وفي سنة190 غزا الرشيد الصائفة بنفسه ففتح هرقلة وبث الجيوش والسرايا بأرض الروم وكان دخلها في135 ألف مرتزق سوى الاتباع وسوى المطوعة وسوى من لا ديوان له وكان فتح الرشيد هرقلة في شوال فأضر بها وسبى أهلها بعد مقام ثلاثين يوماً عليها وولى حميد بن معيوف سواحل الشام إلى مصر فبلغ حميد قبرص فانتصر على أهلها.
وفي سنة191 غزا الصائفة هرثمة بن أعين أحد كبار القواد وضم إليه ثلاثين ألفاً من أهل خراسان ومعه مسرور الخادم واليه في النفقات وجميع الأمور ما خلا الرياسة ومضى الرشيد إلى درب الحدث فرتب هنالك عبد اللَّه بن مالك ورتب سعيد بن سلم بن قتيبة بمرعش فأغارت الروم عليها وأصابوا من المسلمين وانصرفوا وسعيد مقيم بها. وبعث محمد بن يزيد بن مزيد إلى طرسوس، فأقام الرشيد بدرب الحدث ثلاثة أيام من شهر رمضان ثم انصرف إلى الرقة.
وعلى الجملة فإن قوة المسلمين كانت في عهد الرشيد ظاهرة ظهوراً بيناً على الروم لما كان يقوم به الرشيد بنفسه من الغزو المتوالي ومعه عظماء القواد وكبار رجال الدولة من عرب وموال وخراسانية.
العلاقة مع أوروبا:
كان في عهد الرشيد شارلمان بن بابن وكان ملكاً على فرنسا واستولى على لمبارديا وقاد طوائف السكسون التي كانت في جرمانيا إلى الدين العيسوي بعد أن كانت وثنية واستولى على المانيا وإيطاليا وكان يرغب أن يكون له اسم كبير في الديار الشرقية لتكون درجته فوق درجة نقفور ملك القسطنطينية وكان يرغب أن يكون حامياً للعيسويين في البلاد الإسلامية وخصوصاً زائري القدس فأرسل إلى بغداد سفراء يستجلبون رضا هارون الرشيد وكان لشارلمان غرض من مصافاة الرشيد فوق ما تقدم وهو إضعاف الدولة الأموية بالأندلس ففاز سفير شارلمان برضا الرشيد فسر بذلك لأنه عده فوزاً على نقفور ولهذا لما قدم سفير الرشيد على شارلمان قابله بمزيد الإكرام واستفاد شارلمان من ذلك التودد فائدتين الأولى تمكنه من حرب الدولة الأموية بالأندلس وتداخله في مساعدة الخارجين عليها والثانية نيله رضا الرشيد.
وقد أراد أيضاً أن يغتنم غنيمة علمية فإن أوروبا في ذلك الوقت كانت مهد جهالة لأنه بانقراض الرومانيين وغلبة الأمم المتبربرة على أوروبا انطفأ مصباح العلم أما الحال في البلاد الإسلامية فكانت على العكس من ذلك علماً وعملاً سواء في ذلك بغداد وقرطبة فسعى شارلمان في إصلاح قوانين دولته مقلداً هارون الرشيد وذهب إلى أوروبا أطباء تعلموا في البلاد الإسلامية وكانوا من اليهود فانتخب منهم شارلمان رجلاً يقال له إسحاق وأرسله إلى الرشيد مصحوباً ببعض الهدايا وبعد أربع سنين عاد إسحاق مع ثلاثة من رجال الرشيد ومعهم هدايا وهي ساعة وراغنون وفيل وبعض أقمشة نفيسة، فلما نظرها رجال شارلمان ظنوها من الأمور السحرية وأوقعتهم في حيرة وهموا بكسر الساعة فمنعهم الامبراطور، وفي ذلك التاريخ اتفقوا على أمور تتعلق بحماية المسيحيين الذين يتوجهون لزيارة القدس.
أما علاقة بغداد بقرطبة فكانت شر علاقة إذ أن الرشيد كان ينظر إلى بني أمية نظر الخارجين على دولته فكان يود محوهم ولكن القوم كانوا أكبر من ذلك وأقوى فقاوموا شارلمان مقاومة عظيمة ولم يتمكن أن يفعل بهم شراً.
أخلاق الرشيد:
كان الرشيد خليفة ديناً محافظاً على التكاليف الشرعية أتم محافظة فأما صلاته فكان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان له سمير فكه هو ابن أبي مريم المدني كان الرشيد لا يصبر عنه ولا يمل محادثته.
وأما صدقته فقد كان كل يوم يتصدق من صلب ماله بألف درهم سوى العطايا التي كانت تهطل على الناس منه ولم ير خليفة قبله كان أعطى منه للمال ثم المأمون بعده.
وأما حجه فإنه كان لا يتخلف عنه إلا إذا كان مشغولاً بالغزو فهو في كل عام بين غاز وحاج وقد أقام للناس حجهم تسع مرات في سني حكمه وهي السنوات70و73 و74 و75 و77 و80 و81 و86 و88 بعد المائة وكان إذا حج حج معه من الفقهاء وأبنائهم وإذا لم يحج يحج عنه ثلثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة.
وكان يسمع وعظ الواعظين وهو عند ذلك رقيق القلب سريع الدمعة. دخل عليه ابن السماك الواعظ فقال له: الرشيد عظني، فقال: يا أمير المؤمنين اتق اللَّه وحده لا شريك له واعلم أنك غداً بين يدي اللَّه ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالث لهما جنة أو نار فبكى هارون حتى اخضلت لحيته.
وأما جهاد الرشيد فإنه كان لا يترك الخروج مع جنده بل كان غالباً في مقدمتهم حتى لا يعتاد الراحة ولا يقعده الترف عن القيام بهذا الواجب حتى كان من ضمن مآثره أنه كان يغزو سنة ويحج أخرى.
وفاة الرشيد:
خرج الرشيد من بغداد في خامس شعبان سنة192 قاصداً خراسان عندما بلغه استفحال أمر رافع بن الليث بما وراء النهر واستخلف ابنه محمداً الأمين بمدينة السلام وخرج معه ابنه عبد اللَّه المأمون ولم يزل الرشيد في مسيره حتى وافى مدينة طوس في صفر سنة193 وهناك اشتدت به علته ولحق بربه ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة193 وصلى عليه ابنه صالح لأن المأمون كان قد سبقه إلى مرو حاضرة خراسان ودفن الرشيد بهذه المدينة.
وكان للرشيد اثنا عشر ولداً ذكراً وأربع بنات فذكور أولاده محمد الأمين من زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر وعلي من زوجته أمة العزيز أم ولد موسى الهادي وعبد اللَّه المأمون والقاسم والمؤتمن ومحمد المعتصم وصالح ومحمد أبو عيسى ومحمد أبو يعقوب ومحمد أبو العباس ومحمد أبو سليمان ومحمد أبو علي ومحمد أبو أحمد وهم لأمهات أولاد شتى.
وتزوج الرشيد بست زوجات مات عن أربع منهن وهن زبيدة وأم محمد بنت صالح المسكين والعباسة بنت سليمان بن المنصور والجرشية بنت عبد اللَّه العثمانية.
__________________
وفي سنة191 غزا الصائفة هرثمة بن أعين أحد كبار القواد وضم إليه ثلاثين ألفاً من أهل خراسان ومعه مسرور الخادم واليه في النفقات وجميع الأمور ما خلا الرياسة ومضى الرشيد إلى درب الحدث فرتب هنالك عبد اللَّه بن مالك ورتب سعيد بن سلم بن قتيبة بمرعش فأغارت الروم عليها وأصابوا من المسلمين وانصرفوا وسعيد مقيم بها. وبعث محمد بن يزيد بن مزيد إلى طرسوس، فأقام الرشيد بدرب الحدث ثلاثة أيام من شهر رمضان ثم انصرف إلى الرقة.
وعلى الجملة فإن قوة المسلمين كانت في عهد الرشيد ظاهرة ظهوراً بيناً على الروم لما كان يقوم به الرشيد بنفسه من الغزو المتوالي ومعه عظماء القواد وكبار رجال الدولة من عرب وموال وخراسانية.
العلاقة مع أوروبا:
كان في عهد الرشيد شارلمان بن بابن وكان ملكاً على فرنسا واستولى على لمبارديا وقاد طوائف السكسون التي كانت في جرمانيا إلى الدين العيسوي بعد أن كانت وثنية واستولى على المانيا وإيطاليا وكان يرغب أن يكون له اسم كبير في الديار الشرقية لتكون درجته فوق درجة نقفور ملك القسطنطينية وكان يرغب أن يكون حامياً للعيسويين في البلاد الإسلامية وخصوصاً زائري القدس فأرسل إلى بغداد سفراء يستجلبون رضا هارون الرشيد وكان لشارلمان غرض من مصافاة الرشيد فوق ما تقدم وهو إضعاف الدولة الأموية بالأندلس ففاز سفير شارلمان برضا الرشيد فسر بذلك لأنه عده فوزاً على نقفور ولهذا لما قدم سفير الرشيد على شارلمان قابله بمزيد الإكرام واستفاد شارلمان من ذلك التودد فائدتين الأولى تمكنه من حرب الدولة الأموية بالأندلس وتداخله في مساعدة الخارجين عليها والثانية نيله رضا الرشيد.
وقد أراد أيضاً أن يغتنم غنيمة علمية فإن أوروبا في ذلك الوقت كانت مهد جهالة لأنه بانقراض الرومانيين وغلبة الأمم المتبربرة على أوروبا انطفأ مصباح العلم أما الحال في البلاد الإسلامية فكانت على العكس من ذلك علماً وعملاً سواء في ذلك بغداد وقرطبة فسعى شارلمان في إصلاح قوانين دولته مقلداً هارون الرشيد وذهب إلى أوروبا أطباء تعلموا في البلاد الإسلامية وكانوا من اليهود فانتخب منهم شارلمان رجلاً يقال له إسحاق وأرسله إلى الرشيد مصحوباً ببعض الهدايا وبعد أربع سنين عاد إسحاق مع ثلاثة من رجال الرشيد ومعهم هدايا وهي ساعة وراغنون وفيل وبعض أقمشة نفيسة، فلما نظرها رجال شارلمان ظنوها من الأمور السحرية وأوقعتهم في حيرة وهموا بكسر الساعة فمنعهم الامبراطور، وفي ذلك التاريخ اتفقوا على أمور تتعلق بحماية المسيحيين الذين يتوجهون لزيارة القدس.
أما علاقة بغداد بقرطبة فكانت شر علاقة إذ أن الرشيد كان ينظر إلى بني أمية نظر الخارجين على دولته فكان يود محوهم ولكن القوم كانوا أكبر من ذلك وأقوى فقاوموا شارلمان مقاومة عظيمة ولم يتمكن أن يفعل بهم شراً.
أخلاق الرشيد:
كان الرشيد خليفة ديناً محافظاً على التكاليف الشرعية أتم محافظة فأما صلاته فكان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان له سمير فكه هو ابن أبي مريم المدني كان الرشيد لا يصبر عنه ولا يمل محادثته.
وأما صدقته فقد كان كل يوم يتصدق من صلب ماله بألف درهم سوى العطايا التي كانت تهطل على الناس منه ولم ير خليفة قبله كان أعطى منه للمال ثم المأمون بعده.
وأما حجه فإنه كان لا يتخلف عنه إلا إذا كان مشغولاً بالغزو فهو في كل عام بين غاز وحاج وقد أقام للناس حجهم تسع مرات في سني حكمه وهي السنوات70و73 و74 و75 و77 و80 و81 و86 و88 بعد المائة وكان إذا حج حج معه من الفقهاء وأبنائهم وإذا لم يحج يحج عنه ثلثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة.
وكان يسمع وعظ الواعظين وهو عند ذلك رقيق القلب سريع الدمعة. دخل عليه ابن السماك الواعظ فقال له: الرشيد عظني، فقال: يا أمير المؤمنين اتق اللَّه وحده لا شريك له واعلم أنك غداً بين يدي اللَّه ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالث لهما جنة أو نار فبكى هارون حتى اخضلت لحيته.
وأما جهاد الرشيد فإنه كان لا يترك الخروج مع جنده بل كان غالباً في مقدمتهم حتى لا يعتاد الراحة ولا يقعده الترف عن القيام بهذا الواجب حتى كان من ضمن مآثره أنه كان يغزو سنة ويحج أخرى.
وفاة الرشيد:
خرج الرشيد من بغداد في خامس شعبان سنة192 قاصداً خراسان عندما بلغه استفحال أمر رافع بن الليث بما وراء النهر واستخلف ابنه محمداً الأمين بمدينة السلام وخرج معه ابنه عبد اللَّه المأمون ولم يزل الرشيد في مسيره حتى وافى مدينة طوس في صفر سنة193 وهناك اشتدت به علته ولحق بربه ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة193 وصلى عليه ابنه صالح لأن المأمون كان قد سبقه إلى مرو حاضرة خراسان ودفن الرشيد بهذه المدينة.
وكان للرشيد اثنا عشر ولداً ذكراً وأربع بنات فذكور أولاده محمد الأمين من زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر وعلي من زوجته أمة العزيز أم ولد موسى الهادي وعبد اللَّه المأمون والقاسم والمؤتمن ومحمد المعتصم وصالح ومحمد أبو عيسى ومحمد أبو يعقوب ومحمد أبو العباس ومحمد أبو سليمان ومحمد أبو علي ومحمد أبو أحمد وهم لأمهات أولاد شتى.
وتزوج الرشيد بست زوجات مات عن أربع منهن وهن زبيدة وأم محمد بنت صالح المسكين والعباسة بنت سليمان بن المنصور والجرشية بنت عبد اللَّه العثمانية.
__________________
تعليق