السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم سكر
اخباركم يالغالين عساكم بخير
مما راق لي
....
الجرأة
هل ترى أن هناك فرقا بين الشجاعة والجرأة؟ أنت لا تحتاج إلى تجشم النظر في القاموس.. فالسيد القاموس لا يدلك على أي فرق بين المفردتين.. ولكنك تلمس الفرق من معطيات الحياة الاجتماعية.. من الحالات التي تستخدم فيها كل من المفردتين.. فكلتاهما تعني الإقدام والهجوم، ولكن الحالة التي تستخدم فيها كل مفردة مختلفة عن الأخرى.
فعل القوة الصادر من الإنسان مرتبط بدافع داخلي وبهدف.. والهدف هذا هو الذي يحدد الفرق بين فعل وفعل، وذلك بانعكاسه على الحالة سلبا أو إيجابا.. هذه الخاطرة حامت حولي وأنا أقرأ للشاعر الجميل مريد البرغوثي المقطوعة التالية تحت عنوان (الجرأة)
(قال الكهل
لم يعد يتحلى بالجرأة
سوى الأطفال
يؤمنون أن السور
بني لنقفز عنه
وأن الأصابع
خلقت لتلمس النار
ولا يرون السلطان العاري في الحكايات
مكسوا أبدا).
ما يتمتع به الأطفال من ضروب الاقتحام، هل نسميه شجاعة أو نسميه جرأة، أو هو شيء ثالث، ليس هذا وليس ذاك؟ ما أعتقده هو شيء ثالث أسميه شهوة الاكتشاف والتلذذ بالسباحة في ماء الدهشة.. إنهم يختلفون عنا نحن الكبار.. ولذا فالتربية الأسرية والاجتماعية التي يعيشون في كنفها هي التي تغلق تلك الينابيع المتفجرة تلقائيا فيهم أو تغلقها وتدمر كل ما فيهم من تلك القدرات العفوية الزاخرة.
الهدف إذن هو الذي يحدد نوع الفعل.. هل هو جرأة او شجاعة أو شيء آخر.. للشجاعة شمائل معروفة منذ العصر الجاهلي.. وقد كانت هذه الشمائل موضع افتخار الشعراء.. وكانت منحصرة في أخلاق المواجهة وجها لوجه وقلبا لقلب وسيفا لسيف.. أما الآن فقد تخلت تلك المواجهة عن صهوتها وتعددت وجوهها الجديدة.. من شجاعة في مواجهة قتام الواقع وانحرافه إلى شجاعة افتضاض المجهول واكتشاف غابات جديدة في الإنسان وخارجه.
حين قال عمنا
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ** وأسمعت كلماتي من به صمم
حين قال هذا كان يجسد ضربا من الشجاعة، لم يكن موجودا عند عنترة.. فقد كان يقوله في حقل من الشوك البشري.. كله كان ضده.. ومع ذلك لم يلتفت.. وراح يؤكد عمليا ما قاله شعريا (الرأي قبل شجاعة الشجعان).
الشجاعة ليست جبنا ولا تهورا.. أما الجرأة فهي أقرب إلى التهور من حبل الوريد.. ليس هذا وحسب.. بل هي تفتقد تلك الشمائل التي تحولت من القوة القتالية إلى ضروب أخرى.. كلها بعيدة عن التهور. إن من يقتل لا لهدف أو لهدف ميتافيزيقي ليس شجاعا ولا جريئا.. كدت أقول: إنه متهور.. كلا.. ليس حتى متهورا.. إنه مجرد مرتد إلى طبيعة الحيوان المفترسة.
اتمنى يعجبكم
تقبلو مني كل الاحترام
دمتم كما تحبون
تعليق