(١)
مضي نصف رمضان وصدق الله (أيام معدودات) وهكذا تنقضي الأيام الغالية وأنا أكتب هذه الكلمات وأسأل نفسي وأسألكم:
هل أنت راض عن نفسك في النصف الأول من رمضان، هل عبدنا الله كما كنا نتمني عند بداية رمضان، هل قرأت القرآن
فأحيا في نفسك معاني جديدة قررت أن تعيش بها، هل تذوقت حلاوة القيام، هل أحدث الصيام في نفسك سمواً وارتفاعاً عن دنايا
النفس وشهواتها. هل أنت أفضل بعد انقضاء نصف رمضان.
أبو حامد الغزالي من علماء المسلمين الكبار كانت له مقولة أيدها وأكدها علماء الإدارة في العصر الحديث، كان يقول إن أي
عمل تعمله ابتغاء وجه الله ينبغي أن يتحقق فيه ثلاثة شروط:
١- مشارطة النفس قبل العمل، أي الاتفاق معها والعزم عليها.
٢- تجديد الهمة وسط العمل.
٣- تقييم الأثر الناتج في نهاية العمل.
وأنا أقول لكم نحن الآن في منتصف العمل، فإن كان فاتك ولم تحسن وشغلتك الحياة وضاعت الهمة التي كانت عندك في أول
رمضان، فأرجوك لا تيأس فمازالت الفرصة أمامك والأيام القادمة أهم وأعظم وأغلي فليلة القدر تقترب والثواب عظيم
وفرصة الفوز بالجنة والنجاة من النار بين يديك، فأرجوك أرجوك لا تستسلم وابذل جهدك
وابدأ من الآن وشارك نفسك من أول وجديد واعزم علي نفسك الآن واجتهد في القرب من الله وعمل الخير للناس فان همتك
وعزمك من اليوم قد يجعلك تسبق من بدأ من أول الشهر، فسرعتك قد تكون أعظم (وَسَارِعُوا إِلَي مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
(٢)
إليك يعض الاحاديث النبوية الشريفة لترفع همتك وتجدد فيك الأمل الكبير في رضا الله وثوابه وجنته وإجابته لدعائك، وقد
تكون سمعت هذه الأحاديث في بداية رمضان.. لكني أذكرك بها في منتصف رمضان لنجدد الهمة والنية..
- من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
- من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
- من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
- ولله عتقاء من النار في رمضان وذلك كل ليلة.
- وللصائم عند فطره دعوة لا ترد.
- الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام أي ربي منعته الطعام والشراب والشهوة بالنهار ويقول القرآن أي
ربي منعته النوم بالليل فيشفعان للعبد.
ويكفيك قبل كل هذا «ليلة القدر خير من ألف شهر» فثواب العبادة في هذه الليلة كألف شهر فيما سوي هذه الليلة، وهي ليلة
إجابة دعاء وهي ليلة تتنزل فيها الملائكة من السماء، وهي ليلة يسالم الله فيها عباده، فيرحم ويغفر ويعفو (سلام هي حتي مطلع الفجر)
يا من ضيعت النصف الأول من رمضان أرجوك لم ينته السباق بعد، ابدأ اليوم واذهب إلي الله بكل قلبك، بكل جوارحك وجدد
معه العهد، ومن يدري قد تسبق من بدأ.
(٣)
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء (اللهم اجعل خير أعمالي خواتمها) وكان يعلم الصحابة فيقول
لهم «إنما الأعمال بالخواتيم»، إن الكثيرين يحسنون البداية ولكن القليل هو الذي يحسن إتقان النهاية ولذلك جعلت ليلة القدر
في العشر الأواخر من رمضان للمجتهدين حتي النهاية،
فيا من أحسنتم البدايات، الحذر الحذر من الغفلة في النصف الثاني من رمضان، فالخير كله قادم في العشر الأواخر، ويا من لم
تبدأوا بعد، السبق السبق، فالخير كله قادم.
شعرت أني بحاجة أن أكتب هذه الكلمات أخاطب بها نفسي وأذكركم بها لعل هذه الكلمات تكون سبباً في إيقاظ إنسان يقرؤها
الآن فيدخل حجرته وحده ويجلس بين يدي الله خاشعا باكيا وينسي من هو، ويعيش مع ربه ولربه وبربه في الأيام المعدودة
القليلة الباقية،
فقد سأل الجنيد: كيف تري العبد المحب لله في رمضان؟ فقال: (عبد ذاهب عن نفسه، متصل بربه، إن نطق فلله، وإن سكت
فمع الله، وإن تحرك فبأمر الله، فهو بالله ولله ومع الله).
تعليق