نُوحي بعُقرِ السجنِ نوحي ..فصداهُ في أعماقِ روحي
نوحي فقد سالت جروحُكِ مثلمـا سالـت جروحـي
نوحي فما أغنى غَبوقُـكِ لا ولا أجـدى صَبوحـي
نوحـي وبالسِّـرِ المقـدّسِ لا تبوحـي او فبوحـي
**********
نوحي فجسمكِ مثل جسمي قد طواهُ اليأسُ طيّا
نوحي فروحُكِ مثلُ روحي كمْ كواها الَوجدُ كيّا
نوحي فنفسُكِ مثلُ نفسي لم تجـد زاداً وريّـا
يا للشقـاءِ ، ويالبـؤسِ شقيّـةٍ تهـوى شقيّـا
**********
نوحي فقلبُكِ مثلُ قلبـي لـم يبُـلَّ أوامـهُ
نوحي على طللِ الصّبا ، واستعرضي ايّامه
نوحي على الحبّ البريء وكفّني أحلامـه
نوحي على القلبِ الجريحِ وشيّعي أوهامـه
**********
نوحي على جَدَثِ المنى في غور خافِقِكِ الكئيبْ
نوحي فقد ولّى الربيعُ وأجدب الوادي الخصيب
نوحي فكـم قمريّـةٍ فيـه تنـوحُ وعندليـب
وهناك كمْ من زهرةٍ ذبُلت ، وكم غُصنٍ رطيب
**********
ليلايَ ، يانجوايَ ، يادُنيايَ ، يا املي الوحيد
طَوتِ الفُرُوقُ بساطنا وتنكّر العيشُ الرّغيـدْ
والذكرياتُ مطلّةٌ من كُوَّةِ الماضـي البعيـد
ترنو لحاضِرنا الشقيِّ وتندبُ الماضي السعيدْ
**********
يابنتَ من وأد الفضيلةَ بين أحضانِ الرذيلـة
وطغى فراح يبلُّ من دم كلّ منكوبٍ غليلـهْ
لَهَفي على تلك المشاعر والأحاسيسِ النبيلـهْ
وعلى جمالِكِ والشّبابِ الغضّ ، لهفي ياخميله
زجّوك وا أسفاهُ في سجنِ التقاليـدِ القديمـهْ
للهِ ما كابدتِ فيه مـن الأساليـبِ العقيمـهْ
لا دَرَّ درُّكَ مـن أبٍ فَـظٍّ ووالـدةٍ لئيمـه
ياقاتل اللهُ التعصّبَ ، كم تمخَّضّ عن جريمهْ
قد أرغموكِ على الزواجِ بذلك الّشيخِ الوضيعْ
أغْرَاهمُ بالمالِ وهوَ المـالُ معبـودُ الجميـع
فقضوا على آمالنا ، وجنوا على الحبِّ الرفيعْ
ما راعَ مثلُ الوردِ يذْبُلُ وهو في فصلِ الربيعْ
**********
قد زيّنوا الأحداثَ ـويلهمُ ـوسمَّوها مَخَـادع
كمْ ذُوِّبَت فيها كُبودٌ ، واكتوَت فيهـا اضالِـعْ
وتحطّمتْ مُهَجٌ ، وسالت أنفُسٌ ، وجرَت مدامعْ
هذا ، وما من زاجِرٍ ، كلاّ ولا في الحيِّ رادعْ
**********
زُفَّت وهلْ زُفَّتْ فتاةُ الحيِّ للـزوجِ الحبيـبْ ؟
هل أخفَقَت أم حقَّقتْ بزفافهـا الحلْـم الذّهيـبْ
وارحمتاهُ لها ، فقد زُفَّتْ الى الِّسجـنِ الرهيـبْ
وغَدَت بهِ نهْبَ الجوى ، والشَّجْوَ ، والهمّ المُذيب
**********
هل كانَ في استقبالها فيه سِوى شَبَح الرّدى
قَد أُدْخِلت ليلاً عليهِ فكـان ليـلاً سَرْمَـدَا
شُلّتْ يداهُ فكمْ بها عاثَت ، الا شُلَّـت يـدا
وحسا على صرخاتها دَمَها الزكيَّ وعربدا
**********
أو كانَ أهلُكِ يافتاتي والأقاربَ والصِحابْ
إلا الأراقم والعَقاربَ والثعالبَ والكـلابْ
قدْ شيَّعوكِ ، فخَبِّريني بعدَما طُويَ الكِتابْ
ماذا لقيتِ بذلك القَبر المخيفِ من العَذاب
**********
ليلى ، وما الدُنيا سِوى نارِ الكريمةِ والكريمْ
أوّاهُ من داءٍ قد استشرى وَجُرْحٍ في الصّميمْ
رَبّاهُ رِفقاً بالجديدِ ، فكمْ شكا جَـوْرَ القديـمْ
وطَغَتْ أبالِسةُ الجحِيمِ على ملائكةِ النعيـم
فهد العسكر ..يعد في طليعة شعراء الكويت, وهو من المجددين في الشعر وحياة فهد العسكر سلسلة من الألم والأحزان, نبهت احساسه وأرهفت مشاعره وأقلقت نفسيته وجعلته حاد العاطفة فالذي يقرأ شعره يحس بمرارة الايام وقساوة الحياة التي كان يحس بها شاعرنا , لذلك عاش بائساً وغادر الحياة وهو لا يزال بالبؤس وشعره يزفر بالشقاء والعناء والحرمان.
شاعر متميز كتب عنه الكثير ومن ابرز من كتب عنه الناقد عبدالله زكريا الانصاري في كتابه (فهد العسكر حياته وشعره) وقد بلغ مئتين وخمسين صفحه من القطع الكبير , ونشر بأختصار انه ولد في الكويت وترعرع فيها لكنه عاش رغم ذلك بعيدا عن افكار مجتمعه وبيئته لعد ان فقد بصرة ورماة البعض بالزندقه واتهمه اخرون بالالحاد وجفاه اقاربه واهله والمجتمع بأغلبيه شرائحه , وعلى الرغم من ذلك اقبلو على قرائه شعره الذي طالما غنى فيه فأطرب وناح فأبكى وأنشد فأعجب.
ويبقى شاعرنا مدرسة ادبية ذات فكر متحرر لاتؤمن بالاوضاع الموروثه وتتجه نحو التجديد في الشعر الذي ضمنه سخط الشاعر على متقلبات الدنيا وانتقادة للاعراف والمجتمع الذي عايشه وحنقه عليه صار منبوذاً ومات تعسا يعاني الشؤم والحرمان.
وكل هذه الدفقات الشاعريه كان ديدنها الشكوى من الحياة والمجتمع كقولة
كفي الملام وعلليني
فالشك اودى باليقيني
وتناهدت كبدي الشجون
فمن مجيري من شجوني؟
وأمضني الداء العياء
فمن مغيثي او معيني؟
أماه قد غلب الأسى
فترفقي لا تعذليني
أنا شاعر انا بائس
أنا مستهام فأعذريني
وهذه قصيده طويله يخاطب فيها ليلى ويشكو زمانه نقتطف منها هذه الابيات الاربعه التي يقول فيها :
ورأيت احلام الصبا
والحب صرعى في جفوني
ولفظت روحي فأطبعي
قبل الوداع على جبيني
وإذا مشو بجنازتي
ببنات فكري شيعيني
وإذا دفنت فبللي
بالدمع قبري واذكريني
وهذه قصيدة يعبر فيها شاعرنا عن الاوضاع الوطنيه العربيه تجاه الاوضاع المؤلمة القاسيه السائده انذاك في عالمنا العربي فنراه يذرف الدمع قهرا على ذلك المجد الضائع فيقول مخاطباُ العرب :
يابني العرب إنما الضعف عار
إي وربي سلو الشعوب القوية
كم ضعيف بكى ونادى فراحت
لبكاه تقهقة المدفعيه
لغة النار والحديد هي الفصحى
وحظ الضعيف منها المنية
هاهي الحرب أشعلوها فرحماك
إلهي بالأمة العربية
يابني الفاتحين حتام نبقى
في ركود أين النفوس الأبية؟
غيرنا حقق الأماني وبتنا
لم نحقق لنا ولا أمنية
فمن الغبن أن نعيش عبيداً
أين ذاك الأباءُ أين الحمية؟
تلك القصيدة وغيرها التي كان يستحث فيها همم العرب , ويستنجد بهم ويطلب اليهم ان يحررو انفسهم بحد السلاح, ولا سيما بهذا العصر الذي لا يؤمن إلا بالقوة, فكانت هذة حاله وتلك إلامه بختصار شديد الى ان اصيب بمرض عضال ادخل على اثره المستشفى الاميري بالكويت ومات فيه ولم يمش بجنازته احد لا من اهله ولا من اقاربه وذويه ولاحتى اصدقائه , كان ذلك في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي وتحديداً في 15 من اغسطس 1959 ميلادي عن عمر يناهز الثامنه والثلاثون عاماً على اعتبار انه من مواليد سنة 1913 وبعض الاقوال تقول انه من مواليد 1917 ومما يأسف حقاً ان اشعارة قد حرقت بعد وفاته والتهمت النيران عصارة فكرة ولم يبقى من اثاره إلا ماكان مفرقاً بين اصدقائه.
المصدر كتاب : شعراء ماتو جوعاً
بتعديل وأختصار بسيط مني
اُذْكُريني كُلَّما هَبَّ النَّدامى
لِتَحَسِّيها غَبوقاً، وَصَبوحْ
وإذا ما هَزَّتِ الذكرى الحَمَاما
فَغَدا في الدَّوْحِ يَشْدو، وَيَنُوحْ
اذكريني
****
اذكْرُيني كُلَّما زَفَّ الشَّمُولْ
ذاتَ دَلٍّ وَدَلالٍ أَوْ غُلامْ
وإذا ما اسْتَرْجَعَ الشَّرْبُ العُقولْ
فَغَفَوْا، تَكْلأُهُمْ عَينُ السَّلامْ
اذكريني
****
اذكريني كُلَّما «آذارُ» وَافَى
وارْتَمى سَكْرانَ ما بينَ يَدَيْكِ
وإذا «نَيْسانُ» عَاطاكِ السُّلافا
وَحَنَا شَوْقاً وَتَحْناناً إليْكِ
اذكريني
****
اذكريني كُلَّما هامَ الفَرَاشْ
لارْتِشافِ الرَّاحِ مِنْ ثَغْرِ الزُّهورْ
وإذا ما هاجَكِ الشَّوْقُ وَجَاشْ
صارِخاً في نَفْسِكِ الوَلْهَى الشُّعورْ
اذكريني
****
اذكُريني كُلَّما نَاغَى الهَزارْ
- ثَمِلاً - أفْراخَهُ عِنْدَ الشُّروقْ
وإذا ما هَزَمَ اللَّيْلُ النَّهارْ
واسْتَثارَ الوُرْقَ تَنْحَابُ المشوقْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما الشَّمْأَلُ هَبَّتْ
وَسَرَتْ يا زيْنَةَ الدُّنْيا جَنُوبْ
وإذا ما صَحَتِ الطَّيْرُ وَعَبَّتْ
خَمْرَةَ الفَجْرِ على نَفْحِ الطُّيوبْ
اذكريني
****
اذكريني كلَّما النَّايُ تَرَنَّمْ
وَهَفَا قَلْبٌ على قَرْع الكُؤوسْ
وإذا ما شاعِرُ الحيِّ تَأَلَّمْ
فَبَكى في الشَّجْنِ واسْتَبْكى النُّفوسْ
****
يا مَلاهي الصَّحْبِ في تِلْكَ الرِّمالِ
أنا مُذْ أقْفَرْتِ ، في عَيْشٍ مَريرْ
أنا مَوْتورٌ، ولكنْ ما احْتيالي
آهِ، وا شَوْقي إلى اليومِ الأخيرْ
اذكريني
****
أنا إنْ مِتُّ أَفِيكُمْ يا شبابْ
شاعرٌ يَرْثي شبابَ «العَسْكرِ»؟
بائساً مِثْليَ عَضَّتْهُ الذئابْ
فَغَدا مِنْ هَمِّهِ في سَقَرِ
اذكريني
****
يا رِفاقي أكْؤُسُ الصَّابِ المريرهْ
أجَّجَتْ نارَ الأسى في أضْلُعِي
فإذا ما انْطَلَقَتْ روحي الأسيرهْ
فادْفِنوا كُوبي، وقِيثاري، مَعي
اذكريني
****
فاشْهَقي يا روحُ، وازْفِرْ يا سَعيرْ
واضْطرِبْ يا عَقْلُ، واشْرُدْ يا أَمَلْ
واجْرِ يا دَمْعُ وأَقْبِلْ يا نَذيرْ
وابْكِ يا قَلْبُ وأَسْرِعْ يا أَجَلْ
اذكريني
****
واصْرَخي يا ريحُ وانْحَبْ يا وَتَرْ
واعْبِسي يا كَأْسُ، واغْرُبْ يا قَمَرْ
وتَعَالَيْ وَدِّعي قَبْلَ السَّفَرْ
بُلبُلاً قَصَّ جناحَيْهِ القَدَرْ
حيِّ الأَساتِذةَ الكرامَ تحيَّةً
تُزرى بِعرْفِ المِسْكِ والرَّيْحانِ
عَذرَاءَ مصدَرُها سُوَيْداءُ الحشا
أحلى وأشهى من عروسِ الحان
وأرقُّ منْ نَغَمِ البلابل عندما
تَستَقْبِلُ الاصْباحَ بالألحان
وأخَفُّ من نسماتِ نيسانٍ وقدْ
خطرتْ مُداعبةً غُصونَ البان
وأحرُّ من قلبِ المَشُوقِ إذا دعا
داعي الفراقِ ومُهجةِ الغَيران
فأزفُّهَا لكمُ يشاركُني بها الشْـ
ـشَعبُ الكريمُ وصفوةُ الشُّبَّان
والقلبُ من فَرطِ السُّرورِ مُصفِّقٌ
والروحُ تَرقصُ رقصة النَّشوان
والكلُّ مُغتَبطٌ بَيومِ إيابكُم
فرحٌ وهذى حالةُ الولهان
فلو انَّنا نَستقبلُ العيدَين في
أفراحه لاستَبْشَرَ العِيدان
زَهَتِ المدارسُ وانْثَنى طُلابُها
لقدومكم يتبادَلونَ تهاني
لا غَرْوَ فالطُّلاَّبُ قد عشقوا بكم
صِدقَ الوفا وطَهارةَ الوجدان
والعَطفَ والميلَ البريءَ ولا غرا
بَةَ فالمعلِّم والدٌ مُتفان
شَكَتِ الأُوامَ نُفُوسُهمْ فَتَذوَّقَتْ
تلك النُفُّوسُ حلاوةَ الإيمان
وأمامَ مصباحِ الثَّقافةِ قدْ تلا
شَتْ ظُلمَةُ الأفكار والأذهان
وغَرستمو بحدائق الأرواح كلْ
لَ حميدةٍ والرُّوحُ كالبُستان
فالمرءُ بالعقلِ المنير، وإن دَجا
ما الفرقُ بين المرءِ والحيوان؟
إنَّ الشَّبابَ إذا زَكَتْ أخلاقُه
والنَّفسَ طهَّرها منَ الأدران
هو في البلادِ، ولا إخالُك جاهلا،
بمثابة الأرواح بالأبْدان
هُو قلبُها الخفَّاقُ والرُّكنُ القويـ
ـمُ وسُورُها الحامي من العُدوانِ
****
بالله يا رُسُلَ الثّقَافة خَبِّرو
نا كَيفَ حَالُ الأختِ يا إخواني
أعني فلسطينًا وكيفَ أمينُها
وجنودُهُ وبقيَّةُ السُّكَّان؟
بعدَ الكفاحِ وبعدما بثَّ اليهو
دُ شُرورهُم فيها بكُلِّ مكان
إنِّي سَمِعتُ نِداءها وسَمعتُ تلـ
ـبية الضَّياغِم من بني عدنان
وزئيرَ أشبالِ العُروبةِ من بني
غسَّان لا نُكِبُوا بنو غسَّان
ونقُولُ يا أشبَالَ آسادِ الشَّرَى
جاء اليهودُ ودنَّسوا أحضاني
لا درَّ درُّ الغادرينَ فإنَّهم
وعَدوا اليهودَ بقسمةِ البُلدان
وبنيَّ كالغُرباء في أوطانِهم
أوَ لَيسَ هذا مُنتهى الطُّغيان؟
فهُناكَ فاضت بالدُّموعِ محاجري
وأجَبتُها بتوَجُّعٍ وحَنان
يا مَهبطَ الوحي القديم ومَرقدَ الـ
ـرُّسلِ الكرامِ ومنبعَ الأديان
لا تَحزني لَيستْ بصفقةِ رابحٍ
يا أختُ بل هي صفقةُ الخسران
ما وعدُ (بلفور) سوى أُمنيَّةٍ
ونداؤه ضَربٌ منَ الهذيان
أبناء عَدنانٍ وغسَّانَ وما
ناديتُ غيرَ الصِّيد والشُّجعان
الصَّامدونَ إذا الصُّفُوفُ تلاحَمَت
وتَصادمَ الفُرسانُ بالفُرسان
والضَّاحكونُ إذا الأسنَّةُ والظبا
هَتكَت ظلامَ النَّقعِ باللَّمعان
والهاتفونَ إذا الدِّماءُ تدَفَّقَت
أعني دما الأبطالِ بالميدان
وإذا الصَّوارمُ والقَنا يومَ الوَغى
ذَرَفت على الشَّهداءِ دمعًا قاني
آن الأوانُ وُقِيتُمو كَيد العدا
والخَصمُ بالمرصادِ كالثُّعبان
ثُوروا وردّوا كيدَهُ في نَحرهِ
وذيولهِ لا عاش كلُّ جَبَان
ثُوروا بوجهِ النّاكِثينَ عُهودَكُم
الغاشمينَ. كثورةِ البركان
ما كان بالحسبان أن يَهبُوا اليهو
دَ بلادَنا ما كانَ بالحسبان
لتُبرهِنوا أنَّ النُّفوسَ أبيَّةٌ
ولِيرجُعوا بالذُّلِّ والخذلان
****
يا نشءُ هل من نَهضةٍ نُحيي بهاالـ
ـمجدَ الأثيلَ كنهضةِ الجابان؟
يا نشءُ هل من وَثبةٍ نُشفي بها
هذا الغليلَ كوثبةِ الطليان؟
يا نشءُ هل من صَرخةٍ تَدَعُ العِدا
صرعى الذُّهولِ كَصَرخةِ الألمان؟
...............
..............
هَيْهَاتَ نبني ما بنَاهُ جُدودُنا
وننالُ في هذى الحياةِ أماني
وشريعةُ الهادي غَدَتْ واحسرَتا
في عالم الإهمالِ والنِّسيان
نرجو السَّعادةَ في الحياة ولم نُنفْـ
ـفِذْ في الحياة أوامر القُرآن
بالدين قد نالَ الجُدودُ مُناهُمُ
وغدوا ورَبِّي، بهجَةَ الأزمان
فَتَحوا الفَتُوحَ ومهَّدوا طُرقَ العُلا
واستَسلمَ القاصي لهم والدَّاني
طَرَدوا هِرَقلَ فراحَ يَندبُ ملكهُ
وقَضَوا على كسرى أنو شروان
وعَنَت إلى الخطَّاب تخطبُ ودَّهُ
رُسلُ الملوكِ لهيبةِ السُّلطان
والسَّعدُ رَافَقَ سعْدَ في غَزَواتهِ
فَقَضى صَلاة الفَتحِ بالإيوان
وتقَهقرتْ ذُعرًا لصَولةِ خالدٍ
يومَ النِّزال كتائبُ الرومان
قادَ الجيوشَ بهَّمةٍ وَثَّابَةٍ
وبه تَحُفُّ ملائِكُ الرَّحمن
والمجدُ تَوَّجَهُ بتاٍج زاهِرٍ
ما مِثْلُهُ تاجٌ من التِّيجَان
وغزا صَميمَ الشَّرقِ جيشُ قُتيبةٍ
وتَوغَّلَ ابنُ زيادِ في الأسبان
وبَنى مُعاويةٌ بجلَّقَ عَرشهُ
فأضا سماءَ الشَّرقِ تاجُ الباني
وحَنتْ لهَيبتِهِ الملُوكُ رؤوسَهَا
ولِمنْ تَلاهُ من بني مَروان
وأقام هرونُ الرَّشيد وإبْنُهُ الـ
ـمأمونُ صَرحَ العِلمِ في بَغدان
ومَجالسُ العلماءِ والعظماء والـ
أدباءِ والشُّعراءِ والنّدمَان
واليَومَ، أينَ حَضَارةُ العربِ التي
أنوارُها سَطَعتْ على الأكوانِ؟
وبنَايَةُ المَجدِ التي قد ناطَحَت
هَامَ السِّماكِ ومشعل العِرفان؟
عَصَفتْ بها ريحُ الفَسَادِ فهدَّتِ الـ
أرْكانَ رغمَ مَنَاعَةِ الأركان
وَطَني، وَصَيَّرنا الزَّمانُ أذِلَّةً
لِنَعيشَ في الأوطانِ كالعُبْدَان؟
نعصي أوامرَ كلِّ فردٍ مُصلحٍ
والدِّينُ ينهانا عن العِصيان
والخَتْلُ والتّدجيلُ قد فتَكا بنا
وتَقودُنا الأطماعُ كالعميان
كلٌّ بميدانِ اللذائذِ والهوى
تلقى عَوَاطِفَه بغيرِ عنان
ذو المال نَغفِرُ ذَنبَهُ وَنجلُّهُ
أبدًا فَتَلقاهُ عظيمَ الشَّان
أمَّا الفقيرُ فلا تَسَل عن حالِهِ
حالٌ تُثيرُ لواعجَ الأشجان
والحُرُّ نُشبعُهُ أذىً ونُذيقُهُ
سُوءَ العذابِ ولا يزالُ يُعاني
ونُحيطُ بالتَّعظيمِ كلَّ مُنافق
باعَ الضَّمير بأبخس الأثمان
ما نحنُ في وطنٍ إذا صَرخَ الغيو
رُ به يرى نَفَرًا من الأعوان
ما نحنُ في وطنٍ إذا نادى الأبـ
ـيُّ بهِ يُجابُ نِداهُ يا أقراني
وطنٌ به يتجرَّعُ الأحرارُ وا
أسفاهُ صَابَ البُؤس والحرمان
وَيلاهُ أجنحةُ الصُّقور تكسَّرت
والنَّسرُ لا يقوى على الطَّيران
وأرى الفضاءَ الرَّحب أصبحَ مسرحًا
واحسرتا، للبُومِ والغِربان
والليثُ أمسى بالعَرينِ مُكبَّلاً
والكلبُ يرتَعُ في لحُومِ الضَّان
ما أن يُطبِّل في البلاد مُطَبِّلٌ
حتى تُصَفِّقَ عُصبَةُ الشَّيطان
أو كُلَّما نَعَبَ الغُرابُ وغصَّ في
تَنعابه نَعَبَ الغُرابُ الثَّاني
فلِمَ التَّخاذُلُ والعُروبَةُ أمُّنا
ولمَ الشِّقاقُ ونَحنُ من عَدْنان؟
ولمَ التَّفاخرُ بالموائدِ والملا
بسِ والأثاث وشَاهق الجُدران؟
ولمَ التَّعصُّبُ بالمذاهب، يا بني الـ
أوطانِ، وهو أساسُ كلِّ هوان؟
فقلُوبنا للهِ والأجسامُ للـ
ـغبراءِ والأرواحُ للأوطانِ
فَتعَاضدوا وتكاتَفوا وتآلفوا
وتسانَدوا كَتَسانُدِ البنيان
وتآمروا بالبرِّ والتقوى ولا
تَتآمروا بالإثم والعُدوان
****
تَجري السَّفينةُ في محيطٍ هَائل
وَعُيُوننا تَرنو إلى الرُّبَّان
كَيفَ السَّبيلُ إلى النَّجاةِ ولم تزَلْ
عُرضَ الخِضَمِّ سَفائِنُ القرصَان؟
رَبَّاهُ جار الأقويا فانظُرْ إلى
مَا يَفْعل الإنسانُ بالإنسان
تعليق