بسم الله الرحمن الرحيم
قصة طريق الجبــال..رومنسية..!!
الفصـــل الأول
كان يظن بأنه سينسى ما جرى ويهرب من صفحات ماضي الزمان التي عاشها... وسيعيش حاضره وما تبقى من دفتر حياته دون أن ينظر إلى الوراء, فربما تهب الرياح و تقلب صفحاته إلى ماضيه الأليم والحزين, عندما يقرر أن يبدأ حياته بصفحة بيضاء و يطوي أوراق الزمان ويتركها لتتراكم عليها كومة من الآلام و الجراح المضمدة بحلم النسيان.. لكن الماضي استعمر على حياته و تربع على عرشها... و لكن إلى متى؟
سنوات طويلة مضت ودائرة الزمن تدور دورتها الرتيبة و تمضي...!
فذات صباح استيقض حسام و هو يحس بالوحدة والفراغ, فنهض من فراشه متكاسلا يحس بأنه لا يستطيع حمل نفسه من كثر الهموم التي يحملها على ظهره, ثم ذهب ليغتسل, و لكن قبل أن يغتسل جلس على السرير يتذكر نفسه قبل عدة أيام, في الليلة التي عاد فيها للقرية, عندما كان في مقهى محطة القطار, عندما وصل إلى هناك, كان الليل باردا و هو جالس على الطاولة, تحت ضياء الشمعة الذائبة, وحيدا و بيده فنجان قهوته الساخنة يحتسيها و يتأمل ما حوله و يفكر و يتمتم بينه و بين نفسه, " هل سترجع أم رحلت بلا عودة؟؟ هل حقا رحلت أم أنا في حلم؟. لا.. لا أنا في كابوس فضيع لا أستطيع تحمل مضاض هذا الألم!!!"
أغمض عينيه و هو يشعر بالبرد القارص وضع رأسه على الطاولة, لم يكن أحدا معه, جلس خارج المقهى, لعله يراها تمر من أمامه و يعيدها إليه بالطيب بالقوة سوف يرجعها, و لكن هذا محال.. محال إرجاع أي شيء مضى فالذي مضى قد مضى و لن يعود.. أيامه الراحلة لن تعود..
كانت أفكاره متناقضة مما يدفعه للشعور بالجنون, لماذا يريد أن يرجعها فهي لن تفيده بشيء, لن تصنع له السعادة بل ستهدم مستقبله و كيانه..
صحا على صوت رقيق يوقضه" يا سيد.. يا سيد.. إستيقض إنها الساعة الثالثة صباحا.. هل تنتظر أحدا ليقلك من هنا يا سيد؟" رفع رأسه من على الطاولة و نظر إليها و الابتسامة تعلو وجهه و تمتم بإسم لم تفهمه الفتاة, ثم وضع رأسه على الطاولة مرة أخرى, و لكنه رفعه بسرعة و نظر إلى الفتاة " النادلة" و قال لها:" و لكنها رحلت!!" فأطال النظر إليها ثم أعتذر منها و انسحب من مكانه بهدوء يجر و راءه أذيال الخيبة و الألم, مشى في دربه متوجها لبيت جده الموجود بداخل القرية, كان يمشي بتخاذل, يمشي و كأن أحدا يدفعه ليواصل سيره, وصل إلى البيت بأعجوبة كل شيء تغير و لكنه و صل؛ البيت يرثى له من الغبار, و خيوط العنكبوت و لكنه لم يبالي بأي شيء, دخل إلى غرفته و وضع ملابسه بالخزانة التي كانت مليئة بملابسه القديمة, و حاول أن ينظف ما يستطيع من البيت ثم تمدد على السرير و أحس بثقل في جفنيه إلى أن غفا دون أن يعلم بما يجري. و في الأيام التي بعدها بدأ بتنظيف البيت و نفض الغبار من كل مكان لوحده دون مساعدة احد, لأن لا أحد يعرف بقدومه إلى القرية للآن, إلى أن قرر في هذا اليوم أن يخرج من عزلته و يتحقق من كل شيء بنفسه.
وقف أمام المرآة ينظر إلى نفسه نظرة شفقة وتأمل في ملامح وجهه و قال بينه وبين نفسه:"أريد أن احلق ذقني ولكني لن افعل, وما أهمية مظهري بعد أن رحل كل شيء". فلقد كانت هذه هي العبارات التي كان يرددها على نفسه كلما أراد أن يفعل شيء سيؤدي إلى تغيير حياته بطريقة أو بأخرى سواء كان في مظهره أو في حياته التي اعتاد عليها.
كان هذا أول يوم له في القرية من بعد رحيله عنها لمدة طويلة لينسى ما حدث... كان يفكر في تصرفاته انه يتصرف بغرابة حتى بعد مرور السنين على وقوع الحادثة, فكل إنسان ستتغير حياته يوما ما سواءً شاء ذلك أم أبى فكل شيء في هذه الحياة له أوانه, و لأننا لا نستطيع تغيير المكتوب لنا أبدا.
وقف أمام خزانة الملابس محتار ماذا يلبس ؟؟ أغمض عينيه ومد يده و سحب أي شيء تقع عليه أنامله فلبس ملابسه وخرج دون أن يتناول فطوره أو أي شيء خرج و معدته خالية. خرج من باب بيته الصغير الذي هجره لسنين ينظر إلى ما حوله ينتظر أن يناديه جده في أي لحظة, جده الذي عاش معه اسعد أيام حياته قبل أن يرحل من البلاد, ولكن جده قد توفي وترك له هذا المنزل الصغير الذي كان وسط الغابة عند رحيله أما الآن فبيوت كثيرة بمقربة منه.. فنظر إلى ما حوله واخذ نفسا عميقا وتنهد..
مشى في دربه بخطى شبه ثابتة و لكنه مهزوز في داخله, يمشي ولا يريد أن يتذكر يمشي ويجر ورائه حزنه ويئسه مخلفا وراءه غابات من علامات الاستفهام يقطف الناس ثمارها...
الحياة تغيرت ولكن هناك أشياء من بقايا ذكرياته مازالت موجودة.. سار في دربه دون أن يدرك بأنه يمشي في طريق الجبال الطريق الذي ضماهما إلى أحضانه منذ سنين, سار إلى الوادي كما الماضي عندما كان يجلس معها ويتكلمون ويغنون ويضحكون؛ و بينما كان في طريقه إلى الوادي, لمحته فتاة من القرية في بداية العشرين من عمرها وكان اسمها آمال كانت معتادة على السير في هذا الطريق و مراقبة كل من يسير ثم تذهب لمشوارها المعتاد و هو الجلوس عند البحيرة و طرف الوادي, فبينما هي جالسة مر حسام من أمامها دون أن يراها, فقد كان فكره شاردا و لا يدري بمن حوله نظرت إليه بانبهار فهو رجل وسيم, جميل, طويل القامة و عمره تقريبا لم يتجاوز ال 29 سنة, و لكن حالته يرثى لها, فبدأت هذه الفتاة بمراقبته عن كثب فلقد أثار فضولها 0 فيا ترى من يكون ؟؟؟
مازال يمشي شاقاً طريقه باتجاه الوادي و هي تتبعه خفية خلفه, وصل عند الوادي و جلس ينظر إلى المكان من أعلى بحنان وألم ويحبس دمعته بداخله كسجين و يتذكر تلك الأيام الخوالي التي يجلس فيها مع حبيبته قبل رحيلها للسكن تحت التراب, حسبما سمع من الناس عندما كان متغرباً بعد حادثة طريق الجبال, وهو يحاول الآن أن ينسى الحادثة و ينسى ماضيه الأليم...
جلس يراقب الطيور في السماء و يراقب ذكراها و هي تمر من أمامه وتتعالى له ضحكاتها في أرجاء الوادي. انه يشعر بالوحدة والخوف والضياع و بالحنين للماضي الذي يتمنى أن يرجعه لأيامه الراحلة من دنيا الوجود.
وقف في مكانه فكانت شجرة التفاح من خلفه و منظر الوادي من أمامه و البحيرة الصغيرة على يمينه و ذكراها تحوم حوله, كان ينظر إلى السماء ينتظر غروب الشمس, فهو يعلم بأن الغروب في الوادي يبعث في النفس شعور غريب و يذكره بماضيه الذي غاب مثل ما غابت الشمس خلف الجبال و لكن شمس ماضيه لن تشرق أبدا فهذا محال. وقف وهو يحبس الدمع الحزين في داخله, وجراحه تصرخ بالآلام, وعقله تتضارب فيه الأسئلة غير مصدق, يا ترى ماذا حل بها ؟ هل مازالت جسداً بروح فوق التراب أم رحلت مع ذويها لبلدةٍ أخرى؟ أم جسداً بلا روح تحت التراب؟ أم جسدا بلا روح يجوب الأرض؟؟؟ فهو لا يستطيع تصديق ذالك بأنها قد توفيت- فكان يسأل نفسه و هو يشعر بحرقة و حسرة على ما مضى من حياته- هل وصلتها رسائلي لتهون عليها؟ فيا ليتها تعلم سبب رحيلي عنها, أردت أن أفاجئها بذلك, لقد تركت لها رسالة عند شجرة التفاح لتقرأها و تفرح بالخبر فهل قرأتها؟ فكان حسام يحترق في داخله بسبب المفاجئة التي تفجرت داخل روحه و لم تصل لحبيبته!!!!.
الفتاة تراقبه والفضول يجرها للأمام والخلف تريد أن تعرف من هو هذا الشخص فهي لأول مرة تراه بالقرية, و تصرفاته تذكرها بالقصة التي روتها لها أختها التي تتذكر بعض المشاهد منها و كان ذلك منذ سنين طويلة, و هذه القصة عن صديقة أختها و قريبتهم من بعيد التي توفيت من الحزن على حبيبها الذي لم تعرف أخباره أو أي شيء عنه من بعد حادثة طريق الجبال.
كانت الفتاة آمال في 8 من عمرها في ذلك الوقت عندما حدثت هذه القصة المألمة, فقد كانت سعاد (الله يرحمها) في ريعان شبابها 16 سنة, وكان لها صديقة من أهلها في مثل سنها وهي منال أخت آمال. كانت سعاد كل صباح تذهب مع صديقتها منال للبحيرة لغسل الملابس و للترفيه عن نفسيهما بالعب أو بحكي الأسرار و أشياء كثيرة كانتا تفعلانها هناك مثل باقي البنات اللاتي في مثل سنهن.
فذات يوم كانت سعاد و صديقتها تلعبان لعبة الاختباء من بعد إنتهائهما من غسل الملابس, فأرادت سعاد أن تختبأ في مكان لا تستطيع صديقتها العثور عليها، فقامت بالاختباء عند شجرة التفاح, فذهبت صديقتها للبحث عنها كما في شروط اللعبة فبحثت عنها بين الشجيرات و في أرجاء المكان و لكنها لم تجدها و لم يخطر في بالها شجرة التفاح لأن لأول مرة تختبيء سعاد هناك, لقد بحثت منال عنها لمدة طويلة, فكانت سعاد جالسة عند تلك الشجرة وهي تراقب الطيور و تنظر إلى السماء و تراقب الشمس و هي تشع من بين الجبال و أشعتها تنعكس في الوادي, و صديقتها منال تناديها و لكنها لا تسمعها لأنها أغمضت عينيها و غفت على تغريد العصافير و خرير الماء العذب, فظنت منال بأن صديقتها سعاد ذهبت إلى البيت؛ فحملت منال الأغراض و رحلت من الوادي و هي غاضبة عليها لأنها جعلتها تحمل الأشياء لوحدها و تسير في الطريق أيضا لوحدها...
أفاقت سعاد من غفوتها مذهولة كيف غفت بهذه السهولة؟ ذهبت تركض بإتجاه البحيرة ولكنها لم تشاهد صديقتها, فخافت كثيراً لأن الشمس على وشك المغيب, و كان اللون الأصفر الشاحب قد أخذ يغزو السماء و انتشرت أصابع برتقالية من الأفق الغربي مبدلة لون الظلال التي سكبتها الشمس الغاربة, فهي لا تستطيع عبور طريق الجبال لوحدها بعد غياب الشمس لأن المكان يصبح مخيفاً, فركضت بأسرع ما عندها لتسرق الوقت قبل غروب الشمس و لكن لسؤ حضها لقد سلكت الطريق الخطأ فلم تعرف إلى أين تتجه,أو ماذا تفعل!! و لكن يا ترى ماذا سيخبيء لها طريق الجبال !!!؟.
قصة طريق الجبــال..رومنسية..!!
الفصـــل الأول
كان يظن بأنه سينسى ما جرى ويهرب من صفحات ماضي الزمان التي عاشها... وسيعيش حاضره وما تبقى من دفتر حياته دون أن ينظر إلى الوراء, فربما تهب الرياح و تقلب صفحاته إلى ماضيه الأليم والحزين, عندما يقرر أن يبدأ حياته بصفحة بيضاء و يطوي أوراق الزمان ويتركها لتتراكم عليها كومة من الآلام و الجراح المضمدة بحلم النسيان.. لكن الماضي استعمر على حياته و تربع على عرشها... و لكن إلى متى؟
سنوات طويلة مضت ودائرة الزمن تدور دورتها الرتيبة و تمضي...!
فذات صباح استيقض حسام و هو يحس بالوحدة والفراغ, فنهض من فراشه متكاسلا يحس بأنه لا يستطيع حمل نفسه من كثر الهموم التي يحملها على ظهره, ثم ذهب ليغتسل, و لكن قبل أن يغتسل جلس على السرير يتذكر نفسه قبل عدة أيام, في الليلة التي عاد فيها للقرية, عندما كان في مقهى محطة القطار, عندما وصل إلى هناك, كان الليل باردا و هو جالس على الطاولة, تحت ضياء الشمعة الذائبة, وحيدا و بيده فنجان قهوته الساخنة يحتسيها و يتأمل ما حوله و يفكر و يتمتم بينه و بين نفسه, " هل سترجع أم رحلت بلا عودة؟؟ هل حقا رحلت أم أنا في حلم؟. لا.. لا أنا في كابوس فضيع لا أستطيع تحمل مضاض هذا الألم!!!"
أغمض عينيه و هو يشعر بالبرد القارص وضع رأسه على الطاولة, لم يكن أحدا معه, جلس خارج المقهى, لعله يراها تمر من أمامه و يعيدها إليه بالطيب بالقوة سوف يرجعها, و لكن هذا محال.. محال إرجاع أي شيء مضى فالذي مضى قد مضى و لن يعود.. أيامه الراحلة لن تعود..
كانت أفكاره متناقضة مما يدفعه للشعور بالجنون, لماذا يريد أن يرجعها فهي لن تفيده بشيء, لن تصنع له السعادة بل ستهدم مستقبله و كيانه..
صحا على صوت رقيق يوقضه" يا سيد.. يا سيد.. إستيقض إنها الساعة الثالثة صباحا.. هل تنتظر أحدا ليقلك من هنا يا سيد؟" رفع رأسه من على الطاولة و نظر إليها و الابتسامة تعلو وجهه و تمتم بإسم لم تفهمه الفتاة, ثم وضع رأسه على الطاولة مرة أخرى, و لكنه رفعه بسرعة و نظر إلى الفتاة " النادلة" و قال لها:" و لكنها رحلت!!" فأطال النظر إليها ثم أعتذر منها و انسحب من مكانه بهدوء يجر و راءه أذيال الخيبة و الألم, مشى في دربه متوجها لبيت جده الموجود بداخل القرية, كان يمشي بتخاذل, يمشي و كأن أحدا يدفعه ليواصل سيره, وصل إلى البيت بأعجوبة كل شيء تغير و لكنه و صل؛ البيت يرثى له من الغبار, و خيوط العنكبوت و لكنه لم يبالي بأي شيء, دخل إلى غرفته و وضع ملابسه بالخزانة التي كانت مليئة بملابسه القديمة, و حاول أن ينظف ما يستطيع من البيت ثم تمدد على السرير و أحس بثقل في جفنيه إلى أن غفا دون أن يعلم بما يجري. و في الأيام التي بعدها بدأ بتنظيف البيت و نفض الغبار من كل مكان لوحده دون مساعدة احد, لأن لا أحد يعرف بقدومه إلى القرية للآن, إلى أن قرر في هذا اليوم أن يخرج من عزلته و يتحقق من كل شيء بنفسه.
وقف أمام المرآة ينظر إلى نفسه نظرة شفقة وتأمل في ملامح وجهه و قال بينه وبين نفسه:"أريد أن احلق ذقني ولكني لن افعل, وما أهمية مظهري بعد أن رحل كل شيء". فلقد كانت هذه هي العبارات التي كان يرددها على نفسه كلما أراد أن يفعل شيء سيؤدي إلى تغيير حياته بطريقة أو بأخرى سواء كان في مظهره أو في حياته التي اعتاد عليها.
كان هذا أول يوم له في القرية من بعد رحيله عنها لمدة طويلة لينسى ما حدث... كان يفكر في تصرفاته انه يتصرف بغرابة حتى بعد مرور السنين على وقوع الحادثة, فكل إنسان ستتغير حياته يوما ما سواءً شاء ذلك أم أبى فكل شيء في هذه الحياة له أوانه, و لأننا لا نستطيع تغيير المكتوب لنا أبدا.
وقف أمام خزانة الملابس محتار ماذا يلبس ؟؟ أغمض عينيه ومد يده و سحب أي شيء تقع عليه أنامله فلبس ملابسه وخرج دون أن يتناول فطوره أو أي شيء خرج و معدته خالية. خرج من باب بيته الصغير الذي هجره لسنين ينظر إلى ما حوله ينتظر أن يناديه جده في أي لحظة, جده الذي عاش معه اسعد أيام حياته قبل أن يرحل من البلاد, ولكن جده قد توفي وترك له هذا المنزل الصغير الذي كان وسط الغابة عند رحيله أما الآن فبيوت كثيرة بمقربة منه.. فنظر إلى ما حوله واخذ نفسا عميقا وتنهد..
مشى في دربه بخطى شبه ثابتة و لكنه مهزوز في داخله, يمشي ولا يريد أن يتذكر يمشي ويجر ورائه حزنه ويئسه مخلفا وراءه غابات من علامات الاستفهام يقطف الناس ثمارها...
الحياة تغيرت ولكن هناك أشياء من بقايا ذكرياته مازالت موجودة.. سار في دربه دون أن يدرك بأنه يمشي في طريق الجبال الطريق الذي ضماهما إلى أحضانه منذ سنين, سار إلى الوادي كما الماضي عندما كان يجلس معها ويتكلمون ويغنون ويضحكون؛ و بينما كان في طريقه إلى الوادي, لمحته فتاة من القرية في بداية العشرين من عمرها وكان اسمها آمال كانت معتادة على السير في هذا الطريق و مراقبة كل من يسير ثم تذهب لمشوارها المعتاد و هو الجلوس عند البحيرة و طرف الوادي, فبينما هي جالسة مر حسام من أمامها دون أن يراها, فقد كان فكره شاردا و لا يدري بمن حوله نظرت إليه بانبهار فهو رجل وسيم, جميل, طويل القامة و عمره تقريبا لم يتجاوز ال 29 سنة, و لكن حالته يرثى لها, فبدأت هذه الفتاة بمراقبته عن كثب فلقد أثار فضولها 0 فيا ترى من يكون ؟؟؟
مازال يمشي شاقاً طريقه باتجاه الوادي و هي تتبعه خفية خلفه, وصل عند الوادي و جلس ينظر إلى المكان من أعلى بحنان وألم ويحبس دمعته بداخله كسجين و يتذكر تلك الأيام الخوالي التي يجلس فيها مع حبيبته قبل رحيلها للسكن تحت التراب, حسبما سمع من الناس عندما كان متغرباً بعد حادثة طريق الجبال, وهو يحاول الآن أن ينسى الحادثة و ينسى ماضيه الأليم...
جلس يراقب الطيور في السماء و يراقب ذكراها و هي تمر من أمامه وتتعالى له ضحكاتها في أرجاء الوادي. انه يشعر بالوحدة والخوف والضياع و بالحنين للماضي الذي يتمنى أن يرجعه لأيامه الراحلة من دنيا الوجود.
وقف في مكانه فكانت شجرة التفاح من خلفه و منظر الوادي من أمامه و البحيرة الصغيرة على يمينه و ذكراها تحوم حوله, كان ينظر إلى السماء ينتظر غروب الشمس, فهو يعلم بأن الغروب في الوادي يبعث في النفس شعور غريب و يذكره بماضيه الذي غاب مثل ما غابت الشمس خلف الجبال و لكن شمس ماضيه لن تشرق أبدا فهذا محال. وقف وهو يحبس الدمع الحزين في داخله, وجراحه تصرخ بالآلام, وعقله تتضارب فيه الأسئلة غير مصدق, يا ترى ماذا حل بها ؟ هل مازالت جسداً بروح فوق التراب أم رحلت مع ذويها لبلدةٍ أخرى؟ أم جسداً بلا روح تحت التراب؟ أم جسدا بلا روح يجوب الأرض؟؟؟ فهو لا يستطيع تصديق ذالك بأنها قد توفيت- فكان يسأل نفسه و هو يشعر بحرقة و حسرة على ما مضى من حياته- هل وصلتها رسائلي لتهون عليها؟ فيا ليتها تعلم سبب رحيلي عنها, أردت أن أفاجئها بذلك, لقد تركت لها رسالة عند شجرة التفاح لتقرأها و تفرح بالخبر فهل قرأتها؟ فكان حسام يحترق في داخله بسبب المفاجئة التي تفجرت داخل روحه و لم تصل لحبيبته!!!!.
الفتاة تراقبه والفضول يجرها للأمام والخلف تريد أن تعرف من هو هذا الشخص فهي لأول مرة تراه بالقرية, و تصرفاته تذكرها بالقصة التي روتها لها أختها التي تتذكر بعض المشاهد منها و كان ذلك منذ سنين طويلة, و هذه القصة عن صديقة أختها و قريبتهم من بعيد التي توفيت من الحزن على حبيبها الذي لم تعرف أخباره أو أي شيء عنه من بعد حادثة طريق الجبال.
كانت الفتاة آمال في 8 من عمرها في ذلك الوقت عندما حدثت هذه القصة المألمة, فقد كانت سعاد (الله يرحمها) في ريعان شبابها 16 سنة, وكان لها صديقة من أهلها في مثل سنها وهي منال أخت آمال. كانت سعاد كل صباح تذهب مع صديقتها منال للبحيرة لغسل الملابس و للترفيه عن نفسيهما بالعب أو بحكي الأسرار و أشياء كثيرة كانتا تفعلانها هناك مثل باقي البنات اللاتي في مثل سنهن.
فذات يوم كانت سعاد و صديقتها تلعبان لعبة الاختباء من بعد إنتهائهما من غسل الملابس, فأرادت سعاد أن تختبأ في مكان لا تستطيع صديقتها العثور عليها، فقامت بالاختباء عند شجرة التفاح, فذهبت صديقتها للبحث عنها كما في شروط اللعبة فبحثت عنها بين الشجيرات و في أرجاء المكان و لكنها لم تجدها و لم يخطر في بالها شجرة التفاح لأن لأول مرة تختبيء سعاد هناك, لقد بحثت منال عنها لمدة طويلة, فكانت سعاد جالسة عند تلك الشجرة وهي تراقب الطيور و تنظر إلى السماء و تراقب الشمس و هي تشع من بين الجبال و أشعتها تنعكس في الوادي, و صديقتها منال تناديها و لكنها لا تسمعها لأنها أغمضت عينيها و غفت على تغريد العصافير و خرير الماء العذب, فظنت منال بأن صديقتها سعاد ذهبت إلى البيت؛ فحملت منال الأغراض و رحلت من الوادي و هي غاضبة عليها لأنها جعلتها تحمل الأشياء لوحدها و تسير في الطريق أيضا لوحدها...
أفاقت سعاد من غفوتها مذهولة كيف غفت بهذه السهولة؟ ذهبت تركض بإتجاه البحيرة ولكنها لم تشاهد صديقتها, فخافت كثيراً لأن الشمس على وشك المغيب, و كان اللون الأصفر الشاحب قد أخذ يغزو السماء و انتشرت أصابع برتقالية من الأفق الغربي مبدلة لون الظلال التي سكبتها الشمس الغاربة, فهي لا تستطيع عبور طريق الجبال لوحدها بعد غياب الشمس لأن المكان يصبح مخيفاً, فركضت بأسرع ما عندها لتسرق الوقت قبل غروب الشمس و لكن لسؤ حضها لقد سلكت الطريق الخطأ فلم تعرف إلى أين تتجه,أو ماذا تفعل!! و لكن يا ترى ماذا سيخبيء لها طريق الجبال !!!؟.
تعليق