[align=center]د. محمد أديب العسالي
استشاري الطب النفسي / مدير المركز العربي للطب المسند / دمشق
الطب المسند (أو الطب المعتمد على البرهان) هو طريقة تم تطويرها مؤخراً بهدف مساعدة الأطباء ومخططي السياسات الصحية على مواكبة مستجدات البحث العلمي الطبي من خلال دمج الخبرة السريرية مع كل من علم الوبائيات السريرية والإحصاء الحيوي وفيزيولوجية الأمراض. فالهدف الرئيس للطب المسند هو أن تبنى قرارات الرعاية الصحية على أفضل ما يتوفر من البراهين عن فعالية وجدوى كافة التداخلات الطبية الممكنة (1، 2). و للطب المسند هنا أربعة ميزات، على الأقل، ترجحه عن الطرق التي اتبعت قبله بهدف إبقاء الأطباء مواكبين للتطور الطبي المعاصر:
1. تسهيل دمج أفضل التداخلات الطبية المتوفرة مع الممارسة السريرية حالما يتوفر برهان مقبول على مدى فعاليتها.
2. التوظيف الأمثل للموارد، بتحديد التداخلات الواجب استعمالها، وتلك التي يجب تأجيل تطبيقها بانتظار برهان على فعاليتها.
3. تأمين لغة مشتركة و قواعد عامة لتحديد جدوى كافة التداخلات الطبية.
4. تقديم طريقة لتحسين كل من الدراسة الجامعية و التعليم الطبي المتواصل.
أي أن الطب المسند هو طريقة ثابتة لتحسين الرعاية الصحية للمريض، ولرفع ثقة الطبيب بأدائه في مختلف مراحل حياته المهنية، ولتزويد صانعي السياسات الصحية بمعلومات موثوقة تساعدهم على توظيف الموارد المتوفرة بالشكل الأمثل.
ما هو الطب المسند؟
لقد اعتمدت الممارسة الطبية السريرية دائماً على نوع ما من البراهين التي تدعم فائدتها. ورغم أن أقوى البراهين تشتق من البحث العلمي الطبي، فقد بقي تأثير نتائج البحث العلمي على الممارسة الطبية اليومية ضعيفاً لأسباب عدة، وبقي دور الممارسة السريرية اليومية في توجيه البحث العلمي ضعيفاً، وكأن البحث والممارسة فعاليتان طبيتان لاعلاقة بينهما.
لوحظ هذا الفصل منذ أكثر من قرن من الزمن، وجرت محاولات عدة لإلغائه، قادت منذ حوالي 50 سنة إلى إدخال مفهوم التجارب السريرية العشوائية للتداخلات الطبية المختلفة، سواءً أكانت هذه التداخلات تشخيصية أم وقائية أم علاجية. أما مؤخراً، فقد قادت محاولات مماثلة إلى إدخال مفهوم الطب المسند.
يعمل الطب المسند على ربط الممارسة السريرية اليومية بنتائج البحث العلمي الطبي، وعلى استخدام البرهان البحثي في إغناء الحكمة السريرية. يساعد ذلك الطبيب المشغول بالممارسة السريرية في التعرف مبكراً على نوعية البراهين الداعمة لما يقدمه لمرضاه من مداخلات طبية، كما يفيد في توجيه البحث العلمي باتجاه إجراء الأبحاث اللازمة لحل ما يواجههه الممارسون السريريون من مشاكل عملية. فالطب المسند، ببساطة، هو إيجاد الحلول للمشاكل المصادفة في الممارسة السريرية عن طريق تحديد البراهين المتوفرة من الخبرة السريرية ومن البحث العلمي، وتقييمها نقدياً من حيث جدواها وصلاحيتها، ومن ثمٌ تطبيق أفضلها. شريطة أن يكون هذا التحديد جامعاً و شاملاً لكل ما يتوفر من براهين، وليس انتقائياً أو منحازاً لبعضها.
يتضح من هذا التعريف أن ممارسة الطب المسند تعتمد أساساً على وضع المشكلة السريرية المصادفة بصيغة سؤال سريري واضح ومحدد يمكن البحث عن إجابة له. فالطب المسند إذاً هو عملية تعلُم ذاتي مستمر موجهة لحل المشاكل السريرية التي قد يواجهها الطبيب في أي مرحلة من مراحل حياته المهنية، هدفها الرئيسي تحسين نوعية الرعاية الطبية للمرضى، ولكنها تتطور مع الوقت لتصبح طريقةً يقيم فيها الطبيب أداءه الذاتي في مختلف مراحل حياته المهنية. للطب المسند استخدامات أخرى، فقد تزايد في الغرب استخدامه من قبل المرضى للتدخل بشكل فاعل ومتنور في اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتهم. كما يتزايد تأثيره على مخططي السياسات الصحية وعلى ما يتخذون من قرارات (3، 4).
ما هو مصدر البراهين العلمية السريرية؟
يعتمد الأطباء عند اتخاذ قرارات ذات علاقة برعاية مرضاهم على خبرتهم السريرية وعلى ما تقدمهم لهم البحوث العلمية الصحية من براهين. تصنف البحوث العلمية الصحية إلى بحوث مراقبة وبحوث تجريبية، وقد صنفت منظمة الصحة العالمية قوة البرهان المشتق من هذه البحوث فكان أضعفه ذلك المشتق من الخبرة السريرية ومن دراسات المراقبة، وأقواه ذلك المشتق من البحوث التجريبية وخصوصاً من التجارب السريرية المعشاة. لذلك فإن الطب المسند، في سعيه لجعل الممارسة السريرية معتمدة على أفضل ما يتوفر من براهين علمية، يتبنى أساساً نتائج التجارب السريرية المعشاة (5).

ما أهمية التجارب السريرية المعشاة؟
لقد أحدثت التجارب السريرية المعشاة تغييراً جذرياً في طريقة الحكم على ما إذا كانت المداخلات والعلاجات التي نقدمها لمرضانا نافعةً أم ضارة. فلهذه التجارب شمولية وقوة تفسيرية لا تشكلان حجر الزاوية للطب المسند فحسب، بل إنهما تقدمان أيضاً البراهين اللازمة لإسناد كل من الصحة العامة، وإدارة المشافي، والإنفاق الصحي، والاستهلاك الصحي (6).
يتم في التجربة السريرية المعشاة توزيع المرضى بشكل عشوائي على مجموعتين، يقدم للمجموعة الأولى التداخل الطبي المطلوب تقييم فعاليته (المجموعة التجريبية)، ويقدم للمجموعة الثانية الغفل أو تداخل معياري للمقارنة (مجموعة الشاهد).
يراقب أثناء فترة التجربة معدل وقوع حدث ما (مثل التحسن أو الوفاة) في المجموعة التجريبية [معدل الحدث التجريبيExperimental Event Rate (EER)] وفي مجموعة الشاهد [معدل الحدث الشاهد Control Event Rate (CER)]. يستفاد من مقارنة هذين المعدلين في تحديد ما إذا كان العلاج أفضل من عدم العلاج بالنسبة لمرض ما، ولكن لاتقتصر فوائد التجارب العشوائية على هذه النتيجة النوعية بل تتعداها لتقدم تقديرات كمية لدرجة أفضلية العلاج عن عدم العلاج. ولتوضيح ذلك سنأخذ مثالاً من مراجعة منهجية لفعالية المعالجة بالأدوية الخافضة للتوتر الشرياني في الوقاية من حدوث النشبة الدماغية عند المرضى المصابين بفرط توتر شرياني متوسط أو شديد (7).

فهم نتائج التجارب السريرية المعشاة
لفهم نتائج التجارب السريرية المعشاة أهمية قصوى عند اتخاذ أي قرار سريري، ولشرح معنى هذه النتائج سنورد دراسة استمرت خمس سنوات و شملت ثلاثين ألف مريض عولج نصفهم بأدوية خافضة للضغط، وأعطي النصف الآخر الغفل (7). فقد لوحظ خلال هذه الفترة حدوث حوالي 1800 نشبة دماغيه في 15000 مريض معالجين بأدوية خافضة للضغط، بينما حدثت النشبة الدماغية عند 3000 مريض من أصل 15000 مريض معالجين بالغفل، وهذا الفرق بين مجموعتي المرضى في حدوث النشبة الدماغية هام إحصائياً. لملاحظة هذا الفرق فائدتان، الأولى هي الحصول على جواب نوعي بأن المعالجة بالأدوية الخافضة للضغط أفضل من عدم المعالجة في المرضى المصابين بفرط التوتر الشرياني المتوسط أو الشديد. أما الفائدة الثانية فهي في استخدام الفرق الملاحظ كمقياس كمي لدرجة أفضلية العلاج عن عدم العلاج، إذ يمكن بحسابات بسيطة قلب هذا الفارق إلى أحد مقاييس الفعالية efficacy المتوفرة والتي تتضمن:
نسبة الخطر risk ratio
إنقاص الخطر النسبي relative risk reduction
نسبة الأرجحية odds ratio
إنقاص الخطر المطلق absolute risk reduction
العدد الواجب علاجه number needed to treat (NNT)[/align]
استشاري الطب النفسي / مدير المركز العربي للطب المسند / دمشق
الطب المسند (أو الطب المعتمد على البرهان) هو طريقة تم تطويرها مؤخراً بهدف مساعدة الأطباء ومخططي السياسات الصحية على مواكبة مستجدات البحث العلمي الطبي من خلال دمج الخبرة السريرية مع كل من علم الوبائيات السريرية والإحصاء الحيوي وفيزيولوجية الأمراض. فالهدف الرئيس للطب المسند هو أن تبنى قرارات الرعاية الصحية على أفضل ما يتوفر من البراهين عن فعالية وجدوى كافة التداخلات الطبية الممكنة (1، 2). و للطب المسند هنا أربعة ميزات، على الأقل، ترجحه عن الطرق التي اتبعت قبله بهدف إبقاء الأطباء مواكبين للتطور الطبي المعاصر:
1. تسهيل دمج أفضل التداخلات الطبية المتوفرة مع الممارسة السريرية حالما يتوفر برهان مقبول على مدى فعاليتها.
2. التوظيف الأمثل للموارد، بتحديد التداخلات الواجب استعمالها، وتلك التي يجب تأجيل تطبيقها بانتظار برهان على فعاليتها.
3. تأمين لغة مشتركة و قواعد عامة لتحديد جدوى كافة التداخلات الطبية.
4. تقديم طريقة لتحسين كل من الدراسة الجامعية و التعليم الطبي المتواصل.
أي أن الطب المسند هو طريقة ثابتة لتحسين الرعاية الصحية للمريض، ولرفع ثقة الطبيب بأدائه في مختلف مراحل حياته المهنية، ولتزويد صانعي السياسات الصحية بمعلومات موثوقة تساعدهم على توظيف الموارد المتوفرة بالشكل الأمثل.
ما هو الطب المسند؟
لقد اعتمدت الممارسة الطبية السريرية دائماً على نوع ما من البراهين التي تدعم فائدتها. ورغم أن أقوى البراهين تشتق من البحث العلمي الطبي، فقد بقي تأثير نتائج البحث العلمي على الممارسة الطبية اليومية ضعيفاً لأسباب عدة، وبقي دور الممارسة السريرية اليومية في توجيه البحث العلمي ضعيفاً، وكأن البحث والممارسة فعاليتان طبيتان لاعلاقة بينهما.
لوحظ هذا الفصل منذ أكثر من قرن من الزمن، وجرت محاولات عدة لإلغائه، قادت منذ حوالي 50 سنة إلى إدخال مفهوم التجارب السريرية العشوائية للتداخلات الطبية المختلفة، سواءً أكانت هذه التداخلات تشخيصية أم وقائية أم علاجية. أما مؤخراً، فقد قادت محاولات مماثلة إلى إدخال مفهوم الطب المسند.
يعمل الطب المسند على ربط الممارسة السريرية اليومية بنتائج البحث العلمي الطبي، وعلى استخدام البرهان البحثي في إغناء الحكمة السريرية. يساعد ذلك الطبيب المشغول بالممارسة السريرية في التعرف مبكراً على نوعية البراهين الداعمة لما يقدمه لمرضاه من مداخلات طبية، كما يفيد في توجيه البحث العلمي باتجاه إجراء الأبحاث اللازمة لحل ما يواجههه الممارسون السريريون من مشاكل عملية. فالطب المسند، ببساطة، هو إيجاد الحلول للمشاكل المصادفة في الممارسة السريرية عن طريق تحديد البراهين المتوفرة من الخبرة السريرية ومن البحث العلمي، وتقييمها نقدياً من حيث جدواها وصلاحيتها، ومن ثمٌ تطبيق أفضلها. شريطة أن يكون هذا التحديد جامعاً و شاملاً لكل ما يتوفر من براهين، وليس انتقائياً أو منحازاً لبعضها.
يتضح من هذا التعريف أن ممارسة الطب المسند تعتمد أساساً على وضع المشكلة السريرية المصادفة بصيغة سؤال سريري واضح ومحدد يمكن البحث عن إجابة له. فالطب المسند إذاً هو عملية تعلُم ذاتي مستمر موجهة لحل المشاكل السريرية التي قد يواجهها الطبيب في أي مرحلة من مراحل حياته المهنية، هدفها الرئيسي تحسين نوعية الرعاية الطبية للمرضى، ولكنها تتطور مع الوقت لتصبح طريقةً يقيم فيها الطبيب أداءه الذاتي في مختلف مراحل حياته المهنية. للطب المسند استخدامات أخرى، فقد تزايد في الغرب استخدامه من قبل المرضى للتدخل بشكل فاعل ومتنور في اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتهم. كما يتزايد تأثيره على مخططي السياسات الصحية وعلى ما يتخذون من قرارات (3، 4).
ما هو مصدر البراهين العلمية السريرية؟
يعتمد الأطباء عند اتخاذ قرارات ذات علاقة برعاية مرضاهم على خبرتهم السريرية وعلى ما تقدمهم لهم البحوث العلمية الصحية من براهين. تصنف البحوث العلمية الصحية إلى بحوث مراقبة وبحوث تجريبية، وقد صنفت منظمة الصحة العالمية قوة البرهان المشتق من هذه البحوث فكان أضعفه ذلك المشتق من الخبرة السريرية ومن دراسات المراقبة، وأقواه ذلك المشتق من البحوث التجريبية وخصوصاً من التجارب السريرية المعشاة. لذلك فإن الطب المسند، في سعيه لجعل الممارسة السريرية معتمدة على أفضل ما يتوفر من براهين علمية، يتبنى أساساً نتائج التجارب السريرية المعشاة (5).

ما أهمية التجارب السريرية المعشاة؟
لقد أحدثت التجارب السريرية المعشاة تغييراً جذرياً في طريقة الحكم على ما إذا كانت المداخلات والعلاجات التي نقدمها لمرضانا نافعةً أم ضارة. فلهذه التجارب شمولية وقوة تفسيرية لا تشكلان حجر الزاوية للطب المسند فحسب، بل إنهما تقدمان أيضاً البراهين اللازمة لإسناد كل من الصحة العامة، وإدارة المشافي، والإنفاق الصحي، والاستهلاك الصحي (6).
يتم في التجربة السريرية المعشاة توزيع المرضى بشكل عشوائي على مجموعتين، يقدم للمجموعة الأولى التداخل الطبي المطلوب تقييم فعاليته (المجموعة التجريبية)، ويقدم للمجموعة الثانية الغفل أو تداخل معياري للمقارنة (مجموعة الشاهد).
يراقب أثناء فترة التجربة معدل وقوع حدث ما (مثل التحسن أو الوفاة) في المجموعة التجريبية [معدل الحدث التجريبيExperimental Event Rate (EER)] وفي مجموعة الشاهد [معدل الحدث الشاهد Control Event Rate (CER)]. يستفاد من مقارنة هذين المعدلين في تحديد ما إذا كان العلاج أفضل من عدم العلاج بالنسبة لمرض ما، ولكن لاتقتصر فوائد التجارب العشوائية على هذه النتيجة النوعية بل تتعداها لتقدم تقديرات كمية لدرجة أفضلية العلاج عن عدم العلاج. ولتوضيح ذلك سنأخذ مثالاً من مراجعة منهجية لفعالية المعالجة بالأدوية الخافضة للتوتر الشرياني في الوقاية من حدوث النشبة الدماغية عند المرضى المصابين بفرط توتر شرياني متوسط أو شديد (7).

فهم نتائج التجارب السريرية المعشاة
لفهم نتائج التجارب السريرية المعشاة أهمية قصوى عند اتخاذ أي قرار سريري، ولشرح معنى هذه النتائج سنورد دراسة استمرت خمس سنوات و شملت ثلاثين ألف مريض عولج نصفهم بأدوية خافضة للضغط، وأعطي النصف الآخر الغفل (7). فقد لوحظ خلال هذه الفترة حدوث حوالي 1800 نشبة دماغيه في 15000 مريض معالجين بأدوية خافضة للضغط، بينما حدثت النشبة الدماغية عند 3000 مريض من أصل 15000 مريض معالجين بالغفل، وهذا الفرق بين مجموعتي المرضى في حدوث النشبة الدماغية هام إحصائياً. لملاحظة هذا الفرق فائدتان، الأولى هي الحصول على جواب نوعي بأن المعالجة بالأدوية الخافضة للضغط أفضل من عدم المعالجة في المرضى المصابين بفرط التوتر الشرياني المتوسط أو الشديد. أما الفائدة الثانية فهي في استخدام الفرق الملاحظ كمقياس كمي لدرجة أفضلية العلاج عن عدم العلاج، إذ يمكن بحسابات بسيطة قلب هذا الفارق إلى أحد مقاييس الفعالية efficacy المتوفرة والتي تتضمن:
نسبة الخطر risk ratio
إنقاص الخطر النسبي relative risk reduction
نسبة الأرجحية odds ratio
إنقاص الخطر المطلق absolute risk reduction
العدد الواجب علاجه number needed to treat (NNT)[/align]
تعليق