تحريم مناصرة حزب الله.. مراجعة فقهية
تبيان مواقف العلماء من مقاومة حزب الله لإسرائيل شيء يدعو إلى الدهشة، فكأن الاختلاف بين العلماء يجب أن يكون سائدًا في كل شيء، حتى في قضايا الأمة، ويبدو أنه مع كثرة ما كُتب في أحكام الفتوى وآدابها، أنه من المهم أن يراجع المفتون هذه الأصول وتطبيقها، أو أن تكون هناك مراجعات لغيرهم من المتخصصين حتى يبينوا لهم مدى التزامهم بأحكام وآداب الفتوى.
وليس من المخيف أن يكون هناك اختلاف في نتائج عملية الاجتهاد، ولكن المخيف هو عدم قراءة موضوع الفتوى بشكل يتوافر فيه أدوات الاجتهاد الفقهي، وخاصة فيما يخص قضايا الأمة؛ إذ فرق بين فتاوى الأفراد والآحاد، وبين فتاوى الأمة العامة.
آراء العلماء
والمتتبع للآراء الفقهية التي تتعلق بمقاومة حزب الله، يجد أن العلماء انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يحرم مناصرة حزب الله ويدعو الأمة إلى تخذيلهم، وعدم الفرح بما يحققون من نصر على الصهاينة، ويدّعي بعضهم أن مشروع حزب الله كجزء من المشروع الإيراني الشيعي شر على الأمة من المشروع الصهيوأمريكي. وممن قال بحرمة مناصرة الله الشيخ عبد الله بن جبرين، شريطة أن يتم التأكد أنهم يؤمنون بمبادئ الروافض، والدكتور ناصر العمر، وبعض المثقفين الإسلاميين كالدكتور محمد العبدة، والدكتور محمد بسام، وغيرهم.
الثاني: فريق يرى أنه ليس من الحكمة تخذيل حزب الله الآن، مع الإقرار بالخلاف الشديد بينهم من الناحية العقدية وغيرها، وإن لم يذهبوا لتكفيرهم وإليه ذهب الشيخ سلمان بن فهد العودة.
الثالث: اعتبار مناصرة حزب الله واجب شرعي لا يجوز تخذيلهم، وإليه ذهب عدد كبير من العلماء، كالشيخ يوسف القرضاوي، والمستشار فيصل مولوي، وعدد من علماء الأزهر، كالدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور علي جمعة مفتي مصر، والشيخ جمال قطب، والشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقًا والدكتور محسن العواجي من علماء السعودية ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية والذي يرأسه الدكتور حسين حامد، ومعه لفيف من علماء الشريعة كالدكتور وهبة الزحيلي، والدكتور صلاح الصاوي، والدكتور محمد رأفت عثمان، وغيرهم من العلماء
.
بناء الفتوى
وبنى الفريق الأول الذي ذهب لتحريم مناصرة حزب الله أن الحزب شيعي، ويذهب هذا الفريق إلى تكفير حزب الله لما بين السنة والشيعة من خلاف عقدي، كما أنهم يربطون بين ما يقوم به شيعة العراق من قتل السنة وعلاقة شيعة العراق ولبنان بشيعة إيران، وما يربط ذلك من مشروع شيعي في المنطقة.
وبنى الفريق الثاني أنه وإن كان هناك خلاف عقدي بين السنة والشيعة غير أنه من الخطأ إظهار هذا الخلاف في هذا الوقت، بناء على قاعدة "درء المفاسد"؛ لأن مفسدة تشتيت الأمة الآن يدعو إلى هزيمتها، وبناء على فقه المصالح.
وبنى الفريق الثالث رأيه على أن الشيعة وإن كانوا يخالفون أهل السنة في بعض المعتقدات فإنها لا تصلح إلى حد التكفير كما يذهب الفريق الأول، وأن الفقيه ليس ملزمًا بالتفتيش في قلوب الخلق سعيًا لتكفيرهم، وأن الشيعة من أهل التوحيد والقبلة، فهم يؤمنون بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، وإن كانوا يأتون بعض الكبائر التي تُنكر عليهم، فإن هذا لا يدعو إلى تكفيرهم، فيكون لهم من حقوق النصرة والمؤازرة لما للمسلمين، والتفريق بين حزب الله كقوى مجاهدة، وبين شيعة العراق الذين يتورطون في قتل أهل السنة ظلمًا وعدوانًا.
كما نظر كل من الفريق الثاني والثالث إلى خطر المشروع الصهيوني الذي هو عدو كل المسلمين سنة وشيعة، وإلى إحياء فريضة الجهاد وعدم تثبيط المجاهدين، وأثر تخذيل حزب الله على الجهاد الفلسطيني
.
محددات الفتوى
وأرى أن هناك محددات يجب النظر إليها في الاجتهاد الفقهي فيما يخص مناصرة حزب الله، وهي:
1 - أنه من الناحية العقدية إن كان هناك من العلماء من يكفر بعض الفئات والبعض يرى عدم التكفير، فإن عدم التكفير يقدم على التكفير؛ لأن خطأ المجتهد في تكفير المسلم أشد من حكمه على الإبقاء على الإسلام، وأن المقر بالتوحيد وهو من أهل القبلة فهو مسلم، إلا إذا أتى ما يكفره صراحة.
2 - أن الاجتهاد في مسألة مناصرة حزب الله لها أبعاد سياسية يجب ألا تخفى على الفقيه المجتهد، من ذلك سعي أمريكا إلى شرق أوسط جديد من خلال القضاء على المقاومة الجهادية والتي تتمثل في فصائل المقاومة الفلسطينية، ومقاومة حزب الله؛ لأنهما تمثلان ضغطًا يحول بينهم وبين ما يريدون بعد التخاذل العربي، بل العمالة التي تكاد تكون ظاهرة، فلن يدافع عن الإسلام أحد من حكام العرب، وإعلان حكام العرب أنهم لن يدخلوا حربًا مع إسرائيل، بل ما نُقل من بعض الدول العربية أنها تبارك ما تفعله إسرائيل من قصف حزب الله، وغير ذلك، ففي الإفتاء بتحريم مناصرة حزب الله تخذيل للمقاومة والجهاد، وإعزاز للأعداء، وهو لا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ" (الممتحنة: 1 - 2)، وأنه بناء على فقه المآلات فإن من الواجب نصرة المقاومة الإسلامية سواء أكانت في فلسطين أو لبنان أو غيرهما.
3 - أن من المقرر شرعًا نصرة المظلوم كأحد مبادئ الإسلام دون النظر إلى طبيعة المظلوم ولو كان غير مسلم، فكان مناصرة المسلم المظلوم أولى، وقد عُرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وقفته مع المظلوم، ولو كان غير مسلم، ففي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهدت حلف بني هاشم وزهرة وتيم فما يسرني أن نعطيه ولي حمر النعم، ولو دعيت له اليوم لأجبت على أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ المظلوم من الظالم" رواه البزار.
وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإن ذلك نصره".
4 - أنه من باب القياس مع الفارق أن الله تعالى جعل نصر الروم، وهم أهل الكتاب على الفرس أحب إلى المؤمنين، بل ووصفه بأنه نصر من عنده سبحانه وتعالى، كما قال في أوائل سورة الروم: "الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الروم: 1 - 5)، فكان من باب أولى أن نفرح لنصر إخواننا من الشيعة.
5 - أنه ثبت على أرض الواقع أن مجموعات من السنة تحارب مع حزب الله، وهذا يعني أن هناك اتحادًا من المسلمين في لبنان وتنسيقًا للجهاد، ولو كانت الكثرة لحزب الله.
6 - أنه كان من الواجب إدراك الأبعاد السياسية والتي اتحدت فيها كلمة الساسة اللبنانيين مع اختلافهم الشديد فيهما بينهم من الرؤى والأفكار والمرجعيات، من تأجيل الخلاف والاتحاد ضد العدو الصهيوني، ولكن بدا ساسة لبنان أفقه من عدد كبير من المشايخ والعلماء.
7 - أنه ليس من الفقه ولا من الشرع أن يُقال: إن المشروع الشيعي أكبر خطرًا على الأمة من المشروع الصهيوني، فالشيعة من الأمة مع الخلاف بينهم وبين أهل السنة، والقرآن الكريم وإن اعتبر اليهود والنصارى أهل كتاب، لكنه فرق بينهم، فجعل اليهود أشد عداوة للمؤمنين من النصارى، فقال تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة: 82).
8 - أنه يجب التفرقة بين شيعة العراق وشيعة إيران وشيعة لبنان، فليست الشيعة شيئًا واحدًا، فلا شك أن الأوضاع السياسية تختلف من بلد لآخر، فليس أهل السنة كلهم شيئًا واحدًا، كما الشيعة ليست شيئًا واحدًا.
9 - أن الاقتتال بين المسلمين ليس مُخرجًا عن الملة، وإن كان فاعله يأتي كبيرة من الكبائر التي يحاسب عليها حسابًا شديدًا عند الله تعالى، ولكن الله تعالى ما أخرج المسلمين الذين يتقاتلون عن الملة، فقال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات: 9 - 10).
وهذه آراء العلماء في مسألة، سواء أكانت تصريحًا للموقف من حزب الله، وهو الغالب، أو كانت تتحدث عن عقيدة حزب الله محل الجدل وسبب الخلاف بين العلماء في فتاواهم
تبيان مواقف العلماء من مقاومة حزب الله لإسرائيل شيء يدعو إلى الدهشة، فكأن الاختلاف بين العلماء يجب أن يكون سائدًا في كل شيء، حتى في قضايا الأمة، ويبدو أنه مع كثرة ما كُتب في أحكام الفتوى وآدابها، أنه من المهم أن يراجع المفتون هذه الأصول وتطبيقها، أو أن تكون هناك مراجعات لغيرهم من المتخصصين حتى يبينوا لهم مدى التزامهم بأحكام وآداب الفتوى.
وليس من المخيف أن يكون هناك اختلاف في نتائج عملية الاجتهاد، ولكن المخيف هو عدم قراءة موضوع الفتوى بشكل يتوافر فيه أدوات الاجتهاد الفقهي، وخاصة فيما يخص قضايا الأمة؛ إذ فرق بين فتاوى الأفراد والآحاد، وبين فتاوى الأمة العامة.
آراء العلماء
والمتتبع للآراء الفقهية التي تتعلق بمقاومة حزب الله، يجد أن العلماء انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يحرم مناصرة حزب الله ويدعو الأمة إلى تخذيلهم، وعدم الفرح بما يحققون من نصر على الصهاينة، ويدّعي بعضهم أن مشروع حزب الله كجزء من المشروع الإيراني الشيعي شر على الأمة من المشروع الصهيوأمريكي. وممن قال بحرمة مناصرة الله الشيخ عبد الله بن جبرين، شريطة أن يتم التأكد أنهم يؤمنون بمبادئ الروافض، والدكتور ناصر العمر، وبعض المثقفين الإسلاميين كالدكتور محمد العبدة، والدكتور محمد بسام، وغيرهم.
الثاني: فريق يرى أنه ليس من الحكمة تخذيل حزب الله الآن، مع الإقرار بالخلاف الشديد بينهم من الناحية العقدية وغيرها، وإن لم يذهبوا لتكفيرهم وإليه ذهب الشيخ سلمان بن فهد العودة.
الثالث: اعتبار مناصرة حزب الله واجب شرعي لا يجوز تخذيلهم، وإليه ذهب عدد كبير من العلماء، كالشيخ يوسف القرضاوي، والمستشار فيصل مولوي، وعدد من علماء الأزهر، كالدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور علي جمعة مفتي مصر، والشيخ جمال قطب، والشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقًا والدكتور محسن العواجي من علماء السعودية ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية والذي يرأسه الدكتور حسين حامد، ومعه لفيف من علماء الشريعة كالدكتور وهبة الزحيلي، والدكتور صلاح الصاوي، والدكتور محمد رأفت عثمان، وغيرهم من العلماء
.
بناء الفتوى
وبنى الفريق الأول الذي ذهب لتحريم مناصرة حزب الله أن الحزب شيعي، ويذهب هذا الفريق إلى تكفير حزب الله لما بين السنة والشيعة من خلاف عقدي، كما أنهم يربطون بين ما يقوم به شيعة العراق من قتل السنة وعلاقة شيعة العراق ولبنان بشيعة إيران، وما يربط ذلك من مشروع شيعي في المنطقة.
وبنى الفريق الثاني أنه وإن كان هناك خلاف عقدي بين السنة والشيعة غير أنه من الخطأ إظهار هذا الخلاف في هذا الوقت، بناء على قاعدة "درء المفاسد"؛ لأن مفسدة تشتيت الأمة الآن يدعو إلى هزيمتها، وبناء على فقه المصالح.
وبنى الفريق الثالث رأيه على أن الشيعة وإن كانوا يخالفون أهل السنة في بعض المعتقدات فإنها لا تصلح إلى حد التكفير كما يذهب الفريق الأول، وأن الفقيه ليس ملزمًا بالتفتيش في قلوب الخلق سعيًا لتكفيرهم، وأن الشيعة من أهل التوحيد والقبلة، فهم يؤمنون بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، وإن كانوا يأتون بعض الكبائر التي تُنكر عليهم، فإن هذا لا يدعو إلى تكفيرهم، فيكون لهم من حقوق النصرة والمؤازرة لما للمسلمين، والتفريق بين حزب الله كقوى مجاهدة، وبين شيعة العراق الذين يتورطون في قتل أهل السنة ظلمًا وعدوانًا.
كما نظر كل من الفريق الثاني والثالث إلى خطر المشروع الصهيوني الذي هو عدو كل المسلمين سنة وشيعة، وإلى إحياء فريضة الجهاد وعدم تثبيط المجاهدين، وأثر تخذيل حزب الله على الجهاد الفلسطيني
.
محددات الفتوى
وأرى أن هناك محددات يجب النظر إليها في الاجتهاد الفقهي فيما يخص مناصرة حزب الله، وهي:
1 - أنه من الناحية العقدية إن كان هناك من العلماء من يكفر بعض الفئات والبعض يرى عدم التكفير، فإن عدم التكفير يقدم على التكفير؛ لأن خطأ المجتهد في تكفير المسلم أشد من حكمه على الإبقاء على الإسلام، وأن المقر بالتوحيد وهو من أهل القبلة فهو مسلم، إلا إذا أتى ما يكفره صراحة.
2 - أن الاجتهاد في مسألة مناصرة حزب الله لها أبعاد سياسية يجب ألا تخفى على الفقيه المجتهد، من ذلك سعي أمريكا إلى شرق أوسط جديد من خلال القضاء على المقاومة الجهادية والتي تتمثل في فصائل المقاومة الفلسطينية، ومقاومة حزب الله؛ لأنهما تمثلان ضغطًا يحول بينهم وبين ما يريدون بعد التخاذل العربي، بل العمالة التي تكاد تكون ظاهرة، فلن يدافع عن الإسلام أحد من حكام العرب، وإعلان حكام العرب أنهم لن يدخلوا حربًا مع إسرائيل، بل ما نُقل من بعض الدول العربية أنها تبارك ما تفعله إسرائيل من قصف حزب الله، وغير ذلك، ففي الإفتاء بتحريم مناصرة حزب الله تخذيل للمقاومة والجهاد، وإعزاز للأعداء، وهو لا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ" (الممتحنة: 1 - 2)، وأنه بناء على فقه المآلات فإن من الواجب نصرة المقاومة الإسلامية سواء أكانت في فلسطين أو لبنان أو غيرهما.
3 - أن من المقرر شرعًا نصرة المظلوم كأحد مبادئ الإسلام دون النظر إلى طبيعة المظلوم ولو كان غير مسلم، فكان مناصرة المسلم المظلوم أولى، وقد عُرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وقفته مع المظلوم، ولو كان غير مسلم، ففي حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهدت حلف بني هاشم وزهرة وتيم فما يسرني أن نعطيه ولي حمر النعم، ولو دعيت له اليوم لأجبت على أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ المظلوم من الظالم" رواه البزار.
وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإن ذلك نصره".
4 - أنه من باب القياس مع الفارق أن الله تعالى جعل نصر الروم، وهم أهل الكتاب على الفرس أحب إلى المؤمنين، بل ووصفه بأنه نصر من عنده سبحانه وتعالى، كما قال في أوائل سورة الروم: "الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الروم: 1 - 5)، فكان من باب أولى أن نفرح لنصر إخواننا من الشيعة.
5 - أنه ثبت على أرض الواقع أن مجموعات من السنة تحارب مع حزب الله، وهذا يعني أن هناك اتحادًا من المسلمين في لبنان وتنسيقًا للجهاد، ولو كانت الكثرة لحزب الله.
6 - أنه كان من الواجب إدراك الأبعاد السياسية والتي اتحدت فيها كلمة الساسة اللبنانيين مع اختلافهم الشديد فيهما بينهم من الرؤى والأفكار والمرجعيات، من تأجيل الخلاف والاتحاد ضد العدو الصهيوني، ولكن بدا ساسة لبنان أفقه من عدد كبير من المشايخ والعلماء.
7 - أنه ليس من الفقه ولا من الشرع أن يُقال: إن المشروع الشيعي أكبر خطرًا على الأمة من المشروع الصهيوني، فالشيعة من الأمة مع الخلاف بينهم وبين أهل السنة، والقرآن الكريم وإن اعتبر اليهود والنصارى أهل كتاب، لكنه فرق بينهم، فجعل اليهود أشد عداوة للمؤمنين من النصارى، فقال تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة: 82).
8 - أنه يجب التفرقة بين شيعة العراق وشيعة إيران وشيعة لبنان، فليست الشيعة شيئًا واحدًا، فلا شك أن الأوضاع السياسية تختلف من بلد لآخر، فليس أهل السنة كلهم شيئًا واحدًا، كما الشيعة ليست شيئًا واحدًا.
9 - أن الاقتتال بين المسلمين ليس مُخرجًا عن الملة، وإن كان فاعله يأتي كبيرة من الكبائر التي يحاسب عليها حسابًا شديدًا عند الله تعالى، ولكن الله تعالى ما أخرج المسلمين الذين يتقاتلون عن الملة، فقال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات: 9 - 10).
وهذه آراء العلماء في مسألة، سواء أكانت تصريحًا للموقف من حزب الله، وهو الغالب، أو كانت تتحدث عن عقيدة حزب الله محل الجدل وسبب الخلاف بين العلماء في فتاواهم
تعليق