من وحي عاشوراء

أرض السواد : غريبي مراد عبدالملك*
لقد جاء في بعض الأحاديث: إن الناس يجتمعون يوم القيامة، فينادى: أين أهل الفضل؟ فيقوم جماعة من الناس و يقولون: نحن أهل الفضل، فيقال لهم: ماذا كنتم تفعلون في الدنيا ؟قالوا: كنا نحب في الله و نبغض في الله فيقال لهم: ادخلوا الجنة بغير حساب.
على هذا الأساس ننطلق هذه الأيام في تربص روحي، تربوي، أخلاقي، سياسي أو بكلمة تربص إسلامي أصيل، تربص ليس بالجامعة الأمريكية أو الفرنسية أو البريطانية و لكن بجامعة كربلاء، الجامعة التي عميدها إمام من أئمة المسلمين و سيد شباب أهل الجنة، حيث نستثير في رحابها ذكرى الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه الصلاة و السلام و الصفوة الطيبة من أهل بيته و أصحابه الكرام...
إنني أدعوكم أحبتي إلى القيام بزيارة روحية علمية أخلاقية لجامعة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، من خلال إسراء روحاني تاريخي هادف و رسالي نتعلم فيه أنه عندما نريد أن نحب أحدا نحبه على أساس قربه من الله و عندما نبغض أحدا نبغضه على أساس بعده عن الله.و ثورة الحسين عليه السلام هي نبراس منير في ذلك كله و أكثر من ذلك على امتداد التاريخ الإنساني و الزمن الإسلامي، كون خطها و مضمونها و التحديات التي تتمثل فيها و من روحيتها نستوحي كل نشاطاتنا الإسلامية العملية.لأن قائد هذه الثورة سيد شباب أهل الجنة و شخصه في كل ما عاشه و ما قاله و ما فعله و ما أوصى به المسلمين يمثل الشرعية الإسلامية...
و حتى نكون من أهل الفضل لابد أن نجسد التشريع الإسلامي و نستقرؤه من خلال استحضار ذكريات الإمام الحسين عليه السلام و أهل بيته عليهم الصلاة و السلام لندرس كل المفردات التي طرحوها في الساحة الإسلامية. لأن الكثير من الناس يخسرون صفة الفضل، كونهم لم يأسسوا علاقاتهم على أساس إسلامي رصين مما جعلهم يتصورون علاقتهم بالحسين عليه السلام كعلاقة بثائر و فقط و يتغاضون عن حق الحسين في المنظومة الإسلامية و ثقل وزنه في المعادلة الحضارية الإسلامية، فيركزون على الحرب و القتال و ما يتعلق بمعركة كربلاء المباركة، دون الإلتفات إلى الأساس الرئيسي لخروج الحسين عليه السلام و تجسيده للقيمة الإسلامية أعظم تجسيد أقصد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الذي نال به وسام بقاء ذكره بذكر الإسلام المحمدي، و هذا النكوص عن الحقيقة الإسلامية التي تجسدت في شخصية أبي عبد الله الحسين عليه السلام لا لشيء سوى لأن القوم لا يقدرون أن يذكروا بني أمية بسوء ،و يزيدهم الشيطان طغيانا و غيا بأن يلوموا أبي عبد الله الحسين عليه السلام على خروجه و هو حجة الله في أرضه ، سبحان الله ما لهم كيف يحكمون؟
في هذا الإطار، أيها الأحبة، لابد أن نرفض الكثير من الكلمات المسؤولة و الغير مسؤولة التي يوصف بها الإمام الحسين عليه السلام و كذا الخانات التي توضع فيها شخصية الإمام عليه السلام، بل لابد أن نقول للعالم الإمام الحسين عليه السلام عاش و تكلم و تحرك و قاتل وتصدى للواقع على أساس ديني إسلامي أصيل، لا عن إجتهاد، بل كان و لايزال و سيبقى الحسين عليه السلام قائدا و رائدا للإصلاح الإسلامي و إمام المسلمين عبر التاريخ الإنساني و الزمن الإسلامي.
و حبنا و ولايتنا للحسين عليه السلام، معناها أن ننطلق من ديننا و تشريعنا و إخلاصنا لله و للرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام و المعصومة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام و للحسن المجتبى عليه السلام و للحجة عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف، ليس حبا و ولاية نتقولها بالألسن و ننكرها بالجوارح و بالسياسة، إنها كما كل المودة و الحب و الولاية للنبي الأكرم و أهل بيته الأطهار عليهم السلام أمر تعب مستتعب لا يقدر على حمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان...
و الإمام الحسين عليه السلام، أبدا لم يكن شخصية شيعية بل المسلم الصادق الأمين الأسوة الحسنة و الإمام المجتبى، بل القضية أن شيعة أهل البيت عليهم السلام إرتبطوا بالحسين عليه السلام و أئمة الهدى عليهم السلام من خلال إنتمائهم للإسلام شكلا و مضمونا و التزموا بالإسلام عقلا و قلبا و انتماءا و تاريخا و ليس وراثة أو نسبا أو جغرافية بل عرفوا الإسلام الحقيقي و أئمته عبر التاريخ كما عينهم الله و نعتهم رسوله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، مما فرض عليهم الانطلاق في رحاب قادة أهل الفضل و سادتهم عليهم السلام.و المسألة كلها أن الله سبحانه و تعالى جعل للإنسان على نفسه بصيرة و شرف المسلم بعقيدة و شريعة تحرك معادلة الإسلام في وجوده كله(معادلة الثقلين).
أيها المسلمون، الارتباط بالحسين عليه السلام مسألة صعبة جدا، لأن ذكرى عاشوراء تريد للمسلم أن يتمرد على عصبياته الذاتية و العائلية و السياسية و الطائفية، إنها الثورة على العصبية الجاهلية و على الظلم الإستكباري، و من ثمة تكون النتيجة الدخول إلى الجنة بغير حساب.
سوف نبقى نحلق على طول هذه الأيام المباركة و حتى بداية شهر صفر في أجواء كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام لنفهمها و نتصور من خلالها خصوصيات الثورة الحسينية كخطوة متقدمة في المسيرة الإسلامية و الثورة الإسلامية و الحركة الإسلامية و الخط الإسلامي، التي وضع معالمها و أركانها و خطوطها الأساسية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام و الصحابة الكرام و الحسن المجتبى عليه السلام و أرادونا نسير عليها كما سارت عقيلة أهل البيت عليهم السلام السيدة زينب عليها السلام و من بعدها أئمة الهدى عليهم السلام و شيعتهم عبر التاريخ، حتى نلتقي بالحجة ابن الحسن صاحب العصر و الزمان عجل الله فرجه الشريف و عليه الصلاة و السلام.
من هذا كله، ليس التشيع للحسين عليه السلام تشيع لشخص بل تشيع لإمام مجتبى و لشريعة سمحاء و لخط إسلامي أصيل، كما أن إحياء ذكرى واقعة الطف هو تجديد البيعة للثائر الإسلامي من اجل الحرية الإسلامية التي حدثني عنها ذات يوم أحد شهداء المدرسة الحسينية في هذا الزمان الشهيد حسين معن تلميذ الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في كتابه (الحرية في الإسلام).
إن هذا المنطق المحمدي الوجود، الحسيني البقاء، المهدوي الظهور و البزوغ، شأنه شأن المعجم الذي يكون ملاذ طلاب المعرفة الإسلامية العملية الصافية و العطرة، فهناك مفاهيم في الثورة الحسينية يجب أن نعيها و نركزها في نفوسنا حتى لا نجعل من مسألة كربلاء عنوان تاريخي جامد حبيس المجلدات، لان أئمة أهل البيت عليهم السلام إنما أرادوا منا أن نبقى مع كربلاء الحسين و العباس عليهما السلام و كل الشهداء طوال هذه القرون و حتى نحرر نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و مجتمعاتنا من قيود الاستكبار و جرائمه و من حب التخلف و العبودية و الضلال و الجهل و الرضا بها، أرادونا أن نحرك ذلك كله من خلال دراسة مجتمع كربلاء، فسب يزيد و بن زياد و أذنابهم و البراء منهم يستدعي منا معرفة منطق يزيد و ذهنية مجتمع يزيد، حتى نقدر على فك ألغاز تخلفنا و شتاتنا و جبننا، و حتى يكون بغضي ليزيد ليس للشخص فقط بل للفكرة اليزيدية و الفرعونية ككل، هذا ما يجب أن نفكر فيه عندما نريد أن نستحضر ذكرى الإمام الحسين عليه السلام إسلاميا.
الإمام أبي عبد الله عليه السلام قاتل من موقع رسالي كما قاتل والده أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرجو لو أن عدوه يهتدي إلى سبيل الرشاد فيحقن الدماء بالرجوع عن غيه.هكذا كان الحسين عليه السلام ينصح و يعظ و يرشد بروح إسلامية حتى في ليلة العاشر من محرم كما ورد في الآثر. بينما أهل الإرهاب في عصرنا يقاتلون من موقع ذاتي، عائلي، طائفي، سياسي، من خلال العقدة و من خلال الاستعباد و من خلال الجهل و التخلف. ما عسانا نقول لهم سوى ما قال مولاي و سيدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام: "لي عملي و لكم عملكم".
أحبتي، هذه نظرة خاطفة عن الجامعة الحسينية، التي تقول لنا: " فلم يبعد من كان الحق نيته" ( البحار ج 44 ص365، رواية 3، باب 37) توحي لنا أن نبحث لنعرف الحق و كربلاء بحق كانت معادلة متنوعة المجاهيل منها الموجب و منها السالب، صعب حلها و لكن يظل عنوان الحسين عليه السلام رائد الإصلاح الإسلامي هو الحل الوحيد الواجب معرفته أحسن المعرفة من الناس أجمعين لحل معادلة الإستكبار و الإستبداد و التخلف ككل.
أيها الإخوة، جميعا، علينا أن نكتشف كيف نتشيع و علينا أن نكتشف هل فعلا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام و نكتشف أعداء التشيع من هم ؟ ليس عدونا الجواني فقط ، و لكن الذي يترصد تخلفنا و انحرافاتنا،كي يسقط روح الثورة في نفوسنا و يسقط روح الإسلام في حياتنا و يسقط كل الحياة الكريمة.
لأن العهد الذي عاهدنا عليه الحسين و أصحابه و من قبل الله و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة الزهراء و الحسن عليهم السلام و في ذلك أئمة الهدى عليهم السلام و في هذا ما نعاهد عليه كل يوم جمعة بعد صلاة العصر الحجة عجل الله فرجه الشريف.هذا العهد كله هو عهد الله، الذي لابد من الوعي بالوفاء به ، من خلال تقوية حركة الإصلاح الإسلامي في نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و بيوتنا و مجتمعاتنا لأنه كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم : كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته.
ليس من عادتي أن اكتب عن عاشوراء بهذه الصراحة و الإنفتاح، و لكن واقعنا الإسلامي يشعرني بالخطر القادم بإتجاه مستقبل المسألة الحسينية، كما أخشى أن تكر السبحة و نبقى نبكي و نتباكى و نتقاذف التهم و السباب و التكفير و نصرخ صراخ العاجزين و يبقى الإعلام الرسالي مشروع رهن الأدراج و يبقى علماء الدين يتحدثون عن البراء و الولاء و الأعذار و الأخطاء، دون الإلتفات للقلاع الإسلامية التي نفقدها واحدة تلو الأخرى على أساس الواقعية و القضاء و القدر الذي ساء فهمه.
أريد فقط أن اختم بكلمة، إن الحسين عليه السلام لبى نداء أهل الكوفة صورة بينما روحا لبى نداء الله فهل شيعة الحسين عليه السلام و من يعتقدون ولايته و إمامته و ولاية و إمامة أجداده و أولاده عليهم الصلاة و السلام، بإمكانهم تلبية نداء المستضعفين (الشيعة و السنة) في العراق و أفغانستان و فلسطين و شمال إفريقيا و شمال الصين و أروبا الشرقية و في العالم ككل.
لا نريد إجابة الآن، بل إجابة مصداقا لقوله تبارك و تعالى:" و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون" (التوبة /105)
(*) كاتب و باحث إسلامي جزائري
[email protected]

أرض السواد : غريبي مراد عبدالملك*
لقد جاء في بعض الأحاديث: إن الناس يجتمعون يوم القيامة، فينادى: أين أهل الفضل؟ فيقوم جماعة من الناس و يقولون: نحن أهل الفضل، فيقال لهم: ماذا كنتم تفعلون في الدنيا ؟قالوا: كنا نحب في الله و نبغض في الله فيقال لهم: ادخلوا الجنة بغير حساب.
على هذا الأساس ننطلق هذه الأيام في تربص روحي، تربوي، أخلاقي، سياسي أو بكلمة تربص إسلامي أصيل، تربص ليس بالجامعة الأمريكية أو الفرنسية أو البريطانية و لكن بجامعة كربلاء، الجامعة التي عميدها إمام من أئمة المسلمين و سيد شباب أهل الجنة، حيث نستثير في رحابها ذكرى الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه الصلاة و السلام و الصفوة الطيبة من أهل بيته و أصحابه الكرام...
إنني أدعوكم أحبتي إلى القيام بزيارة روحية علمية أخلاقية لجامعة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، من خلال إسراء روحاني تاريخي هادف و رسالي نتعلم فيه أنه عندما نريد أن نحب أحدا نحبه على أساس قربه من الله و عندما نبغض أحدا نبغضه على أساس بعده عن الله.و ثورة الحسين عليه السلام هي نبراس منير في ذلك كله و أكثر من ذلك على امتداد التاريخ الإنساني و الزمن الإسلامي، كون خطها و مضمونها و التحديات التي تتمثل فيها و من روحيتها نستوحي كل نشاطاتنا الإسلامية العملية.لأن قائد هذه الثورة سيد شباب أهل الجنة و شخصه في كل ما عاشه و ما قاله و ما فعله و ما أوصى به المسلمين يمثل الشرعية الإسلامية...
و حتى نكون من أهل الفضل لابد أن نجسد التشريع الإسلامي و نستقرؤه من خلال استحضار ذكريات الإمام الحسين عليه السلام و أهل بيته عليهم الصلاة و السلام لندرس كل المفردات التي طرحوها في الساحة الإسلامية. لأن الكثير من الناس يخسرون صفة الفضل، كونهم لم يأسسوا علاقاتهم على أساس إسلامي رصين مما جعلهم يتصورون علاقتهم بالحسين عليه السلام كعلاقة بثائر و فقط و يتغاضون عن حق الحسين في المنظومة الإسلامية و ثقل وزنه في المعادلة الحضارية الإسلامية، فيركزون على الحرب و القتال و ما يتعلق بمعركة كربلاء المباركة، دون الإلتفات إلى الأساس الرئيسي لخروج الحسين عليه السلام و تجسيده للقيمة الإسلامية أعظم تجسيد أقصد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الذي نال به وسام بقاء ذكره بذكر الإسلام المحمدي، و هذا النكوص عن الحقيقة الإسلامية التي تجسدت في شخصية أبي عبد الله الحسين عليه السلام لا لشيء سوى لأن القوم لا يقدرون أن يذكروا بني أمية بسوء ،و يزيدهم الشيطان طغيانا و غيا بأن يلوموا أبي عبد الله الحسين عليه السلام على خروجه و هو حجة الله في أرضه ، سبحان الله ما لهم كيف يحكمون؟
في هذا الإطار، أيها الأحبة، لابد أن نرفض الكثير من الكلمات المسؤولة و الغير مسؤولة التي يوصف بها الإمام الحسين عليه السلام و كذا الخانات التي توضع فيها شخصية الإمام عليه السلام، بل لابد أن نقول للعالم الإمام الحسين عليه السلام عاش و تكلم و تحرك و قاتل وتصدى للواقع على أساس ديني إسلامي أصيل، لا عن إجتهاد، بل كان و لايزال و سيبقى الحسين عليه السلام قائدا و رائدا للإصلاح الإسلامي و إمام المسلمين عبر التاريخ الإنساني و الزمن الإسلامي.
و حبنا و ولايتنا للحسين عليه السلام، معناها أن ننطلق من ديننا و تشريعنا و إخلاصنا لله و للرسول صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام و المعصومة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام و للحسن المجتبى عليه السلام و للحجة عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف، ليس حبا و ولاية نتقولها بالألسن و ننكرها بالجوارح و بالسياسة، إنها كما كل المودة و الحب و الولاية للنبي الأكرم و أهل بيته الأطهار عليهم السلام أمر تعب مستتعب لا يقدر على حمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان...
و الإمام الحسين عليه السلام، أبدا لم يكن شخصية شيعية بل المسلم الصادق الأمين الأسوة الحسنة و الإمام المجتبى، بل القضية أن شيعة أهل البيت عليهم السلام إرتبطوا بالحسين عليه السلام و أئمة الهدى عليهم السلام من خلال إنتمائهم للإسلام شكلا و مضمونا و التزموا بالإسلام عقلا و قلبا و انتماءا و تاريخا و ليس وراثة أو نسبا أو جغرافية بل عرفوا الإسلام الحقيقي و أئمته عبر التاريخ كما عينهم الله و نعتهم رسوله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، مما فرض عليهم الانطلاق في رحاب قادة أهل الفضل و سادتهم عليهم السلام.و المسألة كلها أن الله سبحانه و تعالى جعل للإنسان على نفسه بصيرة و شرف المسلم بعقيدة و شريعة تحرك معادلة الإسلام في وجوده كله(معادلة الثقلين).
أيها المسلمون، الارتباط بالحسين عليه السلام مسألة صعبة جدا، لأن ذكرى عاشوراء تريد للمسلم أن يتمرد على عصبياته الذاتية و العائلية و السياسية و الطائفية، إنها الثورة على العصبية الجاهلية و على الظلم الإستكباري، و من ثمة تكون النتيجة الدخول إلى الجنة بغير حساب.
سوف نبقى نحلق على طول هذه الأيام المباركة و حتى بداية شهر صفر في أجواء كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام لنفهمها و نتصور من خلالها خصوصيات الثورة الحسينية كخطوة متقدمة في المسيرة الإسلامية و الثورة الإسلامية و الحركة الإسلامية و الخط الإسلامي، التي وضع معالمها و أركانها و خطوطها الأساسية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام و الصحابة الكرام و الحسن المجتبى عليه السلام و أرادونا نسير عليها كما سارت عقيلة أهل البيت عليهم السلام السيدة زينب عليها السلام و من بعدها أئمة الهدى عليهم السلام و شيعتهم عبر التاريخ، حتى نلتقي بالحجة ابن الحسن صاحب العصر و الزمان عجل الله فرجه الشريف و عليه الصلاة و السلام.
من هذا كله، ليس التشيع للحسين عليه السلام تشيع لشخص بل تشيع لإمام مجتبى و لشريعة سمحاء و لخط إسلامي أصيل، كما أن إحياء ذكرى واقعة الطف هو تجديد البيعة للثائر الإسلامي من اجل الحرية الإسلامية التي حدثني عنها ذات يوم أحد شهداء المدرسة الحسينية في هذا الزمان الشهيد حسين معن تلميذ الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في كتابه (الحرية في الإسلام).
إن هذا المنطق المحمدي الوجود، الحسيني البقاء، المهدوي الظهور و البزوغ، شأنه شأن المعجم الذي يكون ملاذ طلاب المعرفة الإسلامية العملية الصافية و العطرة، فهناك مفاهيم في الثورة الحسينية يجب أن نعيها و نركزها في نفوسنا حتى لا نجعل من مسألة كربلاء عنوان تاريخي جامد حبيس المجلدات، لان أئمة أهل البيت عليهم السلام إنما أرادوا منا أن نبقى مع كربلاء الحسين و العباس عليهما السلام و كل الشهداء طوال هذه القرون و حتى نحرر نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و مجتمعاتنا من قيود الاستكبار و جرائمه و من حب التخلف و العبودية و الضلال و الجهل و الرضا بها، أرادونا أن نحرك ذلك كله من خلال دراسة مجتمع كربلاء، فسب يزيد و بن زياد و أذنابهم و البراء منهم يستدعي منا معرفة منطق يزيد و ذهنية مجتمع يزيد، حتى نقدر على فك ألغاز تخلفنا و شتاتنا و جبننا، و حتى يكون بغضي ليزيد ليس للشخص فقط بل للفكرة اليزيدية و الفرعونية ككل، هذا ما يجب أن نفكر فيه عندما نريد أن نستحضر ذكرى الإمام الحسين عليه السلام إسلاميا.
الإمام أبي عبد الله عليه السلام قاتل من موقع رسالي كما قاتل والده أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرجو لو أن عدوه يهتدي إلى سبيل الرشاد فيحقن الدماء بالرجوع عن غيه.هكذا كان الحسين عليه السلام ينصح و يعظ و يرشد بروح إسلامية حتى في ليلة العاشر من محرم كما ورد في الآثر. بينما أهل الإرهاب في عصرنا يقاتلون من موقع ذاتي، عائلي، طائفي، سياسي، من خلال العقدة و من خلال الاستعباد و من خلال الجهل و التخلف. ما عسانا نقول لهم سوى ما قال مولاي و سيدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام: "لي عملي و لكم عملكم".
أحبتي، هذه نظرة خاطفة عن الجامعة الحسينية، التي تقول لنا: " فلم يبعد من كان الحق نيته" ( البحار ج 44 ص365، رواية 3، باب 37) توحي لنا أن نبحث لنعرف الحق و كربلاء بحق كانت معادلة متنوعة المجاهيل منها الموجب و منها السالب، صعب حلها و لكن يظل عنوان الحسين عليه السلام رائد الإصلاح الإسلامي هو الحل الوحيد الواجب معرفته أحسن المعرفة من الناس أجمعين لحل معادلة الإستكبار و الإستبداد و التخلف ككل.
أيها الإخوة، جميعا، علينا أن نكتشف كيف نتشيع و علينا أن نكتشف هل فعلا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام و نكتشف أعداء التشيع من هم ؟ ليس عدونا الجواني فقط ، و لكن الذي يترصد تخلفنا و انحرافاتنا،كي يسقط روح الثورة في نفوسنا و يسقط روح الإسلام في حياتنا و يسقط كل الحياة الكريمة.
لأن العهد الذي عاهدنا عليه الحسين و أصحابه و من قبل الله و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة الزهراء و الحسن عليهم السلام و في ذلك أئمة الهدى عليهم السلام و في هذا ما نعاهد عليه كل يوم جمعة بعد صلاة العصر الحجة عجل الله فرجه الشريف.هذا العهد كله هو عهد الله، الذي لابد من الوعي بالوفاء به ، من خلال تقوية حركة الإصلاح الإسلامي في نفوسنا و عقولنا و قلوبنا و بيوتنا و مجتمعاتنا لأنه كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم : كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته.
ليس من عادتي أن اكتب عن عاشوراء بهذه الصراحة و الإنفتاح، و لكن واقعنا الإسلامي يشعرني بالخطر القادم بإتجاه مستقبل المسألة الحسينية، كما أخشى أن تكر السبحة و نبقى نبكي و نتباكى و نتقاذف التهم و السباب و التكفير و نصرخ صراخ العاجزين و يبقى الإعلام الرسالي مشروع رهن الأدراج و يبقى علماء الدين يتحدثون عن البراء و الولاء و الأعذار و الأخطاء، دون الإلتفات للقلاع الإسلامية التي نفقدها واحدة تلو الأخرى على أساس الواقعية و القضاء و القدر الذي ساء فهمه.
أريد فقط أن اختم بكلمة، إن الحسين عليه السلام لبى نداء أهل الكوفة صورة بينما روحا لبى نداء الله فهل شيعة الحسين عليه السلام و من يعتقدون ولايته و إمامته و ولاية و إمامة أجداده و أولاده عليهم الصلاة و السلام، بإمكانهم تلبية نداء المستضعفين (الشيعة و السنة) في العراق و أفغانستان و فلسطين و شمال إفريقيا و شمال الصين و أروبا الشرقية و في العالم ككل.
لا نريد إجابة الآن، بل إجابة مصداقا لقوله تبارك و تعالى:" و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون" (التوبة /105)
(*) كاتب و باحث إسلامي جزائري
[email protected]
تعليق