
استطاعت الفنانة نيكول كدمان أن تصنع تاريخاً حافلاً، مليئاً بالنجاحات والإتقان فى أدوار مختلفة تتراوح بين أفلام الإثارة والغموض "السكوت التام Dead Calm"، والكوميديا السوداء "الموت لأجلها To die for"... إلى الميلودراما الموسيقية الصاخبة "الطاحونة الحمراء Moulin Rouge".بالطبع لن ننسى دورها فى الدراما المرعبة "الآخرون The Others"، التى قدّمت لنا فيه أرملة شابة، باردة، متسلِّطة، تنكر موتها وتتشبّث بالبقاء فى عالم الأحياء. لكن هذه المرة خرجت تماماً من هذه القوالب والشخصيات، لتبرز بشكل مغاير فى فيلم "فتاة يوم الميلاد Birthday Girl" البريطاني، منخفض التكاليف، ذى الطابع الكوميدى الماكر عن مخاطر الزواج أو الاقتران بواسطة البريد او الانترنيت. وفى الفيلم، تلعب كدمان دور فتاة روسية وقحة اسمها "ناديا"، تأتى إلى بريطانيا بناءً على طلب موظف مصرفى يعانى من الوحدة فى مدينة"سانت البانس"، سمه جون بكنغهام "الممثل بين شابلن" والذى يلجأ إلى الانترنيت فى محاولة يائسة للبحث عن الحب. ورغم أنها لا تتكلم الإنكليزية، فإنهما يجدان الحب "أو الجنس" بسرعة غريبة تثير شكوك جون فى البداية، لكنه لا يلبث أن يستسلم لعواطفها ومبادراتها الجريئة التى تلغى الحواجز اللغوية والعرقية بسهولة. إنّ قائمة المحن أو البلايا التى تنتظر بطلنا "الإنكليزي" الساذج يُشعلها وصول أبناء عم ناديا؛ يورى "الممثل الفرنسى ماثيو كاسوفيتز" وألكسى "الممثل الفرنسى فنسنت كوسيل" اللذين ينبثقان من الفراغ مع قنينة فودكا للاحتفال بيوم ميلاد ناديا. وعندما يسأل جون: من أنتم؟... نحن روس! . يقول يوري. إن الفيلم - الذى بالكاد يتلّمس طريقه ككوميديا رومانسية فى مدينة صغيرة- يبدأ بالانعطاف نحو السوداوية أو المجهول. والحقيقة، إن الألفة "الغريبة" التى تنشأ بين ناديا وجون تصلح كبداية أو مقدمة لفيلم مختلف تماماً عما نشاهده. ومن المؤسف أنّ هذه البداية أو علاقة الألفة "الغريبة" هذه، وسط أجواء من الاختلاف اللغوى والقومي، تضيع بسرعة لصالح تصاعد الأحداث بشكل دراماتيكي. لكن هذه الخسارة جزئية أو نسبية، وسرعان ما يتم تعويضها بتغير الإيقاع والمزاج العام فى الفيلم، بفضل الدخول الصاخب ليورى وألكسى وتحكمّهما فى سير الأحداث من الآن فصاعداً. إذ يحتل الاثنان منزل جون المذهول، ويتحكمان بحياته ومصيره أيضاً... مثلما يحدث فى فيلم "عامل التلفزيون السلكى The Cable Guy" للممثل جيم كاري. مع الفارق، إنّ المحتلَّين هذه المرة عصابة من أصول سلافية. ويستفيد كاسوفيتز من حضوره الجذاب والذكى ليراوغ ويخدع جون بنعومة، بينما يُخرج كوسيل "الشرس" بطلنا من الصورة نهائياً، ويجبره على سرقة البنك الذى يعمل فيه منذ سنوات، ليُصبح مطارداً ومنبوذاً من المجتمع. وما يثير الإعجاب حقاً هو اللّكنة الروسية التى تسود الفيلم، بالإضافة إلى جمل الحوار بالروسية بين يورى وألكسى وناديا - أو كاسوفيتز وكوسيل وكدمان الّذين يبدون فى منتهى الأقناع كمواطنين روس، خصوصاً للمشاهد الذى لا يتقن الروسية.
ورغم أن الممثل الإنكليزى بين شابلن لم يكن مضطّراً لهذه البهلوانيات اللغوية، فإنهُ يستحق كل التقدير والثناء لتجسيده الواقعى لشخصية الموظف البسيط المدمن على عمله. حتى أنه يكتسب تعاطف الجمهور عندما تقوم عصابة الروس بترويعه وإذلاله. إنّ الفيلم بالطبع مليء بالمفاجآت، كما أنّ الأدوار تنقلب لاحقاً. وأقوى هذه المفاجآت تنتظرنا فى النهاية؛ إذ يهاجر البريطانى إلى روسيا وليس العكس!. وإن كنتَ من هواة الأفلام المباشرة أو الواضحة وذات المزاج Mode المتناسق... ربما هذا ليس فيلمك المفضّل. ولكن إنْ كنتَ ممن يستمتعون بالانتقال من الكوميديا - الرومانسية إلى الدراما إلى المغامرات البوليسية السوداء - صحبة نيكول كدمان فى دور جديد/مغامر، ومع اثنين من أروع الممثلين الفرنسيين الشباب... فانّ هذا هو فيلمك المختار بعيداً عن النتاجات الأمريكية النمطية الضخمة. وبينما تفتقد الكثير من الأعمال البريطانية الراهنة إلى روح الكوميديا وإلى الأصالة أيضاً... فإنّ الأخوين توم وجيز بَتْروُرث قاما بكتابة كوميديا/درامية راهنة، مليئة بما يشد المشاهدين إليها حتى آخر لحظة عبر الإخراج المتميّز لجيز بَتْروُرث. وبالنسبة لصانعى أفلام بريطانيَين أو محليين، فإنّ فيلم "فتاة يوم الميلاد" يمكن اعتباره تقدماً ملحوظاً قياساً إلى فيلمهما الأول المتعثِر فى عام 1997 "موجو Mojo"، الذى سار فى إثر أفلام الإجرام والعصابات البريطانية الشائعة منذ مطلع التسعينيات. إنهما يشكِّلان موهبة محلية تستحق الإعجاب والتقدير.
تعليق