السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخباركم عساكم بخير يالغالين
مما راق لي اختار لكم
ماذا يعني تسرعك في الحكم على الآخرين؟
هناك مواقف تنتقل فيها بين أعيننا وجوه. بعضها حزين، بعضها غاضب، بعضها مرتبك، بعضها بارد. نستقبلها بأمزجتنا المختلفة وخاصة إن كنا في المزاج المرتاح منها. نستقبلها ولا نقرؤها بل نضع دهشتنا فيها ونتساءل: لماذا هذا الشخص يبدو جافا في ردوده؟ ولماذا ذاك يبدو عصبيا وأنا لم أضايقه بأمر؟ ولماذا هذه تصرخ وأنا أحاول أن أهدئ من روعها وضيقها؟ ولماذا نسي دعوتي على العشاء وكنت مهتما بدعوته شخصيا ألا يقيم لي أي تقدير أو حساب؟ ولماذا تسير تلك وكأنها لا تراني رغم أنني لم أؤذها يوما؟ ولماذا يتحدث ذاك الشخص معي بهذا التعالي وأنا أحاول أن أتقرب لإلقاء التحية عليه؟
أليست تلك هي الأفكار التي قد تخطر على بالنا عندما نقابل أشخاصا حولنا وبيننا ونفاجأ بفظاظتهم! ثم تؤثر تلك الأحكام في علاقاتنا بهم!!
وفي صمتهم، عنادهم عصبيتهم وغيرها يجعلوننا نصدر حكما واحدا وهو أنهم يتعمدون الإساءة إلينا. لكن كم من المواقف التي مرت علينا فأسأنا فيها الظن بشخص وأسأنا إليه بكلمة أو تصرف ثم ندمنا عندما اكتشفنا أنه يمر بظرف صعب، أو أنه قد عانى في حياته من موقف جعله يتخذ موقفا جافا أو صارما من الحياة والناس مما قد يعطيه عذرا يجعلنا نتفهمه.
وأتذكر أن أحدهم كان يقوم بزيارة طبيب لآلام شديدة في الظهر، وبينما كان يحدثه عما مر به خلال فترة مرضه، لاحظ أن الطبيب لا ينظر إليه مباشرة بل يكتفي بإلقاء الأسئلة وهو مطأطئ الرأس، ثم قدم له الوصفة وأشاح بوجهه وهو ينتظر منه الخروج من العيادة. ترك العيادة وهو لا يعلم لماذا تصرف معه هذا الطبيب بذاك البرود. هذا الموقف قد يمر على أي منا ومن السهل أن يغضب بعضنا، ويقرر عدم زيارة هذا الطبيب مرة أخرى، أو قد يحاول أن يبادله الجفاء والفظاظة بمثلها. لكن هذا المريض لم يفعل، بل اتصل بالطبيب ليسأله عن دوائه، ثم حاول فتح حديث معه محاولا تفهم سبب ضيقه. حينها أخبره بأنه يمر ببعض الظروف السيئة مع أحد أبنائه.
في هذا المثال لا أظن أن أحدكم قد يفهم أننا مطالبون بتحمل الآخرين في كل لحظاتهم المحزنة. فنحن أيضا بشر ولدينا همومنا الخاصة. لكن الحلم والصبر قد يوفران عليك لحظات كثيرة من الغضب، وربما أكسباك صداقة لم تتوقعها. وأنت حينما تنصب نفسك قاضيا لتكون مهنتك فقط الحكم على الآخرين حسب مزاجك الشخصي (وهو ما يحدث مع الكثير) إنما تتحول إلى إنسان أناني، لأنك تحتكر لنفسك الحرية في ممارسة مشاعرك أيا كانت وتحرم الآخرين هذا الحق وبالنتيجة ستجد هؤلاء الآخرين يفضلون كبت مشاعرهم وحرمانك من جمال الثقة في تفهمك. وحينها لا تتساءل لماذا أصبحوا يتعمدون الظهور أمامك بصورة جامدة لا فيها تعاطف ولا فيها اختلاف فأنت بالنسبة إليهم مجرد لحظات يضغطون فيها على أنفسهم حتى لا تسيء الحكم عليهم. وعندما تفقد حرية التعبير مع شخص تأكد أنه لم يعد قيمة للحظاتك معه.
هذه الصفة في التحمل وتقدير الآخرين ليست سهلة وتتطلب قدرا كبيرا من الحلم وطول البال. وقد يعجز الإنسان في عصر تسارعت فيه الساعات فأصبحت كالدقائق يحسب لها المرء ألف حساب فتضيع منه أجمل العلاقات أن يمارس تلك العادة الايجابية. لكن لا شيء مستحيل مع الممارسة الدائمة.
المسألة تتطلب فقط أن تضع نفسك في نفس مكان الآخر ثم تسأل نفسك هل سيتحملني وأنا بهذا المزاج (مهما كان نوعه)؟ بالطبع في الإجابة ستبادر لنصرة نفسك وتتخيل أنه على الآخرين تحملك. فماذا إذا لم يفعلوا؟ سأشعر بالوحدة، سأضطر للاعتذار وأنا لا أحبه، أو سأكابر فيبتعدون عني، وبالتالي ستخسرهم وتسمح ليومياتك المزعجة أن تفقدك طمأنينة حب الآخرين ودعمهم وتواجدهم حين تكون الحاجة إليهم أهم من أي شيء آخر، لذا ستتمنى لو تفهموك وعذروك لأن لديك ما يبرر سلوكك لكن لا بد أن تدرك أن عليك أن تعطيهم الفرصة لذلك.
وهكذا حوّل ذلك الإحساس من رقم لمعنى ولا تتسرع في إصدار حكمك على الآخرين دون التأكد بأنهم فعلا قد قصدوا الإساءة إليك. فإن كانت الإساءة متعمدة فلك حينها تصرف آخر وموقف آخر. لكن إن ثبت العكس فلن تخسر شيئا بل ستكسب قلبا محبا يقدر تحملك له وصبرك عليه. لهذا عندما تشعر بأن الشخص المقابل يتصرف بخشونة لا تبادر بإغلاق مشاعرك نحوه، بل حاول إن كان ممكنا أن تسأله عن سبب تصرفه في حينها إن أمكن أو بعدها بوقت قصير لأنه كلما طالت المدة أصبحت المبادرة بالحديث صعبة، أوقد تظهر له ضيقك بملامح الوجه دون حديث فمن شأن ذلك أن ينبهه فيلوم نفسه أو يعتذر أو يشرح نفسه. وأحيانا كثيرة دون أن تقصد قد تكون السبب في تغير هذا الشخص نحوك فتكون غلظته هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ضيقه منك. لهذا فالمصارحة لمحاولة فهم الموقف قد تكون هي أقصر وأنجح الطرق لإنهاء أي سوء للفهم.
إن فن اختلاق الأعذار وتحمل الآخرين من صفات الأذكياء لأن ما يسيرهم في الغالب ليس أهواءهم ومشاعرهم بل إنسانيتهم وقدرتهم على الفهم، ومسامحة الآخرين. وإن كانت الحياة تعجز عن إعطائنا الفرص لنتعاطى مع إنسانيتنا ، فخلق تلك الصفات القوية فينا تحد يعبر عن سمو في الروح وشفافية في المشاعر.
لؤلؤة:
لا أحتاجك لأنني أشعر بالوحدة، بل لأنني أحبك.
اتمنى يعجبكم
تقبلو مني كل الاحترام
دمتم بحفظ الله
تعليق