إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من روائع ماقرأت **وسميه تخرج من البحـــر**

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من روائع ماقرأت **وسميه تخرج من البحـــر**

    *·~-.¸¸,.-~*مرحـــبا*·~-.¸¸,.-~*


    اخواني اعضاء المنتدى

    روايه اقل ما يقال بحقها انها رائعه



    *·~-.¸¸,.-~*وسميه تخرج من البحر*·~-.¸¸,.-~*





    للروائيه الاروع



    ليلــــى العثمان


    كتبت الروايه في سبتمبر 1986

    وقرأتها في بدايه التسعينات

    ومازلت حتى اليوم اقرأها لجمال فصولها وعذوبه الحوار فيها

    عرضت بالتلفزيون من بطوله القديره سعاد عبدالله وخالد امين


    اتمنى انكم تستمتعون بقراءتها معاي

    راح احطها على جزئين وكل جزء فيها من 5 فصول

    بصراحه

    تستحق القراءه

    واتمنى انها تعجبكم يارب

  • #2
    الفصل الاول

    تطلع إلى السماء المعتمة, القمر غائب, نجمة هناك تبرق كثغر امرأة في لحظة النشوة, غلالات رمادية من الغيوم تتناثر متباعدة متخاصمة, كل تأبى الالتصاق بالأخرى.

    نسمات باردة تهب. بداية موسم الربيع الزاحف بعد لفحات الحر وعواصف الغبار.. البحر أمامه مجهول يمتد, ويتراقص موجه, ويتطاير بعض زبده حين تثور موجة اثر اهتزازات النسمات المشتدة بين حين وأخر.

    وحده في ( الطراد ) تلفه وحشة. تتسع.آبة لزجة تتمدد داخل روحه, ووحده كبيرة تفرش نفسها داخله, ثم تتشعب إلى الخارج, تتسع.. تتسع .. يحسها تصير كالهالة حوله, تحيطه, تحصره كأذرع الساحرات.

    حرك ذراعيه في الفضاء.. كأنه يريد أن يكسر حدة الهالة فتسقط في البحر, و تتوارى مع الموج, ويرتاح بعد إذ يحس أن الحصار قد انتهى.
    تلفت يمنة ويسره, وعيناه تصافحان البحر, تستقران على ( الكرب الأحمر ) الذي يدله على موقع الشبكة.
    قال لنفسه:

    _ هل سيأتي الخير هذه الليلة ؟
    الأرصاد الجوية أكدت الليلة أن مدا بحريا سيكون في الساعة الثالثة صباحا..
    هل تصدق الأرصاد أم تفشل كما في كثير من الأحيان ؟؟

    هل ينتظر ؟؟
    هو لم يعتد الانتظار. غالبا ما يترك الشبكة بعد أن يلقيها وحيدا, ثم يأتي في الصباح مع مجموعه من الأصحاب, فتمتد السواعد السمراء وتسحب الخير.
    صورة الجماعة تموج أمامه, وجوههم المبتسمة دائما رغم عذابات الأيام ومواجع الليالي, ينسون كل هذا ما أن يتحلقوا في الديوانية الصغيرة. تثور الروح بتذكاراتها, وتتحرك الأذهان, ويتناقلون الأخبار, يعلقون, يتسامرون, يلعبون الدامه, والكوت, ويتبادلون نكاتا عارية يخففون بها عن أنفسهم, ويثيرون في دواخلهم رغبات ملونة, يفر بعدها بعضهم, فيتغامزون عليه, لابد انه أثير إلى الحد الذي فاجأه فيه وجه زوجته... أو.. من يدري ؟؟
    أخذته الصور, والكآبة اللزجة لا تفارقه, تنبه لنفسه:

    _ لو استرخيت لهذه الكأبه فلن افلح.
    وقف.
    تثاءب جسده بحركات رياضية, بينما الموج يعابث الطراد فيتراقص فوق صفحة الماء, يحس نفسه يتمايل. يداخله السرور وكأن أصابع ناعمة تدس إطرافها في جسده وتدغدغه, وحين أحس بالشبع من تلك الدغدغة عاد يجلس, يستريح, يفكر, كيف يقطع الوقت؟؟
    وحده...
    والليل الأسمر يشهد قلقه.
    قال لنفسه:

    _ لم لا امتهن الغناء هذه الليلة؟؟ زمن طويل مضى لم تتنفس فيه حنجرتي , وربما صدىء الصوت.
    في الديوانية يحبون صوتي.. ( حمد ) قال لي مرة:
    _ صوتك يشبه صوت ( عوض الدوخي )
    حين سمعته ابتسمت, سخرت منه.. كيف يشبه صوتي بذلك الصوت الرخيم الرائع؟
    لكن ( خالد ) آزره وأكد:
    _ والله صوتك يشبه صوت عوض.
    ثم, وكأنه يشجعني بذلك المديح رجاني بعنف:
    غن, يا عبد الله.. غن , والله نحب صوتك.
    هززت يدي, رفضت, أصروا فقلت :
    _ عافت نفسي الغناء منذ مات عوض.
    _ كنت تعشق صوته؟؟
    _ نعم, كنت دائما أحاول تقليد وته و نبراته و تلك الاهتزازات التي تتتابع برقة من حنجرته الدافئة.
    كرر حمد الطلب..
    _إنني احزن إذ اغني بعد أن مات. أتصور انه سيأتيني في أحلامي. وسيعاتبني.قال خالد:
    _ هل سمع صوتك؟
    _ نعم.. عزمني صديق مره إلى بيته, قال له أن صوتي يشبه صوته, لم يقل شيئا.. ابتسم بحنان, واستل عوده, وبدأت أصابعه تعزف أغنية ( صوت السهارى ) التي أحبها, وأمام هذا العرض المغري منه... ترنمت بالأغنية.
    _ هل أعجبه صوتك؟
    _ قال هذا.. وأشاد. وفرحت كثيرا.
    واندمجت الأصوات جميعها تطالبه:
    غن يا عبد الله.. غن.
    ارتجف صوتي, دمعتان انحدرتا مع الرجفة. شيء عميق يشق صدري كلما حاولت.
    صمت رفاقي. لم يكرروا.. رحموني
    هذه الليلة تزف الرغبة في الغناء نفسها إلي. فلا أتردد. اسأل نفسي أن تغني. فقد تسمع الأسماك صوتي. وتأتي يشدها الشوق إلى تلك الألحان البعيدة التي سكنت قلوب الأجداد. لا يعرفها هذا الجيل, ولا يبحث عنها, لكنها ما تزال موشومة في قاع البحر, تتردد بألسنة جيناته وعرائسه, تتمنى لو تعود أيام الغوص, والحناجر تصدح ولا تتعب. هذه الليلة, لو سمعتني الأسماك فستفرح. ستأتي حولي تتراقص. ستؤنس وحدتي. ستكسر حدة الكآبة التي أحسها, ستصير بروقا تهزني فتنسكب من داخلي كل الأحزان, وتحتفل بي, كأن عودتي بالنسبة لها يوم عيد.
    آه يا وجعي لو صببتك الآن أغنية طال رقادها. آه يا ألمي لو مزقت أكفانك التي ما تزال وارتعشت جثث فرحي التي تدثرت تحت رطوبتك. آه أيتها الأغاني المخنوقة داخل حنجرتي.. كم أتمنى.. أن تنطلقي.
    عصر ذاكرته, جالت تسافر بين أبيات القصائد وكلمات الأغاني, ارتجف صوته. بدا واهنا. .. فسكت. ثم.كأنه أحس بالخجل, عاد ثانية.. ثم .. أطلق الاه..

    ( أوه, يا مال, يا مال, )
    ( آتحرك الموج اهتز. أحس ضحكته, كركرته غرغرة تأتي من القاع وتنفرش حول الطراد, تستعجله, تستحثه, والزبد ساهر على رأس الموج. إكليل عرائس سابحة في موج العسل, أجنحة حمام بيضاء ترفرف, أجنحة تعشق السهر, وهو يعشق السهر فوق الموج, وحمامات العشق ما تزال تتراقص في فؤاده, وينطلق بالاغنيه.. ه.. يا ساهر الليل.. مثلي ما تنام ذكرتني بالأحبة يا حمام.. )
    خرجت من قاع نفسه. من كمين الروح التي اصطادها الزمن, واغتالت أفراحها الأيام. وهو ما يزال دؤبا يسعى إلى البحر, يعانقه كل مرة وكأنه يراه للوهلة الأولى. هذا العشق المتوقد كالجمر أبدا, لا.. توقف.وه الضجر, ولا التردد, ولا الخوف, ولا اليأس. توقف .. ارتعد حين لم تخرج سمكة واحدة لترقص. ظن أن صوته لم يصل, سكت. انتظر لحظة, لكنه تنبه أن في صمته يأسا.
    همس لروحه:

    _ اليأس شر ما يصيب الإنسان.
    تابع أغنيته اللينة المنسابة. ترجرجت في صدره بحنان. صداها يتحرك راقصا من حوله يمزق الهالة. ينبعث موسيقى لكل موجه, فترقص رقصا مترنما منسجما. هي ذي أغنية, يحسها تسبح.. تتفجر, تلعب دورها في إيقاظ الأسماك. النائمة, والشبكة الراسية على بعد قليل يهتز ( كربها الأحمر ) بخفة الطير. وطير الحب يهتف بجناحيه داخل صدره.
    من يلومه؟؟
    من ذا يلوم عاشقا لم يسفر الصباح عن وجه عشقه. لم تر الشمس ميلاده؟؟
    آه.... وانطلق صوته يكمل أغنية عوض التي يعشقها:

    ( يا لايمي في الهوى.. زاد العتاب.
    ما تدري أن الهوى.. ليله عذاب..
    وأشواق فيها انطوى.. عمر الشباب..
    وأسرار قلبي....... )

    يهتز الكرب الأحمر أكثر, يحس سباق الأسماك إلى الشبكة تتدافع أفواجا لفواجا كأنها تدخل إلى قلبه. تشاركه وجده وعذاباته وتسمع شكواه وتؤاسيه.
    آه.. غدا ستعود الشبكة, سيزغرد قلبه, سيحمل الخير, سيشم في أفواه كل سمكه رائحة يحبها, قد تحمل السمكات شيئا إليه من القاع, من الذكرى التي لا تزال حية. ولكن, آه لو وجد الشبكة فارغة ! لو أحس بان السمكات ورائحتها, وذكرياتها قد هجرته. لو وجد الشبكة فارغة إلا من بعض القباقب والحجارة والأعشاب. سترتد أفراحه داخل صدره, ستنهار أحلامه.
    ارتعش, رفض الفكرة. قال في سره:
    _ لا.. لن تنهار أبدا. للأمل أجنحة محلقة حتى لو أصابتها السهام.
    هو يكره اليأس يحارب الخضوع. يعرف أن البحر. هذا الكبير الجبار. حنون, شي. حنون , معطاء.
    تذكر طفولته.حبه.أحلامه. لم يفقد الأمل يوما. لم تخذله صرخة عاذل كسر قدمه, ولم تخذله مجرد فكره انه دون المستوى المطلوب. ظل رغم كل الظروف طفلا حالما. ورغم كل القسوة والحرمان, ظل الأمل يزيح عن نفسه أردية اليأس والخذلان.
    وحاضره,
    هذه الزوجة الصارخة أبدا. وجودها إلى جانبه. مطرقة تزعق فوق السندان. تذكره بالزمن الذي ارتحل. تعيده إلى ذلك الشوق اللابد بدفء داخل وجدانه. هي لا تدري أنها مهما صرخت وصرخت فانه لا يتراجع. يبقى على حبه للبحر. يهرع إليه. ينزف عذابه بين يديه. وينسى في حضرته صوتها وإلحاحها. ينساه وكأنه يود لو يفارقه إلى الأبد. لكنه يعلم أن الصوت هناك.
    تذكرها نظر إلى ساعته. دقق فيها أكثر. أدرك أن الوقت مضى بسرعة وأنها ستنفلت عليه كالشرارة. عليه إذن أن يعاند حبيبه البحر. وان يبتلع أغنيته. ويترك شبكته وحيده ككل ليلة. وغدا في الصباح يعود إليها مع ابتسامات الرفاق, بسواعدهم يشدون الخير. سيرى في عيون السمكات نظرا يعرفها. وفي أجسامها لونا يعرفه. وفي أفواهها رائحة يعشقها. سيعانق كل السمكات غدا. سيفعل هذا. أما الآن فلابد من العودة لابد,

    كل مرة يعود فيها من البحر ويقترب من البيت يتعوذ من الشيطان . وحين يدس المفتاح الرطب في ثقب الباب ويدلف بهدوء يراها كالشيطان الذي تعوذ منه .
    وجدها متكومة على أريكة مهروسة تحت ثقل جسدها. نعاس يداهمها. يشد جفنيها المتورمين. وهي تحارب النعاس. لا لأنها بانتظار عودته ولها وشوقا إليه. ولا لأنها تلك المرأة السحابة التي تنتظر أن يأتي حبيبها ظامئا لتصب عليه الوجد وتبلل عطشه. ولا لكونها كقلب الأم الذي ينتظر بقلق عودة صغيرها ليطمئن. إنها فقط تنتظره لتنهال بصراخها, وشكواها. وأوامرها. وقد صدرت إليه حين حاول أن يرتمي بجسده المتعب على الأريكة المقابلة:

    _ لا تجلس اذهب إلى الحمام. وانزع عنك حتى جلدك لو استطعت.
    يسحب نفسا طويلا. يحاول أن يحشر صفاء داخل صوته. محاولا أن يكسب منها عطفا: _ مره واحده لو تستقبليني بابتسامة. مره لو تقولين حمدا لله على سلامتك. مره لو,,,
    تقاطعه بحدة, تتسع حدقتا عينيها الواسعتين, تهزأ من لطفه:

    _ لماذا هل كنت في سفر؟؟
    غبية ! أو تتغابى. كيف لا تفهم أن البحر سفر. رحلة الصيد سفر. الانتظار هناك بين فكي مجهول سفر. تنسى أو تتناسى _ لا فرق _ إن البحر, رغم حنان الأم فيه, غدار مخادع, شره و شرس كشراستها. تنسى كم التهم من غواصين. وغيب من ( نواخذه ) وحطم من سفن, وسلب من بضائع, ونكب من تجار.
    يقترب, لكنها تصرخ فيه:

    _ ابتعد, إياك أن تجلس.
    يجتر خيبته. لا فائدة ! حين وصل إلى باب الحمام أحس بالندم.
    لماذا ينصاع إليها؟ لماذا لا يلتفت ويصرخ في وجهها العريض, ثم يصفعه صفعة تشل لسانها وتخرسها إلى الأبد؟ انه لو فعل, فسيرتاح. توقف.ور, بعدها يكسب المعركة. توقف ... شيطان نفسه يغريه بأن يهم ويفعل. لكنه تدارك. تعوذ من الشيطان ومنها. قال لنفسه:

    _ ما يضيرني. مادمت باقيا على عملي. مرتاحا به. أتحداها بأنني ما زلت انغمس فيه رغم صراخها وشكواها وضغوطها المستمرة. فلتذهب إلى الجحيم.
    نزع ملابسه. فاحت رائحة البحر. ود لو يلصق هذه الملابس بأنفه. ويظل يستنشق عبيرها حتى الصباح.
    ملأ البانيو, غطس في الماء. سبح فيه. أسبل جفنيه. تصور انه داخل موجة حنون. تداعب جسده. تثير شجنا تثير رغبة. دعك نفسه . دعكها حتى أحس بأنه يقشر جلده. ويزيح عنه مساماته. وحين تأكد بأنه أصبح نظيفا. غادر الموجة. صب العطر على كل جسده, واختال وهو يخطو ملتفا بالمنشفة إلى حيث سبقته بعد أن أعطت الأوامر.
    اندس في الفراش.
    تأفتت..
    اقترب منها. هاجت وكأنها بانتظار اللحظة:

    _ ها ! تأتي متأخرا. وتريد أن تزعجني.
    _ يا بنت الحلال.
    توسل إليها.
    لكنها هبت في وجهه:

    _ بنت الحلال تصبر كغيرها من الصابرات.
    _ من يسمعك يتصور إنني أظلمك.
    استاقمت في الفراش. التفتت إليه:
    _ وهل تتصور غير هذا؟ أي ظلم هذا الذي تمارسه في النهار والليل. بحر.. صيد,, أصحاب .. بلاوي.
    ويحاول تهدئتها:
    _ يا بنت الحلال. أليس هذا مصدر رزقنا.
    صوتها يذكره بشراسة:
    _ لا ! كانت الوظيفة مصدر رزقك. تركتها لتتفرغ لهذا الملعون.
    _ البحر ! تعرفين إن خيره كثير. ربحه أكثر من الوظيفة. الحمد لله نحن بخير.:. تزفر :
    _ خير لك أنت ومتعة.. البحر صار متعتكم.. تتركون بيوتكم وتفرون إليه. هناك في ( الطراريد ) تلتقون. ونحن نعد لكم عدة المتعة: عشاء.. مكسرات. والأشياء الأخرى.. هه. تعرفها بالطبع.
    _ أنت تعرفين وتتجاهلين. أنا لا اذهب طلبا لمتعة.
    صاحت بغل فاح مع الصيحة:
    _ لعن الله البحر.
    تطلع إلى وجهها الكشر. بماذا يرد عليها وهي تلعن حبيبه! تقسو عليه فماذا يقول ؟ وكيف يرد اللعنة؟
    سيغفر لها ككل مرة. هو يحتاجها الليلة.
    يدنو. تبتعد. يدنو. تزفر
    :
    ابتعد.بتعد. رائحتك ( زفر )
    يضحك:نفسه. يضحك :

    _ يا بنت الحلال. أين الزفر ؟ لقد كشطت جلدي.
    _ ولو ! زفرك نابت من لحمك. لا تكشطه ألف صابونه.
    يعاود محايلته:
    _ يا بنت الحلال....
    وبنت الحلال ترفضه. يستلقي على ظهره ليتشمم نفسه, يحس انه البحر, كل البحر, هذا الساحر الذي يعشقه و وتذوب عيناه حين تلامسان زرقته, يسير إليه كالمنوم. ورمله.ي ( الزفرة ) إلى أنفاسه, تعود إليه الحياة, وحين يلقي بجسده المتعب في أحضان موجه يحاوطه الزبد, عرائس نشوانة تغزل كيانة. ورمله . وسادة تغنيه عن نعومة كل الوسائد. ذلك الرمل يحدثه, يهمس له, يدغدغ أذنيه, وحصاه, وقواقعه, كل واحده تحكي له عن مشروعها لليوم التالي عندما تسحبها الموجة إلى قلب البحر.
    أه لو تعلم كم يعشق البحر !
    يحاول ثانية. يتوود إليها, داخل قلبه مرارة يود لو أن يزيلها بأي شي. أن ينساها بأي شكل ! أن يطردها حتى لو كان الثمن التصاقه بجسد زوجه تكره رائحته. تكره بحره الذي يحبه.
    لكنها ترفضه. تلقي عليه بسؤال مفاجىء:

    _ لماذا لا تشتري السمك من السوق وتريح نفسك؟؟
    يحاول أن يهون عليها:
    _ ومن قال لك إنني تعبان؟
    وتثور:
    _ وهل يجب أشابا, احد؟ تتصور نفسك شابا, تنسى انك كبرت وشبت؟ينتفض. إنها تذكره بالسنوات التي مشت أرجلها على جبينه, وشعره. حتى لو بلغ الخمسين, فأنه يحس بنفسه نشيطا, قادرا على أن يداعب البحر, أن يسحب الشبكة, أن يسهر, أن يتعب. إن هذا يطيل عمره, يجدد شبابه. يثري أيامه ولياليه بالصبر, وبالأمل. تعاف نفسه البقاء, يترك الفراش الذي اشتهى أن يحضن جسده بعد التعب. وبعد دفء الحمام.
    تناديه:

    _ أين؟
    _ إلى الشيطان
    ويتعالى صوتها:
    _ بل إلى البحر.
    ينسحب مسرعا, بينما صوتها يلاحقه, وسؤالها كالسهم ينطلق ليشق فؤاده:
    _ أنا لا ادري مالذي تحبه في هذا البحر؟
    آه لو تدري.....
    يصفق الباب وراءه, كأنه يصفق فمها. هذه الغبية, هل تستطيع أن تتحسس الجرح النائم باسترخاء ولذة داخل صدره؟؟
    كيف لهذه اللعينة أن تفهم أنها بسؤالها المتكرر عن حبه للبحر إنما تفجر سكون العاصفة, وتصاعد الرعشة في أعطافه. تهز شجرة الماضي البعيد فتتساقط الذكريات, متسابقة, توقظ كل شيء نام. آه لو تعلم أنها بسؤالها المستمر, إنما توقظ في قلبه وجهها, فتعود عيناها إليه, تولدان من جديد في كل مرة: جمرتان حارقتان. لؤلؤتان صافيتان. ثمرتان ناضجتان. تهتزان أمامه. فيشرق كل شيء... حتى.ء فيها.. حتى ... اسمها
    ...
    التعديل الأخير تم بواسطة كتكووته^^مكتكته; الساعة 04-19-2006, 07:28 AM.

    تعليق


    • #3
      كت كت يا عمري

      تسلمييين ع القصـه الحلوووووه منج

      وربي منوره القسم بالمشاركه العسل منج يا غلاتي

      ولا تحرمينا من مشاركاتج الحلوه وقواج الله يالغاليه

      :)
      الوداع

      تعليق


      • #4
        تسلمين كتاكيتو

        وفعلا قصة ولا اروع وقاردتنا كل يومين تقرينها لنا :p

        بس أنا أكثر شي أحب أشوف الفيلم
        أنا غآيتي?َ عُنْوآنهآ




        تعليق


        • #5
          مشكوره كتكوته ع القصة

          وللامانه ما قريتها لانه الخط حده صغير .. صرت اضيع ..

          ان شالله باجر انه بروح المكتبة واذا شفتها اشتريها

          يعطيج الله العافية
          ThanX 7obi KaY ( F)

          تعليق


          • #6
            امونه

            سررني وجودج يالغلا


            هذا الفصل الاول

            انتظري الفصل الثاني اليوم
            وتابعي القصه للنهايه وايد حلوة وايد وايد

            تعليق


            • #7
              عشوقه


              اي لانج ماتحبين القرايه

              صراحه سعاد عبدالله ابدعت بتمثيل الروايه بشكل رائع
              بس هم لو تقرين القصه راح تستمتعين

              نطري الفصل الثاني بتعرفين اشلون تعرف على وسميه

              تعليق


              • #8
                امرأه

                دامج بتشترين الروايه هذا شكلها من بره



                واتمنالج قراءه ممتعه

                وعالعموم انا راح اكمل الروايه اذا ماحصلتيها بالمكتبات لانها قديمه شوي

                تعليق


                • #9
                  مشكورة يالغالية

                  وبانتظار الفصل الثاني

                  وأتمنى من المشرفة أمونة من بعد إذنها يعني

                  انها تثبت القصة لأنها ع أجزاء
                  أنا غآيتي?َ عُنْوآنهآ




                  تعليق


                  • #10
                    الفصــــــــل الثاني ,,,



                    وسميه.
                    كان اسمها وسميه.
                    وسميه. الوجه الأسمر النابض بلون الصحراء, يا نجمة الليالي المتلألئة بالسهر, وأغاني ( الموالد ) وأهازيج الأطفال, و ( القرقيعان ) و والسباحة في برك المياه الممتدة داخل الشوارع الضيقة.
                    وسميه ..
                    حبي الأول الذي كان. لكنه لم يعش طويلا في حيينا , ذلك القديم . أين هي الآن خريطة المدينة القديمة, كل شي نسفته الأيدي باسم الحضارة. اغتالت المباني الكبيرة طفولتنا, ودكت أفراحها. نسفت حكاياتها المرسومة على الجدران, بالفحم الأسود مرة, وبالأصباغ مرة أخرى. حكايات مرسومة بدم القلب, لا يعرف مكانها إلا من كتبها, ومن كتبت له.
                    كل شي أزالوه, الاحواش الكبيرة التي تحضنها جدائل الشمس كل صباح فتوقظ الأجفان الغافية فوق الأسطح, وفي اللواوين. حتى أجفان الأبقار والأغنام الهاجعة تحت عرائشها تتنفس. يعلو ثغاؤها, تستجير من جوع الليل, ومن الخير الذي أثقل أثداءها. أين زمنها ؟؟ أين خيرها ؟؟ كلها حرموها زمنها وحرمونا تلك النهارات التي تتحرك بخفة, تتسارع لعمل دءوب لا ينتهي طوال النهار. تبدأ به الأمهات بالمطبخ, وتحت عريش البهائم وعند مواقد الخبز. بينما تستند الجدات إلى المساند يسبحن الله, يهللن. أو يداعبن الأطفال الرضع. وقد تصرخ إحداهن حين يتلوث ثوبها, و ( ملفعها ) ببول أو قيء.
                    الحياة كانت حيا, نحسها منذ إن نخرج حفاة إلى الشارع الطويل, نقطعه متسابقين حتى نصل نهايته, لنصافح وجه ( أم علي ) بائعة الباجلاء التي تتربع على الأرض الرطبة. نفرك أعيننا, نفتت قذاها المتجمد لنرى كم مغرفة تصب, ونسقط لها ( الانتين ) في وعائها المعدني, فترن كزغرودة.
                    نحمل ( ملة ) الباجلاء الحار بينما بخاره يتصاعد إلى أنوفنا, وتهدأ الخطوة أسرابا. أسرابا نعود إلى البيوت. بعضنا يحمل خبز التنور الحار وفقاعاته المنتفخة تشوق بعضنا فنخطف من على رؤوس الأصحاب واحدة. نتقاسمها, نلتهمها, ثم رغيف آخر... وآخر.. ولا يهم بعد ذلك لو أنبونا, أو دعكوا أفواهنا بالفلفل الأحمر, أو قرصوا مابين سيقاننا.
                    حياة هادئة شفافة بعواطفها, غنية بالحب, بالرحمة, بالتواصل, كلها سحقوها. وفرقوا البيوت. خربوا الملامح. صارت مدينتنا دخيلة علينا. وضاع بيتنا.
                    أين هو الآن ؟؟ وكيف كان ؟؟
                    وأين هو بيت وسميه؟؟ لم يبق منه سوى تلك الشجرة, سحقت الآليات الجدران. والسور. والأعمدة. وأبقت على الشجرة. كأنها تتعمد أن تترك لي شيئا. شيئا حبيبا إلى نفسي.
                    أتعمد أن أمر من هناك كلما دخلت السوق, استظل تحت الشجرة الوحيدة, حنين أخاذ يشدني أن اتفيأ ظلها لحظه من الزمن. فتفوح عطور السنوات. والصبا.طفولة. والصبا ... ووجه وسميه,,
                    كان البيت كبيرا ,, مربع الحوش. تتوسطه بركة ماء يتدلى دلوها. وكم سقط الدلو. وكم تراكضت ووسميه لاقتلاعه من منفاه بالملمص. وحين يفلح احدنا ينتصر على الأخر. ويغيظه.
                    حول البركة, كانت تنحسر في دوائر, قطرات الماء المتساقطة من الدلو, وكنا نزرع حولها بعض الشعير. ونتراهن من يكبر نبته أكثر. وكان شعيري يطول بسرعة. تغتاظ وسميه, لكنها تطمئن نفسها في كل مره وتقنعني:

                    _ شعيرك يطول بسرعة لأنك ولد, ولأنك أطول مني.
                    وأتغابى:
                    _ هل صحيح أنا أطول منك؟؟

                    تتحداني..
                    تقترب مني.
                    تلصق كتفها بي. أحس بالفرح.
                    وتؤكد:ثر.. وتؤكد :

                    _ شوف,, شوف ,, أنت أطول.
                    وفي كل مره أوحي لها بان تتحداني ليلتصق كتفها بكتفي. وانزف من تلك اللحظة كل الفرح.
                    من الحوش الكبير الذي تلتف حوله اللواوين من ثلاث جهات, تتفرع أحواش أخرى: حوش المطبخ. وفيه مطبخان, واحد كبير لأيام الولائم, وآخر صغير تدخله أم وسميه كل يوم, فتفوح إلى خياشيمي روائح ( المكبوس ) و ( المعدس ). أتحايل في الذهاب مبكرا لحين موعد الغذاء. فتسكب لي أم وسميه.

                    _ خذ يا عبدا لله. تغد اليوم مع أمك من غذائنا.
                    وافرح.
                    احضن طاسة الأكل إلى صدري. رغم حرارتها لا اشعر بها. اهرع إلى البيت لآكل مما تأكله وسميه. ولا أنسى قبل أن اخرج أن املأ طاسة التراب لام وسميه. أضعها في البالوعة التي تأخذ زاوية في حوش المطبخ. أنقيه من الحصى حتى لا تخدش يدها وهي تفرك القدور. تشكرني, وفي كل مره تردد إنني ذكي. وطيب القلب. من حوش المطبخ تدخل إلى حوش البهائم. هناك كانت متعتنا الكبيرة. تنتصب على طول الجهة الشرقية حظيرة كبيرة. مليئة بأنواع الطيور, بعضها غريب جاء به والد وسميه من سفراته إلى الهند وإيران. الوز. البط. بألوانه الرمادية والبيضاء. والخليط مابين اللونين مع الأسود. ودجاج كثير.. وديكة تتصارع أحيانا وتهدأ. وتتنافس في أصواتها لإغراء الدجاجات. ببغاوات ملونه كم قضمت أطراف أصابعنا ونحن نمدها لها ( بالسبال ) وديك رومي لماذا كنت ووسميه نكرهه. أما الطاووس المغرور فقد كان ينفش ريشه الجميل كلما راني ووشميه ترتاح تحت ظل الحظيرة, كأنه يريد أن يسرقنا من خلوة الراحة بعد أن نجمع البيض لام وسميه. وقد كانت تكافئني في كل مره:

                    _ خذ يا عبد الله. خل أمك تسلقه لك أو تقليه.
                    كان الفرح يطيرني. بيض ! واركض إلى البيت. كم تعثرت. وكم تكسر البيض وحملت بدلا منه طعم دموعي.
                    مره خرجت وسميه ورائي. رأتني منكبا على البيض المكسور العق صفاره المختلط بالتراب, ومعه دموعي المالحة. رفعت رأسي. أنبتني بود لايمكن أن أنساه:

                    _ ليش يا عبد الله تأكل البيض وسخ؟؟
                    خجلت منها. رفعت راسي وذقني ملوث بالأشياء. رفعت طرف ( بخنقها ) ومسحت وجهي ثم قادتني ثانية إلى البيت. وفي جرأة قالت لامها كل شي.
                    ودنت أم وسمية. مسحت على راسي. وعاتبتني برفق. ثم دست في يدي ( بقشة ) مليئة بالبيض, وبالزبد, وبعض الحلوى.
                    يا لوسمية!
                    ويا لامها الطيبة الكريمة المعطاء!
                    وأبوها الذي يسافر دائما. يغيب.لبحر. يغيب .. ويغيب.. ثم يعود,, يسأل عن أمي أول ما يسأل . وحين اذهب معها أرى قلائدو وأساور تزين بها وسميه نفسها وتسألني:

                    _ حلوة؟؟
                    اهمس:
                    _ أنت حلوة.
                    تصرخ في وجهي:
                    _ مو أنا ,, العقود.
                    أهز راسي. أحب صرختها. أداعب عقودها. وأساورها. وأؤكد لها:
                    _ حلوة.
                    وتهزأ بي:
                    _ لو كنت بنتا للبست مثلها.
                    وأثور:
                    _ أنا رجل. ولا أحب أن أصير بنتا.
                    _ إلا تحب البنات؟؟
                    ويرهق قلبي سؤالها, لكني أجيب:
                    _ نعم أحب البنات.
                    وتغتاظ:
                    _ كل البنات؟؟
                    وأدس نظرتي في عينيها السوداويين اللامعتين. هل أقول لها؟؟ أم أغيظها؟؟ كنا بعد طفلين. ووسمية تحبني, وتعلم إني أحبها. لكنها تسأل وتلح:
                    _ تحبني؟؟_.........
                    _ هل تحبني؟؟
                    أفكر قليلا قبل أن أجيبها لأطيل عليها:
                    _ قليلا.
                    تضربني على يدي:
                    _ يا كذاب أنت ( تموت علي )
                    وأموت..
                    أموت ويدها الناعمة السمراء بخاتمها ( الشذر ) تحرك يدي, تداعب مابين أصابعي. تفرك أطرافها وصوتها الدفيء ينساب من داخلها. يحمل صفة خاصة. كأن له لونا ورائحة. ومساحة. وجناحين يطيران ثم يستقران في عش قلبي.
                    في الناحية الغربية من حوش البهائم كثير من الأبواب الهندية المحفورة الجميلة التي يحضرها والد وسمية معه, ثم يبيعها للتجار. وصناديق وتماثيل وصور. كلها تحت عريش من الخشب حتى لايطالها ماء المطر. على سطح العريش طبقه من ( القار ) الأسود. كان يسيح بعضه أيام الصيف, فنعلكه حتى تسود أسناننا.
                    كنا نتراكض. ونلعب مع بعض الأطفال لعبة ( اللبيدة ) أحيانا كان يشاركنا ( فهد ) أخوها الذي لا يحبني. مره لبدت ووشميه خلف احد الأبواب. وحتى لا يرانا احد التصقنا التصاقا شديدا. واطل وجه فهد. فزع إذ رآنا متلاصقين.شد وسميه من جديلتها, ألقاها على الأرض. وضربها. صرخت وجاءت أمها مستفسرة. وكان أن صرخ فهد مدافعا عن نفسه:

                    _ كانت تلعب عروسة و ( معرس ) مع عبد الله.
                    لم تصدق أم وسميه. خبطت على رأسه:
                    _ يا كذاب. وسميه وعبد الله عاقلان لا يفعلان ذلك.
                    صورة لن تغيب. زاغ نظري إلى السماء. نسيت وسمية المعفرة ملابسها بالتراب. ودموعها الساخنة المنسابة. وحلمت. حلمت أحلاما هفهافة. أحسست شيئا خفيفا يرفعني حتى السماء. وقلبي يطير. هل حقا أصير معرسا. وتصير وسمية العروس؟؟؟
                    بيني وبين وسميه فوارق كبيرة.
                    هي ابنة الحسب والنسب. وأنا ابن ( مريوم الدلالة )
                    هي ابنة تاجر كبير. يجول ويصول في بلدان الله ويأتي بالغنائم, وأنا ابن رجل لا يذكره احد,, مات ,, وتركني يتيما ,,
                    هي ابنة البيت الكبير ذي الاحواش المتعددة. وأنا ابن مريوم التي تؤجر غرفة عند احد البيوت المعروفة. وتنحشر معي في فراش واحد خفيف.
                    هي ابنة أمها ذات الأصل والفصل.. وأنا ابن مريوم التي تحمل بقشتها وتدور على البيوت.. كنت أرافقها احمل بقشة ثانية.. أو ربما طاسات الزلابية التي تصنعها وتبيعها. ادخل كل البيوت. أرى كل الأمهات. وكل البنات. لكنني كنت أحب بيت وسمية.. وأحب أم وسمية, وكثيرا ما كنت اقضي النهار مع أمي في بيتهم.. أراها وه تساعد أم وسمية في الغسيل. تدعك الملابس. يتساقط عرقها ليختلط بالماء والصابون. كنت ووسمية نتحلق حولها نرغي لها صابونة ( الديك ) ثم انفخ يدي. تطير الفقاعات, أتعمد أن انفخها في وجه وسمية. تدخل إلى عينيها تحرقها. تدعك . ثم تدمع عيناها الجميلتان. وتصرخ بي أمي رغم أن وسمية لم تشتك:

                    _ يا ولد ! يا كلب. حرقت عين البنت. الله يعميك.
                    وتدافع عني وسمية:
                    _ لا لا تدعي عليه.
                    تعصر أمي القطعة التي بين يديها وتجيب:
                    _ اشلون ما ادعي عليه.. يفعل هذا مع عمة من عماته.
                    عمة من عماتي؟؟
                    لماذا؟؟
                    أمي دائما تقول هذا وأنا لا افهم.
                    كيف تكون عمتي.
                    أمي أيضا تنادي أم وسمية بعتي. وتأمرني بأن أقول لها يا عمتي كلما ذهبت لأوصل لها غرضا.. أو أجيء بشيء منها.
                    صوت وسمية المدافع عني يزغزغني:

                    _ أنا مو عمته. عبد الله اخوي.
                    افرح.
                    انتصر على أمي.
                    أتمادى في مداعبة وسمية. نتراكض نتسابق. نخطف بعض الثمار من السدرة المتدلية بعض فروعها. أنسى في تلك اللحظات أن وسمية عمة من عماتي. وأنها ابنة أمها و أبيها. وأنا ابن مريوم. أنسى كل شيء. إلا إننا طفلان. قلبان. رغم كل الفروقات, يحلقان ببراءة ومحبة. في سماء عذبة.
                    احزن.ود إلى البيت أتذكر ردع أمي. احزن . احبس راسي بين ركبتي. أعاف الأكل. وتدنو أمي تحاول:

                    _ ما بك يا عبد الله؟
                    وتنحدر دموعي:
                    _ لقد ( هاوشتيني ) أمام وسمية.
                    تمسح على رأسي:
                    _ يا ( عبيد ) لا تزعل. وسمية لا ترضى أن اهاوشك. هي تدافع عنك.
                    _ قلت أمامها إنها عمة من عماتي. هذا كلام لا أحبة.
                    وتسحبني أمي. تشدني إلى صدرها. تواسيني:
                    _ يا عبد الله هذي سنة الحياة. حاكم,الله: عم, وخادم, غني, وفقير. حاكم , ومحكوم, الدنيا مختلفة هي فعلا عمة من عماتك.
                    _ هل أنت خادمة عندهم؟
                    _ لا. ولكني اعمل عندها وعند غيرهم معاونة مني.
                    أتشبث بها:
                    _ لا تعملي عند احد. انك تتعبين.
                    _ اتعب واترزق. اخذ حقي. حق تعبي, وألا من أين نعيش؟؟
                    _ أم وسمية تعطينا كل شي.
                    _ لا يا عبد الله لا يجب أن نعتمد على الناس. يجب أن نعرق ونتعب وليس عيبا كل الناس يعملون.
                    _ اعملي فقط عند أم وسميه إلا يكفي؟؟
                    تضحك وتدللني:
                    _ يا عبد الله.. أريد أن أراك دائما سعيدا.. تلبس دشاديش نظيفة وتأكل الدسم هذا لا يتحقق إلا بالعمل. وفي بيوت كثيرة.
                    كنت أحب كلام أمي.. كنت ارجوها دائما:
                    _ دعيني اعمل وأساعدك,,
                    _ أنت لا تقصر,, تحمل لي الأغراض ولازلت صغيرا.
                    واعدها:
                    _ حين اكبر سوف اشتغل.. وأريحك.. واحضر لك كل شي, أصير غنيا واحضر لك هدايا..
                    تضحك أمي,, تقرص خدي مداعبة :
                    _ ولوسميه ,, ماذا ستحضر؟؟
                    يصيب وجهي لسع ساخن. اخجل. أنكس راسي مبتسما. وأمي تصر بسؤالها:
                    _ ها! تحبها ياعبدالله؟؟
                    أهز راسي بالإيجاب,, والخجل لا يزال يحرقني.
                    وتتنهد أمي:

                    _ إيه يا عبد الله. طيبه.( حليوة ) وأمها بنت حلال. طيبه . ( كافة عافة )تصمت لحظة ثم تواصل كأنها تذكرني:
                    _ انتبه ياعبدالله. إياك أن تزعل وسمية. أو أمها.
                    أرد عن نفسي تهمة لم افعلها:
                    _ أنا لا ازعلها.. هي تحبني وتعطف علي..
                    _ اعرف يا وليدي_ وتحضن راسي _ ولكن هؤلاء رغم طيبتهم لا يحبون أن يتطاول أولاد الفقراء على أولادهم.
                    فقراء.....!!
                    أنا إذن ابن الفقراء.

                    _ لماذا أنا فقير يا أمي؟؟
                    يفاجئها السؤال لكنها تتماسك:
                    _ ربك يعلم يا وليدي.
                    وأفاجئها بسؤال أخر:
                    _ وهل أولاد الفقراء مكروهون؟؟
                    _ لا أولاد الفقراء الطيبون العاقلون لا يكرهم احد..
                    _ وهل بنات الأغنياء لا يحبون أولاد الفقراء؟؟
                    تفهم أمي ما يدور بخلدي.. تطمئنني:
                    _ الحب لا يعرف غنيا أو فقيرا.. كل الناس تحب الأولاد والبنات, ولكن.
                    _ ماذا..
                    بلهفة سألتها فتلعثمت,
                    _ يعني أقول...
                    أعطيتها السؤال بشكل أخر. شكل يلح علي. وودت أن اعرف.
                    _ يعني.. لا يزوجون بنات الأغنياء من أولاد الفقراء.
                    تنهدت أمي. مسحت على فرقها وشدت جديلتها الرفيعة:
                    _ إيه... الغني للغنية.. والفقيرة, للفقير.. هذا حال الدنيا..
                    وأنا فقير.
                    واحبك يا وسمية.
                    وربي يعلم إنني احلم. وأحب أن أراك كل يوم. ولا يحرمني منك احد. واحلم أحلاما كبيرة.. اكبر مني. أن أصير غنيا.. لأتزوجك.. واقلب الدنيا أصير أبا لكل الفقراء. وليس عما. سأرفض أن أكون غير ذلك. إلا زوجا لك.
                    وأعلنت لامي ذات يوم:

                    _ حين أصير غنيا. هل يرضون بي زوجا لوسمية؟؟
                    سحبت آهة كبيرة وصدمتني:
                    _ لا.. لن يرضوا,
                    _ قلت يريدون غنيا,,
                    ونطقت أمي دون رحمة:
                    وفصلا.ون أصلا.. وفصلا .. حسبا, ونسبا,, وأنت؟؟ ابن مريوم الدلالة مهما صرت واستويت.
                    حنقت على أمي,,
                    لماذا صارت دلالة..؟ صارت سبة ,, ولكن..
                    ما ذنبها؟؟ هكذا وجدت نفسها.. وهكذا تعيش..
                    حنون.بة.. حنون .. مكافحة.. لا.. أبدا هي ليست سبة.. وان كانت وسميه تحبني حقا.. فلتنس إنني ابن مريوم الدالة..
                    هكذا كانت الأفكار تؤرقني. طفلا. بعد مازال انفتح للحياة.. لكن الأشياء التي كانت اكبر مني تفجعني.. وتقلقني. والفرق بيني وبين وسمية. كبير. مهما فعلت فلن تكون يوما لي.. لن تحقق تهمة أخيها فهد ونصير عروسا ومعرسا.. إلا إذا حدثت معجزه.. ولم نكن في زمن المعجزات..
                    منذ ذلك اليوم أخذت أتجاهل التفكير في المستقبل. ذلك المجهول الذي يخضع لحاضر مقيت يستمر.. ويزداد.. رغم كل الحياة البسيطة الوديعة.. رغم المحبة والتالف.. تكبر قيوده معنا.. نسمعها. نراها. فروقات لا تظلم أحدا. لكنها تعيش تنمو. وتؤكد وجودها في كل موقف.
                    منذ ذلك اليوم أردت أن أعيش اللحظة التي أرى فيها وسمية, نلعب ببساطة معا, نتحادث. نتبادل الأشياء الصغيرة أنا اذهب إلى البحر وهي تنتظرني عند باب بيتهم. ورائحتي.سباحة يوم كامل احمل رملي. ورائحتي . وما حملته لها من قواقع. وزبابيط. واسماك صغيره. تطل بوجهها الجميل ثم تنفلت من الباب. طفله تلتصق بي. تتنفس رائحتي. وتهمس:

                    _ الله ريحتك بحر
                    _ تحبين ريحة البحر؟
                    _ أحب ريحتك.
                    _ لماذا لا تأتين معي إلى البحر؟
                    تتنهد, فتشق النهده قفص صدري وتستقر فيه علامة سؤال دائم:
                    _ نحن البنات لا نذهب إلى البحر ولا نسبح إلا مع أمهاتنا وجداتنا.
                    _ آه.. ويلعبون.لاد يذهبون أيضا.. ويلعبون .. ويرون البنات..
                    تضحك:
                    _ ( ميخالف ) ,, مع أهلنا وليس وحدنا,,
                    وأتذكر أيام الجمع والعطل.. وأمي,دحم الشاطيء بالناس, أمهات, جدات, عمات, وأولاد وبنات.. وأمي ,, مريوم.
                    تغسل الأمهات شعور البنات المحناة. وتغسل بعضهن الثياب. وأخريات تغسلت المواعين والسجاجيد والالحفة. وأمي مريوم تغسل ( للعمات) وتدعك الملابس والشعور. رأيتها أكثر من مره تدعك شعر وسمية, وكانت تأمرني:

                    _ اذهب بعيدا,, العب مع الأولاد ,, يالله عيب..
                    وأحس خجل وسميه. ابتعد,, اجلس ليس بعيدا.. أراقب ظهرها الذي يطل من الماء.. وشعرها الطويل الناعم يحوم خصلات فوق سطح الماء تعابثه الموجات. وأمي تفرك. وتفرك ظهرها. شيء كان يوشوشني.. يجعلني أحبها وأخاف عليها حتى من نظرتي الطفلة,,
                    نظره كبرت. وكبرت مع الأيام. واستطال الجسد الصغير.. واستطال جسد وسمية وطال شعرها أكثر.. وطالت مسافة اقترابنا.. لم تعد تذهب إلى البحر..
                    كبرنا........
                    صار البحر لي وحدي.
                    .

                    تعليق


                    • #11
                      عشوقه

                      منورتني

                      مشكوره عالمرور وعالاهتمام

                      طله ثانيه حلوه منج

                      وانتظري الفصل الثالث

                      تعليق


                      • #12



                        ميرسي كتكوته على الإختيار الأكثر من رائع

                        صراحه انا شفتها بالتلفزيون أكثر من مره

                        بس هذا ما يمنع اني اقراها

                        يعطيج العافيه :)

                        [align=center]





                        [/align]

                        تعليق


                        • #13
                          تسلمي كتكووتة


                          والصرااحة جان القصة صارت احلى اذا قريناها

                          خو ليش ما عطيتيني الكتاب أقر القصة :p
                          أنا غآيتي?َ عُنْوآنهآ




                          تعليق


                          • #14
                            الفصـــــــــل الثالث



                            تكبر وسميه,,
                            تختفي خلف جدران البيت.
                            وحرم علي الدخول. أنا الذي كنت اسرح وامرح, واحمل بقشة أمي. وأرغي لها الصابون, وأطعم الببغاوات.. وأملا طاسة التراب.
                            أنا رفيق طفولة وسمية. حرموا علي الدخول. صار مكاني على عتبة الباب. اجلس وتحرق مقعدتي لسعات العتبة التي صلتها الشمس والتي تنصب على راسي حرارتها, تتسرب إلى جسدي, يجف ريقي, وأخشى رغم كل ذلك إن أمد يدي واطرق الباب.
                            مرة كان حظي سعيدا, خرجت أم وسمية. لمحتني محتقن الوجه. عطفت علي. أدخلتني الدهليز وأحضرت الماء. والتمر, ورمانة أكلت حباتها حبة حبة.
                            وصدفه أخرى اطل وجه وسمية. فانتثرت سعادة جامحة على وجهها:

                            _ عبداللة!!_ وسمية.
                            _ ماذا تفعل؟
                            وأشرت إلى الداخل:
                            _ انتظر أمي.
                            تنهدت:
                            _ تخاف من فهد؟
                            هززت رأسي أؤيدها.
                            وسرحت.

                            _ بماذا تفكرين؟؟
                            _ بالبحر.
                            أجابت كأنها تحلم.
                            _ لم لا تذهبين؟
                            _ ممنوع. أنت تعرف ( أبوي ) مسافر.. وفهد,,
                            _ أنت. أما.. زلت تحبين رائحة البحر؟؟
                            وأغضت ! كأنني سألتها:
                            أما زلت تحبين رائحتي؟؟
                            قالت:
                            _ أحبها أشمها في الصدف, والقواقع. لقد لونته وخبأته.
                            _ هل أراه.
                            _ لا.
                            اقترب منها. تتعانق أنفاسنا البعيدة. اقترب أكثر. تدفعني من صدري بشيء كثير من الخوف:
                            _ ابتعد. قبل أن يراك احد.
                            _ قصدك فهد.
                            ارتعشت:
                            _ فهد لو رآك فسيضربك.
                            اذكرها:
                            _ أمي في الداخل.
                            تحزن:
                            _ ولو ,,,,, أنت تدري.
                            وتدخل.
                            تغلق الباب بلطف كأنها تخشى أن يصفع وجهي. وأبقى وحدي, انتظر أمي. انتظرها حتى يصيبني الملل. فأحمل رائحة البحر, ورائحة اللقاء الشذي القصير, ورملي المتناثر من أقدامي, وابتعد, والرمل يرسم المسافة ما بين بيتهم, وبيتنا.
                            أه ما أطول المسافة كانت. وما أبعدها.......
                            عذبتني... وقهرت طفولتي كل المسافات..
                            طفولتي وطفولة وسمية. طفولتان متناقضتان . كل شيء يختلف كل شيء يؤكد أن أي حلم لا يجب أن يداعب خيالي. أمي _مريوم الدلالة_ تحظى برؤيتها بينما خرموها علي بعد إذ عشنا الطفولة معا وكبرنا. سنوات قليلة حسبوها اكبر من عمرنا مرتين.. كبرونا لأنهم يريدون أن ننفصل.
                            هكذا التقاليد. والأصول.
                            وفهد !! الذي يقف بالمرصاد, حتى في الشوارع الأخرى, وكأنه يذكرني بوجوده أبدا.
                            كل شيء مختلف بيننا... شيء واحد لا يعرف الاختلاف, ولا يعترف به. يعشعش في القلوب. وسميه كانت تحبني. تتغذى بحكاياتي الصغيرة وتشبع من رائحة البحر التي احملها في أنفاسي. وجلدي. وكل شعرة في راسي.
                            صوت الحب ينمو. ويرقد.في ممرات النفس. ويرقد . لا تخنقه السنوات. ولا يأكله الحرمان. ولا ترده الروح.
                            آه يا وسميه.
                            راحت الأيام.
                            وما راح حبك من قلبي. بعده ما يزال مرتاحا. يأخذ اجازه لدقيقة ويصحو لساعات. ينام ليلة ويفيق ليالي طويلة. أقاسي فيها, أتعذب, احلف إلا تطأ قدماي بحرا, ولا تصافح عيناي موجا, ولكن الحنين يجذبني إليك. إلى هناك. إلى البحر الذي التقينا عنده أول مره
                            .

                            تعليق


                            • #15
                              فراشه

                              انشاءالله بحطها كلها على مراحل

                              وانشاءالله تستمتعين

                              تعليق

                              يعمل...
                              X