
شريف منير وأحمد رزق فى لقطة من الفيلم
«التوربيني» استنساخ مشوه من «رجل المطر»
القاهرة ـ العرب أونلاين ـ هبة عبد المجيد
شباك التذاكر هو سيد الموقف فى السينما المصرية، بتعبير أدق قانون لايمكن الفكاك من شروطه وعلى الجميع الرضوخ لمعاييره مهما تعارضت طموحاتهم، ربما من هذا المنطلق يمكننا تفهم الأسباب التى دفعت بالسيناريست الواعد محمد حفظى لتمصير فيلم الأوسكار "رجل المطر" للمخرج بارى ليفسون بكل ما يحمله داخل ذاكرتنا من حميمية لم تكن فى صالح النسخة المصرية على الاطلاق خاصة بعدما اختار له اسم "التوربيني"، بكل ما يثيره من تداعيات وذكريات أليمة، بوصفه اسم سفاح أطفال الشوارع والذى هزت جرائمه المجتمع المصرى ولا تزال، فهل هى مجرد محاولة لاستثمار الاسم تجاريا؟ أم للتدليل على حجم الشر الكامن فى الأخ غير الشقيق "كريم" والذى لعب دوره الفنان شريف منير ومحاولاته المستميتة للسيطرة على ميراث شقيقه "جسد دوره الفنان أحمد رزق" المصاب بمرض التوحد؟ أم لعله يتوافق والتعبير عن شخصية كريم الماضى فى طريقه كالقطار السريع، لا شيء يعوق طموحه أو يثنيه عما يريده ويخطط له، وهو ما لا يتحقق فى نهاية المطاف، بعدما تغير كريم بالحب كعادة الأفلام المصرية وقرر الاعتناء بشقيقه بعد زواجه من ملك أو الطبيبة النفسية التى تولت مراحل علاجه؟
مشكلة فيلم "التوربيني" أنه اعتمد مبدأ "النوايا الطيبة"، وأن الجمهور فى النهاية لا تعنيه المقارنة، أو مدى توافق مرض التوحد كما طرح فى الفيلم مع الحقائق العلمية، مما أفقد الفيلم الكثير من مصداقيته، فهو يريد فقط مشاهدة "ضحكة وغنوة وحدوتة جميلة" تنتهى بانتصار الخير، مع الحرص على وجود بعض التوابل التجارية كقصة حب ملتهبة، "لوكيشن جديد" تم اختياره بعناية خارج حدود الوطن، بغض النظر عن توافق هذا مع دراما الفيلم، رغم حيوية تلك المشاهد سواء على مستوى الصورة أو المونتاج والذى جاء متدفقا وسلسا فى انتقاله بين المكان وشخوصه، باختصار لعب صناع الفيلم على نظرية المغفرة، وأن الجمهور يتسامح كثيرا وطويلا مع أبطاله، ومن جانب النجوم ليس أكثر من "فيلم ويعدي" و"توتة توتة تنتهى الحدوتة"، فالكل لا يخرج خاسرا بدءا من المنتج انتهاء بالجمهور الذى طاف أرجاء باريس بشوارعها وملاهيها ومعالمها المميزة ببضعة جنيهات هى ثمن التذكرة، إضافة إلى المتعة البصرية هناك متعة التسلية وهى ما حرص صناع الفيلم على توفيرها.
بالطبع لا يمكن مقارنة أداء أحمد رزق بالفنان العالمى داستين هوفمان، ولا شريف منير بتوم كروز، رغم اجتهادهما فى تجسيد دوريهما وفقا للحدود التى رسمها السيناريو، والذى فشل فى تبرير الكثير من التصرفات والانفعالات، خاصة مايتعلق بتفاعل مريض التوحد مع من حوله حيث المصاب بهذا المرض يظل فى حالة استغراق كامل مع ذاته، غير قادر على التواصل أو التفاعل مع من حوله، وهو ماحرص عليه الأصل الأجنبى وفشل فيه المصري، فجاءت انفعالات رزق متناقضة مع طبيعة المرض مما يضرب القصة من أساسها ويفقد المشاهد المصداقية، مايجعلنا نسأل عن أسباب هذا الاقتباس تحديدا طالما لم يهتم كاتب السيناريو، ومن شاركوه فى صياغته "أحمد العايدى ومخرج الفيلم أحمد مدحت"، بسد هذه الثغرات التى جعلت من الفيلم مسخا مشوها، رغم اجتهاد المخرج فى الهروب من نقل الإطار الأصلى بحذافيره وتقديمه مغلفا ببصمته الخاصة، والتى تشير الى أننا أمام مخرج يمتلك أدواته وان كان مازال يفتقد للرؤية التى تتيح له اختيارا موفقا يمكنه من ابراز تقنياته.
ولئن كان أحمد رزق قد نجح فى حدود الرؤية المتاحة، بغض النظر عن مدى توافقها مع الواقع، فان شريف أكد من خلال الفيلم قدرته وموهبته فى التلون بين انفعالات وحالات نفسية مختلفة تؤكد تميزه فى الامساك بروح الشخصية والتحليق بها بعيدا عن أى قيود قد تعوق انطلاقها، فيما خرجت هند صبرى خالية الوفاض، يلاحقها سؤال عن السر فى قبولها لهذا الدور والذى لا يحمل أى تميز يغريها بتقديمه، ويمنحها فرصة للتألق كعادتها.بين رجل المطر "دراما المشاعر و الأحاسيس"، والتوربينى "دراما اللامنطق والنوايا الحسنة"، مسافة شاسعة لايمكن تجاوزها أو غض البصر عنها أو التسامح مع أخطائها، رغم كونها تجربة المخرج الأولى.
تعليق