !!
                      وجدوا جثته في احد المناطق السكنيه الجديدة التي لم يمتد اليها الزحف العمراني بصورة كاملة ..وقد انتحر بنفس الوسيلة التي انتحرت بها شقيقته ..
                      كان خبرا مفجعا بحق .. وقد شعرت بحزن هائل تأثرا بما حدث .. وان كنت اعرف بانني لم اكن اجرؤ على ابلاغ الشرطه عن نظريتي خوفا من الا تكون صحيحة .. لذا فاثرت ان اقوم بكل شيء بنفسي .. دعكم من احد لن يصدق ان شخصا لم يبلغ الثامنة عشر من العمر قد كشف امرا كهذا من مجرد استنتاجات .. انها الصدفة .. الصدفة التي لعبت دور كبير في تلك القصة العجيبة .. وقد قيدت قضية مقتل ( راشد ) ضد مجهول بعد ان عجز رجال الشرطة عن كشف ملابساتها .. ولم أشأ إبلاغهم بما عرفت كي لا يبدو ( بدر ) للجميع بمظهر المجرم القاتل ..
                      لقد قابلت ام ( بدر ) بعد ان هدأت الامور وبعد تحقيقات الشرطه المكثفة معها لمعرفة اسباب الانتحار دون ان يصلوا الى نتيجه بالطبع ..وقد عزوا حادثة الانتحار الى الظروف الصعبة التي عاشها تحت ظل تلك الاسرة المنكوبه .. ولي ان اتخيل حال امه فور معرفتها بنبأ انتحارة .. لقد علمت منها انها كادت ان تصاب بانهيار عصبي .. ومن يلومها بعد ان فقدت ولديها في حوالي ثلاثة شهور ؟! .. فكانت تبكي .. وتهدأ .. فتغرق في البكاء والصراخ مرة اخرى ...
                      وقد اخبرت ام ( بدر ) بكل شيء اخبرتها ان ابنها كان بطلا وثأر لشقيقته .. وبالطبع لم تكن امه تعلم شيئا عن أي شيء فصعقت تماما لما سمعت مني .. واتسعت عيناها المتقرحتان من شدة البكاء ذهولا ..
                      لقد تجرأت اكثر من ذلك وحدثتها عن وسيلة البحث عن لقمة العيش التي تتبعها .. وطلبت منها ان تتوب الى الله سبحانه وتعالى .. كما وعدتها انني سأساعدها قدر المستطاع وبالفعل فقد تمكنت بعد فترة وجيزة ان احصل لها على راتب شهري من احدى الجهات الخيريه وقد قام احد المسؤولين في تلك الجهة بإيجاد عمل لها يدر دخلا لا باس به على الإطلاق كي تعيش بقية حياتها بعيدا عن الحرام ...
                      شكرتني كثيرا بعد كل هذا ...
                      لقد انتهت احداث هذة القصة الغريبة .. وانا سعيد جدا لنهايتها .. ( راشد ) قتل ( رهام ) وشقيقها ثأر لها .. لقد اردت ان يهلك ( راشد ) بايدي ضحاياه اشعر ان في هذا عدالة شعرية تروق لي حقا .. وان كانت للقصة جانب مأساوي وهو انتحار الشقيقين .


                      وها انذا بعد مرور شهرين بنهاية العام الدراسي .. اقف في شرفة غرفتي أتأمل الشارع .
                      فتاة لا يتجاوز عمرها الثماني سنوات تمسك بكف شقيقها متجهين سويا ناحية فرع الجمعية في حين ان طفلا اخر يقود دراجته جوار باب منزلة ..
                      السلام هكذا خلق الله العالم ليبقى هكذا اراد الله العلم ان يكون .......
                      بالطبع لم يكن ما حدث لي في تلك التجربة هو كل شيء .. فهناك المزيد .. وقصة مقبلة .. من مذكراتي ....
                      \


                      =================
                      انتظروا الجزء الأخير ..
                      من مذكرات مراهق كويتي
                      تحت عنوان ((الغابـــه السوداء))
                      التعديل الأخير تم بواسطة ScReAmQwEeN; الساعة 05-23-2008, 11:31 AM.



                      تعليق


                      • #12

                        يسلمووو عالقصص بس صج صج تعبت وانا اقرا لوووول :)
                        فديتهم *_^

                        تعليق


                        • #13
                          أحلا عيميه .. تسلمين على المرور



                          تعليق


                          • #14
                            سوري طولت عليكم .. بس اسمحولي ..

                            يالله الجزء الاخير .. بنزله كله ..

                            تكملة المذكرات وهي في القصه الاخيره منها
                            عنوان القصه هو ( الغابة السوداء (

                            الغابة السوداء


                            أخيرا ..!! أنهيت دراستي الثانوية
                            كنت اعد الأيام والساعات والدقائق .. وها انذا الآن حر طليق .. لقد نجحت بتفوق وظهرت النتيجة لتنفر الدموع من عيني من شدة الفرح .. كنت واثقا من النجاح ومن إحراز معدل مرتفع وكنت واثقا من أنني على أعتاب دخول كلية الطب .. ولكن هذه الثقة لم تقلل من شعوري بالفرحة بعد ظهور النتائج .. وبالطبع كانت فرحة جدتي لا توصف ..
                            فقد اغرورقت عيناها بدموعها الغالية .. وأؤكد لكم وبكل ثقة أنها لم تشعر في حياتها كلها بالسعادة مثلما شعرت وهي تتلقى خبر نجاحي .. وارتميت في احظانها وقبلت يديها في نهم .. اليدين المعروقتين العزيزتين …
                            أما هي فقد دفنت رأسها الحبيب في صدري :

                            - أخيرا يا ( خالد ) .. أخيرا يابني ستحقق أمنيتي واراك تلتحق بكلية الطب ..
                            - أطال الله في عمرك يا أمي لتريني طبيبا ناجحا .. ولأكون دائما عند حسن ظنك إن شاء الله .

                            كنت اعلم بأنني سأحصل على بعثة دراسية بسبب معدلي المرتفع .. وقد حصلت عليها بالفعل ولكنني رفضتها دون تردد فلن اترك جدتي وحدها أبدا .

                            كما أنني أستطيع دراسة الطب في جامعة ( الكويت ) وهذا ما انوي عمله بالفعل .
                            تعرفون بالطبع ما مررت به من تجارب غيرت مجرى حياتي تماما وان لم اخبر أحد عنها .. فمن سيصدقني إذا تحدثت عن تجربة تحضير الأرواح .. او عن معرفتي بملابسات قضية مقتل ( راشد ) والتي قيدت ضد مجهول .. !!
                            لم اكن اعلم بالطبع عما سيحدث لي .. وان نمط حياتي سيتغير اكثر واكثر .. وان ما مررت به لن يكون اغرب ما رأيت .. فهناك المزيد !! ..
                            كنت جالسا في غرفتي استمع إلى الراديو .. اشعر بأنني على أعتاب حياة جديدة حقيقية بعيدة عن هراء المراحل الدراسية السابقة .. أفكر بجبل الأوراق التي علي إنهاؤها حتى التحق بكلية الطب فقبولي في تلك الكلية هو أمر محسوم .. فمعدلي ولله الحمد مرتفع جدا يؤهلني للالتحاق بأي كلية أريدها .. ولكن المشكلة تكمن في إنهاء الإجراءات اللازمة لذلك فلدينا في ( الكويت ) كما هو الحال مع معظم الدولة العربية مع الأسف أساتذة في وضع العراقيل وتعقيد الحلول .. أوراق ومستندات وشهادة ميلاد زوجة عم خالة جدتك .. وما إلى ذلك من معاملات لن تنتهي قبل ثلاثة شهور على الأقل .
                            وان كنت عزيزي القارئ قد سافرت إلى أوروبا أو أمريكا أو اليابان .. وترددت هناك على مؤسساتها فان لك دون شك حكايات ومقارنات لا حصر لها مع المؤسسات في ( الكويت ) وجميع تلك المقارنات ليست في صالح الإدارة الكويتية والعربية بشكل عام ..
                            اعتذر لهذا الاستطراد .. استطرد كثيرا .. واعتذر كثيرا .. اعرف ذلك .. ولكن هذا عيبي أرجو ألا تؤاخذوني عليه .. أين وصلنا ؟ … آه .. استمع إلى الراديو .. سكرته وفرغت من خواطري فلم أجد شيئا افعله سوى فتح جهاز التلفاز لاشاهد واحده من تلك المسرحيات الهابطة السخيفة المليئة بالتهريج والإسفاف والتي تحقق أرباحا طائلة مع الأسف مما يدلك على المستوى الثقافي الذي وصلنا إليه .. إن المسرح الكوميدي هو الذي يجد فيه الناس عيوبهم ويضحكون عليها ويكون الضحك علاجا للإنسان كي يخجل من حماقته ويكف عن ارتكابها ومن ثم يقرر أن يقلل من ارتكاب تلك الحماقات .. هذا هو المعنى الحقيقي للمسرح الكوميدي .. أما هذه المسرحيات الهزلية فهي تسخر من هذا لانه سمين ومن ذلك لانه قصير .. حتى أن المشاهد يخرج بعد ساعات من الضحك دون أن يعرف قصة المسرحية إن كان لها قصة أصلا ..
                            اعتذر كما اعتذرت سابقا ومرار لهذا الاستطراد . . ولكن هذه مذكراتي كما تعلمون ومن الطبيعي أن تقرأوا شيئا عن أرائي في الحياة وان كانت أرائي اغلب الأحيان سخيفه لاقيمة لها ..

                            لم يكن هناك شيئا يستحق الذكر في هذا اليوم سوى ذلك الاتصال ..
                            اتصال هاتفي مفاجئ في بدايات شهر يوليو الحارق .. وانتم تعرفون أن الهاتف عندنا لايرن إلا نادرا .. وقد كان المتصل هو آخر شخص أتوقعه ..
                            - الو ( خالد ) ؟
                            - نعم …
                            - انه أنا .. أستاذ ( إبراهيم ) مدير مدرستك
                            - أستاذ ( إبراهيم ) .. مرحبا بك .. يالها من مفاجأة سارة ..
                            تبادلنا التحية لبعض الوقت وأنا أتساءل في سري عن سبب هذا الاتصال المفاجئ .. فهذه أول مره أتحدث فيها إلى مدير مدرستي عبر الهاتف ولم تطل حيرتي كثيرا ..
                            - ( خالد ) أنت تعلم يابني أنني اكن لك معزة خاصة جدا .. وأنني احترمك كثيرا وأنت من أخير الطلبه ويكفي تفوقك الواضح ..
                            - أنا لم أنكر هذا وأنا كذلك اكن لك كل احترام وتقدير
                            ثم سكت قليلا وقال بجدية ليغير مجرى الحديث ويدخل في صلب الموضوع :
                            ( خالد ) أنني أود مساعدتك قدر ما أستطيع .. وأنا اعتبر نفسي بمثابة والدك .. لذا فان مصلحتك تهمني كثيرا ..
                            قلت له بامتنان بالغ :
                            أشكرك كثيرا يا أستاذ ( إبراهيم ) .. وتأكد بأن شعوري متبادل نحوك ..
                            اعرف هذا يابني .. وإنني لفخور بك ..
                            كم هو رائع أن يحترمنا هؤلاء الذين نحترمهم ونعتبرهم مثلا أعلى .. فهذا يمنحنا احتراما لأنفسنا وثقة بالنفس ..

                            ( خالد ) لن أطيل عليك وسأخبرك بسبب اتصالي المفاجئ .. إنني مدعو غدا لحفل عشاء في مزرعة الدكتور ( علي ) .. وهو صديق قديم لي وشخصية مرموقة في كلية الطب بنفس الوقت ..
                            أريد اصطحابك معي إلى هذا الحفل .. أريدك أن تلتقي به .. وتوطد علاقتك معه ..
                            اعرف انك ستتفوق في دراستك بإذن الله دون الحاجة لاحد .. ولكن زيادة الحرص لا تضر .. قد يفيدك الدكتور ( علي ) في أمور كثيرة عندما تبدأ دراستك وحياتك الجديدة في كلية الطب .
                            هه .. ماذا تقول ؟.
                            قلت له ممتنا :
                            وهل لي أن ارفض لك طلبا يا سيدي .. إن لك اكثر من جميل علي .. ولقل ما يمكنني فعله هو الموافقة ..
                            قال بصوته الأبوي :
                            رائع .. بارك الله فيك .. سأمر لاصطحابك غدا في الساعة السابعة مساء ..
                            تذكرت شيئا قبل أن اغلق السماعة :
                            عفو أستاذ ( إبراهيم ) .. كيف عرفت رقم هاتفي ؟
                            وهل تعرف عنواني كي تصطحبني غدا إلى الحفل ؟
                            ضحك قائلا :
                            هل نسيت انك افضل الطلبة عندي على الإطلاق وأذكاهم ؟ .. ملفك موجود في المدرسة ومنه أخذت كل معلوماتك ..
                            وانهيت المكالمة وانا اشعر بالامتنان الشديد له .. غير عالما بالطبع بما سيحدث في هذا الحفل الذي سأقضي فيه ساعات سوداء لن انساها مدى الحياة ..




                            في اليوم التالي كنت مستعدا مرتديا بذلة رسمية كحلية اللون .. لحسن الحظ كنت قد اشتريت واحدة قبل بضع شهور .. فأنا وبكل صراحة لا احب ارتداء الزي الوطني ( الدشداشه ) على الإطلاق .. ليس لشيء سوى أنني اشعر انه يعوق الحركة كثيرا عند ارتدائه .. دعك من أن المدير قد طلب مني ارتداء بذلة لان الحفل على قوله رسمي جدا وسيكون جميع المدعوين تقريبا مرتدين بذلات رسمية ..
                            وقبل الساعة السابعة بدقائق كانت سيارة المدير بانتظاري .. فاستأذنت جدتي بالذهاب وأخبرتها بأنني قد أتأخر قليلا ..
                            نزلت من الشقة لاجد بانتظاري مفاجأة .. فقد كان الأستاذ ( إبراهيم ) بصحبة زوجته التي لم اكن اعلم أنها ذاهبة هي الأخرى إلى الحفل .. الأمر الذي جعلني اركب السيارة بارتباك وخجل واضحين .. وقام بتقديمي لزوجته السيدة ( أوراد ) التي رحبت بي بحرارة وكان واضحا انه حدثها عني كثيرا ..
                            كانت امرأة في الخمسين من عمرها على اقل تقدير ملامحها تبعث الى الارتياح وتبدو عليها الطيبة الشديدة .. كانت نحيفة الجسد تبدو بصحة جيدة للغاية وترتدي حجابا أنيقا وفستانا ينم عن ذوق رائع كما لاحظت لاحقا بعد أن نزلنا جميعا من السيارة - حتى أنني قلت في سري أنها جديرة بالفعل بزوج طيب محترم كالأستاذ ( إبراهيم ) واحسد أولادهما بالفعل على هذين الأبوين الرائعين وان كنت اجهل أن كان الله قد رزقهما بأولاد أصلا .
                            طوال الطريق كنت صامتا أجيب على أسئلتهما بأدب .. لقد اخبرني الأستاذ ( إبراهيم ) أن صديقة الدكتور ( علي ) هو من اقدم أصدقاؤه وانه بالغ الثراء .. وقد اشترى للتو مزرعة هائلة في منطقة ( الوفرة الزراعية ) .. وان زوجته فرنسية الجنسية تزوجها منذ فترة قصيرة بعد أن ظل أرملا اكثر من عشر سنوات .. ولم يرزقه الله أي أولاد من زوجته الأولى .. تحدثنا بعدها عن أمور أخرى جانبية ألي أن اصبح الصمت سيد الموقف بعد أن مللنا الحديث ونحن متوجهين الى منطقة الوفرة الزراعية التي تبعد عن شقتي مسافة ساعة وربع تقريبا حيث مزرعة الدكتور ( علي ) .
                            صمت مطبق سوى صوت المذياع الذي يبث أغنية ( وحياة قلبي وأفراحه ) لـ ( عبد الحليم حافظ ) .. دائما اشعر أن أيام ( عبد الحليم حافظ ) مليئة بالحب والمودة وان الدنيا كانت كما يقال بخير اشعر دائما بهذا الشعور حين استمع إلى أغاني ( أم كلثوم ) و ( عبد الحليم ) و ( عوض دوخي ) .. كان الناس في تلك الأيام السعيدة بسطاء طيبون كما يقول الجميع حتى أنني أحيانا أتمنى لو كنت قد عشت في ذلك الزمان في فترة الخمسينيات او الستينيات ..
                            غارقا في خواطري وأنا أتأمل الطريق .. الازدحام الشديد والفوضى في بعض الشوارع تجعلني أتحسر على حالنا بالفعل وظللت غارقا في تلك الخواطر حتى وصلنا الى مزرعة الدكتور ( علي ) .
                            كانت المزرعة رائعة هائلة الحجم بالفعل تم الاعتناء بها بكل دقة فكانت اقرب إلى حديقة لإحدى القصور أو القلاع الأوروبية الأثرية التي نشاهدها في الصور .. حتى أننا دخلنا إلى المزرعة بالسيارة لمسافة تتجاوز المائة متر تقريبا قبل أن نصل إلى المنزل الذي بناه الدكتور في وسط المزرعة وأنني أتساءل حقا .. كيف سيبدو منزل الدكتور ( علي ) ومحل اقامتة الدائم ان كانت هذه مزرعته فحسب والتي تعتبر مكانا للراحة والاستجمام فقط ولـ ( تغير الجو ) كما نقول في ( الكويت ) .
                            نزلنا من السيارة ومشينا في ممر مرصوف يزدان على جانبيه بالزهور وحول الزهور حديقة خلابة معتنى بها جيدا هي الأخرى ..
                            وعند وصولنا فتح لنا الباب شخصا شديد الأناقة .. بدا واضحا انه هو الدكتور ( علي ) .. هيئته واعتداده الواضح بنفسه جعلني متأكد انه هو الطبيب الثري صاحب المزرعة .. ولم اكن مخطئا فقد كان هو بالفعل .. نحيل الجسم كثيف الشعر يرتدي نظارات أعطته وسامة لا بأس بها وكان الشيب يملأ فوديه حتى بدا وكأنه طبيب يمثل دور البطولة في فيلما سينمائيا ولم يكن ينقصه سوى رداء الأطباء الأبيض الشهير..
                            قام بمصافحتنا بود واحدا تلو الآخر ليقوم بعدها بمعانقة الأستاذ ( إبراهيم ) مما دل فعلا على عمق صداقتهما ..
                            - كان لابد أن أدعوك إلى مزرعتي كي أراك .. لا اصدق أنني لم أر افضل أصدقائي منذ سنتين يالك من جاحد .. كيف تنسى صديق الطفولة ؟! ..
                            يقولها بمرح وعتاب ..
                            ويرد عليه الأستاذ ( إبراهيم ) بمرح أيضا :
                            - إنها مشاغل الدنيا التي تسرقنا من أصدقائنا وأحبابنا ..
                            دخلنا بعدها الى صالة المنزل الرئيسية لنجد اكثر من ثلاثون ضيفا وضيفة .. لم اقم بعدهم طبعا لكن الانطباع العام ..
                            كان أول مالفت انتباهي في هذا المنزل الكبير هو النمط الأوروبي الذي بدا واضحا في كل ركن من أركانه .. فقد كان الأثاث من الطراز الأوروبي القديم شديد الفخامة .. وكان يعج بالتحف واللوحات الفنية الثمينة هائلة الحجم ..
                            بل أن المنزل نفسه كان بحد ذاته تحفة فنية اللون .. اللون الأزرق الهادئ الذي يمتزج مع ألوان أخرى .. لتعطي لونا واحدا ينساب بظلال هادئة جميلة .. ولا توجد أريكة أو كرسي أو قطعة أثاث ليست في مكانها الصحيح .. مع نباتات زينة رائعة لم أر معظمها من قبل .. كل شيء في منتهى الروعة والجمال وبالطبع فان هذا الجو جديد تماما بالنسبة لي .. إذ لم احضر حفلا من قبل وحتى لو كنت قد فعلت فلا أظن أنني كنت سأحضر حفلا في مكانا راقيا فخما كهذا ..
                            وانتبهت إلى أنني اصغر الحاضرين سنا .. في حين تبين أن الباقين رجال أعمال وأطباء وبالطبع مدير مدرستنا الأستاذ ( إبراهيم ) وزوجته السيدة ( أوراد ) .
                            كان جميع المدعوين تقريبا من علية القوم إن اصح تعبيري ولم يفتني بالطبع أن انتبه لزوجة الدكتور ( علي ) الفرنسية فقد بدت لي وكأنها ابنته !! ..
                            كانت صغيرة السن .. جميلة .. بل فاتنة .. بيضاء البشرة رشيقة القوام تحمل على رأسها شعرا اسودا قصيرا .. وعرفت أن اسمها هو السيدة ( موريسا ) وكانت تتحدث اللغة الإنجليزية بشكل جيد وان كانت لكنتها الفرنسية ونطق حرف الراء ( غ ) واضحة جدا في كلامها .. ولا اعلم في الواقع سبب زواجها من الدكتور ( علي ) الذي هو في عمر أبيها .. هل الأمر متعلق بثروته ؟ هذا جائز ولكنه ليس من شأني بالطبع .
                            كان حفلا رائعا شبيها بحفلات رجال الأعمال التي نشاهدها في السينما .. أكواب العصير تتوزع على الحضور من خادمتين ترتديان زيا موحدا .. والحديث غالبا ما يكون جانبيا بين مجموعات من الضيوف أو علنيا في أحيانا قليلة ..
                            وكان جو الحفلة العام صاخبا نوعا ما .. الأمر الذي أشعرني بشيء من الارتياح .. خاصة وأنني أعيش حياة هادئة راكدة بعيده عن الصخب تماما .. دعك من الأستاذ ( إبراهيم ) مدير المدرسة قد انشغل عني مصافحة هذا والحديث مع ذاك .. كان واضحا أن له صداقات وصلات عديدة مع معظم الحضور ..
                            هكذا الحياة في ( الكويت ) .. مبنية تماما على العلاقات الشخصية فأنت تحاسب في اغلب الأوقات على من تعرف .. وليس على ما تعرف !! .. وبما انه ليست لي أي علاقات شخصية على الإطلاق سواء مع أشخاص مهمين أو غير مهمين داخل نطاق الحفل أو خارجه .. فقد اخترت الذهاب إلى المكان الوحيد الهادئ البعيد عن كل هذا الصخب .. الشرفة .. حيث المفر الوحيد وان بدا هذا أمرا غير لائق ..
                            تسللت الى هناك وأعطيت ظهري لكل هؤلاء الناس ورحت ارمق الظلام النقي المخيف على المزرعة الكبيرة .. المزرعة هادئة صامته تماما تنعكس عليها الأضواء الشاحبة التي تنبعث من المنزل كنت اسمع صوت المدعوين الذين ادير لهم ظهري واسمع ضحكاتهم المتبادلة ..
                            وفي جو الحفلات والولائم تصبح كل دعابة بسيطة وكأنها نكتة عظيمة تدفع الجميع الى الضحك والقهقهة ولا اعرف سببا لذلك في الواقع .. لكنني انتبهت الى انهم قد صمتوا جميعا فجأة .. فاستدرت لارى ما هنالك .. وإذا بالدكتور ( علي ) يقف في منتصف الدرج المؤدي الى الدور الثاني وكأنه يريد ان يلقي خطابا ثوريا .. فدخلت الى صالة المنزل الفخمة لأرى ما يدور هناك .. وإذا به يقول باعتداد وثقة هائلة بالنفس :
                            - أتشرف فعلا بوجودكم هنا وأنها لفرصة نادرة ان أقوم بدعوة اقرب أصدقائي لمزرعتي الجديدة ..
                            وهنا تعالى التصفيق .. وكأنني في البلاط النمساوي ان هذا الجو يختلف كثيرا عن أجواء الدعوات المعتادة في ( الكويت ) .. حيث ينتهي الأمر بصواني اللحم والدجاج على الأرض ليجتمع حول الواحدة منها خمس او ست اشخاص للاجهاز على ما فيها ..
                            أما هنا فالأمر يختلف والجو رسمي لأقصى حد .. و .. وكأن الأستاذ ( إبراهيم ) المدير قد قرأ افكاري .. فمال الى اذني هامسا مبتسما :
                            - ان الدكتور ( علي ) قد أقام في أوروبا اكثر من ثلاث وعشرون عاما .. وهو منبهر كثيرا بكل ما هو غربي …
                            فقمت بهز رأسي متفهما ..
                            واستمر الحفل بصورته المعتادة .. أتأمل وأجوب المكان بعيني .. التماثيل الاثريه الرائعة التي تبدو لي إغريقية واللوحات الفنية بالغة القدم والفخامة .. كل هذا مريح للعين الى حد لا يوصف .. لقد كنت استمتع بروعة المكان وانا منطويا ملتصقا بالدير .. الأمر الذي أعطاني شعورا طفو ليا محببا بأنني في حماية ( بابا ) .. وهو امر لم اشعر به في حياتي .. بل انني لم استخدم كلمة ( بابا ) على الإطلاق .. أما كلمة ( ماما ) فقد قلتها لجدتي ولازلت أقولها ..
                            كانوا يصخبون .. يمرحون .. يضحكون .. لكنني كنت انظر الى كل شيء بشرود وبنظرة خاوية .. عيناي ترحلان الى عوالم أخرى غير مرئية .. سمعي وذهني كانا في ارض أخرى .. ارض نائية بلا بشر .. ورحت أدعو الله ان ينتهي هذا الحفل بأسرع وقت كي انفرد بنفسي وأحلامي .. ان جو الحفلات هذا لا يناسبني إطلاقا ..
                            تقولون إنني إنسان كئيب لا يستمتع أحد بمرافقتي ؟! ..
                            أقول : معكم حق !!
                            وانا غارقا في تلك الخواطر التفت لارى لوحة قديمة جدا يطل من كل جزء منها العمق الحظا ري لأوروبا وتاريخها العريق .. ولكنها وعلى الرغم من هذا كانت لوحة مخيفة لا تخلو من البشاعة .. والغريب انها كانت تحتل ركنا هاما من المنزل كيف لم الحظها من البداية ؟ .. لا اعلم ..
                            كان الدكتور ( علي ) يقف مزهوا وهو يشرح لنا ولع زوجته بالتحف الأثرية واللوحات الفنية القديمة .. لأنه كما يقول يحترم هواية زوجته ويحب ولعها بالآثار التي نطلق عليها اسم ( أل أنتيك ) .. حتى انه قد دفع ثروة طائلة للحصول على هذه التحف واللوحات الفنية .. ولكن أحد الحاضرين قاطعه ليسأل السؤال الذي يجول بخاطري في هذه اللحظات بالذات :
                            - معذرة لمقاطعتك يا دكتور ( علي ) ولكن هذه اللوحة غريبة للغاية .. وارجو ألا تنزعج لو قلت لك بأنها تبدو مخيفة بعض الشيء .. نعم إنها تبدو بالغة القدم ولكن .. ليست كل اللوحات الفنية الأثرية جميلة أليس كذلك ؟!
                            سمعت همهمه من البعض تؤيد كلام الضيف الذي سأل ذلك السؤال ..
                            تأملت اللوحة مرة أخرى .. لا يمكن ألا ينتبه أحد لهذا الجو الكابوسي المريع الذي يجعل روحك تقشعر بين الضلوع .. كانت اللوحة تحوي أشجار سوداء وسماءها قرمزية حالكة .. لا استبعد ان يكون الرسام مريض شيزوفرانيا موهوب .. حيث يرينا قطعة من ذاته المنذرة بالويل والأهوال .. وكان اكثر ما يثير الاشمئزاز في اللوحة هو تلك المرأة .. امرأة سوداء الشعر ترتدي ثوبا اسودا طويلا تدير ظهرها لنا فلا نستطيع تبين وجهها .. وتمسك بخنجر حاد !!
                            لوحة مرعبة بحق .. بل هي الهول ذاته .. كما ان الطابع العتيق الأثري لها الذي تخطئه العين الخبيرة ولا حتى العين غير الخبيرة قد أعطاها جوا كابوسيا رهيبا ..

                            - يا للبشاعة ..
                            كذا صحت دون أن اشعر ..

                            فالتفت الي الدكتور ( علي ) مبتسما بفخر لا اعرف سببه .. ليحمر وجهي خجلا ويبدو ارتباكي واضحا ..
                            ثم التفت الدكتور الى من سأله هذا السؤال ليقول :
                            - قد تكون بشعة كما ذكرت .. لكنها ثمينة للغية وبالغة القدم .. إذ يعود عمرها لاكثر من خمسمائة عام .. لقد اشتريتها من أوروبا ودفعت ما يقارب النصف مليون جنيه إسترليني ثمنا لها .. إنها لوحة ( الغابة السوداء ) ..
                            ألم تسمع بها من قبل ؟
                            هز الضيف رأسه علامة النفي ..
                            استطرد الدكتور ( علي ) قائلا بصوت مرتفع كي يسمعه الحضور :
                            - إن وراء هذه اللوحة والتي تحمل اسم ( الغابة السوداء ) كما ذكرت قصة مشوقة للغاية ..
                            ونظر الى زوجته بخبث .. ليكمل قائلا :
                            - هي التي سترويها لكم .. فهي التي طلبت مني شراء اللوحة .. وتعرف قصتها بكل تفاصيلها المهمة .. لذا فالأفضل أن تكون على لسانها ..


                            التفت أيليها الجميع باهتمام .. فابتسمت بثقة وبشيء من الفخر - وبإنجليزية جيده - :
                            يعود عمر هذه اللوحة الى عام 1503 م .. حيث كانت هناك مقاطعة هادئة في ( فرنسا ) يعيش فيها فلاحين بوسطاء ويحكمهم حاكم طيب متسامح يحبه الجميع …
                            وكانت توجد على الحدود الغريبة للمقاطعة غابة كثيفة قيل انه تعيش فيها ساحرة اسمها ( ناتاشا )
                            لم ير أحد هذه الساحرة من قبل ولم يعرف الأهالي البسطاء مكان إقامتها في الغابة ولكن أسطورتها كانت متداولة بشكل واسع .. حتى أصبحت الغابة بمثابة المنطقة المحرمة التي يخشى الأهالي وحتى الحاكم نفسه الولوج بين أشجارها الكثيفة المتشابكة .
                            صمتت السيدة ( موريسا ) قليلا لترى تأثير كلامها على وجوهنا .. كنا جميعا مشدودين تماما الى القصة .. فابتسمت بفخر وأكملت قائلة :
                            وبعد سنوات طويلة توفي حاكم المقاطعة ليحكمها ابنه الذي كان رجلا شجاعا باسلا وكاثوليكيا متدينا .. لذا فقد كان أول ما يريد فعله هو تحطيم أسطورة تلك الساحرة فالإنجيل واضح وصريح بشأن الساحرات اذ ان هناك جملة في الإصحاح ( 22 ) الآية ( 18 ) تقول ( لا تدع ساحرة تعيش ) .. والساحر او الساحرة كما تعلمون ملعونين في كل الأديان السماوية ..
                            ولم يكن إقناع الأهالي البسطاء باقتحام الغابة والبحث عن الساحرة بالأمر السهل ..فقد كانت أسطورتها مسيطرة تماما على عقولهم على الرغم من أن أحدا منهم لم ير الساحرة ( ناتاشا ) في حياته كما ذكرت .. وأمام خوف الأهالي لم يجد الحاكم الجديد بدا من أن يقوم بتجميع عدد كبير من الرجال الأشداء من المقاطعات الأخرى ليقودهم هو بنفسه وبوازع ديني للولوج الى الغابة والبحث عن تلك الساحرة وقتلها بأي ثمن وهذا ما حدث بالفعل !!
                            ففي غضون اشهر قليلة كان الحاكم قد كون جيشا صغيرا قوامه اكثر من ستون رجلا للبحث عن الساحرة في الغابة والقبض عليها وإعدامها .. ولكن البحث عن مكان إقامتها لم يكن بالأمر الهين خاصة في غابة هائلة الحجم كثيفة الأشجار ..
                            فظلوا يبحثون فيها لفترة طويلة وصلت الى أسبوعين تقريبا الى أن جاء الفرج ووجدوا كوخ صغير متواضع مخفي وسط الأشجار العملاقة .. فاقتحموه وفتشوا كل ركنا فيه وكان واضحا لهم من خلال الأوراق التي وجدوها في الكوخ والتي حوت رموز غريبة لم يفهموا منها شيئا ان هذا هو المكان المقصود لكنهم لم يجدوا أي اثر للساحرة .. كل ما وجوده في الكوخ هو تلك الأوراق ذات الرموز الغريبة .. واللوحة التي ترونها أمامكم الآن ..
                            لقد قيل ان الساحرة استطاعت بوسيلة ما ان تحول جسدها بواسطة السحر الى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة !! .. قد يبدو هذا سخيفا .. ولكن هذا ماكان يقال بالفعل حول تلك اللوحة بوجود المرأة التي تدير لنا ظهرها .. خاصة بعد اختفاء الساحرة تماما وعدم ظهور أي اثر لها ..
                            ولسبب أجهله .. لم يتخلص أحد من اللوحة .. لتنتقل بعدها الى الكثير من التجار حتى استقرت في منزلنا بعد خمسمائة عام تقريبا من تاريخ العثور عليها .. إنها تحفة أثرية رائعة .. وان كانت بشعة المنظر .. وقد أطلق على اللوحة اسم ( الغابة السوداء ) كما أخبركم زوجي العزيز .
                            انتهت من حديثها ولم ينته صمتنا وانبهارنا .. لوحة عمرها خمسمائة عام ؟ .. هذا أمر يفوق الوصف فعلا .. ولكن أن تأتي هذه السيدة الفرنسية وتدفع نصف مليون جنيه إسترليني للحصول عليها ؟ .. ان المجانين في هذا العالم لا حصر لهم .. لماذا لا تشتري اذا هيكلا عظميا لفيل الماموث ؟!
                            قلتها لنفسي ساخرا .. راقت لي الدعابة .. فشرعت اضحك بخفوت .. في حين راح الحضور يسألون مزيدا من الأسئلة عن تاريخ هذه اللوحة التي أثارت اهتمام الجميع بما فيهم انا الى أقصى حد ..
                            ان قصة اللوحة مثيرة بالفعل ومخيفة نوعا ما وانا لا اسخر من شيء سوى المبلغ الهائل الذي تم دفعه لاقناعها ..
                            نسينا مع مرور الوقت كل ما يتعلق بهذه اللوحة الأثرية وشرع الجميع يتحدثون بامور كثيرة أخرى لم يكن لي أي دور فيها سوى الاستماع .. ولم يفت الأستاذ ( إبراهيم ) ان يخبر الدكتور ( علي ) عني وأنني سأكون طالبا جديدا في كلية الطب .. وان عليه ان يرعاني وينتبه الى ذكائي خاصة وانني نابغة احتاج الى الاهتمام كي اصبح من افضل الأطباء ..
                            ليس هذا كلامي بل كلامه هو .. وانا اشكره كثيرا في الواقع .. فشرع الدكتور ( علي ) بدوره يسألني أسئلة عديدة متعلقة بميولي وهواياتي ولماذا أريد ان اصبح طبيبا وما هو الفرع الذي سأجد نفسي فيه .. الخ …
                            مر الوقت سريعا .. حتى انني نظرت الى ساعتي ووجدتها الحادية عشر والنصف مساء .. وبدا الزوار شيئا فشيئا بالانصراف واحد تلو الآخر حتى تبقى ستة أشخاص فقط .. أصحاب المزرعة بالطبع وهم مضيفينا الدكتور ( علي ) وزوجته الفرنسية ( موريسا ) .. الأستاذ ( إبراهيم ) مدير مدرستنا وزوجته السيدة ( أوراد ) .. وشخصي المتواضع .. بالإضافة الى رجل أعمال عرفت اسمه هو السيد ( حامد ) .. وهو بالمناسبة قصير القامة نسبيا يتمتع بصحة هائلة وذو بنية رياضية على الرغم من سنوات عمره التي تجاوزت الخمسين كما يبدو لي .. ذو شخصية كاسحة كما لاحظت في الحفل ويتحدث بصوت عال دائما .. يبدو لي انه رجل عصامي بدأ حياته من الصفر وكون نفسه بنفسه .. وهو رجل أعزب يرفض تماما فكرة الزواج لان الزواج كما يقول ( هو مقبرة الإنسان ) علاقة متشابكة معقدة هي مزيجا من النكد وتحمل المسؤولية فعادة ما ترى المرأة ان الرجل كاذب كبير يتصنع الرقة .. في حين يراها هو سخيفة تافهة لا هدف لها في الحياة ..
                            هذا هو راي السيد ( حامد ) في الزواج .. لا أستطيع ان اقبل راية .. ولا حتى ارفضه ..
                            هذه هي الخلطة البشرية الموجودة في تلك المزرعة الهائلة ..
                            وما دمت انا معهم .. فلك ان تتوقع مصيبة ما !!
                            والواقع ان ما سيحدث ليس بمصيبة بل شيء آخر سيغير مجرى حياتي .. ذلك المجرى الذي اصبح يتغير اكثر من اللازم مؤخرا .. ولكن .. دعونا لا نسبق الأحداث .
                            جلسنا جميعا في صالة الاستقبال وباسترخاء اكثر .. خاصة وبعد ان اصبح المكان هادئا برحيل الزوار .. مرت ساعة ونحن نتحدث بامور عديدة عن حال البلد القوانين والقضايا الاقتصادية والاجتماعية العديدة الاخرى التي تحتاج الى اصلاح ما بعده اصلاح وغيرها من أمور كثيره ..
                            مع مرور الوقت بدأت اشعر بالملل والنعاس .. المشكلة ان الأستاذ ( ابراهيم ) يرى انه من اعز وافضل أصدقاء الدكتور ( علي ) .. لذا فانه يرى ان من حقه المكوث ليكون آخر الخارجين ولقضاء اطول وقت ممكن مع صديق العمر .. خاصة وان مشاغل الدنيا تجعل من لقاءات كهذه فرص قليلة جدا بل نادرة ..
                            واعتقد ان الأمر نفسة ينطبق على رجل الأعمال السيد ( حامد ) الذي بقى أيضا
                            كان كل شيء يوحي بان السهرة اقتربت من نهايتها .. إلا ان السيدة ( موريسا ) قد استأذنتنا للذهاب الى المطبخ لجلب بعض أكواب العصير لأنها كما أخبرتنا قد صرفت جميع الخدم الذين أنهكهم التعب على ان يعودوا جميعا في الغد للتنظيف .. وبعد ذهابها الى المطبخ بدقيقتين على الأكثر ..
                            حدث شيء لم يتوقعه احد على الاطلاق .. فقد انقطع التيار الكهربائي ليحل علينا الظلام فجأة ثقيلا على صدورنا كالجاثوم .. فشهقت السيدة ( اوراد ) فزعا .. لينهض مضيفنا الدكتور ( علي ) من مكانه وهو يضحك بطريقة توحي بان كل شيء تحت سيطرته .. فنادى زوجته بصوت مرتفع كي تسمعه وهي بالمطبخ :
                            - ( موريسا ) .. ارجو ان تجلبي لنا بعض الشموع ..
                            سمعناها ترد بصوت متوتر وقد بدا واضحا انها تخشى الظلام :
                            - هذا ما افعله ..
                            ثم قال لنا الدكتور ( علي ) بمرح مصطنع محاولا تلطيف الجو :
                            - لحسن الحظ ان هذا قد حدث بعد ان رحلو جميعا .. اما انتم فلستم اغربا ولن اشعر بالخجل أمامكم ..
                            همهموا بكلمات شكر ..
                            لم تكن هناك أي أضواء قادمة من أي مكان خارج الفيلا .. فهي تقع وسط مزرعة كبيرة .. وتبعد عنا اقرب مزرعة مسافة بعيدة نسبيا .. لذا فقد كان الظلام دامسا ..
                            والحقيقة انني كنت اشعر بتوتر بعض الشيء فأنا وعلى الرقم من وجود الصحبة الآدمية .. اخشى الظلام .. أخشاه بشدة منذ قصتي الكابوسية إياها مع تحضير الأرواح ..
                            - هل نذهب للتأكد من صندوق الكهرباء ؟
                            قالها الاستاذ ( ابراهيم ) مستفسرا ..
                            رد علية الدكتور ( علي ) بحرج :
                            - لا عليك .. إن أشياء كهذه تحدث .. سأذهب أنا على كل حال .. سأستخدم قداحتي .. لقد نسيت أن أشعلها حتى أبدد بعضا من هذا الظلام ..
                            وبالفعل أشعل قداحته ونهض بعدها ليطمئن على صندوق الكهرباء في الطابق العلوي .. لم يغب اكثر من خمس دقائق على الأكثر .. قبل ان نسمع صراخا رهيبا …

                            - انقذووووووووني . . . اااااااه !!

                            كان هذا صراخ الدكتور ( علي ) قادما من الطابق العلوي !! .. تجمدت الدماء بعروقنا .. وسمعنا بعدها بفترة قصيرة صوت زوجته تنادي من المطبخ بهلع :
                            - ما الذي يجري هنا ؟! .. أرجوكم تعالوا إلى لا تتركوني وحدي ..
                            كان واضحا ان صراخ الدكتور ( علي ) والظلام الشديد قد سببا لها رعب هائل حتى أصبحت لا تجرؤ على ان تأتى بنفسها وتريد من ياتي اليها ليصطحبها الى صالة الاستقبال ..

                            صعقنا لثوان مما يحدث حتى اننا تجمدنا بدورنا في مكاننا ونحن نشعر بارتباك شديد عاجزين عن اتخاذ أي رد فعل سريع .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) كان اول من تدارك الوضع وتحرك .. فقد هب من مكانه مسرعا معتمدا على صوت السيدة ( موريسا ) حتى يعرف مكان المطبخ ليذهب ويأتي بها الى الصالة وبالطبع سمعت صوت اصطدامه بقطع الأثاث بسبب توتره وعدم معرفته الكاملة بتفاصيل الفيلا ..
                            في حين كان السيد ( حامد ) ينادي الدكتور ( علي ) كي يعرف مكانه وسبب صراخه .. ولكن هذا الاخير لم يرد على الاطلاق .. وبالطبع فان هذا قد سبب لنا ارتباكا وخوفا شديدين لا حدود لهما .. وبعد لحظات بدت لنا دهرا .. سمعنا صوت السيدة ( موريسا ) وهي قادمة بصحبة الاستاذ ( ابراهيم ) تسألنا بفزع :
                            - ما الذي حدث لزوجي ؟ .. لماذا كان يصرخ ؟ .. فلنذهب اليه .. ماذا ننتظر ؟
                            رد عليها السيد ( حامد ) بتوتر :
                            - لا نعرف اين نبحث عنه بالطابق العلوي .. فالمنزل كما هو واضح كبير ومليء بالغرف والظلام دامس ..
                            صاح الاستاذ ( ابراهيم ) بشيء من الحدة :
                            - لن يكون الظلام مشكلة .. ستعتاد اعيننا سريعا لنذهب انا وانت للبحث عن الدكتور ( علي ) يا ( حامد ) ..
                            وبالفعل ترك الاستاذ ( ابراهيم ) السيدة ( موريسا ) مع زوجته ونهض مع السيد ( حامد ) للبحث عن الدكتور مستعينين بجهاز إشعال البوتاجاز الذي لم تنتبه اليه السيدة ( موريسا ) الا بعد ان سألناها عنه .. وهذا ليس غباء منها بالطبع .. فكل انسان معرض لان ينسى في ضر وف كهذه .. خاصة حين يسمع اقرب اقربائه وهو يصرخ بهذه الصورة التي افزعت الجميع ..
                            غاب الاستاذ ( ابراهيم ) والسيد ( حامد ) بعض الوقت ونحن غارقون في الظلام الذي اعتادته اعيننا نوعا ما .. ليعودا بعد دقائق بدت لنا دهرا والتوتر والوجوم باديين على وجهيهما بوضوح رغم نور مشعل البوتاجاز الخافت .. كنت اظن انهما سيقولان بان الدكتور ( علي ) قد مات بسبب مس كهربائي او ما شابه ..
                            ولكن السيد ( حامد ) فجر قنبلة لم نتوقعها اطلاقا عندما قال بحنق :
                            - لم نجده على الاطلاق لقد اختفى ..
                            صاحت السيدة ( موريسا ) بهلع حقيقي :
                            - كيف ؟ كيف اختفى .. والى اين ذهب ؟ .. لا يمكن ان يذهب لاي مكان بعد صراخه هذا ان شيئا غريبا يحدث هنا ..
                            ثم قالت بقلق وكأنها تذكرت شيئا :
                            - ولماذا كان يصرخ أصلا ؟ .. من يصاب بمس كهربائي يصرخ بطريقة تختلف تماما عن صراخ زوجي الذي طلب منا ان ننقذه .. ولو سلمنا بان مسا كهربائيا قد أصابه لرأيتماه مستلقيا على الأرض بلا نفس .. اما ان يختفي هكذا فهذا امر بمريب غير مفهوم ..

                            والواقع ان كلامها صحيحا .. كذا قلت في سري .. كيف يختفي الدكتور ( علي ) بعد سماعنا لصراخه ؟ .. ولماذا ؟ ..
                            واين هو ؟ .. هل هو حي ؟ .. هل هو مصاب ؟ .. انه امر محير فعلا ..
                            ظللنا في هذا الوضع بعض الوقت مصدومين مشدوهين في حالة رعب وكان التوتر يسيطر علينا تماما .. حتى ان السيدة ( موريسا ) قد دفنت وجهها في راحة كفيها وهي تهتز بقوة من شدة الانفعال والقلق على زوجها .. في حين رأيت السيدة ( اوراد ) ملتصقة تماما بزوجها وكأنها تستمد منه الامان وعلامات القلق بادية على كل خلجة من وجهها .. اما السيد ( حامد ) فقد كانت ساقه اليسرى تهتز بقوة وقد تلاشى كبرياؤه وشخصيته التي أظنها كاسحة .. وكان الاستاذ ( ابراهيم ) أكثرنا تماسكا .. اذ رايته جالسا يفكر بعمق محاولا فهم ما يجري وهو ما كنت افعله بالضبط .. لقد كنت اشعر باننا ضائعون تماما فكل شيء مبهم غير مفهوم ..
                            ظللنا على هذا الحال دقائق قليلة حين سمعنا أصوات هائلة مفاجئة جعلتنا نشب كالقرود من على مقاعدنا .. حرك الاستاذ ( ابراهيم ) المشعل الغير بيده لنرى ما يحدث حولنا .. وهنا راينا شيئا لم اكن لاصدقه لولا ان شاهدته بنفسي !! ..
                            صحت بالجميع بهلع : انظروا !! .. قضبانا حديدية قد أقفلت على الأبواب والنوافذ !! .
                            لم يكن هناك داع لإخبارهم بهذه الملاحظة الغبية .. فقد شاهدوا جميعا ما حدث .. ولكنه التوتر والانفعال الزائد الذي يجعل من يرى حادث سيارة ان يصرخ ويقول ببلاهة :
                            انظروا .. حادث سيارة !! ..
                            كان ما حدث يفوق الاحتمال حتى اننا وقفنا مشدوهين وقد التصقنا - لا شعوريا - ببعضنا البعض من شدة الرعب ونحن نرمق ما يحدث بذهول ما بعده ذهول ..
                            هنا صاح السيد ( حامد ) بعصبية شديدة وهو يهرع مسرعا ناحية الهاتف :
                            - سأطلب الشرطة .. ان الأمر يفوق الاحتمال
                            ولكن - بالطبع - تبين ان خط الهاتف مقطوع .. اما بالنسبة للهواتف المحمولة فقد كانت جميعا خارج نطاق التغطية .. حتى ان السيدة ( اوراد ) قالت بحيرة شديدة :
                            - ان هذا مستحيل .. من المفترض ان تعمل الهواتف النقالة .. ان منطقة ( الوفرة ) ليست خارج نطاق التغطية ..
                            فعاد السيد ( حامد ) وجلس على مقعده كاتما غيظه او _ ربما _ خوفه .. ولا اعلم ان كان غاضبا ام خائفا ..
                            اشعر باننا نبحر في ليلة مظلمة دون أي وسيلة للإنارة فلا نرى أمامنا وقد نصطدم بأي شيء في أي لحظة ونغرق ..
                            تخيل ان يكون شعورك هكذا !! .. دعك من اننا منقطعين تماما عن العالم الخارجي .. فحتى لو صرخنا لما سمعنا أحد في هذه البقعة المنعزلة ..


                            وجدت نفسي بعد هذه الخواطر السوداء اسأل نفسي بعصبية وبصوت مسموع من دون قصد :
                            - ما الذي يجري هنا بالضبط !! .. اننا تائهون تماما ..
                            قال السيد ( حامد ) وكأنه قد تذكر شيئا :
                            - مهلا .. سيفتقدنا ذوينا وسيتصل احدهم بالشرطة لا ريب ..
                            قلت له وانا احاول ان استجمع افكاري واسيطر على اعصابي :
                            - لا اعتقد ان من قام بحجزنا هنا سينتظر ذلك ..
                            صاح السيد ( حامد ) بعصبية وقد زال تماما قناع الحضارة الذي كان يرتديه اثناء الحفل :
                            - وما ادراك ان احدهم يحتجزنا هنا ؟!
                            قلت له ببساطه اغاظته :
                            - هذا هو التفسير الوحيد لوجود هذه القضبان الحديدية التي هبطت فجأة قبل قليل .. واراهن ان التيار الكهربائي قد قطع بفعل فاعل .
                            صمتوا جميعا ..
                            ان كلامي منطقي تماما ولا يحتاج لذكاء .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) صاح فجأة :
                            - لقد نسينا امر الدكتور ( علي ) تماما .. يجب ان نبحث عنه مرة اخرى قد يكون في خطر .. لقد كان صراخة مخيفا .. وكأن احدهم كان يحاول قـ . . أ . . اعني . . يجب ان نبحث عنه بسرعه ..
                            لم يشأ ان يقول ان الدكتور ( علي ) كان يصرخ وكأن احدهم يحاول قتلة .. فقد تذكر ان زوجة الدكتور تجلس معنا ..
                            ثم اكمل حديثة بحذر :
                            - لن ادع اقرب اصدقائي في ضروف كهذا .. اني اعرف الدكتور منذ أربعون عاما .. ولم اسمعه قط يصرخ بهذه الصورة ..
                            صرخت السيدة ( موريسا ) فينا جميعا مفرغة كل انفعالاتها :
                            - فلنبحث عنه مرة اخرى اذن .. ماذا تنتظرون ؟!
                            نظرنا اليها جميعا باشفاق شديد .. وسألتها السيدة ( اوراد ) بحيرة :
                            - وما أدرانا انه لازال في المنزل ؟ ..
                            صمتنا جميعا .. بالفعل .. ما أدرانا انه لازال في المنزل ..
                            زفرت بقوة .. ان كل شيء محير مربك بالفعل اشعر ان يد خفية تعبث بنا .. ولكن .. لحظة .. التفت لأسأل السيدة ( موريسا ) :
                            - كم عدد مخارج الفيلا ؟ .. وكم عدد الغرف ؟ ..
                            قالت وهي تحاول ان تحصي عدد الغرف :
                            - هناك مخرجين للفيلا .. احدهما موجود في المطبخ .. والاخر هو البوابة الرئيسية التي دخلتم جميعا منها .. اما بالنسبة للغرف فاعتقد ان الفيلا تحوي اربع عشرة غرفة .. مع ست حمامات بالاضافة الى مطبخين .. وهناك بالطبع غرفة الخدم .. وغرفة السائق . . و . .
                            سألتها مقاطعا :
                            - واين هم الخدم والسائق ؟
                            قالت بنفاذ صبر :
                            - اخبرتكم من قبل بأنني قد ارسلتهم جميعا الى البيت .. على ان يعودوا غدا بعد الظهر للتنظيف فلا احد يقيم هنا سوى حارس المزرعة .. وقد اعطيته اليوم اجازة .. فلم يكن هناك داع لوجوده ذهب ليقضي الليلة مع اصدقائه وسيعود غدا بعد الظهر ..
                            صاح ( حامد ) بغضب :
                            - ما هذا النحس ؟ .. اما انه نحس .. او ان الجميع قد تحالفوا على وضعنا في هذا المأزق !!
                            قلت محاولا فك خيوط هذا اللغز المتشابكة :
                            - لو كان هناك مخرجين للفيلا فقط فهذا يعني ان الدكتور ( علي ) مازال موجودا هنا .. فحتى يخرج من الفيلا باستخدام المخرجين .. يجب عليه ان يمر من الصالة منذ اختفاؤه .. فهذا حتما يعني انه لم يغادر الفيلا ..
                            صاح الاستاذ ( ابراهيم ) بحماس منفعل وهو يقول :
                            - فلنبحث عنه مرة اخرى اذا .. سنبحث في كل ركن من الفيلا هذه المرة سأذهب انا مع السيد ( حامد ) وسيبحث كل منا منفرد اختصار للوقت .. فالمكان كبير جدا ..
                            هنا قالت السيدة ( موريسا ) بحدة :
                            - لن اجلس وحدي هنا
                            قال لها الاستاذ ( ابراهيم ) مطمئنا :
                            - سيكون معك ( خالد ) وزوجتي .. فلا خوف عليكم ..
                            ردت عليه بعصبية سببها توتر الموقف :
                            - لا اقصد انني اخشى المكوث هنا .. بل اريد البحث عن زوجي .. لن اجلس هنا في حين لا يعلم سوى الله ما الذي جرى له ..
                            نظر اليها السيد ( حامد ) قليلا ثم قال باستسلام :
                            - حسنا .. تعالي معنا لو اردت ..
                            نهضت لتصحب السيد ( حامد ) للبحث عن زوجها .. في حين ذهب الاستاذ ( ابراهيم ) وحده الى ناحية اخرى من الدور العلوي ..
                            اما انا فقد مكثت مع السيدة ( اوراد ) التي كانت متكورة حول نفسها من شدة الخوف .. اعيننا اعتادت الظلام تماما وقد مضى علينا اكثر من ساعة في هذا الجو المشحون منذ انقطاع التيار الكهربائي واختفاء الدكتور ( علي ) ..
                            شعرت بانني يجب ان افعل شيئا بدلا من جلوسي هكذا دون هدف .. فنهضت لاجلس بقرب السيدة ( اوراد ) وقلت لها محاولا بث الاطمئنان على روحها :
                            - لاتخشي شيئا سيدتي .. سنجد الدكتور باذن الله .. وبعدها سنجد وسيلة للخروج من هنا ..
                            سألتني بشرود :
                            - كيف
                            - من الموكد ان ذوينا سيفتقدوننا وسيتصلون بالشرطة ..
                            - وماذا عن من ينوي ابقائنا هنا لغرض في نفسه ؟ .. الم تقل ذلك قبل قليل ؟ .. الا يثير هذا قلقك ..
                            - بلى ولكن ..
                            هنا خرست … فهذا ما اظنة بالفعل .. لن اكذب عليها لاشعرها بالاطمئنان ..

                            - النجداااااااااااااه
                            كان هذا صوت السيدة ( موريسا ) قادم من الطابق العلوي .. تلاه صوت السيد ( حامد ) وهو يصرخ وكأن شياطين الدنيا تطارده :

                            - النجدااااااااه . . انقذووووووووني . . ااااااااااه . .
                            وصوت اشياء تتحطم ..
                            اقشعرت ابداننا من الرعب وكادت قلوبنا ان تثب من حلوقنا وسمعنا الاستاذ ( ابراهيم ) وهو يصرخ من الطابق العلوي وصوته يتعالى ثم ينخفض بما يوحي انه كان يدخل الغرف واحدة تلو الاخرى كي يبحث عنهما :
                            - ما الذي يجري هنا .. اين انتم ؟
                            صحت بالسيدة ( اوراد ) :
                            - يجب ان نصعد اليهم لنرى ما يحدث .. ان امرا غريبا يجري هنا !!
                            لم تقل شيئا .. ولكن رد فعلها كان عمليا جدا .. فقد نهضت مسرعة مستنده الى ذراعي .. ويظهر ان خوفها على زوجها الموجود في الطابق العلوي تغلب على خوفها من هذا الجو المخيف السائد في المكان .. كانت اعيننا قد اعتادت الظلام كما اخبرتكم .. لذا فقد هرعنا الى الطابق العلوي دون ان نصطدم بشيء .. ووجدنا بعد قليل الاستاذ ( ابراهيم ) واقفا بوجوم بجانب احدى الغرف ..
                            ارتمت زوجته الى حضنه وهي تنتحب بعد ان اطمأنت انه بخير لتسأله :
                            - ما الذي يجري في هذا المكان اللعين ؟!
                            لم يرد عليها واكتفى باحتضانها لاشعارها بالامان بينما وقفت انا عاجزا عن التفكير للحظة .. ثم ذهبت لارى ما بداخل الغرفة لاستوضح ما رآه الاستاذ ( ابراهيم ) .. فما رآه على الارجح هو الذي جعله يقف واجما هكذا .. ولكن :
                            - لا تنظر ..
                            قالها بصرامة ..
                            وكان هذا وكأنه امر مباشر كي انظر !! .. فدخلت الغرفة واذا بالسيدة ( موريسا ) ملقية على الارض .. فشهقت بقوة .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) اخرسني باشارة من يده :
                            - انها فاقدة الوعي فحسب ..
                            نظرت في ارجاء الغرفة بحثا عن السيد ( حامد ) .. لكني لم أجده لقد اختفى تماما !! ..



                            سوف اذكر بعض النقاط :


                            1 - السيد حامد مدير المدرسة وزوجته اوراد


                            2 - العزومه او الحفل في منزل الدكتور علي وزوجته السيدة موريسا


                            3 - قصة اللوحة


                            4 - ضروف المنزل بعد خروج المدعوين الا البعض مثل المدير وحرمه والسيد حامد بمثل انطفاء التيار الكهربائي وغياب الدكتور علي والسر وغيرها الى ان تأتيكم التكملة الان ..



                            تعليق


                            • #15
                              دخلنا بعدها الغرفة ونحن نحاول التأكد مما اذا كانت السيدة ( موريسا ) بخير .. حاولنا إنعاشها لتستيقظ بعدها بثوان وقد احتاجت للحظات كي تعرف اين هي وتستوعب ما حدث لها .. ثم استدركت كل شيء وشرعت تتحدث بفزع وتتلفت يمينا ويسارا وهي تقول لاهثة :
                              - لقد رأيت شيئا مهولا .. امرأة طويلة الشعر ترتدي رداء اسود كبير الحجم .. لقد صرخت عندما رايتها لم اتبين ملامحها فقد كان شعرها الطويل يغطي الكثير من ملامح وجهها ..
                              صمتت قليلا وكانها تحاول ان تعب اكبر قدر ممكن من الهواء في جوفها لتكمل قائلة :
                              - لقد اتجهت تلك المرأة مباشرة الى السيد ( حامد ) الذي تجمد في مكانه من هول الرعب ولم تعطه لحظة واحدة ليفكر بما يحدث .. بل قامت بسرعة متناهية بطعنة بوحشية عدت طعنات وهو يصرخ بهلع لا حدود له …
                              اضافت وهي تبكي بحرقة :
                              - لقد اغمى علي من هول ما رايت .. فقد شاهدت السيد ( حامد ) وهو يذبح امامي .. كان مشهدا رهيب لا يمكن لان اصفه لكم ..
                              ثم دفنت وجهها بين كفيها وبدأت ببكاء حار مفرغة كل انفعالاتها فاقتربت منها السيدة ( اوراد ) واحاطتها بذراعها محاولة تهدئتها .. وان كانت هي نفسها بحاجة لذلك ..
                              وقامت بعدها السيدة ( موريسا ) في هستيريا تسب الظروف التي جعلتها تعيش هذا الجو المرعب ثم تسبنا نحن لأننا ..!! لا ادري بالضبط ما ذنبنا في الموضوع لكنها رأت ان لنا دورا ما لا تعرف كهنه ويستحق التوبيخ .. ربما لأنها كانت تفضل ان نكون نحن في مكان زوجها ..
                              وبعد دقائق من النحيب سألتهم بتعجب سؤالا بالغ الأهمية :
                              اين ذهبت جثة السيد ( حامد ) اذا ان كان قد قتل بهذه الطريقة البشعة ؟! .. واين ذهب القاتل او القاتلة على سبيل الدقة ؟! .. لم يجب احد على سؤالي ..
                              فظللت افكر بصمت فيما يحدث لنا حتى شعرت بانه لا بد من لملمة شتاتنا ..
                              لذا فقد قلت لهم بحزم :
                              - اعتقد ان علينا الجلوس قليلا والسيطرة على اعصابنا .. هناك بعض الامور التي تحتاج الى تفكير ..
                              لم يعترضوا … بل استجابوا تماما .. فقد شعروا ان علينا فعل ذلك حقا حتى نعرف ما يجري هنا ولنجد مخرجا من هذه المزرعة ..
                              قمنا بالنزول الى صالة الاستقبال ..
                              وبعد جلوسنا بدقائق من الصمت بدت وكأنها دهرا ..
                              سألتهم محاولا كشف شيئا من الغموض المحيط بنا :
                              - هل لاحظ أي منكم شيئا غير عادي وقت الحفلة ؟
                              بدا لي السؤال سخيفا مبتذلا يردده رجال الشرطة في كل فيلم وكل مسلسل ..
                              ولكن لحسن الحظ لم يهتم احد لهذا بل وعلى عكس ما توقعت وجدت الاستاذ (ابراهيم ) يضرب رأسه بكفه وهو يقول :
                              اللعنة .. كيف نسيت هذا .. انه توتر الأعصاب دون شك .. لقد حدث شيئا ظننته عاديا في البداية .. لكني أراه الان يثير الريبة .. ليس في وقت الحفل .. ولكن قبل ذلك فعندما اتصل بي الدكتور ( علي ) ليدعوني الى الحفل كان قد طلب مني ان ابقى الى نهاية الحفل ولا اخرج قبل ان يتحدث الي .. وقال ان الامر هام جدا ..
                              سكت قليلا .. ثم اردف وكأنه يحاول التذكير :
                              - والغريب ان السيد ( حامد ) وهو صديق قديم ايضا كما تعلمون قد اخبرني أثناء الحفل ان الدكتور ( علي ) قد طلب منه نفس الطلب .. وقد فاجأني هذا .. ولا زلت اجهل ان كان الدكتور ( علي ) يريد التحدث الى كل منا على انفراد .. ام ان هناك موضوعا مشتركا بيننا ..!
                              سألته السيدة ( اوراد ) :
                              - وما علاقة ذلك بما يحدث ؟
                              زفر بقوة وهو يقول :
                              - لا ادري ..
                              ثم التفت الى السيدة ( موريسا ) التي كانت في أسوأ حال ليسألها :
                              - وماذا عندك ؟ الم تلحظي شيئا غير عادي اثناء الحفل .. او قبل ذلك ؟
                              ردت بصوت باك :
                              - كان كل شيء يسير بأفضل صورة .. وانت تعرف زوجي .. انه انسان طيب القلب يحبه كل من يتعامل معه .. لا اعتقد ان له اعداء .. او فلنقل ان لا احدا يكرهه الى درجة القتل ..
                              قلت لها :
                              لسنا واثقين انه قتل .. يجب الا نتسرع في استنتاجاتنا ..
                              قالت بعد تردد شديد :
                              - أ .. أ .. ارجوا الا تسخروا مني .. سأخبركم بما لم أخبركم به منذ البداية .. قد تظنوني اخرف بفعل الظلام والخوف الذي نعيشه جميعا الان . . أ . . اعتقد ان الامر يتعلق باللوحة ..
                              سألها الاستاذ ( ابراهيم ) :
                              - أي لوحة ؟
                              ردت عليه بعصبية :
                              - لوحة ( الغابة السوداء ) الاثرية التي اخبرتكم عن تاريخها وما يحاك حولها من اساطير .. لقد اخفيت عنكم بعض الامور المتعلقة بها لانني انا نفسي لم اكن اصدق شيئا مما سأخبركم به ..
                              ثم صمتت وهي تلتقط انفاسها .. وقالت وكأنها ستلقي علينا قصة :
                              - قبل اربعمائة عام اشترى تلك اللوحة احد الاثرياء الإنجليز من هواة جمع اللوحات الفنية القديمة .. فقد كان عمر اللوحة في ذلك الوقت يقارب المائة عام .. ولكن بعد ايام قليلة وجد الثري مع افراد اسرته جميعا مقتولين .. وكانت هذه الجريمة هي حديث الساعة في ذلك الوقت بسبب بشاعتها .. وحشد المسؤولين جهودهم لكشف الجاني .. ولكنهم لم يعثروا عليه على الاطلاق .. وظلت اللوحة تباع وتشترى في مزادات علنية الى ان انتقلت بعد الحادثة الاولى بمائة عام الى تاجر فرنسي .. ليعيد التاريخ نفسه !! .. ويقتل التاجر وجميع افراد اسرته في ضر وف غامضة جدا .. ويتكرر الامر بعدها بمائة عام اخرى مع عائلة ثرية اشترت تلك اللوحة .. عندها فقط قام احد الباحثين بدراسة كل ما يتعلق بلوحة ( الغابة السوداء ) .. فأنتبه الى نقطة بالغة الاهمية .. لقد لاحظ انه وفي كل مائة عام من تاريخ اكتشاف اللوحة .. يقتل كل من يقتنيها في ضروف غامضة .. الامر الذي جعل ذلك الباحث يقوم بدراسة شاملة حول تاريخ هذه اللوحة ويكتشف القصة التي اخبرتكم بها اثناء الحفل .. لقد قيل ان الساحرة ( ناتاشا ) وكما اخبرتكم سابقا قد استطاعت بوسيلة ما ان تحول جسدها بواسطة السحر الى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة .. وانها تخرج كل مائة عام لتقتل من يقتني اللوحة لاسباب مجهولة .. والمصيبة ان اليوم يصادف المائة عام الخامس منذ تاريخ اكتشاف اللوحة !! .
                              سكتت للحظة ثم أردفت قائلة بعصبية وتوتر بالغين ونحن نستمع اليها بذهول وخوف :
                              - بالطبع ستقولون ان كل هذا محض هراء .. ولكنني اقول لكم ان كل الاديان السماوية اكدت وجود السحر الاسود .. وعالم السحر ليس له أي مقاييس وانتم تعلمون ذلك جيدا .. فلا يوجد ما يمنع ان يستغل ساحر او ساحرة سحرهم لبلوغ هدف كهذا .. المشكلة الان ان اليوم يصادف الذكرى المئوية الخامسة من تاريخ اكتشاف اللوحة .. كنت اعرف ذلك .. لكنني لم اصدقة .. ولم اشأ ان اخيف الضيوف .. ولكن بعد ما رايت وبعد كل ماحدث .. اجد نفسي مضطرة لتصديق هذه القصة العجيبة المخيفة .
                              انتهت السيدة ( موريسا ) من كلامها . . وبالطبع كان حالنا مزريا . . فقد شحب وجه السيدة ( اوراد ) تماما .. في حين ارتعدت فرائص المدير وكان واضحا انه يرتجف بقوة وان حاول ان يخفي ذلك .. اما انا فقد شحب وجهي حتى ليخيل الي انني سأموت في أي لحظة من تلقاء نفسي دون ان يمسني احد ..
                              لحظات طويلة من الصمت المهيب لم ينبس فيها احد ببنت شفة .. الى ان قطعت حبل الصمت فجأة وقلت :

                              - لا اعرف مدى حقيقة تلك القصة .. ولكن الامر المؤكد هو وجود شخص ما في المنزل شاهدته السيدة ( موريسا ) . . و . .
                              لم اكمل كلامي فقد جال بذهني خاطر مروع سيجعلني أصاب بشلل لحظي لو كان صحيحا !!
                              سألت السيدة ( موريسا ) بحذر :
                              - هل انت واثقة ان الذي طعن السيد ( حامد ) هو امرأة غريبة الهيئة متشحة بالسواد كما أخبرتنا ؟! ..
                              هزت رأسها بالإيجاب ..
                              - لوكان ما قلتيه صحيحا عن اللوحة وعن المرأة التي قتلت السيد ( حامد ) طعنا فأن ..

                              لم اكمل كلامي .. فقد نهضت مسرعا الى ركن الصالة حيث لوحة ( الغابة السوداء ) معلقة على الحائط .. اذ لم تكن اللوحة مرئية من مكان جلوسنا في صالة الاستقبال .. كنت أتمنى ألا أرى ما أتوقعه . . و . .

                              يا للهوووووول ..


                              صرخت بقوة واصبت بعدها بالشلل اللحظي الذي أخبرتكم عنه للتو .. وتدلى فكي السفلي ببلاهة دون ان اشعر ..


                              جاءوا جميعا مسرعين ليعرفوا ماجرى .. وشهقوا بدورهم .. بل صرخوا جميعا في ان واحد وكاد ان يغمى عليهم .. حتى ان السيدة ( اوراد ) قد وقعت على الارض بالفعل لم تقو ساقاها على حملها بعد ما رأت فجلست على الارض مصدومة وهي تحدق في اللوحة ببلاهة .. اما السيدة ( موريسا ) فقد شرعت تصرخ بجنون وهستيريا .. في حين وضع الاستاذ ( ابراهيم ) يده على فمه كالنساء مانعا نفسه من الصراخ ..
                              كان مشهدا رهيبا لايوصف جمد الدماء في عروقنا فقد رأينا لوحة ( الغابة السوداء ) بكل تفاصيلها سوى اهم جزء منها ..
                              لم يكن هناك وجود للمرأة ذات الشعر الاسود الطويل التي تدير ظهرها لنا والموجودة في منتصف اللوحة !! .. وكان هذا كافيا لاصابتنا بالجنون ..
                              وقد رحت اردد كالمجنون بالفعل دون توقف :
                              - ستقتلنا .. ستقتلنا .. انه يومها .. لن ترتاح قبل ان تقتلنا جميعا !! ..
                              قام الاستاذ ( ابراهيم ) الذي بدأ واضحا انه يبذل جهدا خرافيا للحفاظ على تماسكة بتهدئة السيدة ( موريسا ) فكان يربت على كتفها مطمئنا وهو يحتضن زوجته بقوة ..
                              هل من المعقول ان تخرج ساحرة من لوحة كل مائة عام وتسفك الدماء ؟! .. ان الامر مروع
                              هل من الممكن بالفعل ان يستغل احدهم السحر لفعل شيء كهذا ؟! ..

                              كنت اشك في البداية بمدى مصداقية تلك القصة .. وظننتها واحدة من الاساطير التي يتناقلها الناس لا اكثر .. لكني فكرت قليلا وقلت لنفسي : لو كانت الساحرة ( ناتاشا ) تخرج من لوحة ( الغابة السوداء ) كل مائة عام كما يقال .. فهذا يعني انها موجودة خارج اللوحة لتقتلنا طالما ان اليوم يصادف الذكرى الخمسمائة من تاريخ اكتشاف اللوحة !! .. وهذا ماجعلني اجري ناحية اللوحة للتأكد من هذا الامر فلو كانت الاسطورة صحيحة وحقيقية فأن صورة الساحرة ( ناتاشا ) ليست من المفترض ان تكون موجودة في اللوحة .. وكان توقعي صحيحا كما هو واضح ..

                              عقلي يعمل بسرعة .. افكر كالمجنون ان اصح التعبير
                              لا ادري لماذا اشعر ان هناك امرا غير عادي في كل هذا وان الامر ليس كما تبدو .. هناك شيء غريب في مايحدث ..
                              نقطة بالغة الاهمية لم ننتبة اليها حتى الان ..
                              قال الاستاذ ( ابراهيم ) بحزم :
                              - يجب ان نكون نحن الاربعة في مكان واحد .. والا نترك بعضنا ابدا .. فطالما نحن في جماعة سنكون بمأمن .. اذ لم يتعرض لنا احد حتى الان ونحن معا ..
                              قالت زوجته وهي تجفف دمعها وتهز راسها موافقة
                              - ولكن متى سنجد مخرجا من هذا البيت الملعون ؟ .. لو ظللنا هكذا لساعة اخرى فسأجن .. ان ما حدث يكفي ليثري كوابيسي الى الابد ..
                              ساد الصمت للحظات وكل منا ينظر الى الارض بقلق وتوتر وترقب وقد كاد الحر الشديد والظلام ان يصيبانا بالجنون .. فضوء المشعل البسيط لايكفي لانارة المكان دعك من ان كل واحد منا يمسك به دوريا لان الامساك بذلك المشعل امر ممل جدا خاصة وانك تضطر ان تظل ضاغطا على زر الاشعال وان تكون حذرا الا تحرق شيئا ..
                              وهناك الحر الشديد بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتوقف جهاز التكيف عن العمل لاتنسى اننا في فصل الصيف ..
                              كنت انا من يمسك بالمشعل هذه المرة وكنت انا من قال بنفاذ صبر :
                              - لابد من عمل شيء .. لايمكننا الانتظار هكذا دون هدف .. اننا بمأزق حقيقي ولن يبدأ احد بالبحث عنا الا بعد ساعات من الان ويعلم الله ماقد يحدث في تلك الساعات القادمة .. كما ان هناك نقطة محيرة في كل مايحدث امرا غريبا جدا ..
                              عضضت شفتي في غيظ وانا اقول :
                              - ليتني اتذكر ..
                              صمت مطبق خيم على المكان ..
                              قالت بعدها السيدة ( موريسا ) بعصبية :
                              - ان هذا الظلام يكاد يصيبني بالجنون فلا يوجد لدينا سوى مشعل البوتاجاز هذا فلنبحث عن شموع قد تكون هناك شموع في مكان في المنزل او بطاريات .. ان الامر يستحق البحث ..
                              ردت السيدة ( اوراد ) مؤمنة على كلامها وهي لاتزال ملتصقة بزوجها :
                              - هذا حق .. ولكن .. نذهب معا .. او لا نذهب ..
                              وهكذا نهضنا جميعا وحواسنا متحفزة لاقصى حد كنا ملتصقين ببعضنا البعض متناسين كل قواعد اللياقة فها انذا امسك بكف السيدة ( اوراد ) في حين قد احاط زوجها كتفيها بذراعه اما السيدة ( موريسا ) فكانت تمسك بكف الاستاذ ( ابراهيم ) .. ولو كانوا يقولون لا حياء في الدين ولا حياء في العلم .. فانا اضيف واقول ان لاحياء في الرعب !! ..
                              بحثنا في كل مكان وفي كل غرفة الى ان وصلنا الى احد الغرف حيث يوجد دولاب كبير جدا يحتل حائطا كاملا .. كان واضح ان الغرفة عبارة عن مخزن او شيء من هذا القبيل .. فتحنا باب الدولاب للبحث عن شموع اضافية او أي وسيلة للانارة .. فأنبعثت صرخى رهيبة من افواهنا جميعا !! الن ينتهي هذا الرعب ابدا ؟! .. لقد رأينا جثتا الدكتور ( علي ) والسيد ( حامد ) متكومتين فوق بعضهما في الدولاب وكان هذا كافيا ليفقدنا صوابنا تماما !! .
                              اذ راحت السيدة ( اوراد ) تصرخ وتولول .. اما انا فقد شرعت - ومع كل اسف - ابكي كالنساء وقد فقدت السيطرة تماما على اعصابي .. في حين راح الاستاذ ( ابراهيم ) يرمق الجثتين في ذهول وقد سقط فكه السفلي لا شعوريا ..
                              واصيبت السيدة ( موريسا ) بحالة هستيريا حتى انها خرجت من الغرفة راكضة الى غير هدى وهي تصرخ بجنون .. وبعدها بلحظات وقبل ان نستوعب مايحدث

                              - النجدااااااااة

                              كانت هذه صرختها .. صرخت رعب والم هائلة وكأن احدهم يقتلع عينيها بمطواة .. خرجنا من الغرفة كالمجانين لنلحق بها .. بحثنا عنها في الغرف القريبة لنجدها بعد دقائق قليلة على ضوء مشعل البوتاجاز الذي لن يدوم اكثر من ساعة او اثنتين على ابعد تقدير جاحظة العينين ملقية عند ركن الغرفة .. واثار دماء على جسدها كان واضح انها قتلت !! ..
                              وقفنا مشدوهين لفترة لا نسمع فيها أي صوت سوى انفاسنا الاهثة وتوترنا .. نعم .. لقد شعرت للحظة انني اسمع صوت توترنا الشديد تخيل هذا ان تجد نفسك محبوسا في مكان ما في منطقة معزولة تماما وهناك شبح او روح ساحرة او شيء غير مادي ينتوي قتلك ..
                              لم نقترب من جثة ( موريسا ) فالدماء والعينان الجاحظتان قد لعبا دورهما واعطوا المنظر رهبه وجوا ثقيلا كالكابوس .. وهذا هو السبب نفسه الذي جعلنا لا نقترب من جثتي الدكتور ( علي ) والسيد ( حامد ) رحمهم الله جميعا .. لم يبق سوانا اطال الله بأعمارنا .. ثلاث اشخاص فقط ..انا والاستاذ ( ابراهيم ) وزوجته .. وفي منزل غريب قتل اصحابة على يد شبح !!

                              ياله من امر رهيب .. لن انسى تلك اللحظات المشؤمة ما حييت ..
                              ولكن .. هناك النقطة الغامضة التي مازالت تلح على ذهني .. والتي قد تكشف كل خيوط تلك الورطة وتنقذ حياتنا .. ولكن الخوف والتوتر يمنعاني تماما من التركيز .



                              كنا جالسين في صالة الاستقبال في حال مزري وقد لعبت حرارة الجو دورا كبيرا في جعل الامور اكثر سوءاً مما هي علية .. وقد كانت السيدة ( اوراد ) اسوانا حالا .. ولو كان لي مزاج رائق للمزاح لقلت انها متوفية تقريبا تنتظر فقط ان نعلن انها كذلك ..
                              نظرت الى ساعتي لاعرف الوقت .. مرت ساعتان تقريبا منذ بدأت تلك الاحداث الرهيبة .. ساعتان فقط ؟! .. ان الامر قد بدا لي وكأنه دهرا .. لانعرف ماذا نفعل .. ولا يجد احدا منا شيئا يقولة .. لذا فقد التزمنا الصمت .. وان كانت تلك النقطة الغامضة لازالت تشغل تفكيري .. احاول ان اراجع الاحداث مرة اخرى ..
                              قال الاستاذ ( ابراهيم ) وهو يزدرد لعابة ان بقي له لعاب اصلا :
                              - قصة السيدة ( موريسا ) عن الساحرة ( ناتاشا ) كانت رهيبة بالفعل .. انني ارتعد خوفا كلما اتذكرها .. روح ساحرة تفتك بنا واحدا تلو الاخر .. ولوحة ( الغابة السوداء ) الملعونة .. هل من الممكن ان يحول احد جسده الى صورة ؟! .. هل يستطيع الانسان بواسطة السحر فعل شيء كهذا ؟! ..
                              قلت له ببطء شديد وانا افكر بعمق :
                              - استاذ ( ابراهيم ) في الواقع ان هذا ممكن من الناحية العلمية ..
                              نظر الي وزوجته نظرة استفهام ..
                              فقلت كمن يلقي محاضرة :
                              - انتما تعلمان ان عالمنا يعتمد في كل مقاييسه واحجامه على ثلاثة ابعاد رئيسية .. وهي الطول والعرض والارتفاع .. فأي جسم في هذا العالم مهما بلغ حجمه له تلك الابعاد الثلاثة .. وهذه الابعاد هي ماتجعل الجسم لنا مجسما اما بالعين المجردة او حتى بالمايكروسكوب .. لقد خرج الكثير من العلماء بنظريات اخرى رباعية الابعاد واخرى ثنائية الابعاد وتلك الاخيرة تحتوي على بعدين الطول والعرض .. وتفتقر الى البعد الثالث وهو الارتفاع .. مما يجعلها تبدو كالصورة المرسومه فلما لاتكون الساحرة ( ناتاشا ) قد نجحت بواسطة السحر الاسود ان تنتقل الى عالم ثنائي الابعاد وقد تكون لوحة ( الغابة السوداء ) بوابة الدخول الى ذلك العلم .
                              سألتني السيدة ( اوراد ) :
                              - ولكن كيف تستطيع الساحرة ( ناتاشا ) ان تعيش كل هذه الاعوام ؟ ..
                              قلت لها متوقعا هذا السؤال :
                              - نحن لانعرف شيئا عن طبيعة مرور الزمن في العالم ثنائي الابعاد ..
                              قال الاستاذ ( ابراهيم ) :
                              - ولكن هذا يبدو لي أمرا خياليا مستحيلا ..كيف يستطيع انسان أن يفقد احد ابعاده ويتحول الى مجرد رسم في لوحة ؟ .. لا استطيع ان اصدق حرفاً من هذا ..
                              قلت له بنفاذ صبر :
                              - ولماذا لا تصدق ؟! لانعرف ابدا حدود السحر .. لقد قرأت من قبل قصص وحكايات حقيقية عن السحر يشيب لهولها الولدان ..
                              هنا صاحت السيدة ( اوراد ) :
                              - ولماذا لانحطم اللوحة ؟ .. الم يكون هذا حلا للمشكلة ..
                              قلت لها متوقعاً هذا السؤال ايضا :
                              - هنا تكمن المشكلة .. فالساحرة موجوده في عالمنا بل ومعنا في المنزل .. ولن يضيرها ان تتحطم اللوحة وهي خارجها .. كل ما سيحدث هو انها ستفقد وسيلة العودة ولكن ليس قبل ان تقتلنا ..
                              عندما قلت الجملة الاخيرة اقشعر بدني .. فلو كانت نظريتي حقيقية فأننا في ورطة حقيقية .. ولكن .. انا نفسي غير مقتنع بنظرية العالم ثنائي الابعاد تلك .. اشعر - مجرد شعور- ان الامر اعقد من ذلك بكثير .. لازلت اجد هناك امرا غريبا في كل ما يحدث .. امرا بديهيا لكننا لم نلاحظة حتى الان .. اما بسبب الخوف والظلام وحرارة الجو التي جعلتنا نبدو وكأننا قد عدنا للتو من ( الربع الخالي ) في فصل الصيف .. او لاننا اغبياء ..
                              وما حدث بعد ذلك بلحظات زاد من هول الموقف .. فقد رأينا مشهدا مرعبا رهيبا ارتعدت له فرائصنا .. فقد مرت امامنا فجأه امرأة ترتدي ثوبا اسود طويلا !! .. وشعرها الاسود الطويل يخفي الكثير من ملامحها .. وكانت تحمل سكيناً كبيراً ملطخاً بالدماء !! .. مرت امامنا بهدوء مهيب دون ان تلتفت الينا او تصدر أي صوت .. ودخلت الى غرفة اخرى كان بابها مفتوحاً واختفت عن الانظار !! .. ولكم ان تعرفوا ان عروقنا قد تجمدت .. بل انفجرت من شدة الرعب والهلع .. فقد تدافعنا الى السلم ونحن نصرخ وعلامات الرعب منقوشة وليست مرسومة لنصعد الى الطابق العلوي الى غير هدى .. واستمر تداعنا الى ان دخلنا الى واحدة من الغرف التي يزخر بها المنزل في الدور الثاني ونحن نلهث وقلوبنا تتواثب كالقردة الصغيرة .. واغلقنا الباب على انفسنا ليجلس كل منا في جانب ملصق ظهره الى الحائط .. صوت بكاء السيدة ( اوراد ) الهستيري يكاد ان يصيبني بالجنون في حين استطيع ان اتبين ملامح الاستاذ ( ابراهيم ) وهو يبدو مصدوما يمنعه وجود زوجته من ان يولول كالنساء ...
                              عقلي يعمل بسرعة .. وانا ارجع واكرر .. هناك شيء ما لم ننتبه اليه .. مازالت تلك النقطه البديهيه التي اخبرتكم عنها تشغل عقلي .. ااااه لو تذكرت .. اشعر بأنني قادر على فك رموز هذا اللغز العجيب .. وان الامر كما اخبرتكم اكبر واشد تعقيدا بكثير من قصة لوحة ( الغابة السوداء ) والساحرة ( ناتاشا ) .. ولكن ماهي هذه النقطة المفقوده ؟! .. اشعر انكم مللتم وانا اتحدث مرارا عن تلك النقطة الغامضه التي اعجز عن تذكرها .. ولكن ما باليد حيله .. فقد كان هذا مايدور في ذهني طوال الوقت ..
                              سألتني السيده ( اوراد ) بصوت مرتجف :
                              - اين تظنونها قد ذهبت ؟
                              رد عليها زوجها بحنق :
                              - الى المكان الذي جائت منه طبعا ..
                              ثم تنهد بقوة وهو يقول :
                              - ان كل هذا يحطم الاعصاب .. يجب ان نفعل شيئا .. سنقتل او نموت من هول ما رأينا وسنراه .. ولو يعود التيار الكهربائي فحسب .. سيصبح الامر اهون بكثير .. ان الظلام يعطي كل ما يحدث طابعا كابوسيا ويجعل الامور اكثر سوءً ..
                              قلت له بشرود :
                              - نعم .. لو يعود التيار الكهربائي ..
                              ثم التفت كالملسوع ناحية الاستاذ ( ابراهيم ) .. وصحت بصوت مرتفع :
                              - يا الهي .. التيار الكهربائي .. يالغبائي كيف لم انتبه لهذا منذ البداية ؟! ..
                              نظرا الي بأستغراب .. وصاحت السيدة ( اوراد ) :
                              - ماذا تعني ؟
                              قلت لها بعصبية بعيدا عن كل قواعد اللياقة :
                              - دعوني افكر قليلا ..
                              ظللت صامتا لحظات راجعت فيها كل الاحداث .. وكل ما مررنا به اليوم منذ بداية الحفل .. واضعا بعين الاعتبار انقطاع التيار الكهربائي .. وضهور الساحرة ( ناتاشا ) ..
                              ثم صحت بهم :
                              - انتظروني .. لا تتحركوا من اماكنكم .. سأعود بعد قليل ..
                              خرجت من الغرفة مسرعا الى الغرفتين الاخرتين حيث وجدنا الجثث الثلاثة .. عندها فقط تنهدت بارتياح .. ان استنتاجي منطقي تماما ويوجد الان ما يأيده !! .. عدت بهدوء الى الاستاذ ( ابراهيم ) وزوجته وانا ابتسم وقد زال خوفي تماما وسط دهشتهما الشديدة :
                              - اعتقد انني عرفت ما يجري هنا ..
                              نظرا الي بغباء لا الومهما عليه .. فأكملت قائلا :
                              - اعتقد انني كشفت سر الاحداث التي تجري في هذه المزرعة .. وهذا البيت الملعون ..



                              استمرت نظراتهما المتسائلة .. فأردفت :
                              - حسنا دعوني اخبركم بما لدي .. انك انت يا استاذ ( ابراهيم ) من قادني الى كشف الغموض المحيط بكل الاحداث المخيفة ..
                              قال بدهشة :
                              - انا ؟! .. كيف ؟! .. واي غموض هذا الذي تتحدث عنه ؟! ..
                              لم ارد على اسألته .. وقلت :
                              - بالمناسبة .. عندما تركتكم للتو .. كنت قد ذهبت اتفقد الجثث .. لكني لم اجد احدها ..
                              نظر الي بدهشة .. وصاح استاذ ( ابراهيم ) بذعر :
                              - ماذا تعني .. هل سرقت الساحرة ( ناتاشا ) احدى الجثث مثلا ؟!
                              ابتسمت قائلا :
                              - لا .. ان الامر اعقد من ذلك بكثير
                              تنهدت وقمت اروي لهما استنتاجي :
                              - كنت طوال فترة انقطاع التيار الكهربائي احاول ان اتذكر امرا بالغ الاهمية .. نقطة بديهية لكن احد منا لم ينتبه اليها مع الاسف .. فبعد انقطاع التيار الكهربائي بفترة رأينا جميعا السواتر الحديدية تنزل لتقفل علينا الابواب والنوافذ .. هل يبدو لكم هذا عمل ارواح واشباح ..
                              ثم قلت بشيء من السخرية :
                              - قرأت الكثير عن الاشباح لكني لم اقرأ ابدا عن اشباح تقوم بترتيب سواتر حديدية قد تعمل بضغطة زر من خلال دائرة كهربائية منفصلة عن تلك التي تمد المنزل بالكهرباء ..
                              نظر الي الاستاذ ( ابراهيم ) وزوجته ببلاهه .. وغمغمت السيدة ( اوراد ) :
                              - حقا .. كيف لم ننتبه الى هذه النقطة ؟! ..
                              قلت مؤمنا على كلامها :
                              - لا ادري لماذا لم ننتبه الى هذه النقطه في بادئ الامر .. لقد تذكرت هذا عندما تحدثت يا استاذ ( ابراهيم ) قبل قليل عن اهمية عوده التيار الكهربائي ...
                              سألتني السيدة ( اوراد ) :
                              - وما الذي يعنيه هذا ؟؟ ..
                              - يعني الكثير ياسيدتي .. يعني ان كل ما يجري هنا هو عمل انسان اجرامي بحت لا علاقة له بالاشباح او السحرة .. ان الامر يتعلق بمجرم نفذ خطته لأسباب مجهولة ولدوافع لم نكشفها حتى الان .. شخص ما قام بتركيب تلك السواتر الحديدية على ان تعمل بدائرة كهربائية منفصلة عن تلك المتصلة بالمنزل كما ذكرت لكم .
                              قال المدير بحيرة :
                              - ولكن من ؟ .. من يستفيد من حمام الدم هذا ؟ .. ان الدكتور ( علي ) رحمة الله لاتربط بينه وبين السيد ( حامد ) أي علاقة عمل .. انهم فقط اصدقاء .. من سيستفيد من مقتل الدكتور وصديقة .. بل والسيده ( موريسا ) ايضا ؟..
                              قلت له :
                              - كما اخبرتكم .. لا اعرف الدافع .. ولكن على الاقل اعرف من وراء تلك الاحداث .. هناك اسألة كثيرة تطرح نفسها .. ولا تتجه اجابتها الا لشخص واحد فقط .. مثلا :
                              1 . لقد خرجت قبل قليل لابحث عن جثتي السيد ( حامد ) والدكتور ( علي ) .. وقد وجدت الجثتين ... وعندما ذهبت للبحث عن جثة السيدة ( موريسا ) لم اجدها على الاطلاق .. لماذا ؟!
                              2. رأينا جميعا الساحرة ( ناتاشا ) تمر امامنا بشكل استعراضي .. وانا اتسائل : ما الذي جعلها تفعل هذا ؟! .. لماذا لم تقتلنا نحن ايضا .. كانت فرصتها ذهبية لقتلنا مع حالة الهلع التي اصبنا بها بعد رؤيتنا لها .. ولكنها لم تفعل شيئا سوى الظهور ثم الاختفاء .. لماذا ؟! ..
                              3 . والسؤال الاهم : من يستطيع فعل كل هذا ؟ ..
                              والى جانب تلك الاسألة .. هناك ايضا نقطة هامه جدا تتعلق بقصة لوحة ( الغابة السوداء ) العجيبة .. واختفاء صورة الساحرة منها .
                              جميع هذه الاسألة والنقاط توجه الاتهام الى شخص واحد فقط ..
                              سكت قليلا لأسيطر على انفعالي ثم اكملت :
                              - من المؤكد انه شخص يستطيع التنقل من غرفة الى اخرى بسهولة .. شخص يحفظ مكان الغرف عن ظهر غيب .. اليس كذلك ؟.!
                              صمت قليلا استعداداً لتفجير قنبلة .. وقلت بصرامة :
                              - ان الفاعل هو السيدة ( موريسا ) !! ..
                              انتفضا بقوة .. وراحا يرمقاني بدهشة .. ثم قال الاستاذ ( ابراهيم ) :
                              - اعتقد انك تسرعت قليلا يا ( خالد ) .. لقد ...
                              قاطعته دون مراعاة لقواعد اللياقة .. واكملت :
                              - بالعكس .. انا واثق من استنتاجي .. لقد ارادت ( موريسا ) ان توهمنا بموتها .. لذلك سمحت لنا بمشاهدة جثتها المزعومة .. والدماء التي على جسدها انا واثق انها لم تكن دمائها .. بل هو مجرد لون او صبغة .. لقد كان موتها مجرد تمثيلية .. والا فلماذا اختفت جثتها ولما تختف جثة الدكتور ( علي ) والسيد ( حامد ) رحمهما الله ؟! .. كانت هذه هي النقطة الاولى .. وهناك النقطة الثانية شديدة الاهميه والمتعلقه برؤيتنا للساحرة المزعومه ( ناتاشا ) .. لقد خرجت من مكان ما من المنزل ومرت من امامنا بشكل استعراضي دون ان تفعل أي شيء .. ولو سألتماني رأيي فأنا اقول ان السبب الوحيد وراء هذا هو ... انها كانت تريد شهود على ان اسطوره لوحة ( الغابة السوداء ) حقيقية وان الساحرة او شبحها قد ظهر ليفسك الدماء .. وعندها بالطبع سيخاف الناس هذا المنزل كثيرا ولن يجرؤ احد على الاقتراب منه .. وسيصبح منزلاً للاشباح تحاك حوله القصص .. ولا تسألوني لماذا فعلت ( موريسا ) كل هذا .. فانا - كما اخبرتكم - لا اعرف الدافع حتى الان .. اما موضوع لوحة ( الغابة السوداء ) فلا تنسوا ان كل ماسمعناه وكل ما كان يعرفه الدكتور ( علي ) عنها قد جاء ذكره على لسان ( موريسا ) التي استغلت الاساطير التي تحاك حول لوحة ( الغابة السوداء ) - ان كان لها وجود اصلا _ لتحقق مارب لا نعرفها .. اما عن اهم نقطه وهي كيفية تنقلها من الطابق الارضي الى الطابق الاعلى بسهولة ويسر دون ان نراها للقيام بتبديل ثيابها والتنكر بشخصية الساحرة ( ناتاشا ) للقيام بجرائمها فانا هنا استعيد عبارة التحري الشهير ( شيرلوك هولمز ) عندما قال : (( عندما نستبعد المستحيل فأن ما يتبقى لنا هو الحقيقة مهما بلغة غرابتها ))
                              سألتني السيده ( اوراد ) بحيره :
                              - وما الذي يعنيه هذا ؟! ..
                              قلت لها مبتسما :
                              - كيف تستطيع ( موريسا ) التنقل بهذه السهولة من مكان لاخر دون ان نراها ؟ .. كيف قتلت زوجها ووجدناها بعدها بفترة قصيرة في المطبخ ؟ .. كيف ترتدي ثوبها الاسود وشعرها المستعار الطويل في أي وقت تشاء لتضرب ضربتها ؟.. وبما ان هذا هو المستحيل فستبقى امامنا الحقيقة مهما بلغت غرابتها - كما يقول ( شيرلوك هولمز ) - وهي ان في هذا المنزل ممرات سرية تستغلها (موريسا ) لتحقيق ماربها .. اعرف ان الفكرة مجنونه .. ولكنها منطقية للغاية .. بل هي الحل الوحيد .. وكأننا في واحده من قلاع اوروبا التاريخية التي تزخر بالممرات السرية .. وهناك نقطة هامه تذكرتها الان .. فعندما سمعنا صراخ الدكتور ( علي ) رحمه الله من الطابق العلوي .. سمعنا بعدها صوت ( موريسا ) وهي تستنتج بنا من المطبخ .. وانا الان اتذكر جيدا اننا لم نسمع صوت ( موريسا ) الا بعد فترة طويلة نسبيا .. لقد قتلت زوجها بسرعه وتخلصت من ثيابها التنكرية وشعرها المستعار وهبطت من خلال احد الممرات السرية الى المطبخ لتمثيل دور الزوجة التي فجعت لصراخ زوجها .. لقد فعلت كل هذا بسرعه تحسد عليها بالفعل .. ولكن _ ومع ذلك _ كانت هذه النقطة بالذات ثغره واضحه .. فأستنتاجها بنا جاء بعد فترة طويلة نسبيا - كما ذكرت لكم - من مقتل زوجها .. لكن احداً منا لم ينتبه الى هذا الامر .. وانا واثق انها قد استغلت العامل النفسي استغلالا جيداً .. فبعد انقطاع التيار الكهربائي وبعد سماعنا لصراخ الدكتور ( علي ) كان من الصعب على أي منا ان يلاحظ ان ( موريسا ) قد تأخرت قليلا في مناداتها لنا ..
                              وفجأه .. فتح باب الغرفه .. لاسمع صوتا يقول بجذل :
                              - احسنت يا ( خالد ) انك محلل بارع بالفعل ..
                              لم يكن هذا سوى صوت القاتلة ( موريسا ) زوجة الدكتور ( علي ) رحمه الله .. التفتنا جميعا واذا بها واقفه عند باب الغرفه وهي تبتسم ابتسامه مخيفه تختلف تماما عن ابتسامتها الرقيقة التي كانت تصطنعها خلال الحفل .. كانت تصوب الينا مسدسا صغيرا .. وفي يدها الاخرى مصباحا قويا انار المكان كله .. وقفنا جميعا في تحفز .. فنظرت الينا بأبتسامتها الشرسه .. واردفت :
                              - انك لست محلل بارع فحسب .. بل انت عبقري يا ( خالد ) لقد حدثنا الاستاذ ( ابراهيم ) عنك وعن ذكائك برغم صغر سنك .. ان الامر يحتاج الى عقلية غير عادية لكشف كل ما يحدث ولكنك رغم ذلك لست ذكيا بما فيه الكفاية .. اذ لم تعرف حتى الان الدافع وراء ما جرى ..
                              قلت لها بتحد وقد زالت معظم مخاوفي كون ان مانواجهه ليس شبحا .. بل انسان .. علما بأن هذا قد يكون اشد خطراً على حياتنا :
                              - ومن يهتم بأفكار ودوافع معتوهه مثلك ؟! ..
                              ظلت تنظر الينا نظره ساخره استفزت الاستاذ ( ابراهيم ) حتى انه صرخ بها كالمسعور :
                              - وما هو دافعك وراء كل هذا ؟! .. لقد قتلتِ افضل اصدقائي .. وسببتي لنا رعبا مابعده رعب .. لماذا ؟؟ .. لماذا ؟؟ .
                              لكنها لم تهتم اطلاقا بثورته .. وقالت وهي تبتسم بقسوه جعلت من وجهها الجميل اكثر قبحا من أي وجه اخر رأيته في جياتي :
                              - هل تعرفونني ؟؟ .. بالطبع لا .. طوال الحفل كنتم تتغامزون وتتحدثون عن سبب زواج تلك الاجنبة الصغيره بذلك الكهل الذي هو في عمر ابيها .. انتم لا تعرفون شيئا .. واكرر لازلتم تجهلون الدافع وراء كل ما يجري .. سأخبركم انا بكل شيء وان كنت لا اتوقع منكم ان تصدقوا حرفا مما سأقول .. ولكنني استطيع اثبات كلامي بسهولة ..



                              ثم صمتت قليلا كمن يستعد لالقاء مفاجأة غير متوقعة .. وهزا ما فعلته حقا .. فقد فجرت قنبلة عندما قالت بضحكتها الاستفزازية :
                              - ان الواقعة أمامكم هي زوجة الدكتور ( علي ) بالفعل ولكنني لا أدعي ( موريسا ) .. انني
                              من يطلقون عليها اسم : الساحرة ( ناتاشا ) ..والتي عرفتم قصتها أثناء الحفل !!..
                              صاحت بها السيدة ( أوراد ) بعصبية بالغة :
                              _ كفي عن التلاعب بنا والسخرية والاستهزاء ..
                              _ ان ما أقوله لكم هو الحقيقة .. أنا الساحرة ( ناتاشا ) .. وأنا أبلغ من العمر ما يقارب الخمسمائة وأربعون عاما .. انها الحقيقة .. فكل خمسون عام تمر على العالم تساوي في جسدي عام واحدا فقط .. فقد توصلت الى السر .. سر الخلود .. حلم البشرية منذ الأزل ..
                              قلت لها بصرامة :
                              _ الخلود لله وحده .. لا يوجد أحد لا يموت .. وان كانت هذه خدعة جديدة ف ..
                              قاطعتني وهي تقول ببساطة :
                              _ ألم أخبركم بأنكم لن تصدقوني ؟.. انها الحقيقة .. ولا يوجد سبب يجعلني اكذب عليكم بعد ان انكشفت كل الاوراق .. ثم من قال انني سأعيش للأبد ؟ .. سأموت يوما ما بالطبع .. لكني سأعيش طويلا .. طويلا جدا .. قد اعيش لألفي او ثلاثة آلاف عام قبل ان اموت .. وانا بالمناسبة لست ساحرة .. انما اخبرتكم بذلك كي اثير جوا من الرعب والغموض حول قصة لوحة ( الغابة السوداء ) فأنا فالواقع كيميائية امارس ماكان يطلق عليه في القرون الوسطى اسم :
                              علم ( الخيمياء ) وهو ما يطلق عليه في زماننا الحالي اسم ( الكيمياء القديمة ) لقد تمكنت من بناء بيت متواضع هو اقرب الى الكوخ .. وقمت بتزويده بكل ما يلزمني للاستمرار بأبحاثي التي بدأتها على الفئران والارانب .. كنت احلم طوال الوقت بالتواصل الى سر الخلود .. ودرست الجسد البشري لسنوات طويلة .. كما درست تركيب دم الإنسان حتى توصلت الى فصائل الدم المختلفة والمعروفة حاليا قبل ان يتوصل اليها العلماء بزمن طويل .. وعندما كشف العلماء وجود فصائل الدم كنت اضحك في سري لشدة غبائهم فقد سبقتهم الى هذا الانجاز قبل حتى ان يفكروا به ..
                              ثم صمتت وكأنها تسترد ذكرى مريرة .. وقالت :
                              - مرت بعدها سنوات طويلة من العمل اليومي بلا توقف او انقطاع تقريبا .. كم من محاولات فاشلة غصت فيها .. كم من احباطات عشتها وانا وحيدة اعيش في تلك الغابة بعيدة عن الناس الذين كانو يظنوني ساحرة .. وبعد اكثر من عشرون عاما تقريبا من العمل الشاق والسعي المتواصل توصلت الى تركيبة كيميائية تستخدم فيها ثلاثون لتر تقريبا من دم الانسان لصنع الاكسير .. لا احتاج الدم بصورته الاوليه بالطبع .. بل احتاجه كمادة خام .. تماما كما نحتاج الى الحديد الخاك لنصنع الآلات الحديثة .. وعندما توصلت الى اكسير الشباب كان المركب الكيميائي يكفي لإبقاء شبابي خمسة اعوام تقريبا .. أي ان كل خمسة اعوام كانت تمر على العالم تساوي عاما واحدا في جسدي .. وخلال سنوات قليلة تطورت ابحاثي كثيرا .. وتطور اكسير الشباب الدائم ليكون اكثر فاعلية .. لتصبح كل خمسين عاما تمر على اجسادكم تساوي عاما واحدا في جسدي .. كل هذا بكميات قليلة من الدماء لا تتجاوز العشرة لترات .. وهي قليلة بالفعل مقارنة مع كمية الدماء التي كنت احتاجها في البداية ..
                              لم ننتبه الى انتهائها من الكلام الا بعد لحظات .. فقد كنا ننظر اليها في بلاهة .. يا الهي !! .. لو قمت بتأليف رواية حول موضوع كهذا لاتهمني الناس بالإغراق في الخيال .. فما بالكم انني اراه حقيقة واقعة امام عيني ..
                              كنت اول من افاق من هول المفاجأة .. بل الصدمة !! .. وقلت وعلامات التفكير تبدو على وجهي .. فأنا اعرف تماما كيف ابدو حين افكر :
                              - اعتقد انك قتلت الدكتور ( علي ) والسيد ( حامد ) لأنك كنت تريدين جثتين كي تستخلصي منهما عشرة لترات من الدم .. فكمية الدماء الموجوده في جسم الإنسان تساوي ستة لترات تقريبا كما اعلم ... هذا مفهوم .. واعتقد انك قتلت زوجك مع صديقة السيد ( حامد ) لأن فصيلة دماؤهما تشبه فصيلة دمك .. هذا هو التفسير الوحيد لاختيارك لدمائهما على وجه التحديد .. والأمر سهلا جدا في معرفة فصيلة دم زوجك .. ولكن كيف عرفت فصيلة دم السيد ( حامد ) ؟! ..
                              ابتسمت باعجاب شديد كان سيروق لي كثيراً في ظروف أخرى :
                              _ أنك فعلا ذكي يا ( خالد ) .. لقد كشفت الكثير من الحقائق المتعلقة بالامر .. وعرفت أنني كنت بحاجة بالفعل الى فصيلة دم شبيهه بفصيلة دمي ..
                              قلت لها ببرود :
                              _ الأمر واضح .. وإلا كنت قد قتلت الخدم مثلا للحصول على دمائهم ..
                              استمرت نظرات الاعجاب باستنتاجاتي المتواصلة طبعا ليس بوسامتي واكملت قائلة :
                              - بالنسبة لفصيلة دم السيد ( حامد ) فقد عرفتها لانه من المترددين على عيادة زوجي .. وكل معلوماته متوفرة في ملفه الخاص في الكمبيوتر .. ولم يكن من الصعوبه معرفة امرا كهذا ..
                              قلت لها بشيء من الحدة :
                              - اذا فلوحة ( الغابة السوداء ) كانت كذبة قمت بإختراعها لأنك كنت بحاجة الى شهود يخبرون رجال الشرطة بأن البيت مسكون بالجن مثلا .. وكنت بحاجة بمن يشهد بأننا رأيناك مقتوله حتى تبتعد عنك الشبهات حين تختفي جميع الجثث ...
                              ابتسمت بفخر وهي تقول :
                              - الفكرة كلها من ابتكاري .. اصدقكم القول انني كنت اشعر باستنتاع لا مثيل له وانا اثير الخوف في قلوبكم واتلاعب بكم .. ولن ابالغ لوقلت ان احد دوافعي كان استمتاعي الشخصي بما سيحدث .. لقد قمت بالتخطيط للامر جيدا واعددت لكل شيء اعدادا دقيقا وتدربت على القيام بكل مراحل الخطة من بدايتها .. فقد طلبت من احد الرسامين في اوروبا ان يرسم لي تلك اللوحة بتفاصيلها التي تعرفونها .. وطلبت منه رسم لوحة اخرى تحتوي نفس التفاصيل بأستثناء الساحرة ( ناتاشا ) .. وبعد ان حصلت على هاتين اللوحتين طلبت من احد مزوري اللوحات ان يعرضهما بدرجات حراره مرتفعه ومعاملات كيميائيه خاصه حتى تبدوان وكأنهما مرسومتان منذ قرون .. وهذا اسلوب مألوف يستخدمه رسامي اللوحات المزيفه .. وهكذا انتظرت حتى تحين اللحظه المناسبه .. وقد حانت عندما قرر زوجي دعوة اقرب اصدقائه بمناسبة شرائه لهذه المزرعه الكبيرة والانتهاء من بناء هذا المنزل الشبيه بالقصر .. ثم قمت بعدها بأعداد كل شيء كما ذكرت يا ( خالد ) ..
                              - ياللدهاء .
                              قالتها السيده ( اوراد ) بأشمئزاز .. فنظرت اليها ( موريسا ) نظرة ساخرة .. وضحكت عابثة مستفزة كانت اسوأ بالنسبة لنا من صفعة على قفانا ..
                              حتى انني سيطرت على اعصابي بصعوبة بالغة وانا اسألها :
                              - ولكن كيف عرفت بأن الاستاذ ( ابراهيم ) سيتركك تذهبين مع السيد ( حامد ) عندما قمتم بالبحث عن زوجك ؟!
                              مرة اخرى ابتسمت في اعجاب لأسألتي الذكية كما تقول واردفت :
                              - لقد اعتمدت كثيرا على العامل النفسي.. فلن يطلب مني احد الذهاب مع الاستاذ ( ابراهيم ) ان اخترت الذهاب مع السيد ( حامد ) كي استفرد به وأقتله .. كنت واثقة من ان احدا منكم لن ينتبه الى هذه النقطة في حينها بسبب الجو العام الملئ بالتوتر والغموض الى جانب الظلام الذي كان له حضورا لاينكر .. لم اكن اود قتلهما بصورة تقليدية .. خاصة حين يتعلق الامر بزوجي لأن كل الشكوك بعدها ستحوم حول الزوجة الاجنية الشابة التي سترث الأموال من هذا الكهل وسيتسائل رجال الشرطة عن سبب زواجي منه وعن امور كثيرة قد تكشفني .. ان رجال الشرطة في أي بلد جبابرة وليس من مصلحتي إقحامهم في القضية ..
                              سألتها مرة اخرى عن اهم نقطة متعلقة بهذه القضية الرهيبة :
                              - كيف تزوجت من الدكتور ( علي ) ؟ ..
                              - زواجي من الدكتور ( علي ) كان امرا سهلا .. فقد كان في بعثة علمية في ( باريس ) والتقيت به هناك وقمت بجمع كل المعلومات الممكنة عنه .. وعرفت انه يحمل فصيلة دم شبيهة لفصيلة دمي .. وانه ثري .. وهذا اهم ما في الامر !! .. فأنا لا اعمل .. وفي نفس الوقت احتاج الى المال اكثر من أي شيء .. لن اعيش فقيرة ابدا .. اريد ان استمتع بحياتي بعد سنوات طويلة من الوحدة عشتها في الغابة .. لذا كنت اوقع الاثرياء خصوصا كبار السن في شراكي مستغلة جمالي .. لأنهم يدفعون بسخاء فلا يحلم احد منهم ان يحصل على فتاة تبدو لهم بالعشرينات من عمرها .. وهذا ما ظللت افعلة .. في البداية كنت اقتل ازواجي وجميع افراد القصر من خدم وغيرهم .. وكنت احيانا كثيرة اقع في مأزق .. إذ لم يكن من السهولة معرفة فصيلة دم الناس دون ان اقتلهم اولا .. لذا فقد قتلت الكثيرين الذين لم استفد من موتهم مع الاسف ..



                              الجزء الاخير ....



                              غمغمت ببغض :
                              - يا للحقارة ..
                              لم تكترث لهذه الاهانة وأكملت قائلة :
                              - أما في الزمن الحالي فمعرفة فصيلة دم الأنسان من أسهل الأمور .. لقد كنت أحتاج إلى دماء من

                              فصيلة (b+) - وهي فصيلة دمي - وأحتاج إلى موت زوجي كي أحصل على أمواله لأعيش برفاهية

                              لأعوام طويلة .. وبحثت في ملفات زوجي الطبية عن مرضاه الذين يترددون على عيادته فوجدت أن

                              هناك الكثيرين ممن يحملون تلك الفصيلة .. منهم السيد (حامد) .. وخططت لإبقاء السيد (إبراهيم) و

                              زوجته حتى يكونا شهوداً على أن المنزل مسكون بالأشباح وأنهم شاهدوني قتيلة .. و عندما حضرتم

                              إلى الحفل برفقة (خالد) زاد الأمر من بهجتي .. فهذا معناه وجود ثلاثة شهود وليس اثنان .. ولاأنسى

                              أن أخبركم بأنني قد طلبت من زوجي إبقاءكم على أن هناك أمرا نود إخباركم به .. كنت قد أخبرت

                              زوجي بأنني أرغب أن تبقوا لأنني أحمل لكم مفاجأة .. كون أن الأستاذ (إبراهيم) والسيد (حامد) هما

                              أفضل أصدقائه .. لقد اعتقد زوجي أن الأمر لايتعدى هدية سأقدمها لكما باسمه .. ولم يكن بالطبع

                              يتوقع ما حدث ..
                              صمتت قليلاً لتلتقط أنفاسها .. ثم قالت :
                              - نسيت أن أخبركم بأن أكثر التحف واللوحات الفنية مزيفة .. لقد خدعت زوجي من أجل الحصول على

                              أكبر قدر من أمواله ..

                              وأضافت بشيء من البغض :

                              - لقد كان حريصا جداً على أمواله .. و يخشى أن ترتبط به امرأة من أجل الحصول على حصة من ثروته وليس حباً به .. فكان يجعلني أوقع على تنازل عن كل شيء يشتريه لي من مصوغات و مجوهرات .. تصوروا هذا !!.. لذا فلم أجد أمامي حلاً سوى المقتنيات الأثرية الثمينة .. كنت أكذب عليه وأخبره بأنني أعشق اقتناء اللوحات الفنية و القطع الأثرية .. وأنها هوايتي المفضلة .. وكنا نذهب معاً في بعض الأحيان لشراء بعضاً من هذه الآثار .. وأحياناً أخرى كان يتركني اشتري مايروق لي .. ولكن بالطبع كل شيء مسجل باسمه هو ولا نصيب لي بشيء إلا في حالة موته .. تخيلوا هذا ؟!! .. حاولت أن أقنعه بأنني أحبه ولكن هذا لم يكن كافياً لكسب ثقته الكاملة .. نعم .. كان يحبني ولكنه لم يثق بحبي له ..
                              غمغمت ببغض :
                              - وقد كان محقاً بهذا ..
                              رمقتني باستخفاف .. ثم أردفت :
                              - ولم أجد وسيلة لسلبه نقوده سوى شراء بعض التحف واللوحات الفنية المزورة .. فمثلاً لوحة (الغابة السوداء) لم يكلف رسمها مئات الدولارات .. في حين اعتقد زوجي أن ثمنها نصف مليون دولار .. وبالطبع كنت أحصل على تلك النقود وأدخرها وأعطي البائع الذي يعاونني على خداع زوجي مبلغاً معيناً يتم الاتفاق عليه مسبقاً .. وهكذا أواصل جمع المال لتكون عندي ثروة استمتع بها لسنوات طويلة قادمة .. وبعدها أبدأ من جديد رحلة الحصول على رجل يملك أهم صفتان .. الثراء .. وفصيلة دم شبيهة بفصيلة دمي..
                              صمتت و كأنها انتهت للتو من إلقاء محاضرة شائكة .. فسألتها :
                              - وماذا عن الممرات السرية ؟ .. أنا واثق الآن من وجودها ..
                              قالت بإعجاب شديد :
                              - إن هذا بالذات ما جعلني أصفك بالذكاء .. بالنسبة للممرات السرية .. فهي موجودة بكثرة في المنزل .. وأعرفها جيداً و أحفظ مكانها عن ظهر قلب .. وقد أغويت المهندس الذي قام ببناء المنزل بصنعها .. أوهمته أنني أحبه .. ولم يكن زوجي يتابع عملية بناء المنزل .. فقد اشترى المزرعة و أوكل للمهندس أن يبني المنزل بالطريقة التي تروق لي .. ولم يتوقع زوجي بالطبع أنني سأطلب من المهندس صنع ممرات سرية .. ولن تعرفوا أبداً أين هي تلك الممرات .. ثقوا بهذا ..
                              سألتها و ذهولي لم يفارقني :
                              - لماذا لا تشتري الدماء بأموالك ؟ ..
                              - هذا مستحيل تقريباً .. فيجب ألا يمر على شفط الدماء من الجسم أكثر من خمس ساعات حتى تكون صالحة لصنع إكسير الشباب .. لن أخبركم بالمزيد .. خاصة فيما يتعلق بصناعة الإكسير .. فهو سري الخاص ولن أبوح به لأحد أبداً .
                              انتهت من شرحها الطويل .. و ظللنا مشدوهين ننظر إليها ببلاهة .. يا إلهي .. إن هذا أمر يفوق التصور بالفعل .. حتى أن (موريسا) أو (ناتاشا) - أو أياً كان اسمها - قامت تبتسم بفخر ..
                              ثم قالت شيئاً لم أتوقعه على الإطلاق :
                              - يمكنكم الرحيل إن أردتم .. فأنتم لا تشكلون أي خطر علي .. ولا أعتقد أنكم ستخبرون هذه القصة لأحد .. وإلا سيتهمكم الناس بالخبال .. أما لو أبلغتم الشرطة فكل ما سيفعلونه هو البحث عني باعتباري شخصاً مهماً في القضية .. لكنهم لن يجدوا شيئاً .. سأقوم بالتخلص من الجثتين في مكان لن يجده أحد إلا بعد أيام أكون خلالها قد ابتعدت تماماً .. إن التنكر من أسهل الأمور خاصة حين يتعلق الأمر بامرأة .. كما أنني قد جمعت أموالاً طائلة من زوجي قبل قتله و أودعتها في حسابي السري في أوروبا حيث تنتظرني حياة جديدة باسم جديد .. إنني أخطط لهذا منذ سنتين .. أما أنتم .. فستبقون مجبرين في المنزل لثلاث ساعات أخرى أكون خلالها قد اختفيت و تركت البلد .. إن أوراقي سليمة وكل شيء معد له تماماً .. كان لابد من التعب والتضحيات حتى أحصل على الدم و الأموال لأعيش حياة هانئة لخمسون عاماً أخرى قبل أن أضطر إلى القتل من أجل المزيد من الدماء .. والمزيد من الأموال ..تعتقدون بأنني أغامر بكشف أمري عندما أخبركم بقصتي ؟ .. أنتم حمقى إذاً .. فأنا أفوقكم عمراً و خبرة بقرون .. لا تعرفون نصف ما أعرف ونصف ما مررت به من تجارب .
                              قلت لها محاولاً أن أخاطبها بلغة المنطق :
                              - هل تعتقدين أن اكتشافك هذا نعمة ؟ .. إنه نقمة .. إن قانون الطبيعة يحتم حدوث حالات الوفاة لمقابلة الزيادة التي تتسبب بها المواليد .. ولو لم يحدث هذا لتكدس البشر فوق بعضهم .. ليصبح بعدها اللجوء إلى القتل أمراً حتمياً لإعادة التوازن الطبيعي إلى ما كان عليه .. ومن هنا كانت حكمة الخالق ألا يحصل الإنسان على الخلود .. وأنا فهمت الآن محاولة إيهامنا بمصرعك .. إن من يمتلك شباباً دائماً مثلك يحتاج إلى كثرة التنقل والتخفي حتى لا يكتشف الآخرون أمره .. هل تريديننا أن نحيا بهذه الصورة ؟
                              - ومن قال أنني أرغب بمشاركة أحد في اختراعي هذا ؟!! .. إنه لي وحدي .. وأنا لا أمانع أبداً حياة الاختباء تلك التي تتحدث عنها .. فهي ثمن بسيط جداً مقابل الإحساس بتناول هذا العقار .. شعور بالحيوية والنشاط لا يمكن وصفه .. لقد كان عمري يقترب من الأربعين عند اكتشافي لإكسير الشباب .. لكنه أعطاني حيوية و شباباً حتى صرت أبدو وكأنني في العشرين من عمري .. تصوروا كم المعلومات الهائل التي أحصل عليها بسبب معاصرتي لأجيال كثيرة خلال خمسمائة عام .. لقد عاصرت العالم العظيم (ايوناردو دافنشي) وعاصرت (بيتهوفن) وأكثر العظماء في تاريخ البشرية .. إنها متعة .. تصور أن تشهد التطور العلمي على مدى قروناً من الزمان .. أليس هذا شيئاً رائعاً يستحق كل تضحية ؟؟ .. إنني أجيد - بفضل عمري الطويل- أربع لغات تقريباً إجادة تامة .. الفرنسية و الإنجليزية و الأسبانية و الألمانية ..
                              ثم أخرجت من جيبها ظرفاً مليئاً بالصور :
                              - انظروا .. صورة تجمعني مع (آينشتين) في شبابه .. وصورة فوتوغرافية زيتية قديمة جداً مع رئيس الولايات المتحدة الأول (جورج واشنطن) .. وصور أخرى مع أعظم شخصيات التاريخ .. أليس هذا رائعاً ؟ .. إن لي مع كل من هؤلاء الرجال قصة حب .. فقد كنت عشيقة هذا .. وصديقة ذاك ..
                              عند هذه النقطة بالذات تصلبنا جميعاً في أماكننا .. كنا ننظر إلى الصور بذهول .. كانت الصور تبدو بالفعل قديمة جداً .. إن هذا أمراً مذهلاً يفوق الخيال .. تخيل أن تجد صورة تجمع صديقك مع (هتلر) مثلاً ..
                              لم يجد أي منا شيء يقال .. فقام الأستاذ (إبراهيم) بمحاولة يائسة عندما قال ل (موريسا) بصوت متخاذل :
                              - وهل هذا ثمن ما تفعلينه ؟ .. قتل عشرات الأبرياء ؟ ..
                              - ليس هذا من شأنك .. ثم أنك لن تفهم أبداً طالما لم تتذوق إكسير الشباب ولم تشعر بذلك الشعور الرائع بالحيوية ..
                              ثم نظرت إلى ساعتها .. و قالت :
                              - إن الوقت يمضي .. سأرحل الآن .
                              ولوحت بمسدسها مهددة :
                              - ولا أعتقد أنكم تحبذون الموت .. إنني أعطيكم فرصة نادرة للنجاة فاستغلوها .. سأرحل الآن ولكن قبلها علي الذهاب لسحب كمية من دماء زوجي (السابق) والسيد (حامد) لصنع الإكسير الجديد .. لا تحاولوا اللحاق بي وإلا ستصيبكم رصاصات مسدسي .. أنا لا أمزح .
                              قالت هذا و خرجت من الغرفة .. وكانت هذه آخر مرة أراها فيها .. لا أعرف من أين خرجت لكنها على الأرجح استخدمت إحدى الممرات السرية ..
                              خرجت و تركتنا نستشيط غضباً .. إلى أن عدت الساعات الثلاثة لتفتح الأبواب أوتوماتيكياً .. فخرجنا متثاقلين عاجزين عن فعل أي شيء .. كنت أشعر بحزن لا أدري سببه ..
                              إن الحصول على هذا الإكسير أمرا رائع بالفعل .. ولكن للاستعمال الشخصي فقط .. وليس للبيع في الصيدليات بالطبع .. إلا أن ثمن الحصول عليه بشع للغاية ..
                              كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة صباحاً بقليل ..
                              وقد اتفقنا بعدها على بضعة أمور .. اتفقنا على عدم إبلاغ الشرطة .. وكأننا رحلنا مبكراً من الحفل ولم نعرف ما جرى بعدها .. ولا أعتقد أن أحداً قد رآنا نخرج من الفيلا و المزرعة في تلك المنطقة النائية الخالية تقريباً من البشر .. لقد تحدثت الصحف فيما بعد عن اختفاء الدكتور (علي) و زوجته السيدة (موريسا) والسيد (حامد) .. ولكن - بالطيع- لم يعرف أحد ماعرفنا .. وأستطيع الآن أن أتخيل (موريسا) أو (ناتاشا) أو أياً كان اسمها خارج (الكويت) في رحلة جديدة و بشخصية جديدة مستغلة أموالها لتعيش خمسون عاماً بإكسير الشباب الذي اخترعته .. قبل أن توقع مرة أخرى بأحد الأثرياء لتحصل على ماله و دماؤه ..
                              طوال عمري أمقت القصص التي ينهزم فيها البطل .. ولكن ليس باليد حيلة .. فهذا ما حدث .. و قد نقلته لكم بكل أمانة .. ولم أنس بالطبع أن أشكر مدير المدرسة الأستاذ (إبراهيم) على تلك التجربة الكابوسية التي عرضني لها دون أن يقصد !! .. تلك التجربة التي زادت من رصيد خبراتي كثيراً .. وقد بدا لي أنني ما حييت لن أعرف سوى أقل القليل عن أسرار هذا العالم .. وإن كنت قد عرفت ما لا يعرفه أحد .. إن الأنانية قد تصل بالإنسان أن يفعل أشياء يشيب لهولها الولدان .. أشياء كثيرة ليس القتل أسوأها .. كما أيقنت أننا البشر - مع كل أسف- حفنة من الأوغاد لن ينقذنا من حطب جهنم إلا رحمة ربي الواسعة .. أما أنا .. فشريط حياتي يمر الآن في ذهني كما يحدث مع من هم على وشك الموت .. فلا أجد سوى سلسلة من الإحباطات و الهزائم .. والأمل في المستقبل .. أن أصنع شيئاً .. أن أكون شيئاً .. والدراسة مع التفوق هما كل ماأملك ..
                              لقد جعلتني تجربتي الأخيرة على وجه التحديد أتساءل أكثر وأكثر عن أسرار الكون و عن أسرار الناس .. الناس الذين قد تراهم في الشارع أو في أي مكان ولكنهم يحملون أسراراً لايمكن أن يتخيلها أحد .. خاصة تلك المرأة التي إخترعت إكسير الشباب الدائم .. حلم البشرية !!!





                              النهاية ..

                              انتهت مذكرات المراهق الكويتي المدعو (( خالد )) وطبعا هي من نسج (( الخيال )) ... وهذا هو اجمل مافي الكتابه باعتقادي المتواضع ولكنها جميله بكل حرف خطت ..

                              اخواني اخواتي الاعزاء ...
                              المذكرات هي لكاتب جديد على الساحه والكاتب هو (( عبدالوهاب السيد ))

                              ------------------
                              لكم ودي ..


                              لحين نلتقى برواية اخرى


                              تمـــــــت


                              اسمحولي على الـتأخير



                              تعليق

                              يعمل...
                              X