الأمان
هي بلدة صغيرة يسكنها أشخاص طيبون بسطاء لا يتحدثون عن الحكومة ولا عن السياسة
لا يقرأون الصحف اليومية ولا تهمهم أخبار العالم الخارجي وتطوراته المتلاحقة.
- مع إشراقة كل صباح يذهب كلٌ إلى مهنته وعملة..
التاجر إلى دكانه خلف الميزان..
المزارع يذهب إلى أشجاره ومعه المعول..
الراعي بعصاه مع الأغنام إلى المراعي والسهول...
وهذا يوزع حليب أبقاره على الدكاكين...
الخباز منشغل في طحينة..
بائع الخضار يرشق الماء أمام دكانه وهو يقول (( أصبحنا وأصبح الملك لله ))
- أغلب أعمالهم محدودة في التجارة البسيطة والزراعة والأغنام والدجاج وتربية الأبقار.
- الأمان !!
يحدها من جهة الغرب إلى الشمال جبل يكاد يطبق عليها, ومن الشرق حقول وسهول ومراعي .
في الجنوب يوجد طريق وحيد يربطها بالعالم الخارجي الذي لا تهم أحد أخباره.
- في الشمال توجد الأعشاش وبيوت مهجورة وأكواخ قديمة مصنوعة من الطين والأخشاب أصبحت
مرتعا ً للقطط والكلاب الضالة...
وفي الوسط منازل السكان والسوق ومدرستان صغيرتان ومسجد وساحة أمام بيت العمدة.
- حياتهم سهله لا تعقيد فيها..
إيقاعها بسيط..
الكل يعرف الآخر...
الوقت لا ينقضي بسرعة واليوم طويل!!!
تؤرخ الأعوام عندهم بالمواقف التي لا تُنسى أبدا ً !!!
* * *
- ذات صباح أفاق سكان بلدة الأمان من نومهم على خبر مفزع ومريب بنفس الوقت !!!
نقلة إليهم ( وضاح ) الملقب بـ ( فضاح)
لأنه مصدر الأخبار الطازجة والفضائح ويمثل لأهل بلدة الأمان جريدة محلية تصدر لهم بانتظام.
- أنتشر الخبر بين السكان بسرعة وأنتشر معه الخوف والقلق والفزع
قال لهم ( وضاح ) أرسلت الحكومة رجل استخبارات يتجسس ويتلصص علينا!!!
ومما قال أيضا ً أنه رأى معه شنطه وجهاز نقال ومجموعة أوراق وأقلام..!
وأقسـم أنه رأى الرجل وهو يأتي من جهة الجنوب حيث الطريق الوحيدة المؤدية للعالم الخارجي.
- سأله العمدة... وكيف عرفت أنه رجل استخبارات ؟؟؟
فقال وهو يقسـم أنه رآه ...
وهو يدخن السجائر!!
ويمسك كتابا ً صغير ( مجلة ) وينظر في ورقة أعتقد أنها خريطة !!!
ويضع نظارة سوداء على عيناه وساعة يـد في معصمه!!
كما أنه حليق الذقن وطويل القامة!!!
- فقال العمدة في تجهم ينم عن خوف عميق وهو يصفق كف على كف (( لا حولا ولا قوة إلا بالله ))
- أنصرف الجميع وهم مذعورين!!!
كما بدا القلق واضحا ً على الوجوه ... وأنتشر الخوف في الطرقات وممرات وأسواق بلدة الأمان...
الكل قلق وخائف على نفسه ومصيره معتقد أنه المستهدف!!!
الفزع ...الإرتعاش ...التجهم سمات كل شخص منهم في ذاك اليوم!!!
- نبيـل أحس أنه هو المستهدف وذهب مسرعا ً لبيته وبتحديد إلى عشة الدجاج
وأخرج الفيديو وشريط كان يخبأه في عش أحدى الدجاجات وألقى بتلك المصيبة في البئر والتي حصل عليها
عندما كانت أمه تتلقى العلاج في مستشفى العاصمة وهو يُرافقها.
- أما نعيم أعتقد أنه هو مستهدف أيضا ًوأنتابه شعور بالفزع عندما تذكر أنه خبأ تحت وسادته مجموعة من صور عارضات الأزياء .
فأطلق ساقيه للريح.. وأشعل فرن أمه!! الذي تخبز به وقذف بجميع الصور داخل الفرن عندما كانت أمه مشغولة بإطعام عنزاتها الثلاث.
- وأما حليم فعجزت قدماه عن الوقوف عندما تذكر أن كريم أبن العمدة أهداه خمره محلية الصنع...
وكان يهرول ومع ذلك شعر أن الدقائق لا تمضي وحاول جاهدا ً وهو يلهث للوصول لبستان أبيه لكي يُتلف ما تبقى من زجاجة الخمر.
- مسرور لم يذق طعم السرور في ذلك اليوم وضاقت به الدنيا!! وأيقن أن ذلك الرجل أتى من أجله لأنه كان يختلس النظر إلى نساء البلدة من خلال المنظار الذي يمتلكه.
وأعتقد أنهم سيقبضون عليه متلبس مع ذلك المنظار فشرع بتحطيمه بالمطرقة وبعدها ذهب إلى مسجد الحي قبل موعد الصلاة وبدأ يصلي ويستغفر من ذنوبه!!!
هو لم يذهب للمسجد من قبل!!!
- تقـي هو أيضا ً أحس بالقلق وارتعشت يداه, شعر بالندم وتأنيب الضمير !!! فذهب إلى جاره وقبل رأسه وأعتذر له لأنه سرق حذاءه قبل يومان وأعادهما إليه.
-المسكين شريف بدا واثقا ً أنه المقصود لأن سعاد الأرملة التي تسكن في بيت أمها هددته في أخر ليله بأنها ستتقدم بشكوى ضده
لأنه كان يقابلها في وقت متأخر من كل ليله مع أعطائها وعد بأنه سيتزوجها, فأخذ أمه وذهب لخطبة سعاد وهو في غاية الحزن...
- وكذلك العاطل مسعود الذي يستدرج الصبيان ليتنزه معهم بسيارته ويذهب بهم بعيدا ً عن أنظار أهل البلدة
أصيب بالهلع والفزع ظن أنهم قادمين إليه لا محالة فجمع أمتعته وقال لأبيه أنه حصل على عمل في السلك العسكري ودون أن يودع أحد من أهل البلدة هرب مسرعا ً.
- التاجر حسن قام بتعديل الميزان وأزداد حجم الكيلو في ميزانه!!!
-الخباز غسان أصبح رغيفه أكبر وخالي من الشوائب!!!
- بائع الحليب حسّان لم يسكُب الماء في الحليب في ذلك اليوم!!!
- بائع الخضار فرحان لم يضع الخضار الفاسدة في الأسفل والجيدة في الأعلى, بل قام بإلقاء كل ما هو فاسد في حاوية القمامة !!!
- بائع الدجاج سعيد لم يجلب دجاجاته المريضة إلى السوق ذلك الصباح وقام بإلقاء بيضه الفاسد في مكب النفايات!!!
- الجزار عدنان أيضا ً!!! ألقى باللحم الفاسد للقطط بعيدا ً واستخدم المبيد لذباباته التي طالما أقام معها.
- حتى الخياط قاسم أخرج الافته التي تقول (( ممنوع الدخول دون محرم)) من أسفل طاولة وقام بوضعها في الأمام!!!
- أما في الشرق حيث السهول والمراعي فلم تختلط الأغنام مع بعضها كالعادة!!!
كما لم تذهب أي من النساء العاشقات إلى شمال حيث البلدة القديمة والأكواخ والبيوت المهجورة ولم تقع لقاءات حميمة أو ساخنة في ذلك اليوم!!!
احتشمت النساء باللون الأسود ولم يلبسن الضيق من الفساتين ولم يتمايلن بالأسواق كما لم تهتز أجزاء من أجسادهن في ذلك اليوم!!!
- الرجل الغريب الذي أشعل البلدة بالرعب والذي أشيع عنه أنهُ رجل استخبارات قادم إليهم من العاصمة
اتجه إلى أحدهم في أخر النهار بعد انتهائه من التجول في البلدة وأرهقه التعب...
فقال له أنا مسافر على الطريق ألا يوجد في بلدتكم استراحة أو خان لأقيم فيه لليلة واحدة فقط ؟!!
منقول
تقـــبلوا خالـــــص احترامـــــــــــــــي
تحــــــــــــــــــ ღ دلــــــــــــــــــع ღ ـــــــــــــــــــياتي
تعليق