[frame="2 80"]هانم هي الوحيده التي تعرف سر هذه النظرات
الشاردة نحو المجهول الذي ينتظرها.. وانحرفت اليه بارادتها!
لحظة القبض عليها كانت اخطر لحظات عمرها واكثرها مرارة.. لم تكن خائفة من الحبس.. لكن كل مشكلة 'هانم' انها ستترك اسرة مكونة من تسعة اشقاء وأب ضرير بلا مورد رزق!.. ولايمكن رغم هذا التعاطف معها.. لانها كانت تبيع الموت للشباب من خلال اسلوب مبتكر.. وعربة صغيرة لمسابقات النشان وعبارة تقليدية يرتفع بها صوتها: 'فتح عينيك.. تاكل ملبن'!.. الا ان المباحث اكتشفت اخيرا ان واقع الحال هو 'فتح عينك، تشرب بانجو'!
انها قصة فتاة انحدرت الي الهاوية.. ربما كانت لها ظروفها ودوافعها.. لكن القانون لايعترف بهذه الدوافع والمبررات.
هانم.. فتاة شابة في السادسة عشرة من عمرها.. لم تحلم مثل غيرها من البنات في مثل سنها بالزواج او فستان الفرح او الأمومة والحياة الأسرية الهادئة كانت احلامها من نوع مختلف.. كانت تحلم بالثراء العريض وحياة الأميرات كانت تحلم بالملابس الانيقة والسيارة الفارهة والشقة الفخمة ظلت تحلم وتحلم.. وفي كل مرة كانت تفيق من احلامها علي واقعها بكل مرارته وقسوته.. بكل فقره وحرمانه.. وتنظر لابيها الكفيف واخوتها التسعة تتنهد بعمق وتهز رأسها بعنف وكأنها تطرد احلام الثراء التي تطاردها في المنام واليقظة.. ولكن الاحلام سريعا ماتعود مرة اخري لتسيطر علي تفكيرها وجميع حواسها ووصلت الي درجة لم تعد قادرة علي الفكاك منها واصبحت مقتنعة بضرورة تحقيق هذه الاحلام علي ارض الواقع.. ولكن ظل السؤال الذي يشغل بالها ليل نهار هو كيف.. كيف تتحقق هذه الاحلام وماهي الوسيلة؟!
تعرضت 'هانم' لسلسلة من المطبات الصعبة اضافت الي عمرها سنوات عديدة فوق عمرها الحقيقي ومنحتها الظروف القاسية صلابة وقوة غير عادية لاتتناسب مع سنوات عمرها المحدودة وأنطبق عليها المثل القائل 'الضربة التي لاتقصم ظهرك تقويه.
كانت اولي المصاعب عندما اختفت امها فجأة بدون اي مقدمات او اسباب واضحة وتركت زوجها وابناءها التسعة.. واصبحت مهمة رعايتهم معلقة في رقبة 'هانم' باعتبارها أكبرهم سنا.. وما اصعبها من مهمة!
لم تمض سوي اسابيع قليلة علي هروب الام إلا وتعرض الاب لحادث أودي ببصره وأصابة بالعمي ولم يعد قادرا علي الخروج من المنزل ومباشرة عمله والانفاق علي اسرته الكبيرة.. ومرة اخري وجدت 'هانم' نفسها مسئولة عن الاسرة بالكامل بعد ان انضم الاب الي قائمة المحتاجين للرعاية والمساعدة.
كان رأس المال الوحيد الذي تملكه الأسرة البائسة عربة عتيقة تحمل لوحة 'نيشان' وعدد من بنادق الصيد التي زحف اليها الصدأ.. وتسلمت 'هانم' السيارة العتيقة وتنقلت بين الموالد الشعبية بحثا عن قروش قليلة تعود بها الي اسرتها لتسد بها الافواه الجائعة.
كان عملها مرهقا للغاية.. كل يوم في بلد.. وكل يوم في محافظة.. تسير علي قدميها عشرات الكيلو مترات في حر الصيف الحارق.. وبرد الشتاء القارس.. تسهر طويلا وتنام قليلا.. تتحمل سخافات رواد الموالد.
كل هذا من اجل النقود القليلة التي تعود بها لاسرتها.
تحملت في صبر الي ان بدأت قواها تخور وتشعر بالارهاق والالم.. ولم تعد قادرة علي مواصلة العمل علي هذا النحو.. فكرت كثيرا في التوقف ولكن صرخات الجوع من اخواتها ودموع ابيها الكفيف كانت تجبرها علي العودة للعمل مرة اخري
طريق الشيطان
مرت اسابيع عديدة 'وهانم' تتحمل عبء اسرة كاملة مكونة من تسعة افراد بالاضافة الي الاب تخرج من المنزل كل صباح وهي تدفع بالسيارة المتهالكة وتقف بها امام احدي المدارس او احد مراكز الشباب وما ان تعلم بوجود احتفال بمولد احد الاولياء حتي تسرع الي هناك وتخترق الزحام وتقاتل للحصول علي مكان في المولد حيث يتزاحم عليها الشباب للتباري حول قدرتهم في 'التنشين' وكلما اصابت الطلقات هدفها الذي يكون عبارة عن 'بمبة' صغيرة ترتفع صيحات الشباب.. ويرتفع صوت 'هانم' بحماس مفتعل 'فتح عينك' تاكل ملبن' في محاولة لجذب المزيد من الشباب للدخول في منافسات ساخنة يكون الفائز الوحيد فيها هو 'هانم'.
وتستمر عجلة الحياة بنفس المنوال.. ونفس الصعوبات.. ونفس المعاناة.. الي ان جاء يوم وجدت فيه 'هانم' من يهمس في أذنها.. لماذا الاستمرار في هذا العمل الشاق.. لماذا الصبر علي هذا الفقر والحرمان الذي ليس له نهاية.
أجابت بأنها تتحمل مسئولية الانفاق علي أسرة كبيرة مكونة من تسعة افراد بالاضافة الي ابيها العاجز ولاتستطيع التخلي عنهم.
لم يمهملها الرجل الذي يعمل فتوة في الموالد وبدأ في استمالتها قائلا'وايه رأيك في اللي يدلك علي شغلانة تاكلي منها الشهد.. وتقدري تصرفي علي اهلك وتقدري كمان تعملي قرشين ينقلوكي من حياة الفقر الي حياة الاغنياء.
شعرت 'هانم' بأن هذا الرجل يلامس وتر أحلامها التي عاشت حياتها بأكملها تتمني تحقيقه علي ارض الواقع وذهبت بخيالها بعيدا.. وبدأت تري والدها نائم علي سرير نظيف في مستشفي أنيق.. وبدأت تري أخواتها يأكلون أشهي الاطعمة ويرتدون أفخر الثياب.. وتنبهت فجأة الي الواقع الحالي الذي تعيشه قائلة.. وكيف سأحقق هذا؟!
شعر الرجل بأقترابه من هدفه.. فاراد ان يطرق الحديد وهو ساخن فاخبرها بأنه سيمنحها كل يوم كمية من البانجو لتوزيعها علي الشباب من رواد الموالد الشعبية التي تعمل بها في مقابل مبالغ مالية كبيرة تحصل عليها يوميا.
بمجرد سماع كلمة 'بانجو' ارتعدت الفتاة وغادرت المكان مسرعة عائدة الي منزلها.. وبمجرد دخولها التزمت الصمت ورفضت الحديث مع اي فرد من افراد اسرتها وظلت جالسة في احد اركان الحجرة وهي ترتعد من شدة الخوف والتوتر.. وظلت تفكر طويلا في العرض المغري الذي تلقته من فتوة الموالد.. كان مغريا بالفعل وسيكون طوق النجاة الذي سينشلها من حياة الفقر والحرمان.. ولكنه في الوقت نفسه مخيفا لان انكشاف امرها سيعني القائها في السجن وضياع مستقبل اخوتها المعلقين في رقبتها.
القرار الصعب
ظلت 'هانم' مستيقظة طوال الليل تفكر بعمق الي ان حسمت امرها وقررت الموافقة علي ترويج المخدرات مقابل مائة جنيه يوميا تحصل عليها بمجرد تسليم التاجر حصيلة المبيعات.
وبالفعل اتفق معها الرجل علي تزويدها بكمية من المخدرات يوميا لتقوم بتوزيعها علي زبائنها من الشباب المترددين علي لعبة 'النيشان'.. وذاع صيتها بين الشباب واصبح لها زبائن دائمين.. واتسع نشاطها وخاصة مع تنقلها من مكان لاخر ومن مولد لآخر.
مع الايام زادت مكاسبها وبدأت تعرف طعم المال الوفير وبدأت تنسي ايام الفقر والحرمان واصبحت سيارة 'النيشان' مجرد ستار لمداراة نشاطها الحقيقي في تجارة المخدرات بعد ان كانت هي مصدر دخلها الوحيد وكل رأس مالها في الحياة.
ولم يكن نشاط هانم بعيدا عن اعين رجال مباحث دسوق حيث كانوا يرصدون تحركاتها بدقة واهتمام انتظارا للحظة المناسبة للانقضاض عليها وضبطها متلبسة.
السقوط
اثناء تواجد 'هانم' بسيارة 'النشيان' الصغيرة في احد الموالد اقترب منها عدد من الشباب وتراهنوا فيما بينهم علي اجادة التصويب.. وبالفعل اعدت لهم البنادق والطلقات وبدوا في التصويب وسمعتهم يتواعدون علي منح الفائز نصف كيلو بانجو دفعة واحدة كمكافاة في نهاية المنافسة وبالفعل انتهت المسابقة بفوز احدهم واخرجوا مبلغا ضخم منحوه لاحدهم لشراء البانجو ومنحه للفائز.
كانت 'هانم' شديدة الحذر الا انها لم تستطع مقاومة اغراء النقود في يد الشباب وخاصة ان عددها كان يفوق سعر نصف كيلو البانجو بكثير.. فعرضت عليهم احضار البانجو المطلوب.. فرحبوا كثيرا بالفكرة ومنحوها النقود وطلبت منهم الانتظار بجوار السيارة لحين احضار الكمية المطلوبة.
ولم تمض دقائق معدودة الا وكانت 'هانم' قد عادت ومعها البانجو وبمجرد تسليمه للشباب فوجئت بهم يلقون القبض عليها متلبسة ببيع المخدرات واتضح انهم رجال مباحث دسوق.. واقتادوها الي مركز الشرطة حيث ادلت هناك باعترافات تفصيلية ولم يعد هناك مجال للأنكار خاصة مع ضبطها متلبسة ببيع البانجو لرجال المباحث.
فجأة.. أنهارت كل الاحلام وتبخرت كافة الامال ضاعت احلام الثراء وتطلعات الرفاهية ضاع الحاضر والمستقبل.. ضاعت 'هانم' واضاعت معها تسعة افراد ورجلا عاجزا هم كل افراد اسرتها وتعلمت الدرس جيدا ولكن بعد فوات الاوان.
ضحية
'أخبار الحوادث' ألتفت مع 'هانم' في لقاء سريع حمل الكثير من المعاني العميقة حيث قالت 'انا ضحية الظروف الصعبة التي مررت بها والتي تمثلت في هروب امي من المنزل وتخليها عن دورها وواجباتها نحو زوجها وابنائها ولانعلم شيئا عن مصيرها حتي الان.. وزادت الامور سوءا باصابة والدي بالعمي فوجدت نفسي مجبرة علي تحمل اعباءة اسرتي بالكامل فضلا عن مصاريف علاج ابي.. ولم تكن النقود القليلة التي تأتي بها سيارة 'النيشان' الصغيرة كافية علي الاطلاق فاطررت الي ان أسلك هذا الطريق الذي رأيته الطريق الوحيد امامي وكنت اتوقع هذه النهاية وأنتظرها ولست خائفة علي نفسي.. ولكنني خائفة علي مصير ابي الكفيف واشقائي التسعة ولا اعلم كيف سيواجهون الحياة بدوني
____________________________________
منقول
تحيتي لكم يا حلوين
بنوتة الكويت 2005
[/frame]
الشاردة نحو المجهول الذي ينتظرها.. وانحرفت اليه بارادتها!
لحظة القبض عليها كانت اخطر لحظات عمرها واكثرها مرارة.. لم تكن خائفة من الحبس.. لكن كل مشكلة 'هانم' انها ستترك اسرة مكونة من تسعة اشقاء وأب ضرير بلا مورد رزق!.. ولايمكن رغم هذا التعاطف معها.. لانها كانت تبيع الموت للشباب من خلال اسلوب مبتكر.. وعربة صغيرة لمسابقات النشان وعبارة تقليدية يرتفع بها صوتها: 'فتح عينيك.. تاكل ملبن'!.. الا ان المباحث اكتشفت اخيرا ان واقع الحال هو 'فتح عينك، تشرب بانجو'!
انها قصة فتاة انحدرت الي الهاوية.. ربما كانت لها ظروفها ودوافعها.. لكن القانون لايعترف بهذه الدوافع والمبررات.
هانم.. فتاة شابة في السادسة عشرة من عمرها.. لم تحلم مثل غيرها من البنات في مثل سنها بالزواج او فستان الفرح او الأمومة والحياة الأسرية الهادئة كانت احلامها من نوع مختلف.. كانت تحلم بالثراء العريض وحياة الأميرات كانت تحلم بالملابس الانيقة والسيارة الفارهة والشقة الفخمة ظلت تحلم وتحلم.. وفي كل مرة كانت تفيق من احلامها علي واقعها بكل مرارته وقسوته.. بكل فقره وحرمانه.. وتنظر لابيها الكفيف واخوتها التسعة تتنهد بعمق وتهز رأسها بعنف وكأنها تطرد احلام الثراء التي تطاردها في المنام واليقظة.. ولكن الاحلام سريعا ماتعود مرة اخري لتسيطر علي تفكيرها وجميع حواسها ووصلت الي درجة لم تعد قادرة علي الفكاك منها واصبحت مقتنعة بضرورة تحقيق هذه الاحلام علي ارض الواقع.. ولكن ظل السؤال الذي يشغل بالها ليل نهار هو كيف.. كيف تتحقق هذه الاحلام وماهي الوسيلة؟!
تعرضت 'هانم' لسلسلة من المطبات الصعبة اضافت الي عمرها سنوات عديدة فوق عمرها الحقيقي ومنحتها الظروف القاسية صلابة وقوة غير عادية لاتتناسب مع سنوات عمرها المحدودة وأنطبق عليها المثل القائل 'الضربة التي لاتقصم ظهرك تقويه.
كانت اولي المصاعب عندما اختفت امها فجأة بدون اي مقدمات او اسباب واضحة وتركت زوجها وابناءها التسعة.. واصبحت مهمة رعايتهم معلقة في رقبة 'هانم' باعتبارها أكبرهم سنا.. وما اصعبها من مهمة!
لم تمض سوي اسابيع قليلة علي هروب الام إلا وتعرض الاب لحادث أودي ببصره وأصابة بالعمي ولم يعد قادرا علي الخروج من المنزل ومباشرة عمله والانفاق علي اسرته الكبيرة.. ومرة اخري وجدت 'هانم' نفسها مسئولة عن الاسرة بالكامل بعد ان انضم الاب الي قائمة المحتاجين للرعاية والمساعدة.
كان رأس المال الوحيد الذي تملكه الأسرة البائسة عربة عتيقة تحمل لوحة 'نيشان' وعدد من بنادق الصيد التي زحف اليها الصدأ.. وتسلمت 'هانم' السيارة العتيقة وتنقلت بين الموالد الشعبية بحثا عن قروش قليلة تعود بها الي اسرتها لتسد بها الافواه الجائعة.
كان عملها مرهقا للغاية.. كل يوم في بلد.. وكل يوم في محافظة.. تسير علي قدميها عشرات الكيلو مترات في حر الصيف الحارق.. وبرد الشتاء القارس.. تسهر طويلا وتنام قليلا.. تتحمل سخافات رواد الموالد.
كل هذا من اجل النقود القليلة التي تعود بها لاسرتها.
تحملت في صبر الي ان بدأت قواها تخور وتشعر بالارهاق والالم.. ولم تعد قادرة علي مواصلة العمل علي هذا النحو.. فكرت كثيرا في التوقف ولكن صرخات الجوع من اخواتها ودموع ابيها الكفيف كانت تجبرها علي العودة للعمل مرة اخري
طريق الشيطان
مرت اسابيع عديدة 'وهانم' تتحمل عبء اسرة كاملة مكونة من تسعة افراد بالاضافة الي الاب تخرج من المنزل كل صباح وهي تدفع بالسيارة المتهالكة وتقف بها امام احدي المدارس او احد مراكز الشباب وما ان تعلم بوجود احتفال بمولد احد الاولياء حتي تسرع الي هناك وتخترق الزحام وتقاتل للحصول علي مكان في المولد حيث يتزاحم عليها الشباب للتباري حول قدرتهم في 'التنشين' وكلما اصابت الطلقات هدفها الذي يكون عبارة عن 'بمبة' صغيرة ترتفع صيحات الشباب.. ويرتفع صوت 'هانم' بحماس مفتعل 'فتح عينك' تاكل ملبن' في محاولة لجذب المزيد من الشباب للدخول في منافسات ساخنة يكون الفائز الوحيد فيها هو 'هانم'.
وتستمر عجلة الحياة بنفس المنوال.. ونفس الصعوبات.. ونفس المعاناة.. الي ان جاء يوم وجدت فيه 'هانم' من يهمس في أذنها.. لماذا الاستمرار في هذا العمل الشاق.. لماذا الصبر علي هذا الفقر والحرمان الذي ليس له نهاية.
أجابت بأنها تتحمل مسئولية الانفاق علي أسرة كبيرة مكونة من تسعة افراد بالاضافة الي ابيها العاجز ولاتستطيع التخلي عنهم.
لم يمهملها الرجل الذي يعمل فتوة في الموالد وبدأ في استمالتها قائلا'وايه رأيك في اللي يدلك علي شغلانة تاكلي منها الشهد.. وتقدري تصرفي علي اهلك وتقدري كمان تعملي قرشين ينقلوكي من حياة الفقر الي حياة الاغنياء.
شعرت 'هانم' بأن هذا الرجل يلامس وتر أحلامها التي عاشت حياتها بأكملها تتمني تحقيقه علي ارض الواقع وذهبت بخيالها بعيدا.. وبدأت تري والدها نائم علي سرير نظيف في مستشفي أنيق.. وبدأت تري أخواتها يأكلون أشهي الاطعمة ويرتدون أفخر الثياب.. وتنبهت فجأة الي الواقع الحالي الذي تعيشه قائلة.. وكيف سأحقق هذا؟!
شعر الرجل بأقترابه من هدفه.. فاراد ان يطرق الحديد وهو ساخن فاخبرها بأنه سيمنحها كل يوم كمية من البانجو لتوزيعها علي الشباب من رواد الموالد الشعبية التي تعمل بها في مقابل مبالغ مالية كبيرة تحصل عليها يوميا.
بمجرد سماع كلمة 'بانجو' ارتعدت الفتاة وغادرت المكان مسرعة عائدة الي منزلها.. وبمجرد دخولها التزمت الصمت ورفضت الحديث مع اي فرد من افراد اسرتها وظلت جالسة في احد اركان الحجرة وهي ترتعد من شدة الخوف والتوتر.. وظلت تفكر طويلا في العرض المغري الذي تلقته من فتوة الموالد.. كان مغريا بالفعل وسيكون طوق النجاة الذي سينشلها من حياة الفقر والحرمان.. ولكنه في الوقت نفسه مخيفا لان انكشاف امرها سيعني القائها في السجن وضياع مستقبل اخوتها المعلقين في رقبتها.
القرار الصعب
ظلت 'هانم' مستيقظة طوال الليل تفكر بعمق الي ان حسمت امرها وقررت الموافقة علي ترويج المخدرات مقابل مائة جنيه يوميا تحصل عليها بمجرد تسليم التاجر حصيلة المبيعات.
وبالفعل اتفق معها الرجل علي تزويدها بكمية من المخدرات يوميا لتقوم بتوزيعها علي زبائنها من الشباب المترددين علي لعبة 'النيشان'.. وذاع صيتها بين الشباب واصبح لها زبائن دائمين.. واتسع نشاطها وخاصة مع تنقلها من مكان لاخر ومن مولد لآخر.
مع الايام زادت مكاسبها وبدأت تعرف طعم المال الوفير وبدأت تنسي ايام الفقر والحرمان واصبحت سيارة 'النيشان' مجرد ستار لمداراة نشاطها الحقيقي في تجارة المخدرات بعد ان كانت هي مصدر دخلها الوحيد وكل رأس مالها في الحياة.
ولم يكن نشاط هانم بعيدا عن اعين رجال مباحث دسوق حيث كانوا يرصدون تحركاتها بدقة واهتمام انتظارا للحظة المناسبة للانقضاض عليها وضبطها متلبسة.
السقوط
اثناء تواجد 'هانم' بسيارة 'النشيان' الصغيرة في احد الموالد اقترب منها عدد من الشباب وتراهنوا فيما بينهم علي اجادة التصويب.. وبالفعل اعدت لهم البنادق والطلقات وبدوا في التصويب وسمعتهم يتواعدون علي منح الفائز نصف كيلو بانجو دفعة واحدة كمكافاة في نهاية المنافسة وبالفعل انتهت المسابقة بفوز احدهم واخرجوا مبلغا ضخم منحوه لاحدهم لشراء البانجو ومنحه للفائز.
كانت 'هانم' شديدة الحذر الا انها لم تستطع مقاومة اغراء النقود في يد الشباب وخاصة ان عددها كان يفوق سعر نصف كيلو البانجو بكثير.. فعرضت عليهم احضار البانجو المطلوب.. فرحبوا كثيرا بالفكرة ومنحوها النقود وطلبت منهم الانتظار بجوار السيارة لحين احضار الكمية المطلوبة.
ولم تمض دقائق معدودة الا وكانت 'هانم' قد عادت ومعها البانجو وبمجرد تسليمه للشباب فوجئت بهم يلقون القبض عليها متلبسة ببيع المخدرات واتضح انهم رجال مباحث دسوق.. واقتادوها الي مركز الشرطة حيث ادلت هناك باعترافات تفصيلية ولم يعد هناك مجال للأنكار خاصة مع ضبطها متلبسة ببيع البانجو لرجال المباحث.
فجأة.. أنهارت كل الاحلام وتبخرت كافة الامال ضاعت احلام الثراء وتطلعات الرفاهية ضاع الحاضر والمستقبل.. ضاعت 'هانم' واضاعت معها تسعة افراد ورجلا عاجزا هم كل افراد اسرتها وتعلمت الدرس جيدا ولكن بعد فوات الاوان.
ضحية
'أخبار الحوادث' ألتفت مع 'هانم' في لقاء سريع حمل الكثير من المعاني العميقة حيث قالت 'انا ضحية الظروف الصعبة التي مررت بها والتي تمثلت في هروب امي من المنزل وتخليها عن دورها وواجباتها نحو زوجها وابنائها ولانعلم شيئا عن مصيرها حتي الان.. وزادت الامور سوءا باصابة والدي بالعمي فوجدت نفسي مجبرة علي تحمل اعباءة اسرتي بالكامل فضلا عن مصاريف علاج ابي.. ولم تكن النقود القليلة التي تأتي بها سيارة 'النيشان' الصغيرة كافية علي الاطلاق فاطررت الي ان أسلك هذا الطريق الذي رأيته الطريق الوحيد امامي وكنت اتوقع هذه النهاية وأنتظرها ولست خائفة علي نفسي.. ولكنني خائفة علي مصير ابي الكفيف واشقائي التسعة ولا اعلم كيف سيواجهون الحياة بدوني
____________________________________
منقول
تحيتي لكم يا حلوين
بنوتة الكويت 2005
[/frame]
تعليق